العقل في المفهوم القرآني

العقل في أكمل أوجهه وأتم صوره هو الدين والإيمان بالله تعالى والعمل بأوامره وتجنّب ما نهى عنه ..

هذا ما يؤكده القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة كما تؤكده الأحاديث الشريفة وروايات المعصومين (عليهم السلام), فبه تتبلور الأحكام والمفاهيم وحوله تتمحور الغايات, وهو أشرف ما خلق الله، وبه (عُبِد الرحمن واكتسب الجنان) كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) (1)، فالعقل مقرون بالإيمان بالله، والعمل الصالح، والخير، والسلوك السليم، والصفات الحميدة، وبدون هذه الصفات لا يمكن للإنسان أن يسمى عاقلاً بالمعنى الحقيقي حتى وإن كان عاقلاً في أمور الدنيا من التجارة وغيرها، أما إذا استخدم العقل في مآرب منحرفة وغايات منحطة وسخّره للشهوات والموبقات فهو: (النكراء والشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بعقل) كما يعبر عنه الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سُئلَ عن الذي كان عليه معاوية. (2)

ويتضح من هذه الرواية إن اشتراط العقل بمفهومه الصحيح هو احتواؤه على الدين، فهما قرينان في طريق العلم والمعرفة والتفكر والوسيلة لرضا الخالق (عز وجل)، وهو ما يبيّنه الإمام الصادق بقوله: (من كان عاقلاً كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة). (3) أما إذا احتوى على الشر والإثرة والطمع والاستغلال فإنه يخرج من إطار العقل: (فيعمل عمل القلب ويتجه بغير اتجاهه).

فغاية العقل هو الإيمان المطلق بالله تعالى كما يقول الإمام الرضا (عليه السلام): (بالعقول يعتقد التصديق بالله) (4) وهو ملازم للدين لا يفترقان ولا يمكن أن يكون عند الإنسان أحدهما دون أن يكون عنده الآخر كما يقول النبي (صلى الله عليه وآله): (لا دين لمن لا عقل له). (5)

فالعقل في الأساس هو فهم الدين وأحكامه ومعرفة الخالق، وبه أكمل الله الحجج للناس وما يترتب عليها من الطاعة له والإيمان به، ولا نجد من عرَّف العقل حق تعريفه وبيَّن وظائفه، وأوضح ماهيَّته، أفضل من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أرباب العقول، وأولوا الأبصار، وعِدْل القرآن الذين لهم الفضل على الجميع في الأخذ منهم، وليس لأحد من الناس عليهم حق الأخذ منه ولا يشاركهم في علمهم وعقلهم أحد من علماء الأمة وحكمائها.

ويدلنا حديث الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم على أن العقل هو السبيل لمعرفة الله، وهو حديث طويل نقتبس منه قوله (عليه السلام): يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ  أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (6)

يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلهم على ربوبيته بالأدلة، فقال: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النّاس وَمَآ أَنزَلَ اللّه مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كلّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (7)

يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبِّراً، فقال: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (8)

وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (9)

وقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (10)

وقال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (11)

وقال: وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)

وقال: وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (13)

وقال: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (14)

وقال: هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (15)

بيَّن الإمام (عليه السلام) في ذكره لهذه الآيات الغاية من ذكرها في القرآن وهو الدعوة للتعقل والتفكر، وعلة ذلك هو أن العقل بحد ذاته هو حجة على الناس، فهو (جل وعلا) يدعوهم إلى التفكر في أمر الخلق وآيات الكون من اختلاف الليل والنهار والمطر والجبال والبحار وغيرها من الآيات التي تدل كل واحدة منها إلى الخالق القدير.

ونرى القرآن الكريم يجدد الدعوة إلى التفكر والتعقّل كثيراً بعد أن يذكر نِعَم الله، فالقرآن لا يخشى البحث العلمي والعقلي الذي يتقصّى الظواهر الكونية واستخراج قوانين الحياة والكون لأنها بالتأكيد ستدل على وجود خالق لها، ويتحدّى من يقول أن الصدفة أوجدتها فلا يمكن للصدفة أن تخضع لأي قانون علمي أو عقلي لأنها حدث عشوائي ونرى في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الباحث في أي حقل من حقول العلم والمعرفة سيستدل به على الله كما في قوله: (تعلموا العلم ولو لغير الله فإنه سيصير لله). (16)

ثم يتجه الإمام الكاظم (عليه السلام) في وصيته لهشام إلى جانب آخر هو الموعظة لأهل العقل فيقول:

يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (17)

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (18)

وقال: إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (19)

يا هشام: إن العقل مع العلم فقال: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (20)

يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (21)

وقال: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (22)  

وقال: وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (23)

وقال: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً (24)

وقال: لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (25)

وقال: وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (26)

ثم يبين الإمام الكاظم (عليه السلام) أن أصحاب العقول الذين يتفكرون في خلق الله وتخشع قلوبهم لهذه الآيات ويشكرون الله على ما أنعم هم قلة، وأكثرهم بها جاحدون فيقول:

يا هشام ثم ذمّ الله الكثرة فقال: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (27)

وقال: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (28)

وقال: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (29)

يا هشام ثم مدح القلة فقال: وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (30)

وقال: وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ (31)

وقال: وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ (32)

وقال: وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (33)

وقال: وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)

وقال: وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (35)

ثم قال (عليه السلام) لهشام من جملة وصاياه: يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. (36)

ونستشف من كلام الإمام الكاظم (عليه السلام) ووصاياه لهشام أن الإسلام بُنيَ على العقل ودعا الناس إليه، وقد يقول قائل إن جميع القوانين والأنظمة كذلك بُنيت على العقل ؟ نعم نحن نسلم بذلك ولكن شتان ما بين العقلين ؟ فعقول الفلاسفة والمفكرين التي أنتجت النظريات والقوانين الوضعية كانت محدودة في إطارها التاريخي ولم تستطع كسر حواجز الزمن وقد نُقض أغلبها في زمنها وأجري عليها التغييرات والحذف والزيادة وهي في مد وجزر ولم تستخلص منها النتائج المرجوة.

أما العقل الذي دعا إليه الإسلام فهو العقل الكامل الذي وضع المقدمات التي تترتب عليها النتائج اليقينية التي لا تحتمل النقض والثلم والتي ترسم للإنسان المسار الصحيح للتكامل وبناء مجتمع قائم على أسس صحيحة. وهذا هو العقل الذي بشر به الله تعالى المؤمنين في كتابه بقوله: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (37)

فالعقل هو الحجة الثانية على الإنسان بعد الأنبياء والرسل ولو لم يبعثهم الله لاكتفى الناس بعقولهم على معرفته كما في قول الإمام الكاظم (عليه السلام): يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة - عليهم السلام -، وأما الباطنة فالعقول.

ويمكن أن نعد العقل سلاحاً ذو حدّين فهو للمؤمن نعم القرين يعينه على الصبر والتحمّل وتخطّي مصاعب الدنيا وبلائها وينهاه عن اليأس والقنوط والضلال والانحراف، وهو على الكافر والفاسق حجة وينقلب عليه وبالاً وقد سخّره للشهوات وتلبية الغرائز وكسب الأموال والثروات عن طريق الحرام ودون ورع، فهؤلاء ليسوا بأصحاب عقول، بل أن هناك خللاً في عقولهم، فما فائدة العقل المنحرف نحو المعاصي والمنكرات ولا يعرف صاحبه من دنياه غير الحصول على ما تشتهيه نفسه وتلبية غرائزه فهو (كالبهيمة المربوطة همها علفها) كما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) (38)

بل إن هذا الخلل يكون بالضد من العقل ويضاهي الجنون كما في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) لما مرّ على جماعة، فقال لهم: على مَ اجتمعتم ؟ قالوا: يا رسول الله هذا مجنون فاجتمعنا عليه، فقال (ص): ليس هذا بمجنون ولكنه المبتلى، ثم قال (ص): ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون، المتبختر في مشيته، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، يتمنى على الله جنته، وهو يعصيه، الذي لا يُؤمَن شرُّه، ولا يرجى خيره، فذلك مجنون وهذا المبتلى) (39)

فـ (صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله) كما قال الإمام الرضا (ع) (40) وقال النبي (ص) (ولا بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته، وما يضمر النبي (ص) في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولو الألباب، الذين قال الله تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).(41)

محمد طاهر الصفار

.......................................................

الهوامش

1 ــ الكافي للشيخ الكليني ج ١ ص ١١

2 ــ نفس المصدر والصفحة

3 ــ بحار الأنوار للمجلسي ج 1 ص 91

4 ــ الاحتجاج للطبرسي: ج ٢ ص ٣٦٤

5 ــ تحف العقول لابن شعبة الحراني ص ٥٤ ، روضة الواعظين للنيسابوري ص ٩

6 ــ الزمر آية 17 ــ 18

7 ــ  البقرة 163 ــ 164

8 ــ النحل 12

9 ــ غافر 67

10 ــ البقرة 164

11 ــ الحديد 17

12 ــ الرعد 4

13 ــ الروم 24

14 ــ الأنعام 151

15 ــ الروم 28

16 ــ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٢٦٧

17 ــ الأنعام 32

18 ــ الصافات 136 ــ 137 ــ 138

19 ــ العنكبوت 34 ــ 35

20 ــ العنكبوت 43

21 ــ البقرة 170

22 ــ البقرة 171

23 ــ يونس 142

24 ــ الفرقان 44

25 ــ الحشر 14

26 ــ البقرة 44

27 ــ الأنعام 116

28 ــ لقمان 25

29 ــ العنكبوت 63

30 ــ سبأ 13

31 ــ ص 24

32 ــ غافر 28

33 ــ هود 40

34 ــ يونس 55

35 ــ المائدة 103

36 ــ وردت هذه الوصية في عدة مصادر منها: الكافي ج ١ ص ١٦ وما بعدها وبحار الأنوار ج ٧٥ - ص ٣٠٠ وما بعدها.

37 ــ الزمر 18

38 ــ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 72

39 ــ الخصال للصدوق ص ٣٣٢ ، ميزان الحكمة لمحمد الريشهري ج ٣ ص ٢٦٥٥

40 ــ مسند الإمام الرضا (ع) ج ١ ص ٣

41 ــ الكافي ج 1 ص 12 ، ميزان الحكمة ج 3 ص 2034

المرفقات

: محمد طاهر الصفار