ادعوا الله وانتم موقنون.. من درر الاقلام الستة

مثلت اعمال الخطاط التركي)  حمد الله الاماسي ( رحمه الله مرحلة مهمة من مراحل الانتقال الاساسية من المدرسة البغدادية لفن الخط العربي - التي مثلها في أواخر مراحلها الخطاط ياقوت المستعصمي - إلى تأسيس ملامح جديدة في هذا الفن الاسلامي الاصيل، فقد  مثلت هذه المرحلة الطلائع الاولى للمدرسة العثمانية لفنون الخط العربي.. فقد ابدع الاماسي في تجويد انواع الخطوط العربية وعُد من مبدعي عصره في توظيف مصطلح ( الاقلام الستة )* لتجويد الخط.. والمتمثلة بخطوط  الثلث والنسخ والمحقق والريحاني و التواقيع، اضافة الى الرقاع او الرقع الخطية.. حيث كان من مؤسسيها ومبدعيها  وسار على نهجه من جاء بعده من الخطاطين .. فالرقع الخطية التي جاء بها حمد الله الاماسي تميزت بأسلوبها المبتكر في زمانه وأظهرت بعدا قرائيا  وتزيينيا وتجويديا في نفس الوقت .

الرقعة الخطية الظاهرة في الاعلى هي احد ابداعات الاماسي، وهي مجهولة التأريخ باستثناء منسوبيتها لأسلوبه الفني الخاص، وقد اعتمد في كتابتها على توليفة من خطي الثلث والنسخ، وقد ميز كلا الخطين عن بعظهما بحجم الخط وموقعة في المخطوطة كما هو واضح للعيان، فقد ارتأى استخدام  خط  الثلث في اعلى وسط الرقعة الخطية ( ادعوا الله وانـتم موقـنون )، وشغل باقي الرقعة بمجموعة من الاحاديث النبوية المنقولة عن الرواة بخط النسخ .. وعمد الى اشراكها بتكوينات زخرفية مذهبة ومختلفة الاشكال والوحدات، وذهب بفنه وابداعه الى  تجزئة المخطوطة بخطوط من المداد الاسود واشرطة من التذهيب والزخارف الطولية والافقية، مما ادى بالتكوين الفني الى ان يكون مصدر جذب وتأمل لأي مشاهد بعيداً عن مدى خبرته واطلاعه على انواع الخطوط، فاللوحة تحمل بين طياتها مجموعة من الابعاد والمواصفات تلامس احاسيس المشاهد  وتبرز مدى براعة الراحل حمد الله الاماسي في هذا المجال .. وهي تتمثل باختصار بمجموعة من الابعاد الجمالية والابعاد الوظيفية وهي مبينة كالاتي:

1.  الوضع ألاتجاهي لخط النسخ:

     يلاحظ في هذه الرقعة ان الخطاط اعتمد مبدأ التنويع في الوضع ألاتجاهي لخط النسخ ما بين المستوي والمائل 45 درجة مما أضفى على البناء الإيقاعي  للمخطوطة حركة من نوع خاص شملت عموم الرقعة الخطية .

2.  التناسب في مساحات النصوص المكتوبة :

حيث اعتمد الاماسي مبدأ التناسب ما بين قياس النص والمساحة المخصصة له على افرقعة.. وعلى الرغم من قلة مساحة خط الثلث قياسا إلى سعة مساحات خط النسخ إلا ان الهيمنة قد تحققت لها وذلك بفعل كبر قياس قلم الثلث وامتداد احرفه وسيادته على التكوين .

3.  التناسب في قياس اقلام الخط :

     يبدو من قياس قلم النسخ  في المخطوطة انه اصغر قليلا من النسبة المقررة له  وهي ثلث قياس قلم الثلث ، ولكن على الرغم من ذلك فان كثافة النص المخطوط بالنسخ قد عادل الميزان البصري بين قياسي قلمي الثلث والنسخ .

4. ضبط قواعد الخطوط :

وهنا يبدو ان الفنان قد اختط لنفسه أسلوبا انتقائيا مستخلصا من اسلوب من سبقه وبالخصوص الخطاط البغدادي ياقوت المستعصمي ، اذ اختار أفضل ما لديه من اسلوب خطي وهذب الحروف وجملها وفق رؤيته ومهارته، لذا فان المستوى الفني لهذه الرقعة الخطية قد وضح مديات التجويد التي توصل إليها حمد الله الاماسي والتي تمثل مستوى الخط في عصره ومدى رقيه.

5.  توازن عناصر المخطوطة :

في هذا المجال يلاحظ المشاهد ان الاماسي قد جهد في  تنظيم المخطوطة على أساس التوازن المحوري بين اشكال وعناصر اللوحة الخطية.. خاصة في التخطيط الهيكلي الأساس ، ولذلك ظهرت عناصر اللوحة وهي تمتاز بالاتزان والتكافؤ فيما بينها امام المشاهد .

6.  المعالجات اللونية للرقعة:

اقتصر الخطاط حمد الله في هذه اللوحة على لون المداد والتذهيب وبعض الألوان الأخرى البسيطة وبشكل قد لا يكون منظوراً، وقد يعود ذلك الى عنصر قدم اللوحة  كان له الأثر في خفوت الألوان او قد يكون اتباع نوع من الحيادية اللونية عند الفنان ليطبع بها اسلوبه الفني، ولكن مع ذلك فان ثمة تناغم وتجانس لوني ظاهر للعيان طبع مظهر الرقعة الخطية واظهره جمالها الاستثنائي.

7.  تنظيم المساحات الخطية داخل حدود الرقعة :

اما عن تنظيم المساحات الخطية، فقد عول الخطاط  في هذا التكوين الفني على التقسيم المتعدد والمتنوع للمساحات الخطية، حيث جعلت مساحة خط الثلث أفقية بينما جعلت مساحات خط النسخ عمودية، كما ان تنظيم المساحات المخصصة للزخارف التباتية والهندسية المذهبة - على الرغم من بدائيتها - أضفى انسجاما متكافئا للتخطيط الأساس للرقعة الخطية، فيبدو ان الزخارف قد أسهمت  بشكل او بآخر بخلق الانسجام العام للعلاقات الجمالية في مفاصل الرقعة الخطية، في حين اقتضت مقاطع النصوص من جانبها على وضع عدد من الفواصل التي هي عبارة عن أشكال أزهار مذهبة أسهمت في خلق التناغم البصري بين مكونات الرقعة الخطية.

 وهناك ملاحظة بائنة للمشاهد قد ضمتها ثنايا المخطوطة، وهي ان الخطاط لم يراعي مبدأ وحدة المعنى للنصوص المكتوبة في الرقعة، بل ان هذه النصوص  تلتف جميعها حول محور الرجوع الى الله الخالق جل وعلا والعودة اليه بعيداً عن ملذات الحياة الدنيا، من خلال العناية بالدعاء والقران الكريم والالتزام بالشريعة الاسلامية، أي انه التفت الى محاكاة روحية وجوهر الانسان المسلم بالاتجاه نحو محور العقيدة الاسلامية بعيداً عن تحديد نص معين مترابط .

*الاقلام الستة او الخطوط الستة هي  مجموعة من الخطوط العربية  عددها ستة خطوط ، متعارف عنها ويعدها اغلب الدارسين في مجال الخط..  بأنها تمثل جذور وأصول بقية الخطوط العربية الاخرى، وهي خطوط المحقق والريحان والثلث والنسخ والرقاع والتوقيع وقيل في مصادر اخرى انها الكوفي والثلث والنسخ والفارسي والديواني والرقعة.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات