كانت سيرة رسول الله(صلى الله عليه واله) وأهل بيته(عليهم السلام) بلورةً للأسماء الإلهية في حياتهم العملية، وقد تجلّت وتجسّدت أسماء الحقّ تعالى في واقعة كربلاء الأليمة، وحادثة أسر النساء والأطفال المفجعة، ومن بينها اسمه (العزيز) الذي برز في سلوك هؤلاء الغيارى، فكان لاسم الله العزيز ظهور تامّ وكامل في عمل أُسارى كربلاء، فلم تطأطئ لهم هامة أمام العدو على امتداد مدّة الأسر القاسية؛ الأمر الذي يكشف عن مدى عظمة هذا البيت وشرفه وكرامته في جميع الظروف وتقلّبات الزمان العصيبة.
إنّ ملاحظة تصرفات وأقوال هؤلاء الأحرار تمثّل فرصة لمعرفة واقعية السيرة العملية لهذا البيت الطاهر، وتُثبت مدى رُقي الخصال الروحية والنفسية التي يتمتّع بها أفراده كنسيج واحد.
مفهوم العزّةقال الراغب الإصفهاني: (العزّة: حالة مانعة للإنسان من أن يُغلَب، من قولهم: أرض عزاز، أي: صُلبة)، وعنه أيضاً: (وتعزّز اللحم: اشتدّ وعزّ، كأنّه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، كقولهم: تظلّف، أي: حصل في ظلف من الأرض)[1] ، ويرى كذلك أنّ هذه المفردة بلحاظ معنى الصلابة والمقاومة قد تُستعار إلى معانٍ أُخرى: كالغلبة والصعوبة والحميّة والأنفة، وغيرها[2].
بناء على هذا؛ فإنّ العزّة حالة نفسية تمنع من الانكسار، والعزيز: هو الشخص الغالب الذي لا يُقهر، وتُشير الآيات أدناه إلى عزّة الله سبحانه:
(قال تعالى: (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا) ، قال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) ، فقد يمدح بالعزّة تارةً كما ترى، ويذمّ بها تارةً كعزّة الكفّار، قال: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)[3]، ووجه ذلك: أنّ العزّة التي لله ولرسوله وللمؤمنين، هي الدائمة الباقية، التي هي العزّة الحقيقيّة، والعزّة التي هي للكافرين، هي التعزّز، وهو في الحقيقة ذلّ، كما قال (عليه الصلاة والسلام): كلّ عِزٍّ ليس بالله فهو ذُلٌّ، وعلى هذا قوله: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)[4] ، أي: ليتمنّعوا به من العذاب)[5]. فجاءت هذه المفردة بمعناها اللّغوي في الاستعمال القرآني.
ولقد وردت مفردة (العزّة) في القرآن عشر مرّات، وكلمة (عزيز) اثنتين وتسعين مرّة، وأمّا مرادفاتها فقد وردت كثيراً في القرآن، وفي كلّ موضع قد أُشير بها إلى معنى خاص له نحو ارتباط بالمنعة والمقاومة.
كما أنّ هذا التعبير جاء في القرآن غالباً بمعنى الحسن، فقد وصف الله تعالى ذاته المقدّسة بـ(العزيز) أو (عزيز)، نحو قوله تعالى: (وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) ، وأحياناً يتطرّق إلى العزّة المذمومة، وهي تعني التمنّع والمقاومة في مقابل الحقّ، والإصرار على الانحراف، وتلك هي الذلّة بعينها: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ) . فالعزّة بمعناها الممدوح تعني: القهر والغلبة، وهي في الأصل مختصّة بالله سبحانه؛ لأنّ جميع المخلوقات فقيرة ومحتاجة إليه، فهي بالنسبة إليه ذليلة، ويدلّ على ذلك قوله(عز وجل): (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) ، ولكنّ الله برحمته وفضله أفاض بذلك على المؤمنين: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) .
وعليه؛ فالمعنى الحقيقي للعزّة خاصّ بالله تعالى؛ لأنّ جميع مخلوقاته وهي فقيرة في ذاتها محتاجة إليه، ولا تمتلك شيئاً إلّا بفضل الله وكرمه.
توظيف العزّة في الإصلاح الدينييرى العلماء المسلمون أنّ حقيقة العزّة مختصّة بالله تعالى، فهو الغالب والقاهر، وليس لسواه نصيب فيها، إلّا لمن طلبها عن طريق العبودية، آملاً أن يفيضها عليه تعالى من رحمته[6]، ويقولون في بيان سريان هذه الصفة للإنسان المؤمن: إنّ المؤمن يرتقي إلى الله تعالى، ويتحلّى بالصفات الإلهية تبعاً لروح العبودية، والتسلّط على النفس، والاتصاف بالقناعة، والتخلّص من الطمع في هذا العالم الذي لا يجلب سوى الذلّة، والاتصال بمنبع فيض الرحمة الإلهية؛ لهذا تتجلّى فيه العزة كالأنبياء ورسل الحقّ، وتُضفي على قلبه القوّة والثبات والاستقامة، وتصبح حياته بعزّته، فلا يأذن الله له أن يتخلّى عن عزّته، وأن يتقبّل الذلّ بأيّ حال من الأحوال، وقد نقل أبو بصير عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: (إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلّا إذلال نفسه)[7] ، وفي رواية أُخرى: (إنّ الله(عز وجل) فوّض إلى المؤمن أُموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً... إنّ المؤمن أعزّ من الجبل، إنّ الجبل يستقلّ منه بالمعاول، والمؤمن لا يستقلّ من دينه شيء)[8].
وعليه؛ فإنّ العزّة التي يُعبّر عنها فيما يخصّ الإنسان بعزّة النفس، هي بالأصل لله تعالى؛ لأنّه سبحانه غالب غير مغلوب، وقاهر غير مقهور، والإنسان بماهيته الإمكانية متمحّض في الفقر، فلا يملك شيئاً إلّا بمقدار ارتباطه بالعزيز المطلق ومركز العزّة، والله تعالى برحمته يُفيض عليه من عزّته.
ولهذا؛ فإنّ الطريق الوحيد لنيل العزّة والكرامة هو التخلّق بالأخلاق الإلهية، والدخول في هذا المضمار لاكتساب شيء من الفيض الربوبي من هذه الصفة، وعلى الرغم من أنّ الإنسان لديه استعداد للعزّة في ضوء العزّة الإلهية، واستعداد للذلّ بالابتعاد عن الله وإطاعة هوى النفس، فإنّ وظيفة المؤمن أن لا يذلّ نفسه، وأن يهيّئ أسباب العزّة، كالإيمان والتقوى والشجاعة وعلو الهمّة والارتباط بأولياء الله؛ حتّى يبلغ ينبوع العزّة، وعندها لن يكون هناك ما يُضعف إيمانه وهمّته.
وفي هذا المجال عرّف بعض علماء النفس العزّة بتعريف أعمّ، فقالوا: (عزّة النفس هي: كيفية إحساسنا تجاه أنفسنا، ويمكن القول: إنّها مفتاح سلوك الشخص). وعرّفت أيضاً بأنّها: (حكم الفرد الشخصي على قيمه)[9] ، فهؤلاء يعتقدون أنّ من أهمّ عوامل التحوّل النفسي للفرد هو عزّة النفس، فإنّ الأشخاص الذين يتمتعون بعزّة النفس، لديهم ـ بلا شك ـ تصور إيجابي عن أنفسهم، ويمتازون عن أُولئك الذي يتمتعون بمستوى متدنّي من عزّة النفس، فهؤلاء يضعون أهدافاً أرفع وأسمى نصب أعينهم، ولديهم إحساس بالسيطرة أكثر، وقليلاً ما يشعرون بالإحباط أو الإفلاس، وبحسب الرؤية الأخلاقية فإنّهم أفراد متميّزون، لا يتحلّون باللياقة فحسب، بل لديهم نظرة إيجابية عن أنفسهم[10].
والنقطة التي تقع في الجهة المقابلة لهذه الصفة النفسية هي ضعف النفس، والتي يعدّها الملا أحمد النراقي من الصفات الأخلاقية الرذيلة، التي تخالف العزّة وعلوّ الهمّة، حيث قال: (صغر النفس: وهو ملكة العجز عن تحمّل الواردات، وهو من نتائج الجبن، ومن خبائث الصفات، وتلزمه الذلّة والمهانة، وعدم الاقتحام في معالي الأُمور، والمسامحة في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، والاضطراب بعروض أدنى شيء من البلايا والمخاوف)[11].
ثمّ أشار النراقي إلى الأخبار التي جاء فيها أنّ (المؤمن بريء من ذلّة النفس)[12] ، وكلّ ذلك فرع عظمة النفس، قال الباقر(عليه السلام): (المؤمن أصلب من الجبل)[13] ، وقال(عليه السلام): (إنّ الله تعالى أعطى المؤمن ثلاث خصال: العزّ في الدنيا والآخرة، والفَلج في الدنيا والآخرة، والمهابة في صدورالظالمين)[14] .
وقال أرباب التفسير في ذيل الآية الثامنة من سورة المنافقين بشأن صفة العزّة: (فعزّة أهل الإيمان ناتجة عن الاعتقاد القلبي والارتباط القوي بالربّ سبحانه، والطاعة لرسوله(صلى الله عليه واله)، فعزّة أهل الإيمان عن رشحات عزّة الساحة الإلهية والنبوية وقدرتهما، وبالتالي (فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) تكشف عن حقيقة القدرة والعزّة، وإنّها مختصّة بساحة الكبرياء الإلهي أصالة، ومن أنوارها مقام الرسالة، وكذلك أهل الإيمان، فإنّهم يكتسبون عزّة وقدرة تفوق التصوّر في الدنيا والآخرة؛ تبعاً لطاعة الرسول(صلى الله عليه واله))[15].
التوظيف الإصلاحي للعزّة في سيرة النبي(صلى الله عليه واله) وأهل بيته(عليهم السلام)يقول العارفون بالله تعالى: إنّ الرسول هو الخاتم؛ باعتباره إنساناً كاملاً، وخليفة الله في أرضه، الذي جمع الله تعالى فيه كلّ أسمائه وصفاته المتقابلة، وجعله جامعاً لكلّ صفاته، فوجوده المقدّس(صلى الله عليه واله) مظهر الصفات والأسماء الإلهية، ومظهر جميع تجلّيات الحقّ. والعزيز: اسم الله المقدّس، ومظهر الصمود والصلابة، قد سرّاه الحقّ تعالى إلى مرتبة الرسول الخاتم(صلى الله عليه واله)، وبحسب عالم الغيب ومقام الأعيان الثابتة، فإنّ هناك اتحاداً ووحدة بين الرسول الخاتم وأهل بيته(عليهم السلام)، فتلك الأنوار القدسية مصداق الإنسان الكامل أيضاً؛ لأنّ (الرسول(صلى الله عليه واله) وعلياً(عليه السلام) من شجرة واحدة، كما قال (صلى الله عليه واله): (أنا وعلي من نور واحد)، و(أنا وعلي من شجرة واحدة)).
ومن هنا جاءت التوصية بالاتصاف باسم الله العزيز في كلام الرسول(صلى الله عليه واله) وأهل البيت(عليهم السلام) متّحدة، فهذا الاسم قد اتحد مع الوجود المبارك لجميع أهل البيت(عليهم السلام)، وانتفع جميعهم بظلّ هذا الاسم المقدّس؛ لهذا نجدهم جميعاً يؤكّدون تأكيداً شديداً على اتصاف المؤمنين بالعزّة، وتجنّب الهوان والذلّة في حياتهم، وهناك الكثير من الروايات عن الإمام الصادق(عليه السلام) تشرح حياة الناس المؤمنين في ظلّ العزّة والكرامة، يقول(عليه السلام): (إنّ الله(عز وجل) فوّض إلى المؤمـن أُموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً، أما تسمع قول الله(عز وجل) يقول: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ؟ فالمؤمن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً)، ويقول في بيان هذا الاتصاف الربوبي: (إنّ المؤمن أعزّ من الجبل، إنّ الجبل يستقل منه بالمعاول، والمؤمن لا يستقل من دينه شيء)[16] . فإنّ الله بحسب قول الإمام الصادق(عليه السلام) قد فوّض للمؤمن كلّ شيء ما خلا إذلال نفسه[17]، وفي الإجابة عن كيفية إذلال الإنسان نفسه، قال(عليه السلام): (يدخل فيما يتعذّر منه).
هذا الالتزام التام والكامل لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام) بالعزّة في سيرتهم العملية إنّما هو ثمرة تربية النبي(صلى الله عليه واله) وسيرته العملية التي توارثها أبناؤه(عليهم السلام)، والروايات المشهورة لنبيّ الإسلام(صلى الله عليه واله) الحاثّة على عزّة النفس وعدم إذلالها[18] متجذرةٌ في أهل البيت(عليهم السلام) وسيرتهم، بحيث إنّهم(عليهم السلام) على مدى التاريخ لم يرضخوا للذلّ والهوان يوماً ما، ولم يَشُب سيرتهم ذلّ من أجل نيل رغبة، فالعزّة تمثّل في حياة أئمّة الشيعة(عليهم السلام) أصل حركتهم العملية وعمادها، وبهذه الخصوصية امتازوا عن أعدائهم، كما جاء في وصف علي(عليه السلام) امتيازه عن معاوية حين قال(عليه السلام): (والله،ما معاوية بأدهى منّي،ولكنّه يغدر ويفجر،ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس،ولكنّ كلّ غدرة فجرة،وكلّ فجرة كفرة،ولكلّ غادر لواء يُعرف به يوم القيامة)[31].
والشواهد التاريخية تُبيّن مدى تشابك وتأصّل العزّة في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام) وأبنائه بعد رسول الله(صلى الله عليه واله)، واستمرّت هذه الخصوصية في وصاياهم لأبنائهم ولجميع الناس، كما في إشارة أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى أحوال الماضين في وصاياه العامّة، حيث قال: (فالزموا كلّ أمر لزمت العزّة به شأنهم) ، وفي وصيّته(عليه السلام) لابنه الحسن المجتبى(عليه السلام) يحثّه فيها على ذلك بقوله: (أكرم نفسك عن كلّ دنية، وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً)[19] وبحسب رأي أمير المؤمنين(عليه السلام) فإنّ (ساعة ذلّ لا تفي بعزّة الدهر).
فالإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) يرى أنّ: (الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين) ؛ ولهذا كان(عليه السلام) يتخوّف دائماً على الأُمّة من الذلّ والهوان، ويحذّرهم من المستقبل: (أَما إنّكم ستلقَون بعدي ذلّاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة) ، وفي انتقاده لذلّ رجال كعمرو بن العاص وبيانه لعزّته(عليه السلام)، ارتقى المنبر قائلاً: (عجباً لابن النابغة، يزعم لأهل الشام أنّ فيّ دعابة، وأنّي امرؤ تلعابة أُعافس وأُمارس، لقد قال باطلاً ونطق آثماً، أَما وشرّ القول الكذب، إنّه ليقول فيكذب) ، ثمّ يتعرّض الإمام لرذائل عمرو بن العاص في حرب صفّين قائلاً: (فإذا كان عند الحرب فأيّ زاجر وآمر هو، ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القَرْم سبّته، أَما والله، إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة، إنّه لم يبايع معاوية حتّى شرط له أن يؤتيه أَتيّة، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة). وقد كتب لمعاوية في بيان عزّته وشجاعته(عليه السلام): (وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد، وإنّك والله ما علمتُ، الأغلفُ القلب المقارب العقل، والأَوْلى أن يقال لك: إنّك رقيت سُلّماً أطلعك مطلع سوء عليك لا لك).
ولشدّة ضعة أعداء أمير المؤمنين وأهل بيته(عليهم السلام)، لـمّا لم يتغلّبوا عليه في ميادين القتال صاروا يُسيؤون إليه في غيابه، فقد ذكر المؤرّخون خطبة لمعاوية بعدما بايعه الناس، فجاء باسم علي والحسن(عليهما السلام) ولعنهما وشتمهما، وكان الإمام الحسن والحسين(عليهما السلام) حاضرين، فقام الإمام الحسين(عليه السلام)، فأمسك الإمام الحسن(عليه السلام) بيده وأجلسه، وقام هو وقال: (أيّها الذاكر علياً، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأُمّي فاطمة وأُمّك هند، وجدّي رسول الله(صلى الله عليه واله) وجدّك حرب، وجدّتي خديجة وجدّتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرّنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً! فقال طوائف من أهل المسجد: آمين)[20].
وكتب الإمام الحسن(عليه السلام) لمعاوية كتاباً ضمّنه بيان عزّة البيت العلوي، وحقّهم المسلّم بالخلافة، وتحذير معاوية من فعلته: (فاليوم فليعجب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمرٍ لست من أهله! لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله(صلى الله عليه واله)، ولكنّ الله خيّبك، ستُردّ فتعلم لمن عقبى الدار، تالله، لتلقينّ عن قليل ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلّام للعبيد)[21]. وقد أوصى الحسن(عليه السلام) في آخر لحظات عمره الشريف بالعزّة، وبيّن أنّها بطاعة الله تعالى: (وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله(عز وجل)).
فالعزّة الواردة في هذه الروايات وأمثالها تعني: عدم الظلم، وعلوّ الهمّة، وعدم اقتراف الذنوب، فالإنسان ليس منفصلاً عن المجتمع، ولا يعيش بمعزل عن التعامل مع أفراده، إلّا أنّه ليس له في خضم هذا الارتباط والسعي وراء حاجاته أن يذلّ نفسه في سبيل تأمين حاجاته.
إنّ كسر حصار عزّة المؤمن يعني انهيار كلّ شيء (نفسه وهويته)، فالإنسان بفقده عزّته وبضياعها تتساقط كلّ جوانب الحصن المحيط بأمنه وعقائده وهويته، ويهيمن عليه السخف والعجز؛ لذا لا يصحّ للمؤمن إذلال نفسه ليأمن على حياته. أحياناً نجد التعاليم الدينية تلفت النظر لتلكما الصفتين: العزّة والذّلة، مرّةً في الأدعية، وأُخرى باتخاذ الموقف، كما فعل الإمام السجّاد(عليه السلام) حين يقول في الدعاء: (لا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدث لي عزّاً ظاهراً إلّا أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها).
وهنا نقطة جديرة بالالتفات، وهي أنّه في كلمات أهل البيت(عليهم السلام) إشارات للموازنة بين العزّة والذلة، فالعزّة والكرامة في أعين الخلق، والذلة أمام الله تعالى، كي لا يُبتلى الإنسان بالكبر والطغيان والعجب، فالأئمّة(عليهم السلام) يعيشون في منتهى التذلّل والخضوع أمام الحقّ سبحانه، كما تحكيه لنا أدعيتهم ومناجاتهم وسيرتهم في جميع الأحوال، فيتعاملون مع الناس بمنتهى التواضع، وبتعبير القرآن: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ) ، وفي الوقت ذاته، يتّصفون بالعظمة والمهابة والعزّة، فلا يُطأطؤون أمام الظلمة والقتلة، ولا يستسلمون لهم أبداً، كما اتخذ بعضهم نقشاً على خواتمهم وهو (العزّة لله)[45]، ولا يألون جهداً في توجيه أصحابهم إلى الاتصاف باسم الله العزيز، عن طريق الإيمان به والطاعة له؛ ليصبحوا بعيدين عن الذلّة.
التوظيف الإصلاحي للعزّة في سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاءصور العزّة والكرامة امتزجت بسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) العملية، فقد عاشها(عليه السلام) طوال عمره الشريف، وبالخصوص في كربلاء، وعدم بيعته ليزيد. وعزّة الإمام الحسين(عليه السلام) نابعة من عزّة أهل البيت(عليهم السلام)، وما زال صوته(عليه السلام) الرافض للذلّة مدويّاً حتّى اليوم: (موت في عزّ خير من حياة في ذلّ) ، فيرى(عليه السلام) أنّ الموت في عزّة أفضل من العيش بذلّة، ويقول(عليه السلام): (لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد) ، وكلامه(عليه السلام): (إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً) ، ما زال يطرق الآذان، وهذا هو صوت العزّة ما زال مرتفعاً: (أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن تُؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) [22]. وقد ذكر ابن عساكر أيضاً هذه الخطبة ـ مع إضافة مفردة الدنيّة ـ بهذا الشكل: (ألا وإنّ البغي قد ركن بين اثنتين، بين المسألة والذلّة، وهيهات منّا الدنيّة، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وبطون، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة، أن تؤثر مصارع الكرام على ظئار اللئام)[23].
فالعزّة أصلٌ قد جسّده أئمّة العدل بتمام معناه، كما قال أبو نصر بن نباته في الإمام الحسين(عليه السلام): (الحسين الذي رأی الموت في العزّ حياة، والعيش في الذلّ قتلاً)، وكما يقول الشاعر أبو الحسن علي بن محمد التهامي[24]:
فموت الفتى في العزّ مثل حياته وعيشته في الذلّ مثل حمامه
هذه الشعارات لم تكن أيّام النهضة فقط، وإنّما كانت تعيش معه(عليه السلام) دائماً، ولهذا كان يُكثر في دعاء عرفة من قول): (في نفسي فذلّلني، وفي أعين الناس فعظّمن) وفي الأيّام المليئة بالاضطرابات من مسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة وكربلاء، قد احتجّ(عليه السلام) على الحرّ بن يزيد الرياحي الذي قطع الطريق على الإمام(عليه السلام) من جهة الكوفة، وكان أوّل احتجاج للإمام(عليه السلام) قوله: (أفبالموت تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، وهو يريد نصرة رسول الله(صلى الله عليه واله)، فخوّفه ابن عمّه، وقال: أين تذهب؟ فإنّك مقتول، فقال[25]:
سأمضـي فما بالموت عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبوراً وباعد مجرما
فإن عشتُ لم أندم وإن متّ لم أُلَم كفى بك ذلّاً أن تعيش وترغما
فشعاع العزّة يلمع في جميع حركات الإمام الحسين(عليه السلام) وأفعاله، ولقاءاته مع الشخصيات المعروفة، فعندما كان الإمام الحسين(عليه السلام) في منتصف الطريق بين الكوفة وكربلاء، رأى حين وصوله إلى قصر بني مقاتل خيمة لعبيد الله بن الحرّ الجعفي، وكان من وجهاء الكوفة وشجعانها، فأرسل إليه الإمام(عليه السلام) أحد أصحابه، وطلب منه أن يأتي لملاقاته، فرفض، فأقبل الإمام بنفسه إليه ماشياً، ودخل خيمته ودعاه لنصرته، فقال عبيد الله: (والله، إنّي لأعلم أنّ مَن شايعك كان السعيد في الآخرة، ولكن ما عسى أن أُغني عنك، ولم أخلف لك بالكوفة ناصراً، فأُنشدك الله أن تحملني على هذه الخطة، فإنّ نفسي لم تسمح بعدُ بالموت، ولكنّ فرسي هذه الملحقة، والله، ما طلبت عليها شيئاً قطُّ إلّا لحقته، ولا طلبني وأنا عليها أحد قطّ إلّا سبقته، فخذها، فهي لك. قال الحسين(عليه السلام): أما إذا رغبت بنفسك عنّا فلا حاجة لنا إلى فرسك. [26](
وقد تجلّت روح العزّة في أبناء علي(عليه السلام) وأصحاب الحسين(عليه السلام) في ميدان كربلاء، فقد غضّ العباس بن علي(عليه السلام) طرفه عن الرابطة النسبية مع الشمر من جهة الأُمّ، الذي جاء إليه وإلى إخوته بأمان من ابن زياد،فردَّه عليه ،وكذلك ما حصل مع علي الأكبر عندما ردّ الأمان الذي أُرسل إليه قائلاً:(أَما والله، لقرابة رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم كان أَوْلى أن تُرعى من قرابة أبي سفيان).
خطاب عاشوراء: هو خطاب عزّة ناشئة من الانقطاع عن العلائق الدنيوية، عزّة لا يقضي عليها شيء، وقد أقرّ بذلك حتّى الأعداء؛ إذ قيل لرجل حضر كربلاء، وكان من معسكر عمر بن سعد: (ويحك، أقتلتم ذرّية رسول الله(صلى الله عليه واله)؟! فقال: عضضت بالجندل، إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة، أيديها في مقابض سيوفها، كالأُسود الضارية، تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتُلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة، أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنّا فاعلين لا أُمّ لك؟ )[27].
هكذا قاتل جميع أصحاب الحسين(عليه السلام) بعزّة، بعضهم إلى جنب بعض، حتّى قال الإمام(عليه السلام) في وصفهم: (أَما والله، لقد نهرتهم وبلوتهم، وليس فيهِم (إِلّا) الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دُوني استئناس الطفل بلبن أُمّه).
مظهر العزّة لأُسارى كربلاء في الكوفة:إنّ شهداء كربلاء تلقّوا تربيتهم من السيرة المشرّفة والعزيزة للنبي(صلى الله عليه واله) وعلي(عليه السلام)، وكانوا دعاة لها، والآن لم يتبقَّ من تلك الجماعة الكريمة إلّا النساء والأطفال وزين العابدين(عليه السلام)، فقد انتهت تلك الحوادث المؤلمة، والمحرقة للقلوب، ونُهبت الخيام، وجُمع الأطفال الفارّين، فالأكباد مفتّتة، والعيون ذابلة، وكأنّما وصل الدور إلى العجز والالتماس ولوي الرقاب، ولكنّ أوّل خطاب لزينب(عليها السلام) بعد تلك الحادثة المأساوية والدامية والمرعبة: (يا محمّداه، صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعرا، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا، وذرّيتك مقتّلة، تسفي عليها الصبا)[28].
فزينب وريثة العزّة والإباء العلوي، لم يكن مخاطبها عسكر الجور والظلم، وإنّما راحت تتحدّث مع الرسول محمد(صلى الله عليه واله)، وهنا بداية ملحمتها وجميع عائلة علي(عليه السلام)، فهي وعلي بن الحسين(عليهما السلام) وسكينة وفاطمة بنتا الحسين(عليه السلام) ونساء بين هاشم الأُخريات، وضعوا أقدامهم في بداية طريق قد ورثوه، وما زال الحسين والعباس وعلي الأكبر(عليهم السلام) وجميع الشهداء، مضرّجين بدمائهم على رمضاء كربلاء، فقد استصرخت هذه الأُسرة الكوفة والشام، وزلزلت الأرض تحت مَن أرادوا إذلالهم.
وما إن وصلوا إلى أسواق الكوفة، وعليهم مظاهر التعب والإعياء، ومعهم أطفال عُطاشى وجياع، أقبل إليهم أهل الكوفة بالتمر والخبز، وأعطوه للأطفال الأُسارى، إلّا أنّ نساء بني هاشم ودون تأخّر أخذن ما في أيدي الأطفال ورمينه على الأرض، وهنَّ ينادين: (إنّ الصدقة علينا حرام) ، والناس يبكون على هذا المشهد، وهم لا يعلمون علام يبكون، فأخرجت (أُمّ كلثوم) رأسها من محملها وصاحت بهم: (صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم! فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء) ، وقال علي بن الحسين(عليهما السلام) مخاطباً أهل الكوفة: (أتنوحون وتبكون من أجلنا؟! فمَن قتلنا؟)، وحبست زينب(عليها السلام) أنفاسها، ثمّ هدرت بخطبة رنانة، قائلة: (أمّا بعدُ، يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والخذل، أتبكون وتنتحبون؟... إي والله، فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنآنها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنة...فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا تحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإنّ ربكم لبالمرصاد)[29].
ووصف بعض الرواة تلك الملحمة الزينبية بقوله: (فوالله، لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتّى اخضلت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأُمّي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يُخزى ولا يُبزى) [30].
أُولئك صنّاع الملاحم الفاخرة، ومعلّمو العزّة والحرّية، وتلاميذ نبي الرحمة والهداية(صلى الله عليه واله)، اختاروا من سيرة النبي(صلى الله عليه واله) الموت بشرف، والحياة الصلبة الثابتة، وكانوا وهم أُسارى يعيشون كلام النبي(صلى الله عليه واله): (مَن أقرّ بالذلّ طائعاً فليس منّا أهل البيت) ، فالسيرة العملية لأُسارى كربلاء تمثّل الحرّية والخلاص من جميع الميول والرغبات الدنيوية، فكانوا مقتدين بسيرة أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ يقول: (الموت خير من الذلّ في هذه الدنيا لغير الحقّ) ، وهذه فاطمة الصغری أيضاً قد خطبت بأهل الكوفة محمّلة إيّاهم مسؤولية هذا الفعل الشنيع، قائلة: (أمّا بعدُ، يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته في الأرض لبلاده ولعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمد(صلى الله عليه واله) على كثير ممَّن خلق تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنا أولاد تُرك أو كابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت؛ لحقد متقدّم، قرّت بذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراءً منكم على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين، فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة، (فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، تبّاً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب)[31].
وقد أشارت بشكل واضحـ خلال الدفاع عن الحسين بن علي(عليهما السلام) إلى نزعة الحسد تجاه آل أبي طالب بقولها: (أيّ ترات لرسول الله قبلكم وذحول له لديكم، بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب(عليه السلام) جدّي، وبنيه عترة النبي الطاهرين الأخيار، وافتخر بذلك مفتخركم، فقال:
نحن قتلنا علياً وبني علي بسيوف هندية ورماحِ
وسبينا نساءهم سبي ترك ونطحناهم فأيّ نطاحِ
وصارت النساء الخطيبات يذكّرن بخطب أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذه المدينة، واحدة بعد الأُخرى، يتناوبن بكلّ قدرة وثبات، ويصحن بعزّة واستحياء، وأهل الكوفة قد تملّكهم الحياء؛ لخبث فعالهم التي يستعرضونها في خواطرهم، فتنتحب أُمّ كلثوم بصوت عالٍ، وتقول: (يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتباً لكم وسحقاً، ويلكم أتدرون أيّ دواهٍ دهتكم؟! وأيّ وزرٍ على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماءٍ سفكتموها؟ وأيّ كريمةٍ أصبتموها؟! وأيّ صبيةٍ سلبتموها؟ وأيّ أموالٍ انتهبتموها؟! قتلتم خير رجالات بعد النبي، ونُزعت الرحمة من قلوبكم، أَلا إنّ حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون، ثمّ قالت:
قتلتم أخي صبراً فويل لأُمكم ستُجزون ناراً حرّها يتوقّدُ
سفكتم دماءً حرّم الله سفكها وحرّمها القرآن ثمّ محمدُ
ألَا فابشـروا بالنار إنّكم غداً لفي سقر حقّاً يقيناً تخلّدوا
فقال الراوي: (فضجّ الناس بالبكاء والحنين والنوح، ونشرت النساء شعورهنّ، ووضعن التراب على رؤوسهنّ، وخمشن وجوههنّ، وضربن خدودهنّ، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال، فلم يُرَ باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم)[32]
فتملّكت أهل الكوفة الذلّة والخفة والعجز، وأخذوا بعد يوم واحد من الواقعة، وأمام مجموعة من الأسرى يدورون حول أنفسهم، ويضربون رؤوسهم، وهم الذين كانوا قبل يوم واحد متخاذلين عن نصرة أهل البيت(عليهم السلام)، أو تجاهلوا الواقع فأنكروا معرفتهم بعائلة علي(عليه السلام).
ثمّ إنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) أشار على هؤلاء المتفرّجين بالسكوت حتّى يعرّفهم نفسه، ثمّ قال(عليه السلام): (أيّها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب... أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن مَن انتُهك حريمه وسُلب نعيمه، وانتُهب ماله، وسُبي عياله، أنا ابن مَن قُتل صبراً، وكفى بذلك فخراً، أيّها الناس، ناشدتكم بالله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، وقاتلتموه وخذلتموه؟! فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأيّة عينٍ تنظرون إلى رسول الله(صلى الله عليه واله)؛ إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أُمّتي؟)[33].
ولما شعروا بالندم: (فقالوا بأجمعهم: نحن كلّنا يابن رسول الله، سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنّا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد، ونبرأ ممَّن ظلمك وظلمنا)[34]. ولكنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) وضعهم في مخمصة أُخرى، ووصفهم بالكذب والمكر، فخاطبهم قائلاً: (هيهات هيهات! أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم إلى آبائي من قبلُ؟! كلّا وربّ الراقصات، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قُتل أبي (صلوات الله عليه) بالأمس وأهل بيته معه) ، ثمّ نصحهم قائلاً: (ولم ينسني ثكل رسول الله، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه يجري في فراش صدري، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا)[35].
جميع هذه الخطب الغرّاء المليئة بالإباء أُلقيت في الأسواق وطُرق الكوفة، ولمّا يمضِ على الانفعال النفسي الشديد جرّاء حادثة كربلاء سوى يوم واحد، وحرارة الشمس واشتعال الأفئدة، وعطش الأسرى والأطفال وجوعهم، يضاف إلى جميع الفجائع التي رأوها بأُمّ أعينهم، ولما وصلت قافلة الأسرى إلى دار الإمارة كانت الغصّة تحتدم في الحلق؛ لأنّ الجميع يعلمون أنّ هؤلاء هنّ بنات أمير المؤمنين(عليه السلام)، واليوم يجلس مكان الأب عبيد الله بن زياد الذي حوّل العدل في دار الإمارة إلى ظلم وجور وعدوان، وقيّد أبناء العدل، وأعطى إذناً عاماً للناس في الدخول، ووضع رأس الحسين(عليه السلام) أمامه، مفتخراً بتلك الجريمة الكبرى.
وقد ذكر المؤرّخون عن السيّدة زينب(عليها السلام) هذا المشهد: (لبست زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها وتنكّرت، وحفّ بها إماؤها، فلمّا دخلت جلست، فقال عبيد الله بن زياد: مَن هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه، فقال ذلك ثلاثاً، كلّ ذلك لا تكلّمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة... فقال لها عبيد الله: الحمد لله الذي فضحكم، وقتلكم، وأكذب أُحدوثتكم. فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد(صلى الله عليه واله) وطهّرنا تطهيراً، لا كما تقول أنت، إنّما يُفتضح الفاسق، ويُكذّب الفاجر)[36]
ويتحوّل الأمر إلى حوار بين طرفين، تُستخدم فيه عبارات شديدة الوقع على زينب(عليها السلام)، وتردّ بجُمل مدروسة فصيحة، تُثبت بها الحجّة على أحقّية مَن قُتل، وتقلب الطاولة على القتلة والمتفرّجين، فعندما خاطبها ابن زياد: (كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟) أجابته زينب(عليها السلام): (ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم يابن زياد، فتُحاجّون وتُخاصمون، فانظر لمن الفلح يومئذٍ! ثكلتك أُمّك يابن مرجانة). فغضب ابن زياد وكأنّه همّ بقتلها، وامتنع بعد تدخّل عمرو بن حريث، فقال ابن زياد: (لقد شفاني الله من طغاتك، والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت ثمّ قالت: لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن تشفيت بهذا فقد اشتفيت)[37] .
فكلّ الأسرى وقفوا يدافعون عن عزّتهم وكرامتهم في مواجهة الأعداء، ووقفوا يخطبون بشجاعة وبلا خوف في المجلس الذي أُقيم لإذلالهم، وتحطيم روح الإباء التي يحملونها، ومن ذلك ما جرى مع الإمام زين العابدين(عليه السلام) في هذا المجلس، فقد أورد ابن أعثم الكوفي الرواية التي تنقل ما جرى في المجلس بشكل كامل، حيث يقول: (فالتفت ابن زياد إلى علي بن الحسين(عليه السلام)، قال: أوَلم يُقتل علي بن الحسين؟! قال: ذاك أخي وكان أكبر منّي، فقتلتموه، وإنّ له مطلاً منكم يوم القيامة. فقال ابن زياد: ولكنّ الله قتله. فقال علي بن الحسين(عليه السلام): (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) ، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ). فقال ابن زياد لبعض جلسائه... خذه إليك الآن فاضرب عنقه. قال: فتعلّقت به عمّته زينب بنت علي، وقالت له: يابن زياد، إنّك لم تبقِ منّا أحداً، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه)[38]. فانبهر ابن زياد بجرأتها وشجاعتها وقدرتها، فقال: (والله، إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه، دعوه فإنّي أراه لما به)[39].
وهذا النوع من التهديد أمر يسير بالنسبة للإمام(عليه السلام)، كما أنّه بعيد عن شأن مَن يطلب الشهادة؛ ولذا أجاب(عليه السلام) بقوله: (اسكتي يا عمّة حتّى أكلّمه. ثمّ أقبل(عليه السلام)، فقال: أبالقتل تهدّدني يابن زياد؟! أما علمت أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة؟).
في جميع هذه الاحتجاجات استطاع أبناء علي(عليه السلام) وبناته بعزّتهم أن يقهروا ابن زياد بشكل مشهود، ولم يصدر منهم أيّ تصرف أو حركة أو كلمة ابتغوا من ورائها الخلاص من الأسر، وإنّما كان كلامهم تأنيباً للناس، وإجباراً لسادة القتل والنهب على التأسّف والندم أكثر فأكثر. وانتهت فترة الكوفة وسطوة ابن زياد وتهديداته المتلاحقة، التي لم يستطع أن يخيف بها الأطفال والنساء بأدنى درجة، أو يهدم إباءهم وعزّتهم؛ ولهذا أرسلهم والرؤوس الشريفة إلى الشام.
الشام.. المظهر الثاني لعزّة أُسارى كربلاءكان أهل الشام يظنّون أنّهم تغلّبوا على قومٍ كفرةٍ في جهاد عظيم، وصار يزيد يتباهى بذلك، ويفتخر بعمله الشنيع، ويرى أنّه أخذ بثأر قتلى بدر، وعندها تقوم له زينب(عليه السلام) قائلة: ((ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون)، أظننت يا يزيد، أنّه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء، فأصبحنا نُساق كما يُساق الأُسارى، أنّ بنا هواناً على الله، وبك عليه كرامة، وأنّ هذا لعظيم خطرك؟! فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحاً، حين رأيت الدنيا مستوسقة لك، والأُمور متّسقة عليك، وقد أُمهلت ونفست، وهو قول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ))[40].
وتكررت ذات المواقف المشرّفة التي جرت في الكوفة في قصر يزيد والشام، فقد روي عن فاطمة بنت الحسين(عليهما السلام) قولها: (ولمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، يعنيني... فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمّتي زينب... فقالت عمّتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله، ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد، وقال: كذبت والله، إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت. قالت: كلا والله، ما جعل الله لك ذلك، إلّا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بغيرها. فاستطار يزيد غضباً، وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك. قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً. قال: كذبت يا عدوّة الله. قالت له: أنت أمير تشتم ظالماً، وتقهر لسلطانك... وعاد الشامي، فقال: هب لي هذه الجارية. فقال له يزيد: أعزب، وهب الله لك حتفاً قاضياً). وفي رواية أُخرى: (قالت أُمّ كلثوم للشامي: اسكت يا لكع الرجال، قطع الله لسانك، وأعمى عينيك، وأيبس يديك، وجعل النار مثواك، إنّ أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء)[41].
أمّا الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) فكانت له مهمّة أُخرى من بين الأسرى، فكما كان يحافظ على عزّة وشرف البيت العلوي ويصونه، كذلك كانت في عهدته مهمّة الإمامة والقيادة، فهو مبلّغ لرسالة كربلاء ورسالة الإمامة، فيتحدّث مع الناس ويعرّفهم ويبيّن هدف الإمام الحسين(عليه السلام) من حركته، ويعلم أنّ موضع إلقاء الخطاب أصبح غصباً وقهراً بيد يزيد؛ لهذا طلب في آخر جدال مع يزيد أن يرتقي تلك الأعواد التي أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف الطاغوت، فقَبِل يزيد مكرهاً، وأتمّ الإمام الحجّة على الناس قائلاً: (فمَن عرفني، فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا أُعرّفه نفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن مروة والصفا... أنا ابن محمّد المصطفى... أنا ابن علي المرتضى... أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن مَن ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن مَن رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن مَن حرمه من العراق إلى الشام تُسبى)[42]. وبيّن بعد ذلك الحقيقة التي يمثّلها أهل البيت(عليهم السلام) بقوله: (أيّها الناس، إنّ الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا).
عندما وصل الإمام السجاد(عليه السلام) الذي كان شعاره: (ما أُحبّ أنّ لي بذُلّ نفسي حُمر النعم) ـ إلى هذا المقطع، وصار الناس يضجّون ويصرخون، خاف يزيد من انقلاب الأُمور عليه؛ فقاطعه وأمر المؤذّن أن يرفع صوته بالأذان، فعندما قال المؤذّن: (الله أكبر) قال الإمام: (لا شيء أكبر من الله. فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. قال علي ابن الحسين: شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي. فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله. التفت من فوق المنبر إلى يزيد، فقال: محمّد هذا جدّي أُمّ جدّك يا يزيد؟! فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فلِمَ قتلت عترته؟) [43].
وبهذا استطاعت هذه الأُسرة العزيزة الأبيّة التعريف بنفسها، وكشف القناع عن وجوه أعدائها، رغم كلّ العناء وجراحات الحرب والأسر، وقد تجلّت فيهم معاني الإحساس والعلم والثبات والعزّة التي ورثوها من آبائهم الطاهرين(عليهم السلام)، وبيّنوا ذلك أمام الناس الذين كانوا يظنّون أنّهم قد قهروهم وغلبوهم.
وبعد فترة عادت هذه الأُسرة برؤوس شامخة إلى مدينة النبي(صلى الله عليه واله)، دون أن تصدر منها جملة واحدة بعيدة عن أخلاقها الرفيعة، ولطالما كان هذا المعنى متجلّياً في أدعية الإمام السجاد(عليه السلام)، حيث يقول: (ذلّلني بين يديك، وأعزّني عند خلقك، وضعني إذا خلوت بك، وارفعني بين عبادك).
النتيجةانتهت ملحمة بيت علي(عليه السلام) في الأسر بالنصر والغلبة، وعدم الهزيمة، والغيرة والحميّة، كما أنّ ورثة العزّة العلوية المستمدّة من عزّة الله وعزّة رسوله(صلى الله عليه واله)، كانوا بحقّ مجسّدين لمعنى روح العبودية، والتسلّط على النفس، والاتصاف بالقناعة، وتجنّب الطمع، والاتصال بمنبع فيض الرحمة الإلهية التي تتفجّر من اسمه العزيز، حتّى جسّدوا معنى الحديث القائل: (المؤمن أصلب من الجبل) . وقد أكرمهم الله بخصال ثلاثة: (العزّة في الدنيا، والفلح في الآخرة، والمهابة في صدور الظالمين)
وتُعدّ كربلاء وأسراها اليوم مظهراً للاستقامة والعزّة التي ستبقى مشعلاً متلألئاً إلى الأبد عند شيعة أهل البيت(عليهم السلام)، داعية المسلمين وجميع الأحرار في العالم إلى التمسّك بهذا الاسم العظيم من أسماء الله تعالى.
الدكتورة معصومة ريعان
[1] الراغب الإصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن: ص563.
[2] المصدر السابق.
[3] الصافات: آية2.
[4] ص: آية2.
[5] الراغب الإصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن: ص563.
[6] اُنظر: النراقي، أحمد، جامع السعادات: ج1، ص235.
[7] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص63.
[8] النراقي، أحمد، جامع السعادات: ج1، ص235ـ 236.
[9] اُنظر: حق پناه، رضا، عزت از منظر قرآن وسنّت (العزّة من منظار القرآن والسنّة): ص131.
[10] اُنظر: المصدر السابق.
[11] النراقي، أحمد، جامع السعادات: ج1، ص235.
[12] المصدر السابق.
[13] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج64، ص362.
[14] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص234.
[15] نجفي حسيني، محمد، أنوار درخشان (الأنوار الساطعة): ج16، ص378.
[16] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص63.
[17] اُنظر: المصدر السابق.
[18] روي عن رسول الله(صلى الله عليه واله) قوله: (لا يحلّ للمؤمن أن يذلّ نفسه). ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، التمهيد: ج23، ص284. وروي أيضاً أنّه قال: (اطلبوا الحوائج بعزّة الأنفس). ابن عساكر، علي ابن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج53، ص70.
[19] محمد عبدة، شرح نهج البلاغة: ج2، ص51.
[20] أبو الفرج الإصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين: ص46.
[21] المصدر السابق: ص35.
[22] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلی الطفوف: ص59.
[23] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص219.
[24] الثعالبي، عبد الملك، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر: ج5، ص53.
[25] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص81.
[26] الدينوري، أحمد بن داوود، الأخبار الطوال: ص251.
[27] ابن أبي الحدید، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج3، ص263.
[28] أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين(عليه السلام): ص204.
[29] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص109.
[30] المصدر السابق: ص109ـ110.
[31] المصدر السابق: ج45، ص110ـ 111.
[32] المصدر السابق: 112.
[33] المصدر السابق: ص113.
[34] المصدر السابق.
[35] المصدر السابق
[36] أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين(عليه السلام): ص205.
[37] ابن نما الحلي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص71.
[38] ابن اعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص123.
[39] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص118.
[40] ابن طيفور، أحمد بن أبي طاهر، بلاغات النساء: ص21. اُنظر: الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص35. ابن نما الحلّي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص80.
[41] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص137.
[42] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص305.
[43] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص139.
اترك تعليق