قبس من لغة القرآن..

احتلت حروف اللغات المختلفة مراتب عليا وجماليات بارزة في فنون الحضارات الانسانية وعلى مر التأريخ.. فقد بدأت الكلمة صورة منذ كتابات الاولين وتطورت بمرور الزمن حتى اصبحت الحروف والكلمات ذات وجود متمم للأشكال والصور.. واصبح وجودها مقترن بالأعمال الثقافية والفنية التزيينية بغية الايضاح، وذلك ما اشتهرت به الحضارات الاولى مثل حضارة وادي الرافدين والحضارة المصرية القديمة وحضارة الانكا..  من ثم الحضارة الاسلامية من بعدها والتي اعتمدت الحرف العربي واللغة العربية لنشر رسالتها الدينية التي نزل بها القرآن الكريم .

لقد عني المسلمون ومنذ مهبط الوحي على رسولنا الكريم صلوات الله عليه وآله بالخط العربي وتعليمه وتدوينه وتجويده، ونال عناية خاصة من رسول الله صلوات الله عليه وآله حتى انه اتخذ من المسجد النبوي منطلقاً لتعليم المسلمين الكتابة والقراءة.. كما ويحمل لنا الرواة والمؤرخين كماً كبيراً من الاحاديث والاقوال الشهيرة عن الخط العربي وجماله وضرورة تعلمه وتعليمه ومنها اقوال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام  ومنها (الخط الجميل يزيد الحق وضوحًا ) وايضاً قول عبد الله بن عباس (الخط لسان اليد ) وآخرون حتى قيل في احدى الروايات ان احدهم كتب البسملة فأحسن خطها فغفر الله له.. وما الى ذلك من اقوال تمجد الخط العربي وتسعى الى تسليط الاضواء عليه، وقد سعى المسلمون بمختلف طبقاتهم الاجتماعية منذ ذلك الوقت الى لنيل شرف نسخ كلام الله وكتابة القرآن الكريم ليصبح هذا العمل من اشرف انواع الفنية واكثرها رقياً.. واصبحت مهنة الخط من اشرف المهن وافضلها .

اخذ الخط العربي اشكالاً فنية عديدة.. وتعددت انواعه المتفرعة من نمطين اساسيين يتمثلان بالنمط التزييني والنمط القاعدي واللذان يعدان اساس تفرعات الخط العربي.. فأما التزييني منهما فهو معتمد بالأساس على حرية الفنان الخطاط وحسن تصرفه في تشكيل الحروف وتنوع هيئاتها، فضلاً عن ابتكاره للزخارف المرافقة لها او المتفرعة منها كما هو الحال في بعض انواع الخط الكوفي الهندسي او المضلع او المضفور وايضاً في بعض انواع المخطوطات المكتوبة بالخط الفارسي او الخط الديواني، واما فيما يخص النمط الاخر المتمثل بالقاعدي فنجد انه معتمداً بالأساس على قواعد الخط العربي والاصول الفنية المحددة لكل نوع.. مثل نماذج خطوط الرقعة والنسخ والثلث.

وقد وضع العيد من مجودي الخط والفلاسفة العرب ايضاً شروطاً نظرية وعملية لإتمام المظهر الحسن للخطوط واخراجها بأبهى اشكالها، ومنهم أبو حيان التوحيدي الذي وضع شروط الخط الجميل وصاغ اغلب تفاصيله النظرية لإتمام المظهر الحسن للحروف العربية ومعالجتها، حيث اصبحت فيما بعد تمثل الأسس الجمالية التي يقوم عليها الخط العربي، وقد نقل عنه مقولة فحواها ان الكاتب يحتاج إلى سبعة معان ليكسب خطه صفة الجمال وهي - الخط المجرد بالتحقيق والمحلي بالتحديق والمجمل بالتحويق والمزين بالتخريق.. والمحسن بالتشقيق والتدقيق والمميز بالتفريق.. ومن هنا استطاع الفنان المسلم ان يدخل الحرف العربي كعنصر سيادي في كل ما انتجه بريشته وقلمه حتى اصبح من العلامات الدالة والمميزة للفن الاسلامي، بل واصبح احد خصائصه التي لا تختطها عين الناظر ان الحرف العربي والزخرفة الاسلامية يعدان – مجتمعين او منفردين - العنصر التشكيلي الاساسي المكون لأشكال الفن الاسلامي.. وهذا ما اكده اغلب الباحثين والمؤرخين حينما اجمعوا على ان أي من الفنون القديمة او الحديثة لم يستخدم خطه القومي كعنصر فني سوى الفن الاسلامي.. الذي جعل من الحرف العربي هوية له في شتى المجالات ومنها الفنون.. وكيف لا وهو ما نزل به الوحي على رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله.

من هنا نستطيع الجزم بأن الفنان المسلم وحين ادراكه والمامه لما يتصف به الخط العربي من خصائص تشكيلية رائعة، عمد الى استخدامه استخداما زخرفياً بحتاً.. وأصبحت الزخارف الكتابية من اولى مميزات الفنون الإسلامية واهمها، والتي اتخذ منها عنصراً حقيقياً من عناصر تكويناته الزخرفية الفريدة، فعمل بإبداعه على رسم رشاقة الحروف وتناسق أجزائها وتزيين سيقانها ورؤوسها وأقواسها بالفروع النباتية والوريقات، ليصبح الخط العربي عاملاً مشتركاً في جميع فروع الفن الإسلامي، وها نحن اليوم نراه حاضراً مزيناً لجدران العمائر الإسلامية والاعمال الفنية الخزفية والكتابية والعديد من اشغال الخشب والعاج وصياغة المعادن النادرة كالذهب والفضة وحتى الاحجار الكريمة.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات