لاشك ان البعد الاسروي والعائلي يشكل احد اهم ابعاد شخصية الانسان فالأسرة التي عمل النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) على ايجادها وتقديمها الى العالم لتكون الاسرة النموذجية التي يريدها الاسلام، ولكي تكون نموذجا للأسر والعوائل التي تطمع للاقتداء بهذه الاسرة النبوية . ولهذا وصفهم الله (عزوجل) بالشجرة الطيبة جاء ذلك في قوله تعالى )كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ([1]، عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: " أما الشجرة فرسول الله وفرعها الإمام علي وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول الله وثمرها أولادها , وورقها شيعتنا"[2].
وتؤكد المصادر التاريخية ان الامام الحسين (عليه السلام) كان ذو مكانه عالية، ومنزلة رفيعة عند ربه، ولذا خصه الله بالذكر على لسان جبرائيل (عليه السلام) ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً([3]، وكانت له مكانة عالية عند جدة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) واهل البيت النبوة (عليهم السلام).
ولقد ورث أهل البيت الدور المقدس الذي بدأه جدهم النبي الاكرم وابوهم امير المؤمنين علي بمصابه والامه وآهاته، واعلنوا قضية الامام الحسين قضيتهم الكبرى، فهي تنطوي على جملة حسراتهم وآهاتهم، وهي العنوان الامثل المعبر عن سلسلة لا متناهية من الظلمات. فبقيت صورة واقعة الطف شاخصة امام ناظر الصغير والكبير منهم، فقد روى عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قائلا:" وما اختضبت منا امرأة، ولا ادهنت، ولا اكتحلت ، ولا رجلت، حتى اتانا رأس عبيد الله بن زيا، وما زلنا في عبرة بعده، وكان جدي اذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه، وحتى يبكي لبكائه رحمه له من رآه، وان الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة"[4] يبدو من الرواية كانت احزان اهل البيت (عليهم السلام)هي السمة الغالبة في تاريخهم على مصاب الامام الحسين (عليه السلام). وثم يضيف الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) :" وما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة (عليهما السلام) وأسعدها عليه، ووصل رسول الله وادي حقنا، وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام)، فإنه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بين على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب"[5].
وسلك ائمة اهل البيت (عليهم السلام) سبلا محكمة رغم صعوبة الظروف في سبيل اذكار مأساة كربلاء، حتى مزجوا ذكر الله بآهاتهم الحسينية، على سبيل المثال لا الحصر امتاز حزن الامام علي بن الحسين على سائر احزان ائمة اهل البيت (عليهم السلام) بالشجاء المرير كونه الشاهد الذي وقف على مصرع ابيه واصحابه (عليهم السلام)، فقد ذكرت الروايات التاريخية :" إنه كان إذ أحضر الطعام لإفطاره ذكر قتلاه وقال: واكرباه، يكرر ذلك. ويقول: قتل ابن رسول الله خائفاً. قتل ابن رسول الله عطشاناً حتى يبل بالدموع ثيابه.. فقلت: يا سيدي، أما آن لحزنك أن ينقضي، ولبكائك أن يقل؟ فقال لِي : ويحك إن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام كان نبيا ابن نبي كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن، واحد ودب ظهره من الغم، وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا، وأنا فقدت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي"[6].
أما الامام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) استشعر الاحزان على مصاب جده الامام الحسين (عليه السلام) كلما حل شهر محرم، فكانت تفد عليه وفود من الشعراء لتجديد تلك الذكرى الاليمة، ومن جانبهم فقد ثمن اهل البيت مواقف المسلمين ونصرتهم الحقيقية لقضية الامام الحسين (عليه السلام)، مما يأثر عن الامام (عليه السلام) انه قال :" من زار الحسين يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكيا لقى الله يوم القيامة بثواب الفي حجة والفي الف عمرة..، فقيل له: فكيف يعزي بعضهم بعضاً؟ قال : يقولون عظم الله اجورنا بمصابنا بالحسين وجعلنا واياكم من الطالبين بثأره مع وليه الامام المهدي من ال محمد " [7].
وفيما يخص الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) فقد كان اكثر ائمة اهل البيت حزناً في شهر محرم الحرام على جده الحسين حتى انه قال:" حقر الله من حقركم، وانتقم ممن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليا وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء وبكاء الانبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ..." [8] وكما حث الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) الشيعة بقوله:" يا معشر الشيعة علموا اولادكم شعر العبدي فانه على دين الله" .
يمكن القول ان الروايات الصادرة عن الامام علي بن موسى الرضا تميزت حول مقتل الامام الحسين (عليه السلام) بسمة الحزن الكبير حتى انه ذكر :" إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا، وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا، وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا، وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا .إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ .فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ" [9]
ونهض ائمة اهل البيت (عليهم السلام) الذين خلفوا الامام علي بن موسى الرضا بأعباء شعائر الحزن على جدهم الامام الحسين واستغلوا هامش الحرية البسيط ليقولوا كلمتهم في احلك الظروف واعتاها، فعمل الامام الجواد وولده الهادي وولده الحسن العسكري على تقوية الشعائر تبعاً للسياسة التي كان يمارسها الحكام العباسيين تجاه شيعتهم .
اما الامام المهدي فكانت احزانه تفوق الجميع على مصاب جده الامام الحسين (عليه السلام) خصوصا بعد التأمل في قوله :" فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيكَ، وتَأسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً، حَتَّى أمُوتُ بِلَوعَةِ المُصَابِ، وَغُصَّةِ الاِكْتِئَابِ".
نستنتج من ذلك ان ائمة اهل البيت(عليهم السلام) ارادوا ان تبقى القضية الحسينية متحركة في التعبئة الجماهير الواسعة بكل الوسائل التعبوية، بالإضافة الى ذلك يتضح لنا ان الامام الحسين قدم للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لدية ومن خلال اثبات مظلوميته واحقيته، وادخل الاسلام والمسلمين الى سجل التاريخ ورفع صيتهما.
جعفر رمصان
(6) سورة إبراهيم ، الآية 24 .
(7) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق : معاني الأخبار، تحقيق: علي اكبرغفاري, (قم: مطبعة مؤسسة النشر الاسلامي ، 1403هـ) ، ص 400
(1) سورة الأحزاب ،الآية 33.
[4] أبي القاسم جعفر بن محمد القمي "ابن قولوية القمي"، كامل الزيارات، تحقيق: جواد القيومي، (قم: مؤسسة النشر الإسلامي، 1417هـ) ، ص81.
[5] الميرزا حسين الطبرسي ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل(قم، مؤسسة آل البيت لأحياء التراث، 1408هـ)، ج10، ص313.
[6] محمد بن الفتال النيسابوري ، روضة الواعظين،(قم: منشورات الشريف الرضي، بلا، ت)، ج2، ص450.
[7] أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الطوسي، مصباح المتهجد، (بيروت: مؤسسة فقه الشيعه ، 1411هـ)، ص77.
[8] أبي القاسم جعفر بن محمد القمي "ابن قولويه القمي" ، المصدر السابق، ص82.
[9] أبو جعفر رشيد الدين محمد بن علي المازنداني "ابن شهر اشوب "، مناقب آل أبي طالب(قم، مؤسسة انتشارات علامة، بلا، ت) ، ج4، ص86.
اترك تعليق