أنور خليل: (1338 ــ 1407 هـ / 1919 ــ 1986 م)
قال من قصيدة (ذكرى الطفِّ) في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (48) بيتاً:
ضجَّتِ الأرضُ وحيَّتكَ السماءُ يا شهيداً قـد طوته (كربلاءُ)
يا شهيداً هــلَّــلَ الــخـلـدُ لــــه وتـبـاهــتْ بـعـلاهُ الــشهــداءُ
لمْ تزلْ منكَ على طولِ المدى صورةٌ ليـسَ لمعناها انـتـهاءُ (1)
الشاعر
أنور خليل ولد في مدينة ميسان (العمارة) وتخرج من مدارسها الابتدائية والمتوسطة ثم أكمل دراسته في دار المعلمين في بغداد عام 1937 ليعودَ إلى مدينته ويعيَّن معلماً فيها ثم أميناً للمكتبة العامة في العمارة، وقد اتجه لكتابة الشعر وكان مكثراً فيه حتى لقبه أهالي ميسان بـ (شاعر العمارة)، ونشر قصائده في الصحف والمجلات العراقية والمصرية واللبنانية منها: الرسالة، والثقافة، وحاز على عضوية اتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين. توفي في بغداد.
أصدر ثلاثة دواوين هي:
1 ــ من أصداء المعترك عام (1952)
2 ــ صدى الربيع العظيم وقصائد اخرى سنة (1962)
3 ــ الصوت الآخر سنة 1982
وقد اختيرت بعض قصائده للمناهج التدريسية (2)
قال عنه الشاعر الأردني عيسى الناعوري (1918 ــ 1985): (شاعر قوي الموهبة الشعرية، ونفسه تتحسس آلام مجتمعه أصدق التحسس). (3)
وكتب عنه الأستاذ علي كاظم خليفة العقابي مقالا تحت عنوان "مبدعون عراقيون من ميسان ــ الشاعر أنور خليل" قال فيه: (كان أنور خليل شاعراً موهوباً متمكناً من مادته، مسيطراً على أدواته، مقتنعاً بمنزلته، ومن عجب أن يكون مغموراً منكوراً، وإنما عجبي يبطله سبب واقعي، هو انتماؤه الى عالمه، وانزواؤه في ركنه، ناهيك بزهده في حب الظهور والاعلان عن وجوده كما يفعل غيره لعلّةٍ أو لغيرها.
سامرائي هو أصلاً، وفصلاً بالعمارة كان ميلاده ونشأته ثم امتهانه (التربية والتعليم) ثلاثة عقود بعد تخرجه في (دار العلوم) بالأعظمية، وتطلعه الى دنيا كلها شعر وسمر، حتى أسبغ عليه أقرانه لقب (شاعر العمارة) كذلك سمّاه ناقد (شاعر الربيع) لتضمينه قصائده مفردات الربيع ومشتقاته إيماءً وايحاءً..
جرفه هوس الشعر، فقرأ كل ما يجد إليه سبيلاً، وقدر له هضماً وتمثلاً، وبلغ ما ابتغى به منتهى، ساح في دنيا أبي الطيب وأبى العلاء وأبي نواس وغيرهم متفحصاً مستوعباً، كما أنه أوغل في شعر المهاجر، منتشياً متشوقاً، وأعجب اعجاباً بشعر شوقي، إذ أنه حفظ اكثر قصائده. وخاصة الغزل منها ومسرحياته ولاسيما (مجنون ليلى) و(كليوباترا).. ما ملأ نفسه ثقة (وكبرياء) الا لقاؤه بالشعراء العظماء الزهاوي والرصافي وعلي الجارم والأخطل الصغير وسواهم على تطاول الأعوام.
من هنا قال أنور خليل "ولكني لم أتأثر بأحدهم بل خططت لنفسي أسلوباً خاصاً" وهل ثمة شاعر أو كاتب أو فنان لم يحاك من سبقه ويترسم خطاه في بداية إنطلاقه ولو على قدر؟! أما إذا كان شعر أنور خليل ــ كما يريد ــ اتخذ طابعاً يميزّه عن سواه فهذه دعوى عريضة غير مستساغة وغير قادرة على الثبات.
لو ألقينا نظرة عميقة على معظم أشعار أنور خليل لسهل علينا التوقف عند ملامح تأثره ــ ولا نقول تقليده ــ ببعض الشعراء، ترى أين هو الطابع المميّز في قصيدته (الربيع والفيحاء) - أنظر ديوانه (الربيع العظيم). على أن تحفظاً او تعقيباً كهذا لا يقلل من شاعرية أنور خليل وهو متقن في صنعته ومتفنن في تجربته، وكثيراً ما صحح ونقّح لهذا وذاك ممن يقرزمون ويقرضون، مرشداً لهم ومشيراً الى ما ينبغي إتباعه والتقيّد به حرصاً على المبدأ والمثال، وما داموا يواصلون الركب والنشر..
ثم إنّ التأثر ومن قبله التقليد ظاهرتان في العملية الشعرية قديماً وحديثاً ولكنهما على أية حال مرحلتان، تجاوزهما على الزمن من مطالب التميّز والاصالة..) (4)
شعره
يقول في قصيدته (ذكرى الطف):
ضجَّتِ الأرضُ وحيَّتكَ الســــــــماءُ يا شهيـــــــداً قـد طوته (كربلاءُ)
يا شهيداً هــلَّــلَ الــخـــــــــــلـدُ لـــه وتـبـــــــاهــتْ بـعـلاهُ الــشهــداءُ
لمْ تزلْ منكَ عـــــــــلى طولِ المدى صـــــــورةٌ ليسَ لمعناها انـتـهاءُ
بأبي أنـت لقــد أضـرمـــــــــــــــتها ثــــــــورةً للحقَّ يُـذكـيهـا الإبــاءُ
بأبي فـتـيـانُكَ الـــــــــــــصيـدُ الألى آثـروا الموتَ كـما شئتَ وشاؤوا
كالنجومِ الـــــــــزهرِ إن غُـمَّ الهدى والـليـوثِ الـــــغلبِ إن حُمَّ اللقاءُ
فـــــــــــــــئةٌ عزلاءُ إلاّ مـن تـقــىً مــلـؤهـا حـــقٌّ وصدقٌ ومـضـاءُ
قــــــــــــــــلَّةٌ لـكنَّما قد هـــــــزأتْ بـجـيـوشٍ ضــاقَ عـنـهنّ الفضاءُ
وظِماءٌ يـتبــــــــــــــــــارونَ عــلى مــوردِ الموتِ عسى مـنه ارتواءُ
فـــــــــــــــــئةٌ مؤمنةٌ قـد نازلــــتْ جـحـفـلاً يحدوهُ ظــلـمٌ واعــتـداءُ
طفْ بأرضِ الطفَّ واستوحِ الثرى فعليه مــــــــــــن دمِ القتلى ضياءُ
واذكرنْ موقـــــــــــــــــعةً فاصلةً هـــيَ بــينَ الــعدلِ والـظـلمِ بــلاءُ
واذكرنْ شبلَ عليٍّ عنـــــــــــــدما خانه الـقـومُ وجـــــاروا وأســاؤوا
وأبا الفضلِ وما أفضــــــــــــــــله فارســاً يـــزهــو بـكـفّـيـهِ الـلــواءُ
ولقـد عَزَّ علــــــــــــــــــيه إن رنا لـلحسيـــــنِ الـسبطِ يـؤذيهِ الظماءُ
قصدَ المـــــــــاءَ لكي يــسعــــــفُه فـــــــإذا الــمـاءُ رمـــاحٌ وظــبـاءُ
ماتَ بـينَ الـطعنِ والضـربِ فـتىً هوَ للإيــــــــــــــثارِ والبأسِ سماءُ
والحسينُ الليثُ يعـــــــــدو هاجماً لا يبالي فكـــــــأنّ الــقــومَ شــــاءُ
فتحـــــــــــــــــدّاهــمْ ببأسٍ ونضا صـارمــاً فــيــه مــــن اللهِ ســنــاءُ
واذكرنْ أنصــــــــــــارَه إذ قدَّموا دونه أنــــــفـسَـهـمْ نِــعــمَ الــوفــاءُ
إن ذكراكَ وما أعـــظــــــــــــمُها كــلُّـهــا نـبــــلٌ وفــخــرٌ ووفـــــاءُ
سـجَّلَ التأريخُ عن روعـــــــــتِها صـفــــــحةً حـمراءَ يرويها البــقاءُ
تقـرأ الأجيـــــــالُ فيها مـــوقـــفاً عـلَّمَ الأنـــــــذالَ كــيــفَ الــنـبـلاءُ
ســيدي قـدَّمــــــــتَ درسـاً عـالياً لبني الدنيا فـــــــمـا فــيـه امــتـراءُ
سـيـدي علّمتَ أحـــــرارَ الـورى أنَّ عــيش الذلَّ والــــــموتَ سـواءُ
أنـتَ قوَّضتَ علــى أصـــــحابها دولةً للظـلـمِ فــانــهـارَ الــــــــبـنـاءُ
هـانتِ الدنيا على ابـنِ المرتضى بئسَ دنياً ســـــــادَ فيها الأدنيــــــاءُ
أيُّهـا الباكونَ سبط الـمــــصطفى ويحكــــــمْ ليسَ له يُـــرجـى البُـكاءُ
هــو أسمى مفخراً أن يـغـــــتدي بطلاً يبكــــــي عــلـيـــهِ الـضـعـفاءُ
قد فــدى الدينَ بـــــــزاكي دمـهِ عـظـم الـمفـــــــديُّ شـأنــاً والــفـداءُ
يـــــا لــجــرحٍ خــالــدٍ لــم يلتئمْ كمْ له فــــــــــــــاضتْ دموعٌ ودماءُ
أيَّ قـــــــــلبٍ مؤمنٍ في حـبِّكـمْ لـــــم يــحـرَّقـه الأســى والــبُـرَحـاءُ
أيَّ عـين لـــــــمْ تذلْ أدمــعَــهـا فـعــــــسى بـالـدمـعِ لـلحـزنِ انطـفاءُ
ويطوّى الدهرُ يُــــــطوى أهـله وخطوبُ الـــــــناسِ يطويـها الـفـناءُ
غيرَ خطبٍ أبـــــــديٍّ مــفـــردٍ ما لـه ثــانٍ ولا مــــــــــــنـه عـــزاءُ
كــلّــمــا أقــبلَ عـــــامٌ أقــبـلتْ ذكريـاتُ الـطـــــــــفِّ فاربدَّ الصفاءُ
لكــمُ يــا آل بـيتِ الـمـصطــفى مـــــــــــــــأتمٌ فـي كـلِّ قـلبٍ ورثـاءُ
عـــــبراتُ القومِ لمَّا انفجـرتْ عـــــــــبّرتْ عن حزنِـهمْ لا الـشعراءُ
بأبي أنتـــــــــمْ هـدانــا اللهُ في نـورِكـــــــمْ يا منْ بـكـمْ زالَ الـخـفاءُ
كم لكمْ من تــضـحـياتٍ جـمَّـةٍ وبـطـــــــــــــولاتٍ لها يعنو الـقضاءُ
بالنفوسِ الغرِّ جدتمْ في الوغى وسواكـــــــــــــــمْ بحطـــــــامٍ بُخلاءُ
يا ضحايا المثلِ الأعـلى الذي هـوَ لولاكمْ خــيـــــــــــــالٌ وهــــراءُ
بعتمُ الــدنــــيـا وأقــبلـتمْ عـلى جــــــــــنَّةِ الخُـلدِ وفيـهـا الأصـفـيـاءُ
ليتَ كلَّ النــــاسِ في ذكـراكمُ قبسوا بعــــــــضَ سناكمْ واستضاؤوا
أيُّها القومُ اذكــــروا أبطـالَـكمْ إنَّما الذكــرى عــــــــــــظــاتٌ وولاءُ
فاجعلوا سيرتهــم نـبـراسـكـمْ واتبعوا النـهجَ الذي فـــــــــــيه التجاءُ
ليسَ يجدينا عـويـــلٌ صاخبٌ ومناحاتٌ ولـــــطـــمٌ وبــكـــــــــــــاءُ
إنما ينفعُــــــــــنا يـا سـادتـي اِهـتـــــــــــــداءٌ بـهُـداهــمْ واقـــتـــداءُ
وقال في قصيدة (رسول السلام) وهي في مولد سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه وآله):
رســولُ السلامِ حبيــبُ الأنامْ
ولـدتَ فاشرقَ داجــي الظلامْ
ســـــلامٌ على يومِـــكَ الزاهرِ
ســــــلامٌ على نـــورِكَ الباهرِ
عــــلى عيدِ مـيــلادِكَ العاطرِ
لقد كانَ فجـرَ الهــدى والوئامْ
إليكَ نبـــــــــث شـكاةَ القلوبْ
فقدْ سلبَ الظلمُ حـقّ الشعوبْ
وألقى بها في جحيمِ الحروبْ
ضحايا المطـــــامعِ والانتقامْ
إليكَ فزعـــــــــــنا أبا القاسمِ
فقدْ عبثَ الظلمُ بـــالظــالــــمِ
فكمْ ضجَّ شعبُـك مــــن ظالمِ
وأمستْ ديارُك نهـــبَ اللئامْ
نسينا تعاليمكَ الســــاميـــــة
وعُدنا لأصنامِنا الخـــــاوية
فهيئ لنا نهضــــــــــةً ثانية
لتبعثَ فينا حيـــــــاةَ الكرامْ
............................................................
1 ــ كتاب (يوم الحسين) وهو مجموعة القصائد والخطب التي اُلقيت بمناسبة ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) للسنوات ١٣٦٧ ــ ١٣٧٠ هـ / ١٩٤7 ــ ١٩٥٠ م) من تأليف الأستاذ عبد الرزاق العائش وقد نشرت قصيدة أنور خليل فيه ص 24 ــ 26
2 ــ معجم الشعراء لكامل سلمان الجبوري ج 1 ص 320
3 ــ نفس المصدر
4 ــ موقع النور بتاريخ 12 / 1 / 2013
5 ــ موقع بوابة الشعراء بتاريخ 23 / 2 / 2015
ترجم له:
يوسف عز الدين / الشعراء العراقيون في القرن العشرين ج 1 ص 271 ــ 276
إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 1 ص 205
يونس إبراهيم السامرائي / تاريخ شعراء سامراء من تأسيسها حتى اليوم ص 81 ــ 82
مير بصري / أعلام العراق الحديث ج 1 ص 149
حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 3 ص 28
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 1 ص 154
اترك تعليق