العوامل الأساسية في التربية هي : الوراثة ، الأسرة أو البيت ، البيئة المحيطة :
عندما تُنقي وتُسيطر على توجيه هذه العوامل في تربية اي إنسان فسوف تكون النتائج باهرة ويكون العطاء أجود نوعيةً وأعلى مقاماً وأكثر عطاءً وإنتاجاً
فمن حيث الوراثة فأن السيدة زينب (عليها السلام)تشترك مع اصحاب الكساء (عليهم السلام)في حبل الوراثة فهي أخت الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام وأبيها الإمام علي (عليه السلام)وأمها السيدة فاطمة (عليها السلام)وجدها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، فهؤلاء صلوات الله عليهم أجمعين انتقلت نطفتهم في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسهم الجاهلية بأنجاسها ويقول سبحانه وتعالى ( وتقلبك في الساجدين) ، فهذا الرصيد الوراثي العظيم الذي أنتج السيدة الصديقة الصغرى زينب (عليها السلام) ، فهو غني عن التعريف فأن نطفتها انتقلت مع نطفة جدها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من أبي البشر آدم (عليه السلام)الى أصلاب ولده من الأنبياء وحتى وصلت الى عبد المطلب ومن ثم توزعت ما بين عبد الله و أبي طالب عليهما السلام ومن ثم التقت النطفة من خلال لقاء الإمامة والنبوة فكان زواج النور من النور زواج الإمام علي (عليه السلام)من السيدة فاطمة (عليها السلام)، فمن هذه السلسلة العظيمة المملؤة قيم ومبادئ وأخلاق وجميع الصفات الحميدة تغذت الصديقة الصغرى سلام الله عليهم فكان عامل الوراثة من العوامل المهمة الذي أنتج شخصية السيدة زينب عليها السلام.
فهل نهتم نحن بعامل الوراثة من أجل بناء أسرة عقائدية متماسكة متحابة تنتشر مابين أعضاءها الصفات الأخلاقية الحميدة ، وبالرغم من إحاطتنا المتواضعة بالحلقات القريبة من السلسلة الوراثية فهذا ايضاً مهماً جداً ، اي علينا ان نهتم بالسؤال حول الزوج المستقبلي أو الزوجة المستقبلية للأولاد حتى ينتقون من الأسرة أعلاها أخلاقاً والتزاماً بالتعاليم الدينية حتى يساعدهم هذا العامل في تربية أبناءهم ومن ثم تكون أسرة سعيدة ومتحابة يعيشون في كنف الأخلاق والتعاليم الدينية العظيمة ، ومن ثم ينتج لنا مجتمعاً سعيداً ومتماسكاً تنتشر ما بين أبناءه الخلاق الحميدة والصفات النبيلة .
وأما البيت فينقسم التوجيه أو النصيحة فيه الى قسمين :
الأول توجيه مباشر( وهذا العامل مهم ولكن لندرته او لعدمه في حياة السيدة زينب لهذا السبب سوف نتركه في هذا المقال) والثاني توجيه غير مباشر :
فكان التوجيه الغير مباشر من الأدوات المهمة في بيت الرسالة بيت علي وفاطمة عليهما السلام ، فهذا العامل قد اثر في صقل شخصية السيدة زينب (عليها السلام)وزرع فيها جميع الصفات الحميدة النقية من كل دنس ،فكانت صلاة الليل التي تصليها الصديقة الكبرى (عليها السلام)مخزونة في ذاكرة السيدة زينب (عليها السلام)، حيث تنقل سلام الله عليها أن أمها فاطمة (عليها السلام)كانت تقضي الليل بالصلاة والدعاء الى الفجر وخصوصاً ليالي الجمعة وكانت تجتهد بالدعاء ودعاءها يكون لجيرانها أولاً وذات مرة سألت أمها لماذا يا أماه لا تدعين لنفسك ولنا قالت الصديقة الكبرى (عليها السلام)الجار ثم الدار.
فكان نتاج هذه الصلاة أن صلاة الليل كانت تلازمها ولم تتركها السيدة زينب (عليها السلام)حتى ليلة الحادي عشر من محرم هذه الليلة المأساوية الحزينة الأليمة ، حيث تنقل فاطمة الصغرى (عليها السلام)أن عقيلة الطالبين كانت تصلي من جلوس وعندما سألها الإمام زين العابدين (عليه السلام)لماذا تصلين من جلوس يا عمة قالت بسبب هول المصاب لا تقوى قدمي من الوقوف.
فهل نقوم بتعاليم ديننا من صلاة في أوقاتها وصلاة النوافل ومنها صلاة الليل أو الصيام الواجب والمستحب أو المحافظة على الحجاب وغيرها من التعاليم أمام ابنائنا حتى نغرزها في ذاكرتهم وعقولهم لكي تكون المنطلق للقيام بها في المستقبل.
لقد واجهت السيدة فاطمة (عليها السلام)أصحاب السقيفة عندما حاولوا الهجوم على بيتها من أجل أخذ الإمام علي (عليه السلام)للبيعة بالإجبار أو يقتلونه إذا رفض ذلك ، فلم تكترث فاطمة (عليها السلام)بجمعهم أو قسوتهم أو بغضهم أو جرأتهم أو أسمائهم فواجهتهم بجسمها النحيف من خلف الباب تعظيماً للحجاب والعفة بدون أي سلاح أو درع ولكن متسلحة بسلاح الإيمان الرباني دفاعاً عن إمامها (عليه السلام)فأفشلت المخطط وأنقذت الإمامة من القتل والبيعة وهذا الموقف جميعه قد زُرع في ذاكرة السيدة زينب عليها السلام.
فنتاج هذا الموقف كان دافعها المستميت عن إمام زمانها الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)حيث عرَّضت نفسها للقتل من أجل إنقاذه ثلاث مرات فكانت السبب المهم في حفظ الإمامة من القتل ومن ثم وصول الرسالة المحمدية السمحاء لنا.
فهل قدمنا لأطفالنا تجاربنا في الوقوف مع الحق والدفاع عنه بصورة مستميت، لأن حضورهم في هذه المواقف يكون تأثيره أكثر قوة وشدة حتى تزرع هذه المواقف والقيم في ذاكرتهم وعقولهم.
لقد أخذت الصديقة الكبرى (عليها السلام)أبنتها زينب (عليها السلام)معها وكان عمرها خمسة سنوات الى مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، عندما خطبت خطبتها الفدكية التي فضحت الباطل وكل من تقمص الخلافة بكلماتها الربانية الخالدة ، ونقلت لنا هذه الخطبة زينب (عليها السلام).
ونتاج هذه الخطبة ومرافقة والدتها عليهن السلام ، أن يسجل لنا التاريخ أروع المواقف للسيدة زينب (عليها السلام)أمام طغاة زمانها وكلماتها الربانية الخالدة فكانت خطبتها في أهل الكوفة وأمام عبيد الله بن زياد في قصره وبين جلاوزته وكذلك أمام الطاغية يزيد في مقر حكمه وأمام قادة جيشه وحاشيته وبقت كلماتها تدوي في سماء التاريخ والى اليوم( فكد كيدك وسع سعيك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ).
فهل نقوم باصطحاب ابنائنا وإخواننا معنا في مواقف مواجهة الظلم والدفاع عن الحق حتى نغرز في ذاكرتهم حب الحق والدفاع عنه و بغض الظلم ومواجهته بكل السبل .
لقد نقلت لنا السيرة بالإضافة الى القرآن الكريم كيف تصدق اهل البيت (عليهم السلام)بطعامهم لثلاث ايام وهم صيام للمسكين والأسير واليتيم قال الله سبحانه وتعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا ، إنا نخاف يوماً عبوساً قمطريرا).
ونتاج نكران الذات هذا أنها سلام الله عليها كانت تصلي صلاة الليل من جلوس عندما كان ركب الأسر ينتقل من منزل الى منزل في طريقه للشام ، فسألت فاطمة الصغرى (عليها السلام)عمتها عن صلاتها من جلوس قالت لأن الجوع قد أضعف بدني عن القيام ، لأنها سلام الله عليها كانت تعطي بطعامها للأطفال حتى تسد جوعهم وهي تبقى تتلوى من الجوع .
فهل قدمنا لأطفالنا دروس نكران الذات بصورة عملية عندما نعطي الصدقة او نقوم بقضاء الحوائج او نقدم يد العون للإخوان وغيرها من المواقف الجميلة حتى تكون لهم طريقاً لعمل الخير .
لقد قدم أهل البيت (عليهم السلام)وهم فاطمة وأبوها وبعلوها وبنوها أجمل الدروس والعبر للصديقة الصغرى زينب (عليها السلام)حتى نتجت هذه الشخصية العظيمة التي اصبحت من الحلقات المهمة للرسالة المحمدية السمحاء فبها وصل نور محمد وال محمد ألينا والى البشرية جمعاء .
فهل يشترك المحيطون بنا في مساعدتنا على تربية أبنائنا وهل طلبنا منهم ذلك من خلال النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اجل بناء مجتمعاً أكثر تماسكاً ومتحاباً وسعادة.
فسلام عليها حين ولدت وتلقفتها يد النبوة وسلام عليها حين فدت بنفسها من أجل الدفاع عن الإمامة وسلام عليها حين تبعث حيا وهي شامخة لأنها ساهمت في هداية الناس الى طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين .
خضير العواد
اترك تعليق