كان من نتائج الاجتماع في السقيفة هو غصب فدك والإرث عن فاطمة الزهراء وغصب حقوقها بفتوى منتسبة الى حديث مختلع لم يسمعه من النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) ابنته ولا أخيه ووصيه, وكان الهدف من هذه الفتوى لغصب حقوق الامام علي ابن ابي طالب وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء "عليهما السلام" وارثهما، حيث كانت هذه فتوى سياسية صدرت عن الخليفة ينفرد بها.. تخالف القرآن والسنة والعقل والعرف افتى بها وايدها المنافقين في المدينة [1].
وفي الوقت نفسه اكدت المصادر التاريخية ان ارض فدك كانت خالصة للنبي الاكرم (صلى الله عليه وآلة) لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب[2]، وان النبي الاكرم قد أعطاها لفاطمة (عليها السلام) وقال لها هي لي خاصة دون المسلمين [3].
فيما يؤكد الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) :" لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر ، وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار، فضرب بينها وبينهم ربطة بيضاء، وقال بعضهم قبطية ، وقالوا : قبطية بالكسر والضم ، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم مهلت وطويلاً حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت : "ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد ، الحمد لله على ما انعم ، وله الشكر بما الهم ، وذكر خطبة طويلة جيدة ، قالت في أخرها : فاتقوا الله حق تقاته، وأطيعوه فيما أمركم به، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ ، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة ، ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصته ومحل قدسه ، ونحن محبته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه ، ثم قالت : أنا فاطمة ابنة محمد (صلى الله عليه وآله) أقول عوداً على بدء، وما أقول ذلك سرفاً، ولا شططاً، فاسمعوا بإسماع واعية وقلوب راعية ، ثم قالت: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾، فان تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ثم ذكرت كلاماً طويلاً تقول في أخره: ثم انتم الآن تزعمون أني لا ارث أبي : ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، ايها معاشر المسلمين ابتز ارث أبي ، أبى الله ان ترث يا ابن أبي قحافة أباك ولا ارث أبي ، لقد جئت شيئاً فريا، فدونكما مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون : ﴿لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ...﴾ ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [4].
وثم قال(عليه السلام) : ولم ير الناس أكثر باك وباكية منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت : يا معشر البقية وأعضاء الملة وحضنة الإسلام ، ما هذه الفترة عن نصرتي ، والونية عن معونتي ، والغمزة في حقي، والسنة في ظلامتي، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : المرء يحفظ في ولده ، سرعان ما أحدثتم، وعجلان ما أتيتم ، الآن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمتم دينه ، ها ان موته لعمري خطب جليل، استوسع وهنه، واستبهم فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض له وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال، أضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، واذيلت المصونة، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله، قبل موته ، وانبأكم بها قبل وفاته فقال : ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾.
وثم اكدت (عليها السلام) أيها بني قيلة اهتضم تراث أبي وانتم بمرأى ومسمع تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت وفيكم العدة والعدد ، ولكم الدار والجنن وانتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار ، باديتم العرب وبادهتم الأمور وكافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الإسلام ..، وخبت نيران الحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوثق نظام الدين ، افتأخرتم بعد الإقدام ، ونكصتم بعد الشدة ، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم، وطعنوا في دينكم : ﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾.
ثم قالت (عليها السلام): ألا وقد أرى ان قد أخلدتم إلى الخفض وركنتم إلى الدعة ، وجحدتم الذي وعيتم ، وسغتم الذي سوغتم: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾، ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم وخور القناة وضعف اليقين ، فدونكما فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف، باقية العار موسومة الشعار موصولة بـ : ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ ، فبعين الله ما تعملون : ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ ".
يمكن القول بان هذه الرواية تكشف لنا عن نقاش حاد دار بين السيدة فاطمة (عليها السلام) من جهة وبين أبي بكر من جهة أخرى حول ارض فدك بعد وفاة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة) ، والتي هي حق ولاَ مَنَاصَ مِنْ ذَلِكَ، فان النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) قد أعطاها إياها على حياته ، في حين لم يقر أبو بكر بذلك الحق، ولمسك اطراف خيوط الحقيقة، علينا ان نتأكد أي منهما أقوى حجة من الآخر في هذا الامر.
فأما أبو بكر فان حجته تكمن كما يقول في سماعه النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة) يقول : "لا نورث ، ما تركنا صدقة ، وإنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذا المال" ([5]).
وفيما يخص دعوة السيدة الزهراء (عليها السلام) فقد أثبتتها اغلب كتب المفسرين المسلمين انطلاقا من ذكرهم ان الآية الكريمة : ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ قد نزلت بحق سيدة نساء العالمين (عليها السلام) ، وعلى ضوئها أعطى النبي (صلى الله عليه وآلة) فدكاً لها([6]).
وعليه فقد اجمع هؤلاء المفسرين على ان هذه الآية نزلت لتؤكد حق السيدة (عليها السلام) في ارض فدك مما يجعلنا في شك من حجة أبي بكر، وخاصة ان هذه الحجة جاءت على لسانه هو فقط ، فليس من المنطقي ان تأت أقوال النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآلة) مخالفة لما أوصى به القرآن .
هناك حقيقة تاريخية الا وهي ان نزول الآية الكريمة بحق الزهراء (عليها السلام) قد أكد عليها الكثير من المؤرخين منهم على سبيل المثال لا الحصر أبو يعلى الموصلي والذهبي والسيوطي ([7]) . هو ما يفسر قولهم ان فدكاً كانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وهنا يؤكد الطبرسي ان هناك مناظرة جرت بين امير المؤمنين (عليه السلام) وأبي بكر بشأن فدك وعائديتها ، اذ اكد الإمام علي (عليه السلام) لأبي بكر : "يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ، قال : لا ، قال : فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ، ثم ادعيت أنا فيه ، من تسأل البينة ، قال : إياك اسأل البينة ، قال : فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يدها ، وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآلة) وبعده ، ولم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم ، فسكت أبو بكر ، فقال عمر : يا علي دعنا من كلامك ، فانا لا نقوى على حجتك" ([8]) .
من خلال ما تم ذكره من استعراض الحجج والبراهين التاريخية التي تدعم موقف الطرفين ، ولاسيما ما ذكره الإمام علي (عليه السلام) في خطبته، والمناظرة التي بدا فيها أقوى من موقف الطرف الأخر ، فهذا يؤكد ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) أقوى حججاً فيما ادعت به ، وهي صاحبة الصواب في هذه القضية، كما إننا لم نجد دليلاً قويا يسند موقف أبي بكر أمام الأدلة التاريخية الكثيرة التي تسند موقف وادعاء فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
جعفر رمضان
[1] للمزيد من التفاصيل حول ذلك ينظر: محمد باقر الكجوري، الخصائص الفاطمية، ترجمة جمال أشرف،( قم المقدسة: مطبعة شريعت، 1960)؛ محسن بن محمد بن عبد الكريم بن علي بن محمد الامين العاملي، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الامين،(بيروت: دار المتعارف، 1983)، ج5؛ اسماعيل باشا البغدادي، هدية العارفين، (بيروت: دار احياء التراث العربي، د.ت).
[2] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، (بيروت : مؤسسة الاعلمي، 2006)، ج2 ، ص 303 .
[3]أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق، عيون أخبار الرضا(بيروت : مؤسسة الاعلمي، 1404)، ، ج2 ، ص 211 .
[4]احمد بن عبد العزيز الجواهري، السقيفة وفدك، تحقيق: محمد هادي الأمين ، (بيروت: شركة الكتبي للطباعة والنشر ، 1413هـ) ، ص 100 – 103 .
[5] سليمان بن عبد الله الماحوذي البحراني ،صحيح البخاري (بيروت: دار الفكر،1410)، ج5 ، ص 25 .
[6]على سبيل المثال لا الحصر . أبو النظر محمد بن مسعود السلمي العياشي ، تفسير العياشي، ج2 ، ص 287 ؛ أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي ، تفسير القمي ، ج2 ، ص 18؛ فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي ، ص 239 ؛ ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، ج3 ، ص39
[7]مسند أبو يعلى الموصلي ، تحقيق : حسين سليم أسد ،(بيروت: دار المأمون للتراث ، د ت)، ج2، ص 334 ؛ شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي ،(بيروت: دار المعرفة ، د ت)، ج3 ، ص 135؛ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، (جدة : مطبعة الفتح، 1365هـ)، ج4 ، ص 177 .
[8]احمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، تحقيق: محمد باقر الخرسان، (النجف: مطبعة النعمان، د.ت) ، ج1 ، ص 122 .
اترك تعليق