عادة ما يدخل في مجال التصاميم الفنية الزخرفية تأثير العقيدة الدينية، ويزداد تأثيرها من خلال الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الإسلامي.. والذي كان ومازال ذو تأثير ايجابي لازدهار الفنون وابتداع كثير من انواعها واشكالها الابداعية الاخرى وعلى كافة المجالات، لتشكل هذه التصاميم الرائعة احد المفاصل الاساسية لظاهرة الإحياء الإسلامي، التي ساهمت في إبراز جوانب متعددة لمختلف النشاطات والميادين العلمية والثقافية والفنية حتى أصبح التراث العربي الإسلامي خزينا كبيرا لمختلف الفنون والعلوم الاجتماعية والثقافية الاخرى.
وتعتمد الزخارف الاسلامية بشكل عام والهندسية منها بشكل خاص على بناء الشبكة الأساسية في ضوء الفضاء المتاح والمهيأ لتنفيذ التكوين الفني، وذلك وفق تنوعات الإخراج الفني للعمل كالتكرار والانسجام والتوازن في رسم الوحدات أو المفردات أو توزيع مراكز منتجة للمفردات الزخرفية.. سواء في مركز التصميم الزخرفي أو على جانبيه، ومن ثم اختيار العناصر الأساسية وتوظيفها في ذلك الفضاء، ليتلوها الإخراج النهائي الذي ينطوي على مفاهيم فنية تستند الى الاختيار القصدي من قبل المصمم خلال التوصيلات الهندسية بغية الحصول على التأسيس النهائي للتصميم، فلو حاولنا الولوج الى هذا العالم الفني المهيب لوجدنا ان أي محاولة من قبل الفنان او المصمم الزخرفي لبناء هيئة ما لأي شكل هندسي، فهي تعني بمفهومها العام والخاص.. دخول عنصر الشكل على عنصر الفضاء، وكل يحمل صفاته الخاصة وقواه البنائية التي تتعارض مع صفات او قوى أخرى، فالفضاء والشكل الهندسي عنصران أساسيان في تصميم الزخرفة الهندسية المعمارية والفضاء الأساسي يتميز بقوى توحد وتعادل.. وان دخول الشكل عليه يفقده هذا التميز وذلك بتأثير قوى هذا الشكل الدخيل، وقد يرتقي احد هذين العنصرين على الأخر ويكون هذا الارتقاء بمثابة محصلة لتفاعل قواهما المؤثرة، إذ أن علاقات الارتباط بينهما ما هي ال علاقة إزاحة استبدالية - تحل الواحدة مكان الاخرى - تفسر قواها من خلال العلاقة المكانية في المجالات الفضائية.. بين الحدود المحيطة بالفضاء الأساس الخاص بالعمل الفني والحدود المحيطة بالشكل المتمثلة بالحيز الذي يشغله في العمل، وذلك تبعا لتنظيم العناصر العلائقية لهيئة الشكل، من خلال موضعه واتجاهه والحيز الذي يشغله.. اضافة الى جاذبيته الخاصة، وهذه العناصر هي التي تتحكم بمواضع العلاقات المكانية بين فضاءات الشكل الزخرفي الهندسي وفضاءات الأساس الحاضنة أو المحتوية له كأرضية، إذ إن أي شكل من الأشكال الهندسية الزخرفية الداخلة على الفضاء الأساس يكون ذو قوة بنائية وفي ذات الوقت يكون منشأ لمجالات فضائية مشحونة بقوى اخرى، تتفاوت مقاديرها بتأثيرات علاقة موضعها من مركز ثقل الفضاء الأساسي .
ولكن.. هناك بعض العناصر العلائقية المشتركة في التكوينات الفنية الزخرفية تدرك بذاتها عادة، مثل موضع الشكل والاتجاه اللذان يشعر بهما المشاهد المتأمل للعمل الزخرفي كما الحال في الحيز والجاذبية المتمثلة بالوزن، فالاتجاه لا يمكن رويته مجردا، فهو بطبيعة الحال يكون مرتبط بعنصر ما او واصف له، اذ ان اتجاه أي شكل هندسي زخرفي يعتمد على كيفية ربطه بمجال الرؤية والفضاء الأساسي الذي يضمه والمتمثل بالأرضية.. او يعتمد على علاقته بالأشكال الهندسية الأخرى القريبة منه او المجاورة له او المتداخلة به والمرتبطة به بعلاقات شكلية، اما عنصر الموضع للشكل فهو محكوم بعلاقته بالفضاء الأساس او ببنيته الفنية المتداخلة مع عنصري الحيز والجاذبية، اذ ان لكل شكل حيزاً يشغله في الفضاء الأساسي الحامل للعناصر الزخرفية، فيأخذ هذا الحيز وجهين محددين.. فأما ان يكون موجبا مشغولا او يكون سالبا خاليا من التفاصيل، وقد يكون في مورد آخر مسطحاً او مجسماً، اما عنصر الجاذبية المتمثل بثقل او وزن الشكل المشغول على السطح او فضاء اللوحة، فيعزى وجوده الى الرسوخ تارة او عدم ثبات الشكل المنفرد او مجموعات الأشكال تارة اخرى، فعنصر الموضع والجاذبية متلازمان في تصميم الاشكال الزخرفية الهندسية، فمن الثوابت في هذا المجال ان لكل شكل زخرفي هندسي في المجال البصري مركز جذب خاص به، وهو مؤلف عادة من نظام واسع من مجالات القوى المتداخلة والتي تعد - كل منها - مركز جذب له مجاله الخاص يجذب جميع العناصر التصميمية الاخرى اليه.. يوحدها المصمم الزخرفي بمهارته وخبرته كمحصلة نهائية ضمن فضاء واحد ذي مساحة محددة جاذبة ومؤثرة في المتلقي بعيدا عن ثقافته ومعتقده .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق