ابن الهبارية: (414 ــ 509 هـ / 1023 ــ 1115 م)
قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من مجموع خمسة أبيات:
أحسينُ والمـبـعــوثِ جدِّكَ بالهدى قسماً يكون الحـقُّ عنه مسائلي
لو كنتُ شـاهـدَ (كربلا) لبذلتُ في تنفيسِ كربِك جــهدَ بذلِ الباذلِ
وسقيتُ حدَّ السيـــفِ مـن أعدائكم عِللاً وحـدَّ السمــــهريِّ البازلِ (1)
الشاعر
محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب المعروف بـ (ابن الهبارية) ويكنى بـ(أبي يعلى) ولقبه نظام الدين وقد سمِّي بـ(ابن الهبارية) نسبة إلى جده لأمه الذي كان اسمه (هبَّار) (2)
لمع اسم ابن الهبارية في سماء الأدب في زمن عج بالشعراء والأدباء، وعاش في مدن تصدرت الحركات العلمية وزخرت بالمدارس الأدبية فكان من طليعة شعراء عصره وأفذاذ أدباء زمانه، خاض مضماري الشعر والنثر فبرع فيهما ونحت اسمه في ذاكرة الأجيال.
ورغم ما تعرض له تراثه من التضييع والدثار فقد ترك ابن الهبارية ديواناً ضخماً بأربعة مجلدات (3) ضمّ في رثاء الحسين ومدح آل الرسول أشعاراً كثيرة. (4) لكن لم نجد له في هذا الغرض سوى هذه القطعة ذات الخمسة أبيات والتي تشير إلى تجني التاريخ والمؤرخين على هذا الشاعر وعلى شعره الخاص بالنبي وآله والذي ضيعته الأهواء والعصبيات.
أما نتاجه الأدبي من نثر وشعر في الأغراض الأخرى فدل على ما وصل إلينا عن شاعريته الكبيرة وأدبه المميز، فمن مؤلفاته:
1 ــ ديوان (نتائج الفطنة في كليلة ودمنة) وهو نظم كتاب ابن المقفع كليلة ودمنة شعراً.
2 ــ (الصادح والباغم): وهو ديوان أيضا على نمط نتائج الفطنة وقد احتوى على أراجيز في ألفي بيت من الحكمة كتبها في عشر سنين وقد تُرجم هذا الكتاب وطبع في باريس عام 1886، وفي الهند، ومصر، وبيروت وقد كُتبت عنه كثير من الدراسات والبحوث تناولت خصائصه ومميزاته.
3 ــ نظم رسالة حي بن يقظان لابن طفيل
4 ــ فلك المعاني: لم تشر المصادر إلى موضوعه
قال عنه السيد الأمين: (كان شاعرا مجيدا له كتاب الصادح والباغم مطبوع وهي منظومة على أسلوب كليلة ودمنة في ألفي بيت نظمها للأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس صاحب الحلة مكث في نظمها عشر سنين وأرسلها مع ابنه فأعطاه ألف دينار والصادح من الصدح وهو صوت الطائر والباغم من البغام بضم الباء وهو صوت الغزال لأنه نظمه عن لسان الحيوان وقد طبع الكتاب في الهند ومصر وبيروت نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة. وله مراث في الحسين ع تدل على تشيعه وموالاته) (5)
وترجم له العماد الأصفهاني وذكر كثيراً من شعره، وقال: (شعره في نهاية الحسن) (6)
وقال عنه السمعاني: (كان شاعراً مجوداً) (7)
ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة، وهو أراجيز وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عشر سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة، وسير الكتاب على يد ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات.
هذا كتابٌ حسنُ تُحارُ فيه الفِطنُ
أنفقتُ فيــه مدّه عشر سنين عدّه (8)
ومن شعره في مواضيع الحكمة والموعظة قوله:
لا يزهدنّك منظـري في مَخبَري فالبحرُ مِلحُ مياههِ عقيانهُ
ليس القُدودُ، ولا البرود، فضيلة ما المـرءُ إلا قلبُه ولسانُهُ
وفي هذه الأبيات يستشف القارئ نفسية ابن الهبارية الكريمة وخلقه العالي:
إنّما المالُ منتــهى أمل الــخا مِلِ، والرُدُّ مـطلب الأشراف
لا أُحِبّ الفِجَّ الثــقيـلَ ولو جا دَ ببذلِ المِئيــــــــنَ والآلافِ
وأُحبُّ الفتى يهشُّ إلى الضيُّـ ـفِ بأخلاقِه العِـذاب اللّطاف
أريحياً طَلِقَ المحَيّا حـــــــييّاً مـاءُ أخلاقِهِ من الكبرِ صافِ
ولو انّي لو أحظَ منه بغيرِ الـ ـشمِّ شيئاً، لكـان فوق الكافي (9)
رثاء الحسين
قال ابن الجوزي: (إن ابن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلا فجلس يبكي على الحسين وأهله وقال بديهاً:
أحسيـنُ والمبعـوث جدّكَ بالهدى قسماً يكون الحقُّ عنه مسائلي
لو كنتُ شاهدَ (كربلا) لبذلتُ في تنفيسِ كربِك جــهدَ بذلِ الباذلِ
وسقيتُ حدَّ السيـفِ مـن أعدائكم عَللا وحدّ الـسمـــــهريِّ البازلِ
لكنني أُخّــرتُ عنـــــــكَ لشقوتي فبلابلي بيــــــــن الغريِّ وبابلِ
هبني حرمتُ النصرَ من أعدائكم فأقلّ من حــــــزنٍ ودمـعٍ سائلِ
ثم نام في مكانه فرأى رسول اللّه (ص) في المنام فقال له يا فلان جزاك اللّه عني خيرا ابشر فان اللّه قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين) (10)
..............................................................
1 ــ تذكرة الخواص ص 272 / أدب الطف ج 3 ص 21 / الدر النضيد للسيد محسن الأمين ص 244 / الكنى والألقاب ج 1 ص 447 / مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 127 / بحار الأنوار ج 45 ص 256 / ناسخ التواريخ ج 4 ص 165 / ديوان القرن السادس
وقد نسبت الأبيات في المناقب والبحار والناسخ لعبد الرحمن ابن الجوزي ولكن المحقق الكرباسي بعد أن يذكر الأبيات يرجح نسبتها لابن الهبارية فقال: (ولكن المصادر الأخرى ــ وخاصة تذكرة الخواص ــ نسبت الأبيات إلى ابن الهبارية، ونحن نرجح ذلك، لأن سبط ابن الجوزي نفاها عن جده وهو أدرى بالحال)
2 ــ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج ٩ ص ٤٠٧
3 ــ معجم المطبوعات العربية لاليان سركيس ج ١ ص ٢٧١
4 ــ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج ٩ ص ٤٠٧
5 ــ نفس المصدر والصفحة
6 ــ خريدة القصر ص 11 ــ 24
7 ــ الأنساب ج ٥ ص ٦٢٦
8 ــ كشف الظنون لحاجي خليفة ج ٢ ص ١٠٦٩
9 ــ أدب الطّف ج 3 ص 23 ــ 24
10 ــ تذكرة الخواص ج 272
كما ترجم له وكتب عنه:
بطرس البستاني / دائرة المعارف ج 1 ص 726 ــ 727
أغا بزرك الطهراني / الذريعة ج 9 ص33 و ص 34
السيد جواد شبر / أدب الطف ج 3 ص21 ــ 26
عبد الله الأصفهاني / رياض العلماء ج 5 ص 534 ــ 535
عباس القمي / الكنى والألقاب ج 1 ص 433 ــ 434
عفيف الدين اليافعي / مرآة الجنان ج 3 ص 198
ابن العماد الحنبلي / شذرات الذهب ج 4 ص 24 ــ 26
ابن خلكان / وفيات الأعيان ج 4 ص 453 ــ 457
خير الدين الزركلي / الأعلام ج 7 ص 23
صلاح الدين الصفدي / الوافي بالوفيات ج 1 ص 130 ــ 132
ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة ج 5 ص 210
السيد حسن الصدر / تأسيس الشيعة لفنون الإسلام ص 225
ابن حجر / لسان الميزان ج 5 ص 367
اترك تعليق