واجه الإمام الباقر (عليه السلام) كثيراً من التحديات السياسية والفكرية المنحرفة التي طغت في تلك الفترة، فتصدى لها على عدة محاور. المحور الأول: من خلال الوعظ والإرشاد وتوجيه الناس كونه يمثل الامتداد الطبيعي للنبي وهو الإمام الشرعي المنصوص عليه من الله، أما المحور الثاني: فهو بتأسيسه مدرسة علمية ضمّت أصحابه المخلصين الذين أصبحوا بفضل تعليمه إيّاهم وتربيته لهم من كبار علماء الإسلام في شتى مجالات العلم فكان لهم دوراً كبيراً في بث القيم والمفاهيم الإسلامية الصحيحة في المجتمع وهداية الناس إلى طريق الحق وتعريفهم بالخط المنحرف لبني أمية.
أما المحور الثالث فتمثل في المناظرات التي تصدى فيها لمختلف التيارات السياسية والفكرية والدينية ففضح مزاعم الحكام الأمويين في شرعية خلافتهم وأفحم زعماء المذاهب المنحرفة ودحض أباطيل الأديان الأخرى ووقف كالجبل الأشم أمام الرياح الهوجاء التي حاولت النيل من الإسلام.
يقول الشيخ المفيد (قُدس سره الشريف): (روى أبو جعفر (عليه السلام) أخبار المبتدأ، وأخبار الأنبياء، وكُتب عنه المغازي، وأثروا هنه السنن، واعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتبوا عنه تفسير القرآن، وروت عنه الخاصة والعامة الأخبار، وناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء وحفظ عنه الناس كثيراً من الكلام)
وقال المستشرق الإنكليزي دونلدسن: (كان الإمام الباقر يبحث في مواضيع كثيرة كماهية الروح، وصفات العلماء وصفات الله) ثم يقول بعد أن يذكر مناظرته (عليه السلام) مع هشام بن عبد الملك: (ولم تؤثر مظاهر السلطة والفخفخة عند الخليفة على الإمام فأجاب على مسائله بدون خوف أو تردد)
وهذه نماذج من مناظراته (عليه السلام):
مع هشام بن عبد الملك
كانت بداية التعرض للإمام من قبل هشام في موسم الحج لما وقف الإمام الصادق (عليه السلام) في عهد إمامة أبيه وخطب في الناس وكان من ضمن ما قاله:
(الحمد لله الذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله في خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من تبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا...)
والتف الناس حول الإمام يتبركون به وهم مستبشرون بحضوره بينهم، لكن هذه الكلمات كان لها وقع الصاعقة على رأس أحدهم وهو مسلمة بن عبد الملك أخ الخليفة فأخبر أخاه بما حصل وأشعل لهيب الحقد والحسد في قلبه على الإمام الباقر وابنه الصادق (عليهما السلام) فلم يكد الإمام الباقر يصل إلى بيته في المدينة حتى جاءه أمر الوالي بالسفر مع ابنه الصادق كرهاً إلى الشام للقاء الخليفة
وكان هشام قد أعد خطة دنيئة للتقليل من قدر الإمام والاستهانة به فلما وصل الإمام الباقر وابنه إلى دمشق أوصى بأن لا يدخلا عليه لمدة ثلاثة أيام، لكن الإمام رد على هذا التجاهل ففي اليوم الرابع عندما أذن هشام للإمام بالدخول دخل الإمام وسلم على الحاضرين ولم يسلم على هشام بالخلافة وسط ذهول الحاضرين ووجوم هشام واستيائه.
ولما جلس الإمام قال له هشام: ألسنا بني عبد منافٍ، نسبنا ونسبكم واحد ؟
فقال له الإمام: نحن كذلك، ولكنّ الله اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه، بما لم يخصّ به أحداً غيرنا.
ـــ أليس الله قد بعث محمداً (ص) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّةً، أبيضها وأحمرها وأسودها، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافّةً، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ولله ميراث السموات والأرض. فمن أين ورثتم هذا العلم ؟ وليس بعد محمدٍ نبيّ، ولا أنتم أنبياء.
ـــ من قوله تعالى لنبيّه: لا تحرّك به لسانك لتعجل به. فالّذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا، أمره الله تعالى أن يخصّنا به من دون غيرنا... ولذلك قال علي عليه السلام: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله ألف باب من العلم، يفتح من كلّ باب ألف باب. خصّه به النبي، وعلمه ما لم يخصّ به أحداً من قومه، حتّى صار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا...
ولم يدر هشام بم يجيب بعد أن أفحم بهذا الجواب وسكت على غيظ ثم قال:
ــ سل حاجتك..
فقال الإمام: خلّفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي..
ــ آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا تقم وسر من يومك.
مع كبير النصارى
كانت هذه المناظرة في الشام لما خرج الإمام من عند هشام وهو يستعد للرجوع إلى المدينة وهي مع كبير النصارى ولنستمع إلى الراوي وهو عمرو بن عبد الله الثقفي حيث يقول:
(أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام من المدينة إلى الشام، وكان ينزله معه، فكان يقعد مع الناس في مجالسهم، فبينما هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال:
ما لهؤلاء القوم ؟ ألهم عيد اليوم ؟
قالوا لا يا ابن رسول الله، ولكنهم يأتون عالماً لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم.
فقال (عليه السلام): وله علم ؟ فقالوا: من أعلم الناس، قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى.
فقال : فهلم أن نذهب إليه.
فقالوا : ذلك إليك يا ابن رسول الله.
فقنّع الإمام رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل. وجلس (عليه السلام) وسط النصارى مع أصحابه، فأخرج النصارى بساطاً ثم وضعوا الوسائد، ثم دخلوا فأخرجوه ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى.
ولاحظ النصراني بفطنته وجود شخص أو أشخاص من غير النصارى فتوجه بالكلام للإمام فقال له:
أمِّنا أنت أو من الأمة المرحومة ؟
فقال (عليه السلام): من الأمة المرحومة.
ثم أراد أن يختبر الإمام لينظر هل يستمر بالحديث معه أم لا فقال له:
أفمن علمائهم أنت أو من جهالهم ؟
فقال الإمام: لست من جهالهم.
فقال النصراني: أسألك أو تسألني ؟
فقال الإمام: سلني.
وقبل أن يسأله النصراني توجه إلى قومه ليشهدهم وكأنه كان متأكداً من فوزه في المناظرة فقال لهم:
يا معشر النصارى رجل من أمة محمد يقول : سلني ! إن هذا لعالم بالمسائل. ثم قال للإمام:
ــ يا عبد الله أخبرني عن ساعة ماهي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي ؟
ــ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
ــ فإذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي ؟
ــ من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا.
فقال النصراني: أصبت، فأسألك أو تسألني ؟
فقال الإمام: سلني.
فتوجه النصراني بالكلام ثانية إلى قومه وقال: يا معاشر النصارى إن هذا لمليء بالمسائل. ثم قال للإمام:
ــ أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا ؟
ــ هو هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط.
ولما وجد النصراني نفسه أمام رجل لا تقف مسألة في وجهه ولم يجد في حياته بسعة علمه ولم يتوقع منه أن يكون بهذا المستوى العالي من العلم قال له:
ــ أصبت، ألم تقل: ما أنا من علمائهم ؟
فقال له الإمام: إنما قلت لك: ما أنا من جهالهم.
وكان النصراني إلى هذه اللحظة واثقاً من نفسه بالتغلب على الإمام ولكنه بدأ يفقد ما لديه من علم وأعصاب وكأنه اصطدم بصخرة فخرج عن حدود الأدب والأخلاق في الكلام ومما يجب أن تتصف به المناظرات العلمية رغم أن الإمام كان في منتهى الأدب معه فقال لقومه ؟
ــ يا معشر النصارى والله لأسألنه مسائل يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل ! وكان يراهن على سؤال أخير وهو يخشى أن يجيبه الإمام فحاول أن يستفزه ولكن رغم ذلك فقد ذهل بالإمام يجيبه بكل هدوء: اسأل.
فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بابنين جميعا، حملتمها في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد، فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من هما ؟
فقال الإمام: هما عُزير وعزره، كان حمل امهما ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، فعاش عزره وعزير ثلاثين سنة، ثم أمات الله عزيراً مائة سنة وبقي عزره حيا، ثم بعث الله عزيراً فعاش مع عزره عشرين سنة.
صعق النصراني وهو ينظر إلى هذا الرجل الذي لم يجد أحدا بعلمه وحلمه ولم يطق صبرا على وجودهما في مكان واحد وتمنى لو أن الأرض تنشق فتبتلعه فصاح:
ــ يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل، لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام، ردوني، فردوه إلى كهفه) وكان سبب غضب النصراني من قومه أنه ظن أنهم كادوا له بإحضار الإمام (عليه السلام) عليه لاختباره وفضيحته.
وقد انقلب سوء فعل هشام في استدعاء الإمام من المدينة إلى الشام عليه فقد اشتهرت هذه المناظرة بين الناس وصار الناس يتحدثون بعلم الإمام
وانتشرت قصّة الإمام مع العالم المسيحيّ في دمشق، وعرف الناس قدر الإمام الباقر عليه السلام، وإحاطته بشتّى العلوم والمعارف.
ووصل خبر هذه المناظرة إلى هشام فازداد غضباً على الإمام فأرسل رجلين يسبقان قافلة الإمام ليشيعا في المدن التي في طريقه (عليه السلام) أن الإمام الباقر محمد بن علي قد دخل دير النصارى واتبع ملتهم وترك دين الإسلام !!
ولينظر القارئ إلى مدى السفالة والدناءة التي جبل عليها هشام وهو ينعت ابن رسول الله وخير أهل الأرض بالكفر، ففعل الرجلان ما أمرهما هشام وحرضا الناس على الإمام ونشرا الأكاذيب فيه ودعيا إلى مقاطعته وعدم استضافته والبيع له وإغلاق الأبواب بوجهه !
ولكن الله رد كيد هشام إلى نحره مرة أخرى فلما وصلت قافلة الإمام إلى مدينة على الطريق كان قد دخلها الرجلان اللذان أرسلهما هشام وكان الإمام ومعه ابنه الصادق وأصحابه في منتهى التعب والعطش فنزلوا قريباً من سور المدينة حتى وجدوا أن المدينة قد أغلقت أبوابها بوجوههم !!
إن هذا معناه موت جميع أفراد القافلة لأنها قد استنفدت كل ما لديها من طعام وماء ولا تستطيع مواصلة طريقها فماذا فعل الإمام الباقر (عليه السلام) ؟
لجأ الإمام إلى لغة النصح والارشاد فصعد على صخرة بحيث يسمعه أهل المدينة وطلب منهم أن يفتحوا الأبواب للتزود من الطعام والماء لهم ولدوابهم ولما لم تجد معهم هذه اللغة ورفع صوته وقال:
بسم الله الرحمن الرحيم. وإلى مدين أخاهم شعيباً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إنّي أراكم بخير، وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط. ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقيّة الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما أنا عليكم بحفيظ.
ثم قال: يا أهل المدينة الظالم أهلها، أنا بقيّة الله..
فلما سمعه أهل المدينة قال شيخ من شيوخها كبير السن مخاطباً أهلها: يا قوم، هذه والله دعوة شعيب، فاخشوا ربكم وافتحوا الأبواب أمام هذا الرجل الربّانيّ، فإن لم تفعلوا نزل بكم العذاب. يا قوم، إنّي أخاف عليكم، وإنّي لكم ناصح فاستمعوا..
فخاف الناس على أنفسهم من هذا التحذير وأن ينزل عليهم البلاء من الله ففتحوا أبواب المدينة واعتذروا من الإمام الباقر.
تصديه للروايات اليهودية
وكان مما واجهه الإمام الباقر (عليه السلام) هو ما ألصق بالتراث الإسلامي من روايات مشبوهة ومدسوسة وخاصة الروايات اليهودية التي دسها من أسلم في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) لهذه الغاية وغيرها ووجد له موطأ قدم ومساحة لنشر الروايات المغرضة للطعن بالدين الإسلامي بمباركة السلطة فكان عليه تنقية الدين من هذه الموضوعات ومن ذلك ما رواه زرارة بن أعين قوله:
(كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر (عليه السلام)، وهو محتبٍ مستقبل القبلة، فقال: أما إن النظر إليها عبادة. فجاءه رجل من بجيلة، يقال له عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر: إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لـبيت المقدس في كل غداة.
فقال له أبو جعفر: فما تقول فيما قال كعب ؟
قال: صدق القول ما قال كعب.
فقال له أبو جعفر: كذبت، وكذب كعب الأحبار معك، وغضب ...
ثم قال: ما خلق الله عزّ وجلّ بقعة في الأرض أحبّ إليه منها)
الحسن البصري
أما مناظراته مع المعتزلة فقد ناظر أرباب هذا المذهب وكبار علمائه وأفحمهم بعلمه وحججه القوية ومنها مناظرته مع الحسن البصري الذي جاء إلى الإمام في المدينة وجرت بيهما هذه المحاورة:
ــ جئت لأسألك عن أشياء من كتاب الله ؟
ــ ألست فقيه البصرة ؟
ــ قد يقال ذلك.
ــ هل بالبصرة أحد تأخذ عنه ؟
ــ لا.
ــ فجميع أهل البصرة يأخذون عنك ؟
ــ نعم.
ــ لقد تقلدت عظيماً من الأمر، بلغني عنك أمر فما أدري أكذلك أنت أم يُكذب عليك ؟
ــ ما هو ؟
ــ زعموا أنك تقول: إن الله خلق العباد ففوّض إليهم أمورهم.
فأطرق الحسن البصري برأسه إلى الأرض وحار في الجواب، فبادره الإمام قائلاً:
ــ أرأيت من قال له الله في كتابه: إنك آمن هل عليه خوف بعد القول منه ؟
ــ لا.
ــ إني أعرض عليك آية، وأنهي إليك خطاباً، ولا أحسبك إلا وقد فسرته على غير وجهه، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت، وأهلكت.
ــ ما هو؟
ــ أرأيت حيث يقول الله: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) بلغني أنك أفتيت الناس فقلت: هي مكة.
ــ بلى.
ــ فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف أهل مكة، وهل تذهب أموالكم ؟
ــ بلى.
ــ فمتى يكونون آمنين ؟ بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن. فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل، فمن أقر بفضلنا حيث بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها، قرى ظاهرة، والقرى الظاهرة: الرسل، والنقلة عنا إلى شيعتنا، وفقهاء شيعتنا إلى شيعتنا.
وقوله تعالى: ﴿وقدرنا فيها السير﴾ فالسير مثل للعلم، سير به ليالي وأياما، مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم، في الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، آمنين فيها إذا أخذوا منه، آمنين من الشك والضلال، والنقلة من الحرام إلى الحلال، لأنهم أخذوا العلم ممن وجب لهم أخذهم إياه عنهم، بالمعرفة، لأنهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا، ذرية مصطفاة بعضها من بعض، فلم ينته الاصطفاء إليكم، بل إلينا انتهى، ونحن تلك الذرية المصطفاة، لا أنت ولا أشباهك يا حسن، فلو قلت لك - حين ادعيت ما ليس لك، وليس إليك: يا جاهل أهل البصرة ! لم أقل فيك إلا ما علمته منك، وظهر لي عنك، وإياك أن تقول بالتفويض فإن الله عز وجل لم يفوّض الأمر إلى خلقه، وهناً منه وضعفاً، ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً.
مع عمرو بن عبيد
كان هذا الرجل هو كبير المعتزلة وزعيمها وقد جاء إلى الإمام ليختبره ولكنه فشل في ما سعى إليه ولنستمع إلى مناظرته مع الإمام:
عمرو بن عبيد: جعلت فداك ما معنى قوله تعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما)
الإمام (عليه السلام): كانت السماء رتقاً لا تنزل القطر، وكانت الأرض فتقاً لا تخرج النبات.
وصعق عمرو من جواب الإمام ولم يستطع الكلام فخرج من المجلس ثم عاد إليه، وقال للإمام:
ــ جعلت فداك، أخبرني عن قوله تعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) ما معنى غضب الله ؟
ــ غضب الله عقابه، ومن قال: إن الله يغيره شيء فقد كفر.
عمرو بن قيس الماصر
وكان هذا الرجل زعيم المرجئة وهي فرقة من الخوارج قالوا بأن كل من آمن بالله لا يمكن الحكم عليه بالكفر، مهما كانت الذنوب التي اقترفها. فقال للإمام (عليه السلام):
(إنا لا نخرج أهل دعوتنا، وأهل ملتنا من الإيمان في المعاصي والذنوب) فقال له الإمام مبطلا دعواه:
(يا بن قيس: أما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد قال: (لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن)
مع هشام مرة أخرى
روي عن عبد الرحمن بن عبد الزُّهري قال: حجّ هشام بن عبد الملك، فدخل المسجد الحرام متكياً على يد سالم مولاه، ومحمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام جالس في المسجد فقال له سالم: يا أمير المؤمنين ! هذا محمد بن علي بن الحسين.
فقال له هشام: المفتون به أهل العراق ؟
قال: نعم.
قال: إذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: يحشر الناس على مثل قرصة البر النقي، فيها أنهار متفجّرة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب.
قال: فرأى هشام أنّه قد ظفر به ، فقال: الله أكبر إذهب إليه فقل له: ما أشغلهم عن الاَكل والشرب يومئذٍ ؟ !
فقال له أبو جعفر عليه السلام: فهم في النار أشغل، ولم يشغلوا عن أن قالوا: ( أفِيضُوا عَلَينا مِنَ الماءِ أو مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ )
محمد بن المنكدر
كان هذا الرجل متصوفا يميل إلى العزلة وقد دخل المدينة فرأى الإمام وهو في بستان له وكان يتصبب عرقا وهو لا يعرفه فقال في نفسه:
سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ! أما لاعظنه
فسلم على الإمام وقال له: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لوجاءك أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع ؟
فقال الإمام: لوجاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عزوجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف أن لو جآءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله
فقال ابن المنكدر: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني
فكان ابن المنكدر يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين عليهما السلام يدع خلفاً أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليهما السلام
محمد طاهر الصفار
اترك تعليق