الحرف العربي.. بين هندسة التصميم والتجريد الزخرفي

اتجه ألفن الإسلامي نحو الرسوم الهندسية وفنون الزخرفة التي عرفت في فنون الحضارات المختلفة التي سبقت الحضارة الاسلامية، فأنتج اشكالاً منظمة قائمة بذاتها وزخارف تحتويها الإشكال الهندسية والنباتية  والحروف العربية والكلمات، حتى أصبح لهذا اللون من الفن مكانة مهمة واصبح يفوق جميع الفنون السابقة بتكويناته وابتكاراته الهندسية والنباتية، إذ عبر عن براعة الفنان المسلم التي لم تكن وليدة الموهبة الطبيعية فحسب بل كانت تعتمد أيضاً على علم وافر بالهندسة العلمية والتأمل الدائم لخلق الله جل وعلا.

ولعل عناية الفنان المسلم بالزخارف والهندسية منها على وجه الخصوص وشغفه بها يرجع إلى الفكرة السائدة حول تحريم أو كراهية تصوير الكائنات الحية في الإسلام، فشكوك الفنان المسلم ومخاوفه في هذه المسألة جعلته ينصرف عنها ويتجه بكل جهده نحو الأشكال الهندسية والكتابية ويطورها، فحين وجد بين يديه الأشكال الهندسية أنصرف نحوها وابتكر منها أشكالا جديدة، حتى احتلت مكانة مرموقة في ابداعاته وأصبحت ميزة مهمة امتاز بها الفن الإسلامي دون غيره، فقد نأى الفنان المسلم بزخارفه الهندسية عن إظهار الحقائق المظهرية للعالم، واقترب بتجريداته هذه مما هو جوهري مرتبط بالحقيقة المطلقة - وجود الله الخالق -، فجاءت زخارفه لتُظهر الكائنات في صورتها الجوهرية، من حيث انبعاثها من مصدرها ومنشئها وارتدادها إليه بحركة متجددة ، فهي بحركاتها وخطوطها المستقيمة والمتشابكة تشير الى علاقة الجوهر الواحد بجميع المخلوقات في إيجادها وانبعاثها منه ومرجعها إليه.

و بالرغم مما يبدو في الزخارف الهندسية الإسلامية من تشابك وتعقيد فأنها في حقيقتها تعتمد على أصول وقواعد رياضية بسيطة، كان من بينها تقسيم المساحة إلى أجزاء متساوية ومن ثم توصيل النقط ببعضها البعض للحصول على أشكال مختلفة، ومن أبرز تلك الزخارف ما يمثل الأطباق النجمية والنجمة الثمانية .. كما برع الفنان المسلم في استخدام أشكالاً هندسية مختلفة و متعددة في زخارفه الهندسية كالدوائر المتماسة والمتجاورة والمثلثات وانصاف الدوائر والخطوط المتضافرة و المنكسرة والمتشابكة، والتي وظفها بدراية في مجال الخط الكوفي وغيره من الخطوط العربية التي اعتبرت من الفنون المقدسة عند المسلمين ، فالخط هو الوسيلة الوحيدة التي كتب بها كلام الله عز وجل وخط به القرآن الكريم، فالفنان المسلم لم تتجلَ عبقريته في ناحية من نواحي الفن بقدر ما تجلت في فن الخط العربي الذي اتخذ منه عنصراً زخرفياً ابتكره ذهنه، وأبدع فيه فأتقن الإبداع.

فحين أدرك الفنان المسلم أن الخط العربي يتصف بالخصائص التي تجعل منه عنصراً زخرفياً طيّعاً، يحقق من خلاله الأهداف الفنية، استخدمه استخداما زخرفياً بحتاً.. وأصبحت الزخارف الكتابية من مميزات الفنون الإسلامية التي اتخذها الفنان عنصراً حقيقياً من عناصر الزخرفة الإسلامية، فعمل بإبداعه على رسم رشاقة الحروف وتناسق أجزائها، وتزيين سيقانها ورؤوسها وأقواسها بالفروع النباتية والوريقات، ليصبح الخط العربي عاملاً مشتركاً في جميع فروع الفن الإسلامي، إذ نراه حاضراً على جدران العمائر الإسلامية كالمساجد والقصور والاعمال الفنية الخزفية واشغال الخشب والعاج والأقمشة والمعادن، وقد تعددت أنواع الخطوط العربية التي لها إمكانية التشكيل الزخرفي والوظيفي في الفن الإسلامي كالخط الكوفي بأنواعه المتعددة وخط النسخ والثلث والرقعة وانواع الخطوط الاخرى.. وقد بدت عظمة الخط الكوفي دون سواه في فن الزخرفة الاسلامية، فقد بدأ بسيطاً حتى بلغ قمة ازدهاره حينما أخذ يميل نحو التوريق والتزهير.. إذ أخذت حروفه تنتهي بأغصان ووريقات تتغلغل بين الاشكال الاخرى لتكسبها اعلى سمات الجمال وتكون مؤثرة في نفس المتلقي دون ادنى شك.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات