فيض الجمال..

وجد الفن الاسلامي بشكل عام والزخرفي بشكل خاص مساحة واسعة للظهور في نتاجات الفن المعماري واماكن العبادة ولاسيما المساجد منها، اضافة الى تزيين المصاحف الشريفة والمصادر المعرفية المتنوعة, حتى اصبحت تلك الزخارف تجد لها افقاً رحباً فيما بعد في شتى المجالات.. من خلال التداخل مع البنى المتجاورة الاخرى كالتصوير والخزف والخط العربي والمنسوجات وغيرها من نتاجات الفنون المختلفة.

لقد استحدث المسلمون فكرة بناء المسجد وتصميمه الفني المعماري من خطة المسجد النبوي التي وضعها ونفذها رسول الله صلى الله عله وآله.. الذي يعد النموذج الأول لفن عمارة المساجد  بما يتلاءم مع روح الاسلام التي تمتاز بالوضوح والبساطة والزهد،

فبعد ان شيد النموذج الاول لفن عمارة المساجد على يد رسولنا الاعظم صلوات الله عليه وآله في المدينة المنورة، عمد كثير من الفنانين الى تطوير عمارة المسجد النبوي وإخراجها من هيئتها المبسطة الى اخرى تميزت بجماليتها الاخاذة بما يتوافق وروح العصر، وبالخصوص بعد توسع رقعة الدين الاسلامي الجغرافية في ارجاء المعمورة وامتزاج ثقافتنا العربية بثقافات الامم الاخرى وانعكاسها في مجالات متعددة ومنها فنون العمارة الاسلامية بتنوع خاماتها البنائية وتنوع نقوشها واشكال قبابها واعمدتها الرخامية ورقوش ابوابها وجدرانها، حتى وصلت الى ما آلت اليه اليوم من جماليات تملك النفوس والقلوب عند التعرض اليها.. ولنا ان نطلع على بعض من تللك التكوينات الجمالية المزينة للمسجد النبوي الشريف والتي تداعب الروح بفيض جمالها.

الابواب والمداخل الرئيسية للمسجد المطهر

 وهي متمثلة بمجموعة من الابواب المتجاورة والمتماثلة من حيث الشكل العام ومن حيث التفاصيل الزخرفية  الموجودة فيها ، إذ يلاحظ ان كل باب من تلك الابواب أخذت بعداً استطالياً زخرفياً ، وقد احيطت كل منها من الأعلى  بتشكيل زخرفي هندسي مقوس أخذ شكل القبة محاط بعقد محمول على زوج من الأعمدة الرخامية ذات التيجان الذهبية والى الأعلى  من تلك العقود يُلاحظ وجود لطلعة معمارية مؤلفة من شريط زخرفي أخضر ذات تنظيم خطي .

وقد صممت كل باب من تلك الابواب على وفق نظام محوري متماثل واحيطت باطار خشبي جوزي اللون من جوانبها الثلاثة الأيمن والأيسر (العموديين) والأعلى (الأفقي)، والباب الواحدة بشكلها العام تتكون من جزئين : جزء علوي ذو مساحة صغيرة مستطيلة خشبية تحوي صفاً مكوناً من (ست) وحدات هندسية تشبه العقود المحمولة على أعمدة ، وجزء أسفل منه يحتل مساحة الباب المتبقية وهو محاط بإطار ذهبي أصم والى داخله إطار ذهبي آخر مزخرف بخطوط ملتفة ، والى الأعلى  من هذا الجزء يلاحظ وجود لشريط زخرفي ذهبي مستطيل الشكل كُتب على جانبيه لفظ الجلالة (الله) فيما شُغل الجزء الوسطي منه بزخارف هندسية معينية متداخلة ومتراكبة . والى الأسفل من هذا الجزء يلاحظ وجود لبناء زخرفي هندسي ، صُمّم وفقاً لتنظيم شبكي معيني تكررت الوحدة المعينية فيه بصورة منتظمة وقد برزت كوحدة تصميميه فاعلة تشكلّت من مادة الخشب المتراكب والمكون من (اربع) قطع خشبية مستطيلة داخل المعين الواحد والتي طُعّمت بمعين ذهبي اصغر منه يحتل المركز يحوي في داخلهِ على شكل كروي مركزي.. ومن الملاحظ لمن يجوب رحاب المسجد النبوي وجود باب مميزة يطلق عليها اسم باب وضع الجنازة.. وهي تمتاز بكونها عمودية وتتسم بالاستطالة ومحاطة باطار من الخشب الصاج، وتتألف من جزئيين طويلين متماثلين من حيث الأبعاد والبناء الزخرفي ، ومن شكل دائري يربط بين الجزئين من الأسفل ، يتألف من منطقة دائرية مركزية خضراء اللون تنطلق منها إشعاعات خطية الى الخارج وقد أُحيطت تلك الإشعاعات بإطار دائري ، إذ يلاحظ إنها صممت على وفق نظام بؤري شعاعي، ويبدو إن البناء التصميمي الزخرفي لهذه الباب يعتمد على النزعة الهندسية الواضحة إذ يتشكل من خلال ارتباط العناصر الزخرفية  التكرارية لشكل النجمة الثمانية من جهة والأشكال التماثلية التي ملأت المساحات الموجودة بين تلك الأشكال الزخرفية  التكرارية من جهة أُخرى، وقد أعطى هذا الترتيب الزخرفي نظاماً تصميمياً هندسياً يعتمد صفة التماثل .

2. زخارف المحراب

 يتألف المحراب النبوي من بناء عمودي يعتمد النظام المحوري المتماثل عمودياً من حيث توزيع المساحات المعمارية والزخرفية  من الداخل و الخارج ، وهو يأخذ شكلاً مستطيلاً يضم في داخله بناءاً معمارياً عقدياً نصف دائري محمولاً على زوج من الأعمدة الذهبية ، ويحيط بهذا العقد من الخارج إطار زخرفي كتابي مذهب قوامه مجموعة من الآيات القرآنية المباركة ، والى داخلهِ إطار آخر يحيط بالعقد اتبع المزخرف في تكوينه تنظيماً زخرفياً خطياً قوامه تشكيلات زخرفية سوداء اللون تفصل بينها مساحات بيضاء تتوسطها نقطة سوداء وقد تكررت تلك الوحدات بشكل متتابع لتملأ مساحة الإطار بأكمله .فيما شُغلت المساحتان الواقعتان على جانبي العقد بزخرفة نباتية غصنية نفذت باللون الأسود على أرضية بيضاء .

أما العقد نفسه فقد زُين بمجموعة من الخطوط المتعرجة المتلائمة مع انحناءة العقد والتي تنطلق الى الخارج بصورة شعاعية لتنتهي بعناصر نباتية قوامها زهرة بسيطة متعددة الفصوص نُفذّت بالتناوب بالأسود على أرضية بيضاء لتنتج عنها الأشكال نفسها .

والى أعلى المحراب نلاحظ إن هنالك تشكيلاً زخرفياً نباتياً مذهباً أخذ هيئة التاج المكون من جزئين متماثلين من حيث التنظيم الزخرفي واللذين يرتبطان مع بعضهما من الوسط بتشكيل زخرفي آخر يمثل قمة التاج ، كما نلاحظ وجوداً لزخرفة كتابية ذهبية محصورة داخل مساحة مستطيلة احتلت الجانبين الأيمن والأيسر للمحراب بصورة متماثلة قوامها آيات من القرآن الكريم ، والى الأسفل من هاتين المساحتين المستطيلتين ، نلاحظ وجوداً لمساحتين مستطيلتين عمودياً ، يتوسط كل منهما شريط اسود عريض قائم على أرضية بيضاء اللون .

وفي داخل المحراب توجد مساحة مجوفة تجويفاً بسيطاً مكونة من (ثلاثة) أجزاء ، تمثل الجزء العلوي بمجموعة من الزخارف المذهبة والمتداخلة والى أسفلها شريط زخرفي كتابي لآيات من القران الكريم ، فيما تمثل الجزء الوسطي بمجموعة من الزخارف الهندسية ذات الطابع النجمي المؤلف من (12) رأساً والتي ارتكزت على الشكل الدائري وعلى الوحدات الزخرفية  الهندسية البسيطة التي تكررت بصورة واضحة لتملأ المساحة الوسطية برمتها ، أما الجزء السفلي والأخير فقد تمثل بمجموعة من الأقواس الاستطالية العمودية المتراصفة مع بعضها البعض .

3. زخارف المنبر النبوي

يتألف المنبر النبوي من جزئين رئيسيين ، (الجزء الأول) يتمثل بباب المنبر ، وهي باب طولية عمودية تجمع بين مواد الرخام والخشب والمعدن ، متوجة بعناصر زخرفية كأسية مذهبة متكررة على ضلعين مائلين الى الأسفل ويلتقيان مع بعضهما بوحدة زخرفية كأسية من الأعلى  ، ويتوسط هذا التكوين الزخرفي مساحة هندسية خضراء اللون خُطّت عليها عبارة (لا إله الا الله ، محمد رسول الله) باللون الذهبي على أرضية خضراء ، والى الأسفل من هذه المساحة الزخرفية  يلاحظ وجود لصف من الخطوط العمودية الصغيرة المدورة المنفذة باللون الذهبي والتي انتهت من الأسفل بقواعد خضراء اللون ويحيط بتلك الخطوط من الأسفل شريط ذهبي خالي من الزخرفة تليه مساحة طولية عمودية مؤطرة بإطار  ذهبي رفيع ثُبّت على جانبيه عمودان ذهبيان رفيعان مزخرفان بمجموعة من الخطوط الملتوية من الأعلى  الى الأسفل . والى داخل الإطار الذهبي يلاحظ وجود لمساحة مستطيلة أفقية إحتلت الجزء العلوي مكونة من (ثلاثة) أشرطة ، كل شريط يحوي على (أربع) وحدات تكوينية هندسية متماسكة خُطّت بداخل كل منها عبارة تختلف عن العبارات الأخر باللون الذهبي على أرضية خضراء. ويلي هذهِ المساحة المستطيلة افقياً ، مساحة أُخرى إحتلت الجزء المتبقي من الباب ، وهي عبارة عن مساحة مستطيلة عمودياً تضم بداخلها تكويناً مقوساً بقوس مدبب من الأعلى  وذا تجويف بسيط يحوي بداخلهِ على باب خشبية ، وقد حُددت انحناءة القوس بإطار ذهبي أيضاً . مما شَكّل مساحتين هندسيتين تقعان على جانبي القوس شُغلت بزخارف نباتية مذهبة قوامها أزهار وأوراق نفذت بصورة مائلة لتتلائم مع انحناءة القوس على أرضية خضراء اللون . اما الباب الخشبية الداخلية المقوسة فقد تكونت من جزئين متماثلين ، كتب على الجزء الاول عبارة ( لا اله الا الله )، وعلى الجزء الثاني عبارة (محمد رسول الله) ، وقد وضعت كل من العبارتين داخل مربع إحتل الجزء العلوي من الباب ، والى أسفل هاتين العبارتين نجد ان هنالك تشكيلاً زخرفياً تجميعياً اعتمد الطابع الهندسي الذي تكون من شكل معيني وشكل مربع تكررت وحداتهما بصورة واضحة لتملأ مساحة الباب بأكملها .

أما (الجزء الثاني) من المنبر فيمثل المكان الذي يرتقيه الخطيب وهو أعلى من الجزء الأول ، ويُصعد اليه بسُلّم ، وهو مؤلف من (أربعة) أعمدة رخامية بيضاء اللون متوجة بتيجان ذهبية تحمل عقوداً مقوسة نصف دائرية ، يعلوها تكوين معماري يحمل بدورهِ قبة خضراء صغيرة ، ويلاحظ وجود لعناصر كأسية زخرفية منفذة باللون الأخضر والذهبي تكررت على الجهات الأربع في الجزء العلوي الحامل للقبة والى الأسفل منها شُغلت المساحات المحيطة بانحناءات العقود بحشوات زخرفية نباتية نفذت باللون الذهبي على أرضية خضراء . وفي الجهات الثلاث المحيطة بالسلم الرابط بين الجزء العلوي والسفلي للمنبر يُلاحظ وجوداً لزخرفة هندسية إعتمدت التداخل في الوحدات المعينية والمربعة وهي تشبه الى حدٍ ما الزخرفة الموجودة على باب المنبر الخشبية .

4. زخارف القبة من الداخل

وهنا نرى ان باطن القبة يتألف من تشكيل دائري زخرفي اتبع نظاماً زخرفياً بؤرياً شعاعياً ، إذ إنه يتكون من نقطة مركزية دائرية تحيط بها دائرتان اكبر منها ، ويحيط بالدوائر الثلاث تشكيل زخرفي هندسي قوامه نجمة ذات (16) رأساً تنطلق منها اشعاعات خطية متراكبة لتكوّن اشكالاً هندسية مختلفة الأضلاع ناتجة من تكرار شكل هندسي سداسي الأضلاع يتكرر حول النجمة بشكل شعاعي مما يكوّن اشكالاً معينية من الداخل تنحصر بين النجمة والاشكال الهندسية السداسية ، وأشكالاً خماسية الأضلاع من الخارج تحيط بالتكوينات الزخرفية  الداخلية. كما يلاحظ أن الأشكال الهندسية الخماسية والسداسية الأضلاع قد إحتوت بداخلها على مساحات زخرفية صغيرة إحتلت منطقة الوسط وأخذت شكل الإطار الخارجي الذي يحيط بكل وحدة هندسية منها ، وتقوم تلك المساحات الزخرفية  الصغيرة على مجموعة من الأغصان الملتفة مكونة اشكالاً زخرفية نباتية رائعة .

من هنا نستطيع التمييز ان طبيعة وهيئة الزخرفة الهندسية المستخدمة في التزيين الداخلي لمرافق المسجد النبوي المشرف، ترتبط ارتباطا وثيقا بالبنية السطحية للمبنى، فهي هنا – الزخرفة المعمارية – تمثل نوعا من الإعلان المعماري الجمالي المتغير الاحجام والقياسات.. ويبدو ان هذه احدى الصفات المتغيرة في الزخارف المعمارية.. وذلك تبعاً لمتغيران العناصر البيئية والخامات والموقع المكاني للوحدات الزخرفية داخل او خارج العمائر الاسلامية.

اعداد : سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات