الشيخ مفلح الصيمري .. قبسٌ في جوٍّ مُعتم

في عصر يضج بالاضطرابات السياسية وتسوده الأوضاع الاقتصادية والأمنية المزرية خبت جذوة العلم والأدب إلا من أصوات قليلة أبقت الروح العلمية والأدبية نابضة رغم الأجواء المأساوية التي أنست الناس هذين التوجهين نتيجة النكبات المتتالية والمحن والاضطرابات والمجاعات التي مرت بها البلاد إبان الصراع الطويل والدامي بين العثمانيين والصفويين والذي شل الحركة العلمية والأدبية وأدى إلى تخريب المدارس وإثارة النعرات الطائفية وتفشي الجهل والفوضى والوباء.

ولكن رغم الحوادث المؤلمة التي مر بها الناس ومن ضمنهم العلماء والأدباء إلا أن هناك منهم من لم تقف كل هذه الأحداث عائقاً في طريقه لطلب العلم والأدب فأذاب عصارة فكره زيتاً لإيقاد قنديل المعرفة وحفر اسمه في سجلها في خضم أسوء الأوضاع وأقساها.

ومن هؤلاء العالم والفقيه والأديب الشيخ مفلح الصيمري الذي أضاء من علمه طريق الهداية للناس فألف رسالته العلمية (غاية المرام في شرح شرائع الإسلام) التي أخذ عنها كبار علماء الشيعة وكان الناس في أمس الحاجة إليها لمعرفة أحكام دينهم ودنياهم إضافة إلى مؤلفاته القيمة الأخرى.

اسمه ونسبه

ذكر نسبه السيد الأمين فقال: الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد أو رشيد بن صلاح الصيمري البحراني. (1)

وقد اختُلف في اسم أبيه بين حسن وحسين, كما اختلف في اسم جده بين راشد ورشيد, لكن العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني يشير إلى اسم أبيه وجده الصحيحين بقوله: الذي وجدناه في جميع النسخ ابن الحسن مكبراً حتى في إجازته التي بخطه لناصر بن إبراهيم البويهي, فما في نسخة الأمل المطبوعة من أنه ابن الحسين غلط, وفي رسالة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني التي كتبها في ذكر بعض علماء البحرين في نسخة: ابن الحسن بن رشيد, وفي أخرى: ابن راشد وفي اجازة الشيخ مفلح لناصر بن إبراهيم البويهي التي بخطه سنة 873 هكذا: مفلح بن حسن بن رشيد بن صلاح الصيمري (2) كما أكد قول الطهراني الشيخ سليمان الماحوزي (3) والشيخ علي البلادي البحراني (4).

ولم تذكر المصادر شيئاً عن والده ورجّح الطهراني أنه كان مغموراً ولم يكن من العلماء حيث يقول: إما والده فلعله لم يكن من العلماء لأن الشيخ سليمان في الرسالة المذكورة ذكر الشيخ مفلح وابنه الحسين بن مفلح ولم يذكر والده ولو كان من العلماء لذكره ويحتمل سقوطه من قلمه أو تركه له ككثير من مشاهير البحرانيين.

لكن الطهراني يورد احتمالا بأن للشيخ مفلح نسب عريق في العلم حيث يذكر بعضاً من أسماء العلماء تتحد مع أسماء أجداده فيقول: ويحتمل اتحاده مع الحسن بن محمد بن راشد البحراني صاحب نظم ألفية الشهيد أو الحسن بن محمد بن راشد صاحب كتاب مصباح المهتدين.

نسبته ولقبه

جاء لقبه الصيمري من صَيْمَرَة وهو اسم أعجمي تحمله بلدتان أحدهما منسوب إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمري عليه عدة قرى وأما الصيمرة فبلدة بين ديار الجبل وخوزستان (5)

وقالت أغلب المصادر أن الشيخ مفلح أصله من صيمر البصرة ثم انتقل إلى البحرين وسكن قرية سنماباد لكنه غادرها لظروف قاهرة ثم رجع إليها حتى وفاته فيها واستدلوا على ذلك بقوله:

وما أسفي على البحرينِ لكن   ***   لإخوانٍ بها لي مؤمنينا

دخلنا كــــــــــارهين لها فلما   ***   ألفناها خرجنا كارهينا

ويشير الصيمري في نفس القصيدة إلى الظلم الذي لحق به في البحرين والذي دعاه إلى هذه المغادرة التي شبهها بمغادرة أبي ذر المدينة كرهاً حينما نُفي إلى الربذة فيقول:

ألا من مبلغ الإخوان أني   ***   رضيـتُ بسنّةِ الفجّـــارِ فينا

ففعل مثـــل عثمانٍ وإني   ***   كـ (جنـدب) للولاية قد نفينا

ولادته ووفاته

لم تذكر المصادر سنة ولادته, كما واختلف المؤرخون في سنة وفاته فروى الشيخ عبد الله المامقاني أنه توفي سنة (900هـ) (6) وقال غيره سنة (933هـ), لكن الصحيح ما ذكره المامقاني, فالتاريخ الثاني هو تاريخ وفاة الشيخ حسين بن الشيخ مفلح كما ذكر ذلك عبد الله الأصفهاني (7) والسيد محمد مهدي بحر العلوم (8) والمامقاني (9)

وتشير بعض مؤلفات الشيخ مفلح إلى أنه كان حيا سنة (878 هـ) وهي السنة التي أرخ فيها إكمال كتابه: (كشف الإلتباس) وقد أشارت المصادر إلى أنه كان معاصراً للشيخ المحقق زين الدين علي الكركي الذي توفي سنة (870 ــ 940 هـ) والشيخ جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي (757 ــ 841 هـ) الذي كان أستاذه.

كما ذكر مترجموه أنه جاوز الثمانين عاماً عند وفاته وهذا يعني أنه قد ولد حوالي سنة (820 هـ)

أما قبره فهو في قرية سنماباد وهو قبر مشهور يزار وإلى جنبه قبر ولده الشيخ حسين وقد بني عليه مسجد وقد جدد بناؤه عام 1997م.

أساتذته وتلاميذه

أجمعت المصادر على أنه درس على يد العلامة الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي الذي كان قدوة في العبادة والزهد حتى لقب بـ (جمال الناسكين) ويروي عنه في كتبه وحسبه فخراً أن يكون معلمه هذا العالم الكبير الذي تزعم  المرجعية الدينية والعلمية الشيعية بعد استشهاد الشهيد الأول محمد بن مكي (رضوان الله عليه). وقد ذكر إسماعيل البغدادي (10) والميرزا محمد باقر الخوانساري (11): أن الشيخ مفلح الصيمري سكن الحلة الفيحاء

أما تلاميذ الصيمري فأبرزهم ابنه العالم الجليل والفقيه الكبير الشيخ حسين بن مفلح الصيمري صاحب المؤلفات العلمية الكثيرة ولم تذكر المصادر غير هذا التلميذ غير أن أغا بزرك الطهراني ذكر له إجازة بخطه لناصر بن إبراهيم البويهي وعده من تلاميذه (12) لكن الشيخ جعفر الكوثراني العاملي نفى هذه التلمذة وقال:

وما ذكره بعضهم من أن المجاز هو ناصر بن إبراهيم البويهي فليس في محله، لأن المذكور متوفى سنة ٨٥٣ هـ وتاريخ الإجازة بعد هذا، فيدل على أنها لم تكتب له. (13)

 مؤلفاته

1 ــ غاية المرام في شرح شرائع الإسلام:

لعل أول ما يطل علينا من عناوين مؤلفات الصيمري هو هذا الكتاب الذي يدل عنوانه على مضمونه والذي يعد من أهم كتبه ويقع في أربعة مجلدات وقد حققه الشيخ جعفر محمود الكوثراني العاملي وقدم له مقدمة وافية يقول منها: (ويعد الموسوم منها بـ ــ غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ــ أولها ومن أهمها، نظراً لمنزلة مؤلّفه العلمية، وما يمثله في تلك الحقبة الزمنية، وما احتواه هذا الكتاب من الفروع والتحقيقات والفوائد والتنبيهات.

ثم يقول مبيّناً قيمته العلمية:

ومن هنا وقع اختيارنا على هذا الكتاب لإخراجه بحلة تتناسب مع ما يمثله من قيمة علمية وتراثية.

وقال عنه البحراني في أنوار البدرين: ولعله أول شروح الشرائع.

وقد نقل عن هذا الكتاب أفذاذ العلماء منهم: السيد محمد جواد العاملي، والسيد الطباطبائي، والشيخ الأنصاري, والشيخ صاحب الجواهر وغيرهم من الأعلام.

2 ــ كشف الالتباس في شرح موجز أبي العباس. وهو شرح الموجز لأستاذه ابن فهد الحلي

3 ــ مختار الصحاح

4 ــ تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف 3 مجلدات

5 ــ جواهر الكلمات في العقود والايقاعات.

6 ــ إلزام النواصب بخلافة علي بن أبي طالب

7 ــ التنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه.

8 ــ التبيينات في الإرث والتوريثات

9 ــ عقد الجمان في حوادث الزمان. وهو مختصر كتاب مرآة الزمان لليافعي ويعد أحد مصادر موسوعة أعيان الشيعة.

١٠ ـ رسالة في تكفير ابن قرقور

١١ ــ رسالة في الطواف

١٢ ــ ديوان شعر

قالوا فيه

 لا بدع أن يتصدر الشيخ مفلح صدارة الثناء في صفحات المصنفات وينتزع كلمات التبجيل والتعظيم من أعلام العلماء بعد أن أفنى عمره عطاء

يقول فيه الحر العاملي: فاضل علامة فقيه معاصر للشيخ علي بن عبد العالي الكركي (14) كما وصفه الشيخ سليمان البحراني: بالفقيه العلامة

وقال عنه الشيخ علي البلادي في أنوار البدرين: من رؤساء الطائفة المحقّة، وفتاويه كثيرة منقولة مشهورة في كتب الأصحاب. (15)

وقال عنه الشيخ عبد الله الإصفهاني: من مشاهير العلماء. (16)

وقال عنه الشيخ يحيى بن عشيرة البحراني ــ تلميذ ولده الشيخ حسين ــ : الشيخ الأجل مفلح، صاحب التحقيقات الباهرات، صنف كتباً جمّة. (17)

وقال الزركلي: فقيه أمامي.. (18)

وقال الشيخ عباس القمي: شيخ فاضل مدقق محقق علامة فقيه نبيه معاصر محقق كركي وتلميذ ابن فهد حلي صاحب غاية المرام في شرح شرايع الإسلام وكشف الإلتباس (19)

شعره

لم ينحصر عطاء الصيمري على الفقه والإفتاء فأمَامَنا عالم كبير وفقيه متبحر وشاعر من طراز رفيع وكما سخر فقهه وعلمه من أجل المذهب والشريعة فقد كرس شعره من أجل أهل البيت (ع) فمدحهم ورثاهم وأبرز فضلهم وبين مثالب أعدائهم بأسلوب بلاغي وقدرة شعرية كبيرة دلت على مكانته المتميزة في عالم الشعر

وإذا رأيناه علما من أعلام الفقه والتأليف فهنا نراه رمزا من رموز الشعر والأدب فتميز شعرا كما تميز فقها فشعره من الطراز الرفيع الذي تجلى بدقة الوصف وجودة السبك وقوة المعنى وهو بهذه الخصائص شعر كثير كما وصفه السيد محسن الأمين في اعيان الشيعة حيث قال: له شعر كثير في مناقب أهل البيت وفي المثالب

ومما يؤسف له أن أغلب هذا الشعر قد ضاع فالموجود منه هو ما جمعه المحقق الكبير العلامة الشيخ محمد طاهر السماوي من قصائد فكان في (12) صفحة كل صفحة تحتوي على (22) بيتا سماه (ديوان الشيخ مفلح) وهذا يعني أن كل ما في الديوان هو (264) بيتا فقط وهذا العدد لا ينطبق على قول السيد الأمين بأن: له شعر كثير في مناقب أهل البيت وهذا الشعر الباقي يرجع الفضل في وصوله إلينا إلى المحققين الأفاضل والمؤلفين الكرام الذين دونوا في مؤلفاتهم ومصنفاتهم آثار علمائنا الأعلام ونتاجات أدبائنا الكبار وحافظوا عليها من الضياع والنسيان ومن الكتب التي دونت قصائد الصيمري منتخب الطريحي (أشعار مفلح الصيمري) (20) وقد نقل عنه بعضا من هذه القصائد السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة والسيد جواد شبر الذي نقل قصيدتين للشاعر  تبلغ الأولى (37) بيتا والثانية (40) بيتا (21)

فلا ننكر فضل أياديهم البيضاء في الحفاظ على هذا التراث ومن قصائد الصيمري في حق أهل البيت (ع) قوله في الأولى التي يستهلها بالشكوى من الزمان الذي يرفع الوضيع ويضع الكريم ولا يرعى للشريف قدرا:

أعدلكَ يــــا هــذا الـزمــــــانُ مُحرّمُ   ***   أمِ الجورُ مــفـروضٌ عـــليكَ مُحتّمُ

أمَ أنتَ ملــــــــومٌ والـــجـدودُ لئـيمـةٌ   ***   فلمْ تــــــرعَ إلّا لـــلـذي هـو ألـومُ

فشـأنُـكَ تعـظـيــــــــمُ الأراذلِ دائـمـاً   ***   وعرنينُ أربــــابِ الفصـاحةِ ترغمُ

اذا زادَ فـضلُ المـــرءِ زادَ امتـحانُـه   ***   وترعى لمنْ لا فــضلَ فيه وترحمُ

اذا اجتمعَ المعروفُ والديـنُ والــتقى   ***   لشخصٍ رماهُ الدهرُ وهوَ مصمِّمُ

وذاكَ لأنَّ الـدينَ والـعلمَ والـــــــندى   ***   له معـدنٌ أهـلوهُ يُـــــــؤخذُ عنهمُ

ثم يتطرق بالحديث إلى معدن (الـدينَ والـعلمَ والــندى) وهم أهل البيت (ع) وسيدهم أمير المؤمنين ويضمن قوله (ع): (إليك عنّي يا دنيا, غرِّي غيري، إليَّ تعرّضت أم إليَّ تشوّقت ؟ هيهات هيهات ! فإنّي قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيك) 

فمـعــــــــدنُـه آلُ الـنبيِّ محــمــدٍ   ***   وخيرهـمُ صـنوُ النبيِّ المعــظـمُ

فـأقـبلتِ الــــــــدنيا إلـيه بــزيـنةٍ   ***   وألقتْ إليـه نفسَها وهـيَ تبـسمُ

فـأعـرضَ عنـها كـارهـاً لنعيمِها   ***   وقابـلها منه الطـلاقُ المــــحرّمُ

ولكن الدنيا مالت إلى أراذل الخلق الذين ظلموا أهل البيت (ع) وأبعدوهم عن مكانتهم وغصبوا حقهم:

فمـالت إلى أهـلِ الـرذائــــلِ والخنا   ***   وأومت إليهــم أيهـا القومُ اقـدِموا

فشــنوا بها الغـاراتِ من كلِّ جانبٍ   ***   وخصّـوا بهـا آلَ النـبيِّ وصمموا

أزالوهـم بالقهرِ عـن إرثِ جــدهـمْ   ***   عناداً وما شاءوا أحـلّوا وحرّمـوا

وأعظم تلك المصائب والمحن التي جرت عليهم (ع) هي حادثة عاشوراء التي أبكت ملائكة السماء ولا يزال صداها مدوِّيـاً في الآفاق:

وأعظمُ مـن كـــلِّ الـرزايــــــــا رزيـة   ***   مصــــارعُ يومِ الـطفِّ أدهى وأعظمُ

فما أحـدثَ الأيامُ مـن يــــــــومِ أنشئت   ***   ولا حــادثٌ فيـها إلى يــــــومَ تعدمُ

بـأعـظمَ منـها فــــــــي الـزمانِ رزيّـةً   ***   يقـامَ لـها حتى القيـــــــــامـةِ مـأتـمُ

ولم أنسَ سبطَ المصطفى وهو ضامئٌ   ***   يذادُ عــن الــمــــاءِ الـمباحِ ويُحرمُ

تمـوتُ عــطاشاً آلُ بـيتِ محـــــــــمدٍ   ***   ويشربُ هـــــــــذا الماءَ تـركٌ وديْـلمُ

أهذا الـذي أوصــى بـه سـيدُ الـورى ؟  ***   ألمْ تسمعوا أمْ ليسَ في القومِ مسلمُ

سيجمعُنا يـومُ القـــــــــــيامـةِ محـشرٌ   ***   وأقـبلُ فـيه شـــاكيـاً أتــــــــــــظـلّـمُ

فخصـمكمُ فـيـه الـنـبيُّ وحـيـــــــــدرٌ   ***   وفاطـمةٌ ، والســجـــــنُ فـيـه جهـنَّمُ

فـمالـوا علـيهِ بالسـيــــــــوفِ وبـالقنا   ***   فبارزهـم وهو الهـــزبرُ الغـشمشمُ

وحـكّـم فيهـم سمهريــــــــــاً مــقـوّماً   ***   وأبيـضَ لا ينـبـــــــــــو ولا يـتـثلـّمُ

وصـالَ عليـهم صولةً عــــــــــلـويّـةً   ***   فكانوا كضأنٍ صــالَ فيـــهنَّ ضـيغمُ

فنادى ابـنُ سعدٍ بالرمـاةِ ألا اقصدوا   ***   إليـهِ جمـيعاً بالســـــــــهامِ ويمـمـوا

ففـوَّق كـلٌّ سهــــــــمَه وهـو مغـرقٌ   ***   من النزعِ نحو السبـطِ وهـو مُصممُ

فخـرَّ صريعاً فـي التــــرابِ مُعـفّراً   ***   يعـــالجُ نزعَ الســهـمِ والسهــمُ مُحكمُ

ويـأخذُ مـن فـيضِ الــــــوريدِ بـكفّه   ***   ويـــــــرمي به نــحـو السما يــتظـلّمُ

فنادى ابن سعـدٍ مَـن يجيءُ بـرأسِهِ   ***   فسـارَ إلــــــــــــيه الشـمرُ لا يتـــبرّمُ

وبـادر ينـعاهُ الحـصانُ مـــسـارعاً   ***   إلى خِـيمِ النســــــــوانِ وهوَ يحمــحمُ

فلـمّا رأيـنَ المهرَ والـسـرجَ خالـياً   ***   خرجنَ وكلٌّ حـــــــاسرٌ وهـيَ تلـــطمُ

ويقول في آخرها وهو يتوسل إلى الله أن يجعل أهل البيت (ع) شفعاءه يوم القيامة:

أيا ســـــــادتي يــا آلَ بيـتِ محـمدٍ   ***   بكمْ مفلـحٌ مستعصمٌ مستلزمُ

فأنتمْ لـه حــــــــصنٌ منـيعٌ وجُـنّة   ***   وعروتـه الوثقـى بداريهِ أنتمُ

ألا فاقبلوا من عبدكمْ ما استطاعه   ***   فعبدكـــــمُ عبــدٌ مـقلٌّ ومُعدَمُ

أما قصيدته الثانية فقد افتتحها بما يشير إلى رزء جلل وحادث عظيم حيث يقول:

إلى كم مصابيحُ الدجـى ليسَ تطلعُ   ***   وحتّامَ غيمُ الجــــــــــــــوِّ لا يتقشعُ

لقـد طبـّقَ الآفاقَ شـــــرقاً ومـغرباً   ***   فـلا ينـــــــــجـلي آنـاً ولا يتقــطـعُ

وأمطرَ فـي كــــلِّ البلادِ صـواعـقاً   ***   وهـبّتْ لـه ريـحٌ مـن الشرِّ زعزعُ

منازلُ أهـــــلِ الجورِ في كـلِّ بلدةٍ   ***   عمــارٌ وأهــلُ العـدلِ فـي تلكَ بلقعُ

يقولونَ في أرضِ العراقِ مشعشعٌ   ***   وهـــــــلْ بقـعةٌ إلا وفـيهـا مشـعشعُ

فما هو هذا الحادث العظيم والواقعة الكبرى التي حلت على الأمة والتي حبست مصابيح الدجى وأطبق بسببها الغيم في الآفاق:

فإن أنـسَ لا أنسَ الحسينَ ورهطه   ***   وعتـــــرته بالطـفِّ ظـــلـماً تُصـرَّعُ

ولم أنسه والشـمرُ من فوقِ رأسِـهِ   ***   يهـشـــمُ صـدراً وهــو للعـلمِ مَجـمعُ

ولم أنسَ مظـلــوماً ذبيحاً من القفا   ***   وقد كان نـورَ اللهِ فــي الأرضِ يلمعُ

يقبّلـه الـهـادي الـنـــــــبيُّ بنـحرِهِ   ***   ومـوضـــــــــعُ تـقـبيــلِ النـبيِّ يُقـطّعُ

ثم ينتقل إلى جانب آخر من مشاهد الطف هذا الجانب الأكثر مأساوية وهو مشهد نساء الحسين وهن مفجوعات وبحالة الأسر والسبي:

وترفـعُ صــوتاً أمُّ كـلثوم بـالبكا   ***   وتشـكو إلـى اللهِ العــــلي وتـضرعُ

وتـندبُ من عظمِ الرزيّةِ جدَّهـا   ***   فـلو جـدُّنـا يـرنـــــو إلينا ويسمـعُ ؟

أيـا جدَّنـا نشـــــكـو إلـيك أمـيةً   ***   فقـد بالغـوا فــــــي ظلـمنا وتبـدّعوا

أيا جدّنـا لو أن رأيتَ مـصابَـنا   ***   لكنتَ تـرى أمـراً له الصـخرُ يصدعُ

أيا جـدَّنا هـذا الحسيــنُ معـفّراً   ***   عـلى التــربِ محزوزُ الوريدِ مُقطعُ

فجثمـانُه تحـتَ الخيولِ ورأسُه   ***   عنـاداً بـأطــــــــرافِ الأسـنةِ يُـرفعُ

ويستمر في تعديد مشاهد ذلك اليوم الذي لم يكن ليجري لولا ما سلف من فعل عصبة كانوا أول من ظلم آل محمد:

فما قـتلَ السبط الشـهيد ورهطه   ***   سوى عصبةٍ يوم السقيفة أجمعوا

ومـا ذاك إلا سامـــري وعجـله   ***   فهم أصَّلــوا للظــلمِ والقـومُ فرّعوا

ألا لـعنَ الله الـذيـن تـــــوازروا   ***   على ظــلـمِ آلِ المصطفى وتجمّعوا

ومن شعر الصيمري أيضا قوله لما خرج من البحرين أو بالأحرى لما أخرج منها كرها كما يتضح ذلك من قوله ولا نعلم الظروف والملابسات التي أدت إلى خروجه هذا:

وما أسفي على البحرين لكن   ***   لأخوان بها لي مؤمنينا

دخلنا كارهيــــــــــن لها فلما  ***   ألفناها خرجـــنا كارهينا

محمد طاهر الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

...............................................................................

1 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 133

2 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج ٥ ص ٢٧٩

3 ــ رسالة في علماء البحرين

4 ــ أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين ص ٧٥ ـ ٧٦

5 ــ ياقوت الحموي / معجم البلدان , الإصطخري / مسالك الممالك , السمعاني / الأنساب

6 ــ تنقيح المقال تنقيح المقال في علم الرجال ج ٣ ص ٢٤٤. / أعيان الشيعة ج 10 ص 133

7 ــ رياض العلماء ج ٢ ص ١٧٩

8 ــ الفوائد الرجالية  ج ٢ ص ٣١٢

9 ــ تنقيح المقال ج ١ ص ٣٤٥    

10 ــ هدية العارفين ج ٦ ص ٤٦٩

11 ــ روضات الجنات ج ٧ ص ١٧٠ 

12 ــ الذريعة ج ١ ص ٢٥١ / طبقات أعلام الشيعة ص ١٤٣.

13 ــ مقدمة تحقيق كتاب غاية المرام في شرح عقائد الإسلام ص 10

14 ــ أمل الآمل

15 ــ أنوار البدرين

16 ــ رياض العلماء

17 ــ مشايخ الشيعة

18 ــ الأعلام

19 ــ الكنى والألقاب

20 ــ ص 145

21 ــ أدب الطف ج 5 ص 14

المرفقات

: محمد طاهر الصفار