52 ــ أحمد شوقي (1285 ــ 1351 هـ / 1868 ــ 1932 م)

أحمد شوقي (1285 ــ 1351 هـ / 1868 ــ 1932 م)

قال من ملحمته (دول العرب وعظماء الإسلام) التي تبلغ (1528) بيتاً:

وكثرَ القتلى وراحَ الأســـرى      على فواتِ الوفَيِات حسرى

سِيقوا إلى يـــــــــزيدَ أو زيِادِ      لكــــــن مِن القرابةِ الأسيِادِ

فلم يذق كالـــــــحسيِّنين البَلا     ولا الـحسينيونَ يومَ (كربلا)

منُوا بقاسي القلبِ ليسَ يرحمُ      وليسَ تــــــثنيه عليهمْ رحمُ (1)

ومنها:

هذا الحسينُ دمُه بـ (كربلا)     روّى الثرى لما جرى على ظما

واستشهدَ الأقمـارُ أهلُ بيـتِه     يهوونَ في التربِ فــــرادى وثُنا

ابنُ زيــــــــــادٍ ويزيدٌ بغـيا     واللهُ والأيامُ حــــــــربُ مَن بغى

لولا يزيد بــادئاً ما شرِبـتْ     مروانُ بالكــــــأسِ التي بها سقى (2)

وقال أيضاً من قصيدة (الهلال الأحمر) يصف فيها الاهتمام والرعاية التي أبدوها للناس، وفي هذه الأبيات يستذكر عطش الحسين (عليه السلام) في كربلاء:

لو خيَّما فـــي (كربلا)     لم يُـمنع (السِّبْطُ) السقاية

أو أدركا يومَ المسيــحِ     لعـاونـاهُ علـــى النكــايـة

ولناولاهُ الشهـدَ، لا الـ     ـخَلَّ الذي تصِفُ الرواية (3)

وقال من قصيدة له تبلغ (64) بيتاً:

يُزجونَ نعشكَ في السناءِ وفي السنا     فكأنّما فــــــــي نعشِكَ القمرانِ

وكأنّه نعشُ الحسيـــــــنِ بـ (كربلا)     يختـــــالُ بين بكىً وبين حنانِ

في ذِمَّةِ اللهِ الكـــــــــــــــــريمِ وبِرِّهِ     ما ضمَّ من عرفٍ ومن إحسانِ (4)

وهذه الأبيات هي من ضمن قصيدة يرثي بها الزعيم المصري مصطفى كامل باشا (1291 هـ / 1874 م - 1326 هـ / 1908 م)، وهو سياسي وكاتب مصري، ومؤسس الحزب الوطني، وكان من الثائرين ضد الاستعمار الإنكليزي، ومن أشد المعارضين لسياسته والمندِّدين به وبجرائمه، والشاعر في أبياته يرمز إلى فداحة المصاب الذي ألم بمصر بفقدانه، فهو يشبه مصر بكربلاء التي هي جذوة الثوار والثائرين ومنبع التحدي ضد الظلم والطغيان.

يقول السيد جواد شبر عند ذكره الأبيات: (ويطيب له أن يربط الحوادث بيوم الحسين الذي لا يغيب عن خاطره) (5)

ومن المفارقات أن كامل مات في شهر محرم فاستثمر الشاعر المصري أحمد محمد الأبياري (توفي 1353هـ / 1934 م) هذه المصادفة وشبه مصر بـ (كربلاء) أيضاً في رثاء كامل فقال:

شـهرُ المحرَّمِ فيه المسلـــمونَ رُمُوا     بحــــادثٍ منه وجهُ الكونِ مُغبرُّ

فيه قد استشهدَ اثنـــــــــانٍ فواحدهم     في (كربلاءَ) وثانٍ فيكِ يا مِصرُ

يا مصرُ قد ماتَ من كنتِ اتقيتِ به     شرَّ الــعدى فنأى عن حيِّكِ الشرُّ (6)

لتبقى كربلاء عنوان الحزن الأزلي ومحرم هو الشفق السرمدي الدامي والحسين (عليه السلام) هو المثل الأعلى والقدوة لكل ثائر ضد الظلم والاستعمار. وقد قدمنا موضوعاً عن هذا الشاعر وشعره في هذه الموسوعة

الشاعر

أحمد بن علي بن أحمد شوقي المعروف بـ (أحمد شوقي) شاعر مصري، ولد في القاهرة من أسرة ذات أصول متعددة فجده لأبيه من الأكراد، وجدته لأبيه جركسية المنبت، أما جده لأمه فهو أحمد حليم النجدلي وهو تركي الأصل وجدته لأمه يونانية وهي معتوقة لإبراهيم باشا وكانت قد أسرت في حرب المورة

نشأ شوقي نشأة مترفة في رعاية جدته اليونانية وكان جده لأبيه قد تسنم مناصب عديدة في ولاية محمد علي باشا كان آخرها أمانة الجمارك المصرية، أما جده لأمه فقد كان وكيلاً لخاصة الخديوي إسماعيل (7)

درس شوقي بالمدارس الحكومية ودخل مدرسة الحقوق لدراسة القانون عام 1885 وكان خلال دراسته الأكاديمية يدرس الأدب العربي على يد الشيخ محمد البسيوني وهو من شيوخ الأزهر، وأتقن ثلاث لغات الفرنسية والتركية إضافة إلى العربية، تابع دراسته بعد تخرجه من كلية الحقوق في فرنسا على نفقة الخديوي توفيق ملك مصر.(8)

تابع شوقي دراسة الحقوق في فرنسا واطلع على الأدب الفرنسي وفي عام 1891 عاد إلى مصر فعيّن رئيساً للقلم الافرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي . وندب سنة 1896 م . لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجنيف ولما نشبت الحرب العالمية الاولى، ونُحي عباس حلمي عن (خديوية) مصر أوعز إليه باختيار مقام غير مصر، فسافر إلى إسبانيا سنة 1915 م . وعاد بعد الحرب فجعل من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن توفي (9)

أما مؤلفاته فأهمها الشوقيات وهو ديوانه ويقع في جزأين ضمّ شتى أغراض الشعر، وله في النثر بعض الأعمال الروائية والمسرحيات الشعرية وقد تأثر كثيراً بالمتنبي ويظهر ذلك جلياً في شعره.

ومن آثاره

عذراء الهند: رواية ــ 1897

لادياس: رواية ــ 1899

دل وتيمان: رواية ــ 1899

ورقة الآس: رواية ــ 1914

أميرة الأندلس: مسرحية نثرية ــ 1932

أسواق الذهب ــ خواطر وحكم في الحياة والموت

مجنون ليلى ــ مسرحية

قمبيز ــ مسرحية

الست هدى

علي بك الكبير

البخيلة (10)

اتخذ شوقي الحسين المثل الأعلى لكل ثائر، فهو المُعبِّد لطريق (الحرية الحمراء) يقول شوقي:

في مهرجانِ الحقِّ أو يومِ الدمِ     مهجُ من الشهـــــــــــداءِ لم تتكلمِ

يبدو على هاتـــور نورُ دمائِها     كدمِ (الحسينِ) على هلالِ مُحرَّمِ

يومُ الجهادِ بها كــصدرِ نهارِه     متمايلُ الأعطـــافِ مُبــــتسمُ الفمِ

طلعتْ تحجُّ البيـــتَ فيه كأنَّها     زهرُ الملائكِ في سماءِ المـــوسمِ (11)

ويقول في مسرحيته (مجنون ليلى) التي تتحدث عن زمن الدولة الأموية:

حنانيكَ قـــيــــــسُ إلى مَ الذهول     أفقْ ساعةً من غواشي الخبَلْ

صهيـــلُ البغالِ وصوتُ الحــداءِ     ورنَّة ركـــــــبٍ وراءَ الجبلْ

وحـــادٍ يسوقُ ركابَ (الحسيــن)     يهزّ الجبالَ إذا مــــــا ارتجلْ

فقمْ قيسُ واضرعْ مع الضارعين     وأنـزلْ بجنبِ الحسيـنِ الأملْ (12)

ومن هذه المسرحية أيضاً:

فتىً ذِكرُهُ على مشــــــــرقِ الـشمسِ والمغربِ

رضيعُ (الحُسينِ) وتِرْبُ (الحسينِ) من المكتبِ

رضيعُ الحسينِ فديتُ الرضيعيـــنِ والمرضعَه

وأنتَ إذا ما ذكرنــا (الحسـينَ)      تصاممتَ لا جـاهلاً موضعهْ

ولكنْ أخافُ امــرَأً أن يــــرى     عــــــــــلـيَّ التشيُّع أو يَسمَعَه

أحبُّ الحسيــــــنَ ولكنـــــــــما     لســـــــــاني عليه وقلبي معَه

حَبَـــسْتُ لســـاني عن مــدحِـه     حـــــــــذارَ أميـــةَ أن تقطعَه

إذا الفتنة اضطرمتْ في البـلاد     ورُمـــــــتَ النجاةَ فكنْ إمَّعَهْ (13)

ومنها أيضاً:

ما الذي نفّرَ عني الضبيَّاتِ العامرية

ألأنّي أنا شيــــــــــــعيٌّ وليلى أموية

اختلاف الرأي لا يـفسدُ للــودِّ قضيّة (14)

ومنها:

يا نجدُ خُذْ بـــالزمـــامْ ورحِّبِ

سرْ في رِكاب الغـــمامْ ليثربِ

هذا (الحُسَيْنُ) الإمامْ ابنُ النبي

النورُ في البيـدِ زادْ حتى غَمَرْ

أُحْدُ الحيا في الوهادْ أُحْدُ القمر

أُحْدُ جمَالَ البَواد زينَ الحضرْ

ابنَ النبي (15)

ومنها:

قد بيَّن الحــادي فقـل أصـــمُّ أنتَ أم غبي؟

هذا منــارُ العربِ هذا (الحُسينُ) ابنُ النبي

هذا الزكيُّ ابنُ الزَّكِيِّ الطيِّــبُ ابنُ الطيبِ

عارَضَنا (الحسيـــــــنُ) في طريقِه ليثربِ

هذا سنا جبيــــــــــــنه مِلء الوهادِ والرُّبي

قد جلَّ حاديه جـــــــــلالَ القارئِ المطَرِّب (16)

ويقول أيضا في هذه المسرحية: (كان الحسين بن علي كعبة القلوب والأبصار في جزيرة العرب بعد أن قتل أبوه علي ومات أخوه الحسن، وكذلك ظلّ الحسين قائماً في نفوس الناس هناك صورة مقدسة لبداوة الإسلام تستمد أنضر ألوانها من صلته القريبة بجده رسول الله وبنوّته لرجل كان أشدّ الناس زهداً واستصغاراً لدنياه، وكذلك ظهرت بلاد العرب وقلبها يخفق بإسم الحسين). (17)

وقال من قصيدة أخرى وهو يشبه الدهر الخؤون الذي غدر بالإمام الحسين (عليه السلام):

وَمَن صابَرَ الدَهـرَ صَبري لَهُ     شَكا في الثَــــلاثينَ شَكوى لَبيد

ظَمِئتُ وَمِثلي بَــــــــرِيٍّ أَحَقُّ     كَـأَنّـــي حُـــسَينٌ وَدَهري يَزيد

تَغابَيتُ حَتّى صَحِبتُ الجَهولَ      وَدارَيتُ حَتّى صَـبِحتُ الحَسود (18)

وقال من ملحمته (دول العرب وعظماء الإسلام) في يوم الجمل:

حسنوا للشام ثأراً والحجــــــازْ    فتعالى الناسُ فيما يطــلبــونْ

مكرُ سواسٍ على الدهماءِ جازْ    ورعاةٌ بالرعــــــايا يلعـــبونْ

جعلوا الحقَّ لبغيٍّ ســــــــــلّما    فهو كالستـــــرِ لهم والتـــرسِ

وقديماً باسمِـــــــــــه قد ظـلما    كلُّ ذي مئذنةٍ أو جـــــــــرسِ

جُزيتْ مروانُ عن آبـــــــائِها    ما أراقوا من دمـــاءٍ ودمــوعْ

ومن النفسِ ومــــــن أهوائِـها    ما يؤدِّيه عن الأصلِ الفـروعْ

خلتِ الأعوادُ من أسمــــــائِها    وتغطّتْ بالمـصاليبِ الـجذوعْ

ظلـمتْ حتى أصابتْ أظلــــما    حاصدَ السيفِ وبيءَ المحبسِ (19)

ومنها في نكث القوم بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإثارتهم الفتنة والمسير لحربه:

يا جبلاً تأبى الجبالُ ما حَمَلْ     ماذا رَمتْ عليكَ ربَّةُ الجَملْ

أثأْرُ عثمانَ الذي شجَــــــاها     أَمْ غُصَّـــةٌ لم يُنتَزَعْ شَجاها

قَضيَّةٌ من دمِهِ تَبْنيـــــــــــها     هبَّتْ لها واسْــــتَنْفَرتْ بَنِيها

ذلكَ فَتْقٌ لمْ يَكنْ بالْبـــــــــال     كَيْدُ النِّساءِ مُوهِــــنُ الجِبالِ (20)

وكيف يرضى النبي بقتال أمير المؤمنين وقد قال: يا علي حربك حربي؟

صاحِبةُ الهادي وصـــاحباهُ     فكيفَ يَمْضـــــــونَ لِما يأْباهُ (21)

لقد صدعت هذه الفتنة صف المسلمين وفرقتهم وجعلتهم يقاتلون بعضهم البعض والتف أصحاب الفتنة حول الجمل:

جاءَتْ إلى العِراقِ بالبنــــينا     قاضِينَ حقَّ الأُمِّ مُحْسنينا

فانْصَدَعتْ طـائِفَتَينِ البَصْرهْ     فَريقُ خَذْلٍ وفريقُ نُصْرهْ

أَوْ ذادَةُ البَيْــــــــــعةِ والذِّمامِ     وقادةُ الفِتْنــــــــةِ والزِّمامِ

وانْتَهَكَ الحـــــيُّ دِماءَ الحيِّ     منْ أجْلِ مَيْتٍ غَابرٍ وحَيِّ (22)

وجاء أمير المؤمنين لرأب هذا الصدع ووأد الفتنة وإصلاح الناس ولكن القوم قد حكموا السيوف والأسنة:

وجــــاءَ في الأُسْدِ أبو تَرابِ     على مُتونِ الضُّمَّـــــرِ العِرابِ

يَرجُــو لصَدْع المؤمِنينَ رأْبا     وأُمُّهُمُ تَدفَــــــــــــــــعُهُ وتَأْبى

وعــجِــزَ الرَّأْيُ وأَعْيا الحِلْمُ     وخُطِبــــــتْ بالمُرْهَفـاتِ السِّلْمُ

مـــنْ كلِّ يومٍ سَـــافِكِ الدِّماءِ      تَــــــعوذُ منْهُ الأرضُ بالسَّماءِ

تجُرُّ ذاتُ الطُّهْرِ فيه عسْكَرا     وتَذْمُرُ الخيلَ وتُغري العَسْكرا

ظلَّ الخِــــطامُ منْ يَدٍ إلى يدِ     كالتَاجِ للأصْيَدِ بعد الأصْـــــيَدِ

مُسْتَلَماً تُـوهي الغُيوثُ دونَهُ     وَبِالدِّمــــــــــــــاءِ أنْهُراً يَفْدونَهُ

حتّى أرادَ اللهُ إمْســــاكَ الدَّمِ     في كَرَمٍ لِسَيْفِــــــــــــــهِ المُقَدَّمِ

وظَفَرَتْ أَلْوِيةُ الإِمــــــــــامِ     وأَلْقَتِ البَصْــــــــــــرَةُ بالزِّمامِ

فرُدَّتِ الأُمُّ إلى مَــــقــــرِّها     مُبالَغاً فـــــــي نَقْلِـــــــها وبِرِّها (23)

وفي صفين التي انتهت بمكيدة رفع المصاحف يتأسّف شوقي أن أصحاب الإمام لم يصبروا (سويعة) وهم على وشك إنهاء أمر معاوية ولجأوا إلى التحكيم رغم تحذيره (ع) لهم وإخبارهم بالمكيدة:

يَا يومَ صِـــــفِّينَ بمن قَضَاكــا     هلْ أَنْصَفَ الجَمْعانِ إذْ خَاضَاكا؟

فيكَ انْـــــتهى بِالفِتْنةِ التَّراقــي     واصْطَدمَ الشّــــــــــــآمُ بِـالعِراقِ

ونَفَـــــدَتْ بقِيَّةٌ مِنْ صَـــحْــبِ     تلقَّتِ الطَّعْــــــــــنَ بصَدْرِ رَحْبِ

بَـــــنو الظُّبَى، أُبُوَّةُ الأَسِـــــنَّهْ     آلُ الكِتـــــــــــــــابِ أَولِياءُ السُّنَّهْ

لــــقدْ وفَى بــــــدْرٌ لهمْ أَهِــلَّهْ     وخُنْتَهُمْ مَشيـــــــــــــــــــخَةً أَجِلّهْ

لوْ في بِناءِ المَجْــــدِ ذلكَ الـدَّمُ     بلْ عَمَدوا لِمـــــــــــا بَنَوْا فهدَّمُوا

فـيا مَجالاً قَـصَــــــرَ الأعِــنّهْ     ومدَّ في اشْتجــــــــــــارِها الأَسنَّهْ

ترجْرَجَـــتْ بالفِئَتَيْـنِ أرضُــهُ     وضَــــاقَ عنْـهُمْ طـولُهُ وعَرضُهُ

وَوَقَـــعَ الأَنْجادُ بـالأنجـــــــادِ     وخرَّ عَمَّـــــــــــــارٌ مِــــنَ النِّجادِ

ما كــان ضرَّ نُصَراءُ البَيْـعَهْ     لوْ صَبَروا عـلى الوَغــــى سُوَيْعهْ

بَيْنا بُنــودُهُمْ هيَ العَـــــوالي     والنَّــــصْرُ حـولَ البِيضِ والعَوَالِي

غـــادرَهُمْ بسحرِهِ مُعــــاويهْ     كأَنَّهم أَعـــــجَـــــــــازُ نَخْلٍ خَاوِيهْ

أَلْقى الْقَنا وشرَّعَ المَــصَاحِفا     يَنْشُدُ باللهِ الــــــخَميــــــسَ الزَّاحِفَا

فلا تسَلْ عنْ فَشَــلِ العَــزائِمِ     ولمْ يزَلْ طليعــــــــــــــــةَ الهَزَائِمِ

انْقَطَعَ النَّظْمُ والانقيــــــــــادُ     وحكَمَتْ في الشُّكُــــــــــــــمِ الجِيادُ

ورأْيُهُ في الأشْعـريِّ أعجَبُ      للهِ فيهِ قَدَرٌ مُحــــــــــــــــــــــجَّبُ

أينَ أَبو موسَى وأَيْنَ عَمْـرُو     لا يَسْتَوي مُـــــــــــــــجرَّبٌ وغَمْرُ

أَمَنْ دَهَى قيْصَرَ والمُقَوْقَـسا     كمــــــــنْ على مُصْــــحَفِه تقوَّسا؟

قامَ فَردَّ الرجُـــــــلَيْنِ ونَزَلْ     وقامَ عمْــــــــــــــــروٌ فأقرَّ وعزَلْ

أبى عليَّاً وارْتضى مُعــاويهْ     ونـــــــقَضَ المِنبَـــــرُ عَقْدَ الزَّاويه (24)

وفي الخوارج الذين بغوا على أمير المؤمنين وقاتلوه حتى قتله لعين منهم غيلة وهو في الصلاة يقول شوقي:

يَا زَيْدَ كلِّ مُســــرَجٍ ومُلجَمِ     كيْفَ عَـلا غُرَّتَكَ ابْنُ مُلْجَمِ؟!

أصـابَ قَرْناً لا تُرامُ شمسُهُ     أعْيا على الأقرانِ دَهْراً لَمسُهُ

يا شُؤْمَ سَيْفٍ قطَعَ الصَّـلاةَ     واغْترَّ ليْثَ الـغــابةِ المِصْلاتا

أَلرَّأْيُ للأُمَّةِ فــــــي الوُلاةِ     وليسَ للغِضــــــــــابِ والغُلاةِ

وقَتْلُكَ الإنســانَ غِيلةً شَنِعْ     الجُبْنُ أنْ تَقْتُلَ مَـــــنْ لا يَمْتَنِعْ

النَّفسُ للهِ ولِلنِّظـــــــــــــامِ     والدَّمُ إحْدَى الحُــــــرَمِ العِظَامِ

فَكَيْفَ بالبَغْيِ عــــلى عَليِّ     الرّاَشدِ المُقَرَّبِ الـــــــــــوَليِّ؟ (25)

ويشبه شوقي أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين (اختلسوا) حقه، بأعداء الأنبياء الكفرة الذين عبدوا العجل وكفروا بموسى (عليه السلام)، وأعداء عيسى الذين طعنوا فيه وفي أمه الطاهرة (عليهما السلام)، وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين كذّبوه وأخرجوه من أرضه:

ما لكَ والنَّـــــاسَ أبا تَـــرابِ!     ليسَ الذِّئابُ لــــكَ بِالأترابِ

هُمْ طَرَّدوا الكَليمَ كلَّ مَـــطْرَدِ     وأتعَبوا عَـــــــــصاهُ بالتَّمرُّدِ

وزُيِّنَ العِجْلُ لَهُمْ لمَّــــا ذَهَبْ     وافْتُتِنوا بالـسَّامِــريِّ والذَّهَبْ

وَبِابْنِ مَرْيمٍ وَشَــــــوْا ونمُّـوا     واحْتَشَدوا لِـصَــــــلْبِهِ وهمّوا

وأخرجوا مُحَمَّداً منْ أَرْضِـهِ     وسرَحتْ أَلْسُـنُهُمْ في عِرْضِهِ

وهبَّ منهُمُ مَنْ لِحَقِّكَ اخْتَلَسْ     وفَجَعُوكَ بالـصَّلاة في الغَلسْ (26)

وهم أنفسهم الذين توارثوا الحقد فقتلوا الحسين في كربلاء:

وأَشرَقوا الحُسَيْــــنَ بالدِّماءِ     ملوَّحاً بيـــــــنَ عُيونِ الماءِ

فَاسمُ سُمُوَّ الزّاهدِ الحَواري     في دَرَجاتِ القُرْبِ والجِوارِ (27)

وإن كانوا قد اغتصبوا ملك أمير المؤمنين وأزالوه عن حقه، فإن ملكهم قد زال، ولكن ملكه في السماء والقلوب لن يزول:

إنْ زال مُلْكُ الأَرْضِ عنْكَ مِنْ مَلِكْ     يا طُولَ مُلْكٍ في السَّماءِ تَمَّ لكْ (28)

ولشوقي أربع قصائد في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) أشهرها الهمزية وتبلغ (130) بيتاً عارض فيها همزية البوصيري:

كَيْفَ تَرْقَى رُقِيَّكَ الأَنْبِيَاءُ     يَا سَمَاءً مَا طَاوَلَتْهَا سمَاءُ

ورغم أن قصيدة البوصيري على وزن الخفيف إلا أن شوقي جعل قصيدته على وزن الكامل يقول شوقي منها:

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكــــائِنــــــــاتُ ضِياءُ     وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَنـــــــــاءُ

الـروحُ وَالــــــــــــــــــــمَـلَأُ الـمَلائِكُ     حَولَهُ لِلـدينِ وَالـدُنــيـا بِهِ بُشَــراءُ

وَالعَرشُ يَــــــزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي     وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصـمـــــــاءُ

وَحَـــديـــــــقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا     بِـالـتُـرجُمــانِ شَـذِيَّةٌ غَنّـــــــــــاءُ

وَالوَحـــــــــيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ    وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديـــــــــــعُ رُواءُ

نُظِمَــــت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ     في اللَوحِ وَاِســــــمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اِســــمُ الـجَـلالَةِ في بَديعِ حُـــــــروفِهِ     أَلِـفٌ هُـنــــــــالِـكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ

يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجــــــــــــودَ تَحِيَّةً     مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا

بَـيـتُ الـنَـبِـيّينَ الَّذي لا يَــــلــــــــتَقي     إِلّا الـحَـنـائِـفُ فـــــــــيهِ وَالحُنَفاءُ

خَيرُ الأُبُوَّةِ حـــــــــــــــازَهُـم لَكَ آدَمٌ     دونَ الأَنـــامِ وَأَحـــــــرَزَت حَوّاءُ

هُـم أَدرَكوا عِـزَّ النُبُوَّةِ وَاِنــــتَــــــهَت     فـيــها إِلَـيـكَ الـعِزَّةُ الــــــقَعــساءُ

خُـلِـقَـت لِبَيتِكَ وَهوَ مَـــــخلــــوقٌ لَها     إِنَّ العَــظائِـمَ كُفؤُها العُظَــــــــماءُ

بِـكَ بَـشَّـرَ اللَهُ السَــــــمـــــــاءَ فَزُيِّنَت     وَتَضَـــــوَّعَـت مِسكاً بِكَ الغَبـراءُ

وَبَـدا مُـحَـيّــــــاكَ الَّــذي قَـــــــسَماتُهُ     حَـقٌّ وَغُــــــرَّتُـهُ هُـــدىً وَحَــيـاءُ

وَعَـلَيهِ مِن نــــــورِ النُبُـــــــوَّةِ رَونَقٌ     وَمِنَ الخَــلـيــــــلِ وَهَــديِهِ سيماءُ

أَثنى المَســــيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمــــــائِهِ     وَتَهَلَّلَـت وَاِهــتَـــــــــزَّتِ العَذراءُ

يَـومٌ يَتــــيهُ عَلى الزَمانِ صَبــــــاحُهُ     وَمَـسـاؤُهُ بِـمُـــــــحَــــــمَّـدٍ وَضّاءُ

الحَــــقُّ عــالي الرُكــــــنِ فيهِ مُظَفَّرٌ     في المُلكِ لا يَـــعلـو عَلَـــــيهِ لِواءُ

ذُعِرَت عُروشُ الظالِمـينَ فَزُلزِلَــــت     وَعَلَت عَـلى تيــجـانِهِم أَصـــــداءُ

وَالنارُ خاوِيَةُ الجَوانِـــــــبِ حَولَــــهُم     خَمَدَت ذَوائِبُها وَغــاضَ الـــــماءُ

وَالآيُ تَـتـرى وَالـخَـوارِقُ جَــــــــمَّةٌ     جِــبـــريـلُ رَوّاحٌ بِــــهـا غَـــــدّاءُ

نِعـمَ الـيَـتيمُ بَدَت مَخايِلُ فَــــــــــضلِهِ     وَاليُتـــمُ رِزقٌ بَـعـــضُـهُ وَذَكــــاءُ

فـي الـمَهدِ يُســــــتَسقى الحَيا بِرَجائِهِ     وَبِـقَـصــدِهِ تُـــــــســـتَــدفَعُ البَأساءُ

بِسِوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم     يَعرِفهُ أَهلُ الصِــــــــــدقِ وَالأُمَناءُ

يـا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَـــــهوى العُلا     مِنها وَما يَـتَعَشَّقُ الكُــــــــــــــبَراءُ

لَـو لَـم تُـقِـم ديناً لَقامَــــــــــت وَحدَها     ديـنـاً تُـضـــــــــيءُ بِـنـورِهِ الآناءُ

زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمــــــــائِلٌ     يُغرى بِهِـنَّ وَيـولَعُ الكُــــــــــرَماءُ

فَإِذا سَخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَــــــدى     وَفَـعَلـــــــــــتَ ما لا تَـفعَلُ الأَنواءُ

وَإِذا عَفَـوتَ فَـقــــــــــــادِراً وَمُـقَدَّراً     لا يَـسـتَهـيـــــــــنُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ

وَإِذا رَحِـمــتَ فَأَنــــــــــتَ أُمٌّ أَو أَبٌ     هَـــــــــذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ

وَإِذا غَضِبــتَ فَإِنَّما هِـــــــيَ غَضبَةٌ     في الحَـــــقِّ لا ضِـغنٌ وَلا بَغضاءُ

وَإِذا رَضيتَ فَذاكَ في مَـــــــرضاتِهِ     وَرِضــــــــــى الكَثيرِ تَـحَلُّمٌ وَرِياءُ

وَإِذا خَـطَـبـتَ فَـلِـــلمَنابِرِ هِــــــــزَّةٌ     تَـعـــــــــرو الـنَـدِيَّ وَلِـلقُلوبِ بُكاءُ

وَإِذا قَضَيـتَ فَـلا اِرتِيابَ كَأَنَّـــــــما     جاءَ الخُصـــــومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ

وَإِذا حَمَيتَ الماءَ لَم يـــــــــورَد وَلَو     أَنَّ الـقَـيــــــــاصِـرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ

وَإِذا أَجَرتَ فَـأَنتَ بَـيـــــــــتُ اللَهِ لَم     يَدخُـــــــــل عَـلَـيهِ المُستَجيرَ عَداءُ

وَإِذا مَـلَكتَ النَفسَ قُمتَ بِبِــــــــرِّها     وَلَوَ اَنَّ ما مَــــــــــلَكَت يَداكَ الشاءُ

وَإِذا بَنَيتَ فَـخَيرُ زَوجٍ عِشـــــــــرَةً     وَإِذا اِبـتَـنَــيـــــــــتَ فَـدونَـكَ الآباءُ

وَإِذا صَحِبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسَّــــماً     فـي بُردِكَ الأَصــــــحابُ وَالخُلَطاءُ

وَإِذا أَخَذتَ العَـهــــــــــدَ أَو أَعطَيتَهُ     فَـجَـمـــــــــــيـعُ عَـهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ

وَإِذا مَـشَيتَ إِلى العِدا فَغَضَـــــــنفَرٌ     وَإِذا جَـــــــــــرَيـتَ فَـإِنَّـكَ الـنَـكباءُ

وَتَـمُـدُّ حِلمَــــكَ لِلسَــــــــفيهِ مُدارِياً     حَتّى يَضيــــــــقَ بِعَرضِكَ السُفَهاءُ

فـي كُـلِّ نَـفسٍ مِن سُطـــــاكَ مَهابَةٌ     وَلِكُلِّ نَفـسٍ في نَــــــــــــداكَ رَجاءُ (29)

أما الثانية فهي نهج البردة وتبلغ (190) بيتاً فيقول منها:

إِن جَـــلَّ ذَنبي عَنِ الـــــــغُفرانِ لي أَمَلٌ     فـي اللَهِ يَجــــــــعَلُني فــي خَيرِ مُعتَصِمِ

أَلقـــي رَجـــائي إِذا عَـــــزَّ المُجيرُ عَلى     مُفَرِّجِ الكَرَبِ فـــي الدارَينِ وَالغَمـــــــمِ

إِذا خَفَـــضتُ جَنــــــــــــــاحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ     عِزَّ الشَـــفاعَةِ لَـــم أَسأَل سِـــــــوى أُمَمِ

وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَـــــــقـــــــــوى بِـــصالِحَةٍ     قَدَّمـــــــــتُ بَيـــنَ يَدَيــــــــهِ عَبرَةَ النَدَمِ

لَزِمتُ بـــــــــابَ أَميرِ الأَنـــبِيــــاءِ وَمَن     يُمسِك بِمِفتــــــــــــــــــاحِ بابِ اللهِ يَغتَنِمِ

فَكُلُّ فَـــضــــلٍ وَإِحســـــــــــانٍ وَعارِفَةٍ     ما بَينَ مُستَـــــــــلِـــــــــــــمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ

عَـــلَّقتُ مِــــن مَدحِـــــــهِ حَبــلاً أُعَزُّ بِهِ     في يَــومِ لا عِــزَّ بِالأَنسابِ وَاللُّحَــــــــمِ

يُزري قَــريضــــــي زُهَيراً حينَ أَمدَحُهُ     وَلا يُقـــاسُ إِلـى جـودي لَدى هَــــــــرِمِ

مُحَمَّــــــــدٌ صَـــفـــوَةُ البــاري وَرَحمَتُهُ     وَبُغيَةُ اللهِ مِـــــــــن خَلقٍ وَمِن نَــــــــسَمِ

وَصاحِبُ الـــحَـــوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ     مَتى الوُرودُ وَجِـبريلُ الأَمــــــــينُ ظَمي

سَناؤُهُ وَسَـــنــــــــــــاهُ الشَمسُ طــــالِعَةً     فَالجِــرمُ في فَلَـكٍ وَالــــــــضَوءُ في عَلَمِ

قَد أَخطَـــأَ النَجمَ مـــا نــــــــالَت أُبُـــوَّتُهُ     مِن سُـــؤدُدٍ بــــــــــــاذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ

نُــــمـــوا إِلَيهِ فَـــزادوا في الوَرى شَرَفاً     وَرُبَّ أَصــــــــــلٍ لِفَـرعٍ في الفَخارِ نُمي

حَـــــــــــواهُ فـــي سُبُحـاتِ الطُهرِ قَبلَهُمُ     نورانِ قامـــا مَقـامَ الصُلبِ وَالــــــــرَحِمِ

لَمّا رَآهُ بَـــــــــــحيـــــــــراً قالَ نَـــعرِفُهُ     بِما حَفِظنا مِـــــــنَ الأَســــــــماءِ وَالسِيَمِ

سائِل حِراءَ وَروحَ الـقُدسِ هَــــــل عَلِما     مَصونَ سِرٍّ عَــــــــــــــنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ

كَم جَيئَةٍ وَذَهــابٍ شُرِّفَــــــــــــــتْ بِهِما     بَطحاءُ مَــــــــكَّةَ في الإِصــــباحِ وَالغَسَمِ

وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ بـــينَـــــــــــــــهُما    أَشهى مِــــــــنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ

يُســــــــامِرُ الوَحـــيَ فيهـــا قَبلَ مَهبِطِهِ     وَمَـــــــــــن يُبَشِّــــرْ بِسيـمى الخَيرِ يَتَّسِمِ

لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَســــــقونَ مِن ظَمَإٍ     فاضَــــــــت يَداهُ مِـــــــــنَ التَسنيمِ بِالسَنَمِ

وَظَلَّلَتهُ فَصــــــــــــــــــارَت تَستَظِلُّ بِهِ     غَمـــــــــــــــــــــــامَةٌ جَـذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ

مَحَبَّةٌ لِرَســــــــــــــــــــــولِ اللَهِ أُشرِبَها     قَعائِدُ الــــــــدَيرِ وَالــــرُهبــــانُ في القِمَمِ

إِنَّ الـــــــشَمــائِــــــلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها     يُـــــــــــغـرى الجَمادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ

وَنودِيَ اِقـــــــــــــرَأ تَعـــالى اللهُ قـائِلُها     لَم تَــــتَّصِــــــل قَبلَ مَــــــــن قيلَت لَهُ بِفَمِ

هُناكَ أَذَّنَ لِــــــلرَحَمَــــنِ فَـاِمـــــــتَلأَتْ     أَسمــــــــــــاعُ مَـــــــــكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَغَمِ

فَلا تَــــــسَل عَن قُرَيشٍ كَيـفَ حَيــرَتُها     وَكَيفَ نُفـــــــــــــــــرَتُها في السَهلِ وَالعَلَمِ

تَــــــساءَلوا عَن عَظيــــــــمٍ قَد أَلَمَّ بِهِمْ     رَمى الــــــــمَشــــــــــــايِخَ وَالوِلدانِ بِاللَمَمِ

يـــا جاهِـــلينَ عَلى الهـــــادي وَدَعوَتِهِ     هَــــــــــــــل تَجهَلونَ مَكـانَ الصادِقِ العَلَمِ

لَقَّبتُـــموهُ أَميـــنَ القَـــــــومِ في صِـــغَرٍ      وَمـــــا الأَميـــــــــنُ عَلى قَــــــــولٍ بِمُتَّهَمِ

فـــاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِيـــــــــــاءَ فَكَمْ     بِالــخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُســــــــنٍ وَمِن عِظَمِ

جاءَ الـــنبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَـــــــتْ     وَجِئــــــــتَنا بِحَكيــــــــــــــــمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ

آياتُـــهُ كُلَّما طـــــالَ المَــــــــــدى جُدُدٌ     يَزينُهُنَّ جَــــــــــــــــلالُ العِتــــــــقِ وَالقِدَمِ

يَكـــادُ في لَفظَـــــــــــــةٍ مِنـــهُ مُشَرَّفَةٍ     يوصيـــــكَ بِالــحَقِّ وَالــــــــتَقوى وَبِالرَحِمِ

يـــا أَفصَحَ الناطِقينَ الضـــــــادَ قاطِبَةً     حَديثُـــــــكَ الشَـــــــــــــهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ

حَلَّيتَ مِن عَطَــــــلٍ جِــــــيدَ البَيانِ بِهِ     فـــــــي كُــــــــلِّ مُنتَثِـــــرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ

بِكُلِّ قَولٍ كَــــــــــــــــــــريمٍ أَنتَ قائِلُهُ     تُحيِــــــــــــــي القُلــــوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ

سَرَت بَشائِرُ بــــــــــــــاِلهادي وَمَولِدِهِ     فـي الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَمِ

تَخَطَّفَتْ مُهَجَ الـــطـــاغينَ مِــن عَرَبٍ    وَطَيَّرَت أَنــــــــــــــــــفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ

ريعَت لَها شَـــرَفُ الإيوانِ فَاِنصَدَعَتْ      مِن صَـــــــــــدمَةِ الحَقِّ لا مِن صَدمَةِ القُدُمِ

أَتَيتَ وَالنــــــــاسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِمْ     إِلا عَلى صَــــــــــــــــــــنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ

وَالأَرضُ مَـــمـــــلوءَةٌ جَوراً مُسَخَّرَةٌ     لِكُلِّ طـــــــــــــــــــــــاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ

مُـــسَيطِرُ الفُرسِ يَــــــبغي في رَعِيَّتِهِ     وَقَيصَـــــــــــــــــرُ الـرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ

يُعَذِّبانِ عِبـــــــــــادَ اللَهِ فـــــــــي شُبَهٍ     وَيَذبَحــــــــــــــــــــــــانِ كَما ضَحَّيتَ بِالغَنَمِ

وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقــواهُمْ بِأَضـــعَفِــــــهِمْ     كَاللَيثِ بِــــــــــــــــــــالبَهْمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ

أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَـــــــــــــلائِكُهُ     وَالرُسلُ في المَسجِـــــــــدِ الأَقصـى عَلى قَدَمِ

لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّــــــوا بِسَيِّـــــــدِهِمْ     كَالشُهــــــــــــــــــبِ بِالبَـدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ

صَلّى وَراءَكَ مِنــــــهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ     وَمَن يَفُز بِحَبيــــــــــــــــــــــــــــبِ اللهِ يَأتَمِمِ

جُبتَ الـــسَماواتِ أَو مـــا فَوقَهُنَّ بِهِمْ     عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّــــــــــــــــــــــــــــــــةِ اللُجُمِ

رَكــــوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَــــــرَفٍ     لا في الجِيــــــــــــــــادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ

مَشيئَــــةُ الخـــالِقِ البـــاري وَصَنعَتُهُ     وَقُدرَةُ اللهِ فَــــــــــــــــــــــــــوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ

حَــــتّى بَلَغتَ سَمــــاءً لا يُــــطارُ لَها     عَلى جَنـــــــــــــــــــــاحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ

وَقيلَ كُلُّ نَبِــــــــــــــــــــيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ     وَيا مُحَمَّدُ هَـــــــــــــــــــــــذا العَرشُ فَـاستَلِمِ

خَطَطتَ لِلديــــنِ وَالدُنيــــــا عُلومَهُما     يا قـارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِــــــــــــــــــسَ القَلَمِ

أَحَطتَ بَـــــينَهُما بِالسِــــــرِّ وَانكَشَفَت     لَكَ الخَـــــــــــــــــــــزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ

وَضـــــاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ     بِلا عِــدادٍ وَما طُوِّقــــــــــــــــــــــتَ مِن نِعَم

سَل عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً     لَولا مُطــــــــــــــــــــــــارَدَةُ المُختـارِ لَم تُسَمَ

هَل أَبصَروا الأَثَـرَ الوَضّاءَ أَم سَمِعوا     هَمسَ التَسابـيحِ وَالقُرآنِ مِــــــــــــــــــــن أُمَمِ

وَهَل تَمَثَّـــــــــــلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُمْ      كَالغابِ وَالـحائِماتُ الزُغْـــــــــــــــبُ كَالرُخَمِ

فَـــــــــأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُمْ     كَبــــــــــــــــــــاطِــــلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ

لَولا يَدُ اللهِ بِالجــــــــــــارَينِ ما سَلِما     وَعَينُهُ حَــــــولَ رُكـــــــــــــــــنِ الدينِ لَم يَـقُمِ

تَوارَيا بِجَنـــــــاحِ اللهِ وَاســــــــــتَتَرا     وَمَن يَضُـــــــــمُّ جَناحُ اللهِ لا يُـــــــــــــــــضَمِ

يا أَحمَدَ الخَيرِ لي جاهٌ بِتَسمِــــــــيَـتي     وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَســـــــــــــــــــولِ سَمي

المادِحونَ وَأَربابُ الهَـــــــــــوى تَـبَعٌ     لِصاحِبِ البُردَةِ الفَيـــــــــــــــــــحاءِ ذي القَدَمِ

مَديحُهُ فيكَ حُبٌّ خــــــــالِصٌ وَهَتوًى     وَصــــــــــــــــــادِقُ الحُـبِّ يُملي صادِقَ الكَلَمِ

اللهُ يَشهَدُ أَنّــــــــــــــــي لا أُعـارِضُهُ     من ذا يُعارِضُ صَـــــــــــوبَ العارِضِ العَرِمِ

وَإِنَّما أَنا بَعضُ الغـــــــــابِطـينَ وَمَنْ     يَغبِــــــــــــــــــط وَلِيَّكَ لا يُـــــــــــذمَم وَلا يُلَمِ

هَذا مَقــامٌ مِنَ الرَحمَنِ مُـــــــــــقتَبَسٌ     تَرمي مَهـــــــــــــــــــــــــــابَتُهُ سَحبانَ بِالبَكَمِ

البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفـي شَــــرَفٍ     وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفــــــــــــــــــــي كَرَمِ

شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها انـخَــــــفَضَتْ     وَالأَنجُـــــــــــــــــــــمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ

وَاللَيـــــــــثُ دونَكَ بَأســـاً عِندَ وَثبَتِهِ     إِذا مَشَيــــــــــــــــــتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي

تَهفو إِلَيكَ وَإِن أَدمَـــــــــــــيتَ حَبَّتَها     في الحَــربِ أَفئِدَةُ الأَبطـــــــــــــــــــالِ وَالبُهَمِ

مَحَبَّةُ اللَهِ أَلقاها وَهَيــــــــــــــــــــبَتُهُ     عَلى اِبــــــــــــــــــــــــنِ آمِنَةٍ في كُلِّ مُصطَدَمِ

كَأَنَّ وَجهَكَ تَحـتَ النَقــــعِ بَدرُ دُجًى     يُضـــــــــــــــــــــــيءُ مُلتَثِمـــــاً أَو غَيرَ مُلتَثِمِ

بَدرٌ تَطَلَّعَ في بَـــــــــــــدرٍ فَــــغُرَّتُهُ     كَغُرَّةِ النَصـرِ تَجلو داجــــــــــــــــــــــيَ الظُلَمِ

ذُكِرتَ بِاليُتمِ فـي القُـــــــرآنِ تَكرِمَةً     وَقيـــــــــــــــــــــمَةُ اللُؤلُـؤِ المَــكنونِ في اليُتُمِ

اللهُ قَسَّمَ بَينَ النـــــــاسِ رِزقَــــــــهُمُ     وَأَنتَ خُيِّـــــــــــــــــــرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ

إِن قُلتَ في الأَمرِ لا أَو قُلتَ فيهِ نَعَم      فَخيرَةُ اللهِ في (لا) مِنــــــــــــــــــــكَ أَو (نَعَمِ)

أَخوكَ عيـــــــــسى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ     وَأَنتَ أَحيَيــــــــــــــــــــــــتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ

وَالجَهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِـــــزَةً     فَابعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَابـــــــــــعَث مِنَ الرَجَمِ

قالوا غَزَوتَ وَرُســـــلُ اللَهِ ما بُعِثوا     لِقَتلِ نَفسٍ وَلا جــــــــــــــــــــــــاؤوا لِسَفكِ دَمِ

جَهلٌ وَتَضليلُ أَحــــلامٍ وَسَــــفسَطَةٌ     فَتَحــتَ بِالسَيفِ بَعدَ الــــــــــــــــــــــفَتحِ بِالقَلَمِ

لَمّا أَتى لَكَ عَفوًا كُلُّ ذي حَـــــسَــبٍ     تَكَفَّلَ السَيــــــــــــــــــــــــــفُ بِالجُهّالِ وَالعَمَمِ

وَالشَـــــرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيــرِ ضِقتَ بِهِ     ذَرعًا وَإِن تَلقَـــــــــــــــــــــــــهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ

سَلِ المَســـــــيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَتْ     بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظــــــــــــــــــالِمِ الغَلِمِ

طَريدَةُ الشِركِ يُـــــــؤذيها وَيـوسِعُها     في كُلِّ حيــــنٍ قِتـــــــــــــــــالاً ساطِعَ الحَدَمِ

لَولا حُماةٌ لَهـــا هَبّوا لِنُــــــــصرَتِها     بِالسَيــــــــــــــــفِ ما انتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ

لَولا مَكانٌ لِعيـسى عِنـــــدَ مُرسِــــلِهِ     وَحُرمَةٌ وَجَبَت لِــــــــــــــــــــلروحِ في القِدَمِ

لَسُمِّرَ البَدَنُ الطُهْرُ الشَـريــــفُ عَلى     لَوحَينِ لَم يَخشَ مُؤذيهِ وَلَم يَــــــــــــــــــــجِمِ

جَلَّ المَسيحُ وَذاقَ الصَلبَ شــــــانِئُهُ     إِنَّ العِقابَ بِقَدرِ الذَنــــــــــــــــــــــبِ وَالجُرُمِ

أَخو النَبِيِّ وَروحُ اللهِ فــــــــي نُـزُلٍ     فَوقَ السَمـاءِ وَدونَ العَــــــــــــــــرشِ مُحتَرَمِ

عَلَّمتَهُمْ كُلَّ شَيءٍ يَجـــــــــهَـلونَ بِهِ     حَتّى القِتالَ وَمــــــــــــــــــــــــا فيهِ مِنَ الذِّمَمِ

دَعَوتَهُمْ لِجِهادٍ فيهِ سُــــــــــــؤدُدُهُمْ     وَالحَربُ أُسُّ نِظامِ الكَونِ وَالأُمَـــــــــــــــــــمِ (30)

ويقول في نهايتها:

يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَـــــلى     نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الـــــرُسـلِ كُلِّهِمِ

مُحيِ اللَيـــــالي صَلاةً لا يُقَطِّــــعُها     إِلا بِدَمعٍ مِنَ الإِشـــــفـــــاقِ مُنسَجِمِ

مُسَبِّحًا لَكَ جُنحَ اللَيــــــلِ مُــــحتَمِلاً     ضُرًّا مِنَ السُهدِ أَو ضُرًّا مِنَ الوَرَمِ

رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَـــــــــــكي سَأَماً     وَما مَعَ الـحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِن سَأَمِ

وَصَلِّ رَبّي عَــــــــــلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ     جَعَــــــلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ

بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ     شُمُّ الأُنـوفِ وَأَنــفُ الحادِثاتِ حَمي

ويقول من الثالثة وتبلغ (71) بيتا:

وَسَـــوّى اللهُ بَينَكُمُ المَـــــــــــنــايا     وَوَسَّدَكُمْ مَـــعَ الرُّسلِ التُّرابا

وَأَرسَـــلَ عائِلاً مِنكُمْ يَـــــــــــتيماً     دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا

نَـــبِيُّ البِـــــــرِّ بَيَّنَـــــــــــهُ سَبيلاً     وَسَنَّ خِـــلالَهُ وَهَدى الشِعابا

تَفَرَّقَ بَعدَ عيــــسى الـــنّــاسُ فيهِ     فَلَـــــمّا جــــاءَ كانَ لَهُمْ مَتابا

وَشافي النَّفسِ مِن نَـــزَعــاتِ شَرٍّ     كَشــــافٍ مِن طَبائِعِها الذِّئابا

وَكانَ بَيانُهُ لِلهَـــــــــــــــديِ سُبلاً     وَكــــانَت خَيــــلُهُ لِلحَقِّ غابا

وَعَلَّمَنا بِناءَ المَـــجدِ حَـــــــــــتّى     أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا

وَما نَيلُ المَـــطالِبِ بِــالتَمَــــــنّي     وَلَكِن تُـــؤخَـــــذُ الدُّنيا غِلابا

وَما استَعـــصى عَلــى قَومٍ مَنالٌ     إِذا الإِقــــــدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا

تَجَلّى مَـــولِدُ الهــــــادي وَعَمَّتْ     بَشـائِرُهُ الـــبَــوادي وَالقِصابا

وَأَســـدَتْ لِلبَرِيَّةِ بِنـــــــتُ وَهبٍ     يَداً بَـــيضـاءَ طَــوَّقَتِ الرِّقابا

لَقَد وَضَعَتهُ وَهّـــــــــــاجاً مُنيراً     كَمـــــا تَلِدُ السَّمـاواتُ الشِّهابا

فَقامَ عَلى سَمــــــاءِ الـبَيتِ نوراً     يُــــــضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِّقابا

وَضاعَت يَثـرِبُ الـفَيحاءُ مِسكاً     وَفــــــــاحَ القاعُ أَرجـاءً وَطابا

أَبا الزَهراءِ قَـد جاوَزتُ قَـدري     بِـــــــمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِـيَ انتِسابا

فَما عَرَفَ البَـلاغَةَ ذو بَيـــــانٍ     إِذا لَم يَـــــــــتَّخِــــــذكَ لَهُ كِتابا

مَدَحتُ المالِـكينَ فَـزِدتُ قَـــدراً     فَحينَ مَدَحتُكَ اقــــتَدتُ السَّحابا

سَأَلـتُ اللهَ في أَبنـــــاءِ ديــــني     فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لـــــــي أَجابا

وَمـــا لِلمُسـلِمينَ سِواكَ حِصنٌ     إِذا مــــــــــا الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا

كَأَنَّ النَّحسَ حينَ جَرى عَلَيهِمْ     أَطـــــارَ بِكُلِّ مَـــــــملَكَةٍ غُرابا

وَلَو حَفَظوا سَبيلَــكَ كان نوراً     وَكــانَ مِنَ النُّحـوسِ لَـهُمْ حِجابا

بَنَيتَ لَهُمْ مِنَ الأَخـــلاقِ رُكناً     فَـخانـوا الرُّكنَ فَانهَدَمَ اضطِرابا

وَكانَ جَنابُهُمْ فيها مَـــــــــهيباً     وَلَـــــلأَخـــــلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا

فَلَولاها لَساوى اللَّيثُ ذِئــــــباً     وَساوى الصّارِمُ الماضـي قِرابا

فَإِن قُرِنَت مَكارِمُهـا بِعِـــــــلمٍ     تَذَلَّلَــــــتِ العُلا بِهِما صِعـــــابا

وَفي هَذا الزَّمانِ مَـسيحُ عِــلمٍ     يَرُدُّ عَلــــــــى بَني الأُمَمِ الشَّبابا (31)

ويقول في الرابعة وتبلغ (99) بيتاً : في تسعة وتسعين بيتاً محمد صبري، الشوقيات المجهولة ـ ج 2 ـ ص 135.

نبيُّ البرِّ والــــــــتقـــــــــــوى     منـارُ الـحــــــقِّ معلمُه

معاني اللــــوحِ أشــــــــــرفُها     رســـــــــــالتُـه ومقدمُه

له في الأًصــلِ أكــــــــــرمهمْ     عـريـقُ الأصـلِ أكرمُه

خليلُ اللهِ مـــــــــــــــعـــــــدنُه     فكـيفَ يزيَّـــفُ درهمُه

أبوّةُ ســـــــــــــــــــؤددٍ أخذتْ     بقـرنَ الشــمسَ تزحمُه

ذبيحــيــــــــــــــــــــــونَ كلهمُ     أمـيرُ الـبـيـــــــتِ قيَّمُه

تلاقـــــــــوا فيهِ أطـــــــــهاراً     بسيـــــمــــــاهمْ تَسَوُّمُه

فـــــــــنعمَ الغمــــــــدِ آمـــــنةٌ     ونعمَ السيــــــفِ لهذمُه

ســـــرى في طهرِ هـــــــيكلِها      كمـسرى المسكِ يفعمُه

يتـــــيماَ في غِلالـــتِــــــــــــها     تعــــــــــالى اللهُ مُوتمُه

تــزفُّ الآيُ مـــحمــــــــــلَـــه     إلى الدنـــــــيــا وتقدمُه

ويمــسي نـــورُ أحــمدَ فـــــي     ظلامٍ الجهلِ يهــــــزمُه

وفــي النـــيـرانِ يـــخـــمــدُها     وفــــــي الإيـوانِ يثلمُه

وفي الـــمعمودِ مــــــن ديـــنٍ     ومـــــــــــن دنيا يقوّمُه

فلمـــا تمَّ من طـــــــــــــــــهرٍ     ومن شـــــــرفٍ تنسّمُه

تـــجلّى مــــــــــولدُ الـــهـادي     يضيءُ الــكونَ موسمُه

هلموا أهــــــــــلُ ذا النــــادي     علـــــــــــى قدمٍ نعظمُه

بدا تســــــــتقبــــلُ الدنـيـــــــا     به خيــــراً تَــــــــوسَّمُه

يُجِّمــــــلــــــها تـــــــهلــــــله     ويحـييـــــــها تبسُّــــــمُه

إلــــــى الرحمنِ جبــــــــــهتُه     ونحوَ جـــــــلالِها فــمُه

وفي كتفيـهِ نــــورُ الـــــــــحـ     ـقِ وضاحٌ وروســـــمُه

يتيمٌ في جنـــــــــــــــــــــــاحِ     اللهِ يرعـــــاهُ ويعصــمُه

فمَنْ رحـــمَ اليتيـــــــــمِ ففــي     رســـــــــولِ اللهِ يرحمُه

يقـــومُ به عن الأبــــــــــــويـ     ـنِ جـبريـــــــلٌ ويخدمُه

وتــرضعُه فــتـــــــــــــاةُ البـ     ـــرِّ من سعـــدٍ وترحمُه

ويكفــلـه مــوشَّـــى الـــبـــــر     دِ يومَ الفخــــــــرِ مُعلَمُه

نبيُّ الـــبــــــــــرِّ عــلّـــــــمَه     وجاءَ بـه يعـــــــــــــلّمُه

أبرُّ الخـــــلـــقِ عــــــاطـــفةً     وأسمــــــــــــحُه وأحلمُه

وأصــبـــــــــــــرُه لنــــــائبةٍ     ومحــــــــــــذورٍ يجشّمُه

لكــلٍّ عنــــــــــــده في الــبرِّ     حقٌّ ليـــــــسَ يهضــــمُه

ولـيُّ الأهـــلِ والأتــــبـــــــا     عِ والمســكـــيـــنِ يطعِمُه

سـحــابُ الجودِ راحـــــــــتُه     وفــــــــــي بـرديهِ عيلمُه

ومــا الدنيا وإن كــــثـــــرتْ     ســــــــــــوى خيرٍ تقدِّمُه

يــضيءُ الـقـــبرَ موحــــشُه     علـــــــــــــيكَ به ومظلمُه

وتغنمُـــــــــــــه إذا ولَّــــــى     عن الإنســــــــــانِ مغنمُه

نظـامُ الـديــــــنِ والــــــــدنيا     أُتِـيحَ له يتــــــــــــــــمِّمُه

تطلّـــــعَ في بنـائِــــــــــــهما     عـلى التوحيـــــــدِ يدعمُه

بشرعٍ هامَ في الــــــــــــناسِ      هــــــاشمُـه وأعــــــجمُه

كضوءِ الـصــــــــــبـــحِ بيِّنه     وكــــــــالبـنيـــانِ مُحكَمُه

بيانٌ جــلَّ مـوحـــــــــــــــيهِ     وعلمٌ عــــــــــــــزَّ ملهمُه

حكيــمُ الذكـرِ بيــــــــن الكتـ     ـبِ مظـهـــرُه ومــــيسمُه

وكمْ للـــحقِّ مــــــــــن غابٍ     رســـــــــولُ اللهِ ضـيغمُه

له الغـــزواتُ لا تُــــــحصى     ولا يُــــــحــصـى تكرُّمُه

تكادُ تـــقيَّــــدُ الإســــــــــــدا     ءُ قبلَ السيــــــــفِ أنعمُه

أمـــينُ قريشٍ اختلـــــــــــفتْ     فــجــــــاءته تُـــــــحكَّمُه

صبــــــــياً بيـــنَ فتــــــــيتها     إليهِ الأمـــــــــــرُ يرسمُه

وإن أمـــــــــــــــانةَ الإنســـا     نِ في الدنيـــــــــــا تقدِّمُه

زكـــيُّ القلبِ طُــــــــهِّرَ من      هوىً وغـــــــــــوايةٍ دمُه

عفيــــــــفُ النومِ يصـدقُ ما     يـــــــــــرى فـيه ويـحلُمُه

وخـلوتُه إلـــــــــى مَـــــــلكٍ     على حـلــــــــــــــمٍ يحلِّمُه

يفيضُ عليــه مــــــــن وحيٍ     فيَفــــــــــــــــهمُـه ويُفهِمُه

كتابُ الغيبِ مفضــــــــوضٌ     له بــادٍ مــــــــــــــــحكَّمُه

مبينٌ فيه ما يـــــــــــــــــأتي     وما ينـــــــــــوي ويعزمُه

ويظهرُ كلَّ معـجــــــــــــزة     لشــــــــــــــــــانيهِ فيفحمُه

فغاديةٌ تظلـــــــــــــــــــــــله     وباغمــــــــــــــــــة تكلمُه

تروِّى الجــيش راحـــــــــته     إذا استـــــــسقى عرمرمُه

ويستهدي الـسمـــــــــاءُ حياً     لســــــــــــــــائلِه فتسجُمه

ويرسلُ ســـهـــــــــمَ دعوته     إلى البـــــــــاغي فيقِصمُه

تبـــاركَ مــــــــن بهِ أسرى      وجـــــــــــــــلَّ اللهُ مكرمُه

يريــــــهِ بيتَه الأقــــــــصى     ويُطــــــلــــــــــعُه ويعلمُه

على مـلَكٍ أميـــــــــــــنِ اللهُ      مســــــــــــــرجُه وملجمُه

معارجُــــــــــه السمواتُ الـ     ـعُلى والعـــــــــرشُ سلَّمُه

فلما جــــــــــاءَ ســـــــدرته     وكان القـــــــــربُ أعظمُه

دنا فــرأى فـــــــــخَّرَ فكـــا     نَ من قوسـيـــــــنِ مجثمُه

رســولُ اللهِ لن يشــــــــــقى     ببابِــكَ من يُيَـــــــــــــمِّمُه

وأيـــنَ النارُ من بـــــــــشرٍ     بســـــــــــــــــــدَّتِه تحرمُه

لواءُ الحشرِ بيــــــــــن يـديـ     ـكَ يومَ الديــــــــــنِ تقدمه

شفيعاً فيه يــــــــــومَ يلـــــو     ذُ بالشفعـــــــــــاءِ مجرمُه

ففي يُمناكَ جنَّـــــــــــــــــته     وفي اليســـــــــرى جهنمُه

أنــا المرحــــــــــومُ يــومئذٍ     بِدرٍّ فيــــــــــــــــكَ أنظمُه

ولا مــــنٌّ عليـــــــــــــكَ به     فِمن جــــــــــدواكَ منجمُه

أينطقُ حكمةً وحـــــــــــجى     لســـــــــــــــــانٌ لا تقوِّمُه

خلاصي لســـــــــــتُ أملكه     وفضــــــــلكَ لستُ أعدمُه

ثراكَ متى أطيــــــــــــفُ به     وأنشـــــــــــــــــقُه وألثمُه

ففيهِ الخلــــــــــــــقُ أعظمُه     وفيـه الخلقُ أوســــــــــمُه

سقاهُ من نـميرِ الــــــــــــخلـ     ـدِ كوثرُه وزمـــــــــــزمُه

ولا برحــــــــــــتْ مـعطَّرةٌ     من الصـــــــــلواتِ تلزمُه (32)

...........................................

1 ــ دول العرب وعظماء الإسلام / مؤسسة هنداوي 2010 ص 98      

2 ــ نفس المصدر ص 101 ــ 102

3 ــ الشوقيات / مؤسسة هنداوي ــ تقديم الدكتور محمد حسنين هيكل ــ مصر 2012 ص 392

4 ــ نفس المصدر ص 768

5 ــ أدب الطف ج 9 ص 143

6 ــ موقع موسوعة الأدب العربي / موسوعة عين على المعرفة بتاريخ 25 / 9 / 2020 / موقع بوابة الشعراء بتاريخ 28 / 2 / 2013

7 ــ مقدمة ديوان الشوقيات / تحقيق وتقديم عمر فاروق الطباع ــ شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم / بيروت ــ لبنان ص 5

8 ــ نفس المصدر ص 6

9 ــ أدب الطف ج 9 ص 140

10 ــ أصيل عبد الوهاب يوسف عطعوط ــ أحمد شوقي دراسة في أعماله الروائية، رسالة ماجستير / نابلس فلسطين 2010

11 ــ الشوقيات / مؤسسة هنداوي ــ مصر 2012 ص 572 ــ 573 من قصيدة تبلغ (26) بيتاً

12 ــ مسرحية: مجنون ليلى / مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة القاهرة ــ 2012 ص 44

13 ــ نفس المصدر ص 10 ــ 11

14 ــ نفس المصدر ص 12

15 ــ نفس المصدر ص 42

16 ــ نفس المصدر ص 43

17 ــ أدب الطف ج 9 ص 142

18 ــ الشوقيات / مؤسسة هنداوي ــ مصر 2012 ص 416

19 ــ دول العرب وعظماء الإسلام / مؤسسة هنداوي 2010 ص 82

20 ــ نفس المصدر ص 58

21 ــ نفس المصدر ص 59

22 ــ نفس المصدر والصفحة

23 ــ نفس المصدر والصفحة

24 ــ نفس المصدر ص 60 ــ 61

25 ــ نفس المصدر ص 61

26 ــ نفس المصدر ص 62

27 ــ نفس المصدر والصفحة

28 ــ نفس المصدر والصفحة

29 ــ الشوقيات / مؤسسة هنداوي ــ مصر 2012 ص 41 ــ 46

30 ــ نفس المصدر ص 259 ــ 273

31 ــ نفس المصدر ص 95 ــ 97

32 ــ تجليات المديح النبوي عند أحمد شوقي ــ بغداد عبد الرحمن / مجلة الكلمة العدد 28 أبريل 2009 عن الشوقيات المجهولة لمحمد صبري ج 2 ـ ص 135

كما ترجم له وكتب عنه:

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 9 ص 140 ــ 143

الشيخ محمد صادق االكرباسي / معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 3 ص 279

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 1 ص 136

حنا الفاخوري / الموجز في الأدب العربي ج 4 ص 486

عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 1 ص 246

وألف عنه من الكتب:

عباس حسن ــ المتنبي وشوقي

صالح الأشتر ــ أندلسيات شوقي: بحث تطبيقي في أدب شوقي في المنفى وأثر الأندلس في شخصيته وفنه

محمد أسعاف النشاشيبي ــ العربية وشاعرها الأكبر أحمد شوقي

طه حسين ــ حافظ وشوقي

فوزي عطوي ــ أحمد شوقي / أمير الشعراء

نجيب الكيلاني ــ شوقي في ركب الخالدين

كما ألف عنه أيضاً: الدكتور عمر فروخ، والدكتور زكي مبارك، والدكتور شوقي ضيف، ورسمي علي عابد، وريتا عوض، وأحمد عبد المجيد، والدكتور محمود محمد علي، وفوزي عطوي، ومحمود عوض، وهاني الخير، وصلاح عبد الحميد، وعبد المجيد الحر، وأحمد خير الدين، وكمال أبو مصلح، ومحمد حمود، وماهر حسن فهمي، ونازك سابا يارد، ومحمد عبد الله عطوات، ورؤوف عبيد، وفردوس نعيم الظالمي.

المرفقات

: محمد طاهر الصفار