ما هي ملامح دولة الإمام علي (عليه السلام) ؟.

 

مما لا شك فيه، كانت تجربة الإمام علي ابن ابي طالب(عليه السلام) في الحكم هي التجربة التي تعكس صوره الدولة الإسلامية الحقّة والتي قام الخط الأموي بالتعتيم عليها وتشويهها حتى لا تكشف حقيقة الحكم الأموي وتناقضه مع الإسلام .

ولذلك كان الإمام علي (عليه السلام) زاهداً في الحكم، وما كان يهدف إليه هو استقامة الأمة وثبوتها على نهج الإسلام الصحيح كما كانت على عهد النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله)، تسترشد بعلمه ( عليه السلام ) الذي ورثه عن نبي هذه الأمة.

ومن هنا نرى أنه حينما طالبه الناس بالبيعة له بعد مقتل عثمان بن عفان قال (عليه السلام): "دعوني والتمسوا غيري... واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب.. وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً.."[1] .

ويمكن القول ان الإمام (عليه السلام) رفض السلطة والتسليم للأمر الواقع بقوله: "أيها الناس إن أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب أستُعتِب فإن أبى قُوتِل. ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار.."[2] . ويبدو من ذلك ان امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) يؤكد من خلال قوله رفضه لبيعة الحكّام في معزل عن الرعية، كما وقع للمسلمين من بعدهِ .

وهناك حقيقة تاريخية يؤكدها الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) لبعض أصحابه عن الاستبداد وأفتقاد حرية الرأي وأحترام الأنسان في العهد الاموي قائلاً : "يا فلان مالقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس؟ أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) قُبض وقد أخبر أَنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا. ثم تداولتها قريش واحداً بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غُدِر به وأُسلِم، ووثب عليه أهل العراق حتّى طُعن بخنجر في جنبه، وأنتُهب عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وهم قليل حتى قُتل، ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه، ثم لم نزل أهل البيت نُستذل ونُستضام ونُقضى ونُمتهن ونُحرم ونُقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا مالم نقله ومالم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عِظَم ذلك وكبره في زمن معاوية بعد موت الحسن، فقُتلت شيعتنا في كل بلدة، وقطّعت الأيدي والأرجل على الظِنّة، وصار من ذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو دُهمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين، ثم جاء الحجاج فقتلهم كلّ قتلة وأخذهم بكلّ ظنة وتهمة، حتى أن الرجل ليُقال له زنديق أو كافر أحبُّ إليه من أن يقال شيعة عليّ"[3] .

وما يؤسف له أن هذه الصورة المنحرفة للحكم باركها معظم فقهاء السلطة ودعموها ونسجوا من حولها الروايات والفتاوى التي تبرر هذهِ الصورة وتدفع بالمسلمين إلى التعاطف معها، فلقد دافعوا عن بني أمية وبني العباس وغيرهم من قياصرة المسلمين وملوكهم، وهذا الموقف نابع من التصور الأحادي الذي يستند إلى ظنهم بأن كل ما يخرج عن دائرة إعتقادهم وفهمهم للإسلام هو الباطل والضلال، وكل من يخرج على حكمهم زنديق أو مرتد و يحق لهم مقاتلته أو قتله وإنتهاب ممتلكاته وإنتهاك حرماته باسم الإسلام، وأصبحت أمّة جريئة على قتل أولاد نبيّها وهم يحملون رسالته وكل تراثه مع شدّة ما تركه فيهم من وصايا وأوامر بإتباعهم والتمسك بهم..

ويبين لنا ارباب المصادر التاريخية ان ملامح دولة الإمام علي (عليه السلام) ، تتمثل بمجموعة مبادئ كان من ابرزها على سبيل المثال لا الحصر :

 الاصلاح المالي "العطاء": أحدث (عليه السلام) تغييراً جوهريا، والذي أراد به العودة بالمجتمع إلى روح التجربة الأولى التي كانت في عهد  النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، ذلك ان النظام الذي كان معمولاً به هو نظام قسمة الأموال العامة بين الناس- بالمساواة - ، وهذا كان قد ألغي واستبدل بنظام التفضيل بعد وفاة النبي الاكرم.  الإصلاح الإداري: حيث عمد على عزل معظم الولاة عن الاقاليم ومسؤولي الجهاز التنفيذي من الدولة، وابعاد أولئك النفعيين الذين لم يكن لهم هم من  مناصبهم سوى اكتناز الذهب والفضة والتسلّط المرير على رقاب المسلمين، حيث قال (عليه السلام) : "والله لا أدهن في ديني ولا أعطي الدنيَّ من أمري". الإصلاح الاجتماعي: وقد اكد هذا في أولى خطواته (عليه السلام) بالقضاء على النزعة القبلية السائدة في المجتمع، والعودة إلى قيم الإسلام الأصيلة القائمة على أساس المساواة العامة، أي العدل بين الناس جميعاً، فإنهم صنفان:" إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".

وهناك حقيقة لابد من ذكرها، ان الامام علي (عليه السلام) جعل في عهده رضا الأغلبية واحترامها أساساً في الحكم مادام هذا الرضا ينسجم مع العدل في منظوره الإسلامي، وتجسد ذلك بقوله "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمّها في العدل وأجمعها لرضا الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وإن سخط الخاصة يُغتفر مع رضا العامة وإنما عماد الدين وجماع، والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صفوك لهم، وميلك معهم ".

نستنتج من ذلك ان الامام علي (عليه السلام) يقول أنا أفهم السياسة وألعابها وغدرها وانحرافها، ولكنّ مشكلتي هي أنّني ولدت على الحقّ، وجاهدت من أجله، وأريد أن أموت على الحقّ، فلا يمكن أن يقترب الباطل مني ولا أقترب من الباطل،  اذن هو مع السياسة وبالتحديد سياسة الحقّ والعدل، لا سياسة الجور والباطل، وهذه ابرز ملامح دولة امير المؤمنين الامام عليّ(عليه السلام).

جعفر رمضان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل أبراهيم، (بيروت: دار إحياء الكتب العربية، 1965م)، ج7، ص 33 .

[2] المصدر نفسه، ج 9، ص 328 .

 [3]   محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، (قم: دار الثقافة،1992م)، ص ص 152-153 .

المرفقات