أبو العباس الجراوي: (528 هـ ــ 609 هـ / 1134 ــ 1212 م)
قال من قصيدة رباعية طويلة متعددة القوافي تبلغ (62) بيتاً في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
وركبٌ إذا جــــــــاراهمُ البرقُ يعثرُ تذكــــرتُ فيهمْ (كربلاءَ) فأجأرُ
وغيداء لا تدري الأسى كيفَ يخطُرُ بثثتُ لها ما كنتُ بالطفِّ أضمرُ (1)
ومنها:
نجيعُ حفيدِ المصــــطفى كيفَ يُسفَكُ ورِقُّ بنيـــــــــهِ بعدَهُ كيفَ يُملَكُ
فيا (كربلا) والكَـــــــربُ لي ممتلكُ ليكفيـــــــكِ مني أن ذكركِ مُهلِكُ
ومنها:
أيا حسرتي يومَ أنتـــــــأوا وتحمّلوا إلى (كربلا) مـأوى القُلُوبِ تنقلوا
ليسبوا على حكمِ الضـــلالِ ويقتلوا فيا رزؤهمْ صـــــــمٌّ ومثلكَ يَفعَلُ
ومنها:
فَرُمتُ بهِ قلباً عن الصبـــــــرِ أجفلا تحمَّلَ من برحِ الجَوَى ما تحمَّلا
ولا ناصِرٌ يُعدي على جَورِ (كَربلا) على أنَّ لي دمعــــاً إذا ما تسبَّلا
الشاعر
أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي من أبرز شعراء الدولة الموحدية، ولد في مدينة (تادلة) ــ بين مراكش وفاس ــ وجاء لقبه بـ(الجراوي) نسبة إلى قبيلة (جراوة) وهي من قبائل زناتة البربرية، هاجر إلى مراكش وأقام بها فترة وتنقل بينها وبين الأندلس حتى توفي بإشبيلية. (2)
احتل الجراوي مكانة كبيرة في الدولة الموحدية الشيعية التي قامت في المغرب وامتدت حتى شملت أفريقيا الشمالية كلها، يقول السيد حسن الأمين عن الشعر الشيعي الموحدي: (وما وصلنا من شعر شعراء تلك الدولة يرينا إلى أي مدى كان تشيّعهم عريقاً وأصيلاً فأبو العباس الجراوي شاعر الدولة الموحدية يقول:
أكرمْ بهنَّ قبـــــــــــــائلٌ إقلالها في الحربِ يغنيها عن الإكثارِ
وانظرْ إذا اصطفتْ كتائبُها إلى ما تحمدُ الكتّــابُ في الأسطارِ
لو أنها نصــرتْ (علياً) لم تردْ خيلُ ابن حربٍ ســـاحةَ الأنبارِ
هم أظهروهُ معَ النـبيِّ وواجبٌ أن يتبعوا الإظهـارَ بالإظـــهارِ
ملئت به الدنيــــا صفاءً بعدما ملئتْ من الأقـــــذاءِ والأكـدارِ) (3)
ويقول الأمين عن قصيدة الجراوي في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام): (ومن قصائد الجراوي ملحمة شعرية في رثاء الحسين (عليه السلام) لا تقل في عاطفتها وانفعالها عن أي شعر شيعي آخر وقد شاء أن يتفنن فيها ولكنه تفنن شوهها وذلك حين ربط بين أجزائها بإعجاز معلقة امرئ القيس فهو يقول مثلا:
ألا يا رسولَ اللهِ صــــدري توهّجا لمصرعِ سبطٍ بالدماءِ تضرَّجا
فعطلتُ جيدَ اليأسِ من حليةِ الرجا فتعســاً لأقوامٍ يريدونَ لي نجا
يقولونَ: لا تهلك أسىً وتجمَّلِ .... الخ) (4)
برع الجراوي في الشعر، كما طرق باب التأليف فألف كتاب (صفوة الأدب ونخبة كلام العرب) ويُعرف بالحماسة المغربية، وهو على نسق حماسة أبي تمام. (5)
أما في الشعر فقد عُدّ شاعر الدولة الموحدية بلا منازع رغم كثرة الشعراء المجيدين، قال عنه ابن سعيد المغربي: (من شيوخ أدباء المغرب، رزق طول العمر والجاه ومجالسة الخلفاء، فأول من جالسه منهم عبد المؤمن، ثم جالس أبا يعقوب، ثم جالس المنصور، وصنف له كتاب: (صفوة الأدب) المشهور بحماسة الكورائي، ولما احتيج لرجل عامل عارف يجالس ابن منفذ، رسول صلاح الدين بن أيوب الواصل من المشرق، وقع الاختيار عليه، فما أتيح لأحد مجالسته سواه. ثم جلس الناصر، وحضر معه على فتح المهدية... وكان يقول آخر عمره: تعساً لطول العمر، الذي أخرني لمعاشرة هؤلاء الأنذال، وعهدي بالخليفة عبد المؤمن يقول لي في جبل الفتح: يا أبا العباس إننا نباهي بك أهل الأندلس..). (6)
شعره
أبرز شعر الجراوي هو قصيدته التي قالها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تبلغ (62) بيتاً وقد استعمل في رويها كل حروف الهجاء فيستعمل حرفاً لكل بيتين ثم يختمهما بشطر من معلقة امرئ القيس وقد أسقطنا أشطر امرئ القيس فلم تفقد القصيدة جمالها وقوتها ورونقها يقول الجراوي:
خليليَّ دعوى بـــــرُّحـــتْ بخـــــــــــــــفاءِ ألا انـزلا رحــــــلَ الأسـى بــــفنائي
وهدا مِن الصبـــــــــــــــــرِ الجميلِ بــنائي قفا ســــاعداني لاتَ حـيـــنَ عـزائي
أيتركُ ربعٌ للرســــــالةِ سبـــــــــــــــــسبُ تجيءُ به هـــوجُ الـريـــــاحِ وتذهبُ
ولا تنهمي فيه العيــــــــــــونُ وتـــــسـكبُ وتظلعُ أعــــنــاقَ الــــــذنوب وتنهبُ
دِيارُ الهدى بالخيفِ والحجـــــــــــــــــراتِ إلى مـــلتـــقى جـــــــمعٍ إلى عرفاتِ
مجاري سيولِ الغيـــــــــــــــــمِ والعبــراتِ مـــعارفُ هــــــدي أصبحتْ نكراتِ
عذيريَ من رزءٍ بصبــــــــــــــــريَ يعبثُ ومِــن شـانيء في عقدةِ الصبرِ ينفثُ
وأيّ مصـــابٍ عهدُهُ ليسَ يـــــــــــــــــنكثُ كأنــي إذا ما القــــــــومُ عنهُ تحدثُوا
ألا يا رسولَ اللَهِ صـــــــــــــــــدري توهَّجا لمـصـرعِ سبطٍ في الدماءِ تـــضرَّجا
فعطلت جيدَ اليأسِ مــــــــــــــن حيلةِ الرَّجا فتعـساً لأقــــــوامٍ يُريُدونَ لــــي نَجا
على مثلِ ما أمــــــسي مــن الحبِّ أصـــبحُ زنـادُ فــــــــؤادي باللواعجِ تـــــقدحُ
ولو أن قـــــــلبي للتجــــــــــــــــــلدِ يـــجنحُ لفـــــاضت جفوني بالسواكبِ تطفحُ
عـــــــهودُ مصابي آمــنت يدَ فــــــــــــاسخِ ومحكــمُهُ لا يتّـــــــــــقي حكمَ ناسخِ
فلو أشتكيه للنجــــــــــــومِ الـــــــــــــبواذخِ لعالت بـــنعي السبطِ صرخةُ صارِخِ
أقولُ لحزنٍ فـــــــــي الحسيـــــــــنِ تأكّـــدا تملّك فُـــــــــــؤادي مُتهماً فـيه مُنجدا
ولو غـــــــيرُ هــذا الرزءِ راحَ أو اغتـــدى لناديتهُ قبلَ الوُصــــــــــــــولِ مُرَدِّدا
سهامُ الأسى هــــــــــــــــــذا فؤاديَ فانـفذي وفي ألمــي بعدَ الحُسـيــــــــنِ تلذّذي
ومن عــــــــبــرتي والثكلِ أروى وأغتــذي ويا مقلتي من أن تشحِّي تعـــــــوَّذي
وركبٌ إذا جـــــــــــاراهمُ البرقُ يـــــــــعثرُ تذكـــرتُ فيهمْ (كـربلاءَ) فـــــــأجأرُ
وغيداء لا تــدري الأسى كــــــــيفَ يـخطُرُ بثثتُ لها مــــــــا كنتُ بالطفِّ أضمرُ
مجلّي الأسى فــي مـــــــــلعبِ الصدرِ برِّزا وماطِلُ ذاك الدمعِ فــــــــــيَّ وأنجزا
وحلَّ الأســــــــــى من قلبـيَ الصبِّ مركـزا فغـــــايةُ هذا الحزنِ أن يتــــــــحيَّزا
عـــــــــزائـــيَ في عشــــــواءَ ثكليَ خـابـطُ وسهــدي إلى وردِ المــــــدامعِ فارِطُ
وللقلبِ فـــي مهوى الوجيبِ مــــــــــــساقِطُ تعدَّت شجونٌ في القضايا قــــــواسِطُ
أما لـــعُهودِ الهاشميــــــــــــــــيـــــنَ حـافِظُ فبالطـــــــــفِّ يـــــــومٌ للرسالةِ غائِظُ
عـــلى ثكلِهِ قلبُ الكريـمِ مُــــــــحــــــــــافِظُ فيا مهجــــــــتي إني على السبطِ فائِظُ
نجيعُ حفيدِ المصطــفى كـــــــــــيــفَ يُسفَكُ ورِقُّ بنيـــــــــــــــــهِ بعدَهُ كيفَ يُـملَكُ
فيا (كربلا) والـــكَربُ لي مــــــــــــمتــــلكُ ليكفيـــــــــــــــكِ مني أن ذكركِ مُهلِكُ
أيا حــــســـــرتي يـــومَ أنتأوا وتحــــــــمّلوا إلى (كربلا) مأوى القُــــــــلُوبِ تنقلوا
لــــيسبوا على حكمِ الضــــــــــــلالِ ويقتلوا فيـا رزؤهــــــمْ صــــــــمٌّ ومثلكَ يَفعَلُ
أيا فاسِقاً قـــــادَ الــــــغُرورُ شكــــــــــــائمَه فأوردَ في صـــــدرِ الحسينِ صوارِمَه
تهيَّأ ليومِ الحشـــــــرِ تجـــــــــــرعْ عـلاقِمَه فمـــالكَ منجـــــىً من خصومةِ فاطِمَه
تبرّأ من قلبٍ بلــــــــــــــــــــــــــــذتهِ اعتنى وآلُ رســـــــــــولِ اللَهِ في شرِّ مُجتنى
إذا ما اقـــــــــــتضوا ورداً أحيلوا على القنا وعــترةُ حربٍ في جنى روضَةِ المنى
عصوا في احتمال الرأس يا ويحَ من عصى وخــــلّوا حسيــــناً في الثرى متقمصا
لكي يدركوا عندَ ابـــــــــــــن حربٍ تخلّصا كأنَّ سنـــــا رأسِ الحُسينِ على العصا
فؤاديَ صــــرحٌ بالــــــــــــجوى لا تعرِّضُ ويا دمــــــعُ ذهِّبْ وجتنتي لا تفضضِ
ويا ســــــــــــهري من طـيبِ نومي تعوَّضِ فما عُمرُ أحـــــــــــزاني عليهِ بِمُنقَصِ
مُصابُ حسيـــــنٍ رأسُ مـــــــــــالِ الفجائعِ فلاتكُ في ســـــــــــلـــوانِ قلبيْ بطامِعِ
وقَرطِس بسهمِ العتبِ غيِّرْ مســــــــــــامعي ثكلتــــــــــكَ من ناهٍ عن الحزنِ وازعِ
إلى اللَه من عبدٍ عـــــــــــــــــــلى سيّدٍ بغى فغــــــــــــــادره تحتَ العجــاجِ مُمَرَّغا
يُنادي رسولَ اللَه في أزمــــــــــــــة الوغى أجــــــــــــــرنيَ من باغٍ بِعُدوانِهِ طَغَى
ألا أنه يومٌ على الطــــــــــــــــــــــفِّ آزِفُ بهِ نُكِّـــــــــرَت لابــنِ الرَسُولِ معارِفُ
وساعَدَه قــلبٌ هنالكَ واجِــــــــــــــــــــــفُ فنادى ظـــــــــلامَ الظلمِ والنحرُ راعِفُ
أيا حـــاديَ المُختارِ جـــــــــــــــلدِي يُمَزَّقُ بِعُــــــــــــــــــــــدوانِ قومٍ غيُّهم يَتَفَرَّقُ
وكيفَ تحنُّ اليومَ أو كــــــــــــــــيفَ تُشفِقُ قُلُوبُ عِــــــداً عن مَوقِفِ الوَعظِ تُزهِقُ
أيا أمَّةَ الطُغيــــــــــــــــــــــانِ ما لَكُمُ حِسُّ علامَ بنـــــــــــــــاءُ الدارِ إن هُدِّمَ الأُسُّ
أترجونَ إصباحاً وقد غــــــــــابتِ الشمسُ وزَلَّ بكُم عن دينكـــــــــــم ذلكَ الرجسُ
رويتم وضجَّ السبطُ فيـــــــــــــــكُم تعطّشا فسقّيــــــــــــتموه ظـــــــالمينَ دمّ الحشا
ألا رُبَّ حقدٍ في صـــدورِكُــــــــــــــم فشا فأغريتـــــــــــمُ للصارِمِ الـعضبِ أرقشا
قضى اللَهً أن يـقضي على القَمَــــــرِ السُّها فراشةُ سَوءٍ زَلزَلَـــــــــت عُصبَةَ النُّهى
فشعرُ الحـسيـــــــــــــــــــنِ بالنجيعِ تموَّها ترى الدمَ في تلكَ الــــــــــذوائِبِ مُشبِها
بقايا ضُـــلُوعي فوقَ جمرِ الغَضى تُطوى ودمعـــــيَ يَسقي حرَّ صدري فلا يُروى
لرزءٍ أن يغلبَ الأضـــــــــــــعفُ الأقوى وينزلَ أهـــــلُ الفِسقِ في أربُــــعِ التَّقوى
فَـــــــرُمتُ بهِ قلباً عن الصبــــــــرِ أجفلا تحـــــــــــــملَ من برحِ الجَوَى ما تحمَّلا
ولا نـــــــاصِرٌ يُعدي على جَور (كَربلا) على أنَّ لي دمـــــــــــــعــــاً إذا مـا تسبَّلا
لمثلِكَ مــــــــــــــن رزءٍ عصيتُ عزائيا وأعطيتُ أشجـــــاني قيـــــــــــــــادَ بُكائيا
فلو أنني نـــــــــــــــــــاجيتُ طوداً يمانيا لأذرفَ دمعاً أفضـــــــــــــــحُ الغيمَ هاميا
لأنتحلنَّ الدهرَ حـــــــــــــــــبَّ بني علي وأتلُو مراثيـــــــــــــــــــهمْ على كُلِّ محفلِ
عسى جدهُم يومَ الجــــــــــزا أن يمدَّ لي بغفــــــــــــــــــرِ ذنوبي راحــــةَ المتفضلِ
أياسا معي هذا الرثـــــــــــــــاء ترحَّموا على مـــــــــــــــسرفٍ قد طال منه التجرُّمُ
مؤخَّر سعيٍ حُبُّهُ مــــــــــــــــــــــــتقدِّمُ عسى يتلقّـــــــــــــــــــــــــــاهُ النبيُّ المُكرَّمُ
...............................................................................
1 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية للسيد حسن الأمين دار التعارف بيروت 1981 مجلد 3 ص 409 ــ 410 / مجلد 2 ص 143
2 ــ الأعلام ج 1 ص 150
3 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية مجلد 2 ص 143
4 ــ نفس المصدر ص 143 ــ 144
5 ــ حققه الدكتور محمد رضوان الداية بجزأين عن دار الفكر المعاصر – بيروت ــ ١٩٩١م
6 ــ الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة ج 1 ص 99 ــ 100
7 ــ القصيدة كاملة على موقع بوابة الشعراء بتاريخ 11 / 3 / 2007
كما ترجم له وكتب عنه:
علي إبراهيم كردي / تحقيق ديوان الجراوي ــ المقدمة
يوسف كمال ــ أبو العباس الجراوي.. شاعر الحماسة والبلاغة في المغرب والأندلس
فالح الحجية ــ الشاعر ابو العباس الجراوي
حسن الشبيهي حسني ــ أبو العباس الجراوي ــ شاعر الموحدين
محمد الفاسي ــ شاعر الخلافة الموحدية أبو العباس الجراوي
معزي يسرى / وراد رميسة ــ المدح في ديوان أبي العباس الجراوي
بلقاسم رفرافي ــ شعر أبي العباس أحمد بن محمد المقري، دارسة أسلوبية
غنيمي الوردي ــ بنية الخطاب الشعري الموحدي.. ديوان الشاعر الجراوي أنموذجا
سليمان لمراني علوي ــ التشاكل والتناص في نماذج من شعر أبي العباس الجراوي
اترك تعليق