اتفق اغلب دارسي ومنظري الفنون على ان مهمة كشف الذات تقع على عاتق الفنان بشكل اساسي.. وهذا واضح للي متتبع لمسيرة الفنون واعمال الفنانين الابداعية على اختلاف ثقافاتهم واساليبهم ومدارسهم الفنية التي انبثق منها فنهم الابداعي، فهم يكشفون من خلالها عن ذواتهم لتكون ماثلة امام المتلقين من عامة الناس او النقاد.. لتصاغ حينئذ في اطر معينة ويحصل عليها اجماع بالقبول او الرفض.
شُخص الابداع الفني من قبل عدد كبير من اصحاب نظريات الشخصية والمتأثرين بها على انه من الدوافع الاساسية لدى الفنان المبدع لتحقيق ذاته، فالمبدعون عادة ما يحاولون الارتباط بالعالم المحيط بهم عن طريق نتاجاتهم الابداعية.. والتي تعد الوسيلة الامثل لهذا الارتباط، انطلاقاً من كون المنتج الفني هو جزء من العالم المحيط به، فيرى بعض المنظرين ان محيط الانسان وواقعه المعاش هو الدافع الوحيد الذي يوجه نشاط الحياة السوية لديه، فضلا عن انه يوجه تقدم الحياة الانسانية بشكل عام.. والاعمال الفنية والنشاطات الثقافية والعلمية والاجتماعية المختلفة التي يحققها الانسان هي نتاج تلك النشاطات داخل المجتمعات المختلفة.. فهي تعبير ناتج عن صراع مع البيئة باجتهاد الانسان وقدرته على الابداع ومحاولته لتحقيق ذاته، ومن المؤكد ان هذا الصراع المشروع مع المحيط او البيئة يصحبه قلق وتوتر شديدين، فالفنان المبدع يتعرض لصدمات شديدة ويجد نفسه في مواقف محرجة وقلق وتوتر لا يمر بها الشخص العادي من المجتمع.. وهذه المواقف من قلق وتوتر تختلف بجوهرها عما جاء في نظرية التحليل النفسي فهي ليست مرضاً عصابياً كما اقره فرويد ، بل هي وسيلة من وسائل الابداع الشعوري.
ان تحقيق الذات عند الفنان وغيره من المبدعين يقع ضمن قائمة الحاجات التي تحرك سلوك الانسان السوي، وهذا ما اكده عالم النفس الغربي أبراهام ماسلو من خلال نظريته المعروفة في مجال الشخصية - ( نظرية الحاجات ) التي حلت محل نظرية الغرائز في علم النفس الحديث – التي اكد فيها ان مظاهر الابداع موجودة لدى الناس جميعاً، بغض النظر عن النابغين منهم ولكن تكون ضمن درجات متفاوتة بين فرد وآخر، حيث ان الحاجات بنظره تكون على شكل هرم ( هرم ماسلو ...او هرم الحاجات ) تكون قاعدته هي الحاجات العضوية والبايولوجية مثل الطعام والشراب، يليها مجموعة من الحاجات الاجتماعية للعيش ضمن المجتمع ، ومن ثم مجموعة اخرى تمثل الحاجات النفسية مثل الشعور بالأمن والمقبولية، ثم يليها على رأس الهرم الحاجة الى تحقيق الذات التي لا تتم الا بعد اشباع وتحقيق الحاجات ضمن المستويات الادنى منها في الهرم فكل فرد منا لا يستطيع ان يفكر في تحقيق ذاته وهو جائع مثلاً او مهدد وبلا امان .
ومن هنا نجد ان هذه المفاهيم قد تصدق عند الناس جميعاً ولكن قد لا تكون عند بعض المبدعين او النابغين في المجالات الفنية او العلمية فعند عامة الناس يمكن تسمية الابداع او السعي اليه بالإبداع المحقق للذات او ما يسمى بالتفتح على التجربة ، وهؤلاء من هذه الفئة يتميزون بعدم الخوف من دوافعهم او انفعالاتهم ويتمتعون بصحة نفسية جيدة بعيداً عن القلق والتوتر ولا يعتمدون على الغير كما يفعل البعض من المبدعين الذين تنتابهم انواع من القلق في اغلب الاحيان للوصول الى الغاية المنشودة بتحقيق وكشف ذواتهم ومن ثم ارتقاء اعلى مستويات الابداع الفني.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق