مفهوم الثواب والعقاب في القرآن الكريم

أن أحكام الإسلام، ليست نصائح وإرشادات خالية من الثواب والعقاب. إنما هي إرشادات ونصائح حقا ولكن لها ثواب حسن ينال الملتزم بها ، ولها عقاب يصيب المخالف لها ، على درجات متفاوتة في العقاب والثواب.

والأصل في أجزية الإسلام وعقوباته أنها في الآخرة ، ولكن من مقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الأفراد على نحو واضح مؤثر . ضامن لحقوق الناس كل ذلك دعا أن يكون الجزاء الآخروي جزاءاً دنيوياً ، أي مع العقاب الآخروي عقاب توقعه الدولة في الدنيا على المخالف لأحكام الإسلام .

فالأساس الجزائي للثواب والعقاب هو أن يكون الإنسان مكلفاً مسؤولاً فعليه أن يتحمل نتيجة عملهُ ، فأن أحسن أثيب وان أساء عوقب ، والذي يتولى الإثابة والعقاب ، هو الذي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة من عملهِ . قال تعالى : ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (([1]). 

وبذلك يتميز - بعدالة وحق – الشقي من التقي ، والبر من الفاجر مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى : )  أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ( ([2]) . وقوله : ) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ( ([3]) .

فعلى هذا يعد الجزاء ركناً من أهم أركان العملية التربوية ، ولابد أن يشتمل على الثواب والعقاب ، لأنه عامل مشوق ودافع إلى التمسك بالقيم الأخلاقية ، لان الإنسان يحب أن يرى ثمرة أعماله سواء كانت مادية أو معنوية ([4]) .

وعقاب الله جماعي الذي يردد مراراً في كتاب الله – مقصور على يوم الحساب ، وانه قد غادر مواقعه في الدنيا منذ عصور التاريخ المتقدمة ، بعد أن دمّر عدداً من القرى الظالمة والمجتمعات الضالة … أن أي واحد يقرأ آية كهذه ، يرد على خاطره هذا التصور ([5]) .

)  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ! جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ( ([6]) .

وتكون التربية بالعقاب يكملها ويقابلها التربية بالمثوبة ، وبعض الاتجاهات الحديثة تنفر من العقوبة وتكره ذكرها على اللسان ولكن الجيل الذي أُريدَ له أن يتربى بلا عقوبة جيل منحل مفكك الكيان .

إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص . فقد يستغني شخص بالقدوة وبالموعظة فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب .

وقد عنى القرآن الكريم ببيان الثواب والعقاب مرغباً الإنسان ومحذراً له ، ونبهه إلى إن أي عمل يقوم به مهما كان صغيراً أو كبيراً عمله سراً أو علانية فان الله به عليم لأنه لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها وفيما يأتي بيان ذكر عبر النقاط الآتية ([7]) :

الثــواب والعقــاب في اللغــة  وفي الاصطــلاح :

الثواب في اللغة :

1. الثواب في اللغة مأخوذ من ( ثوب – ثاب الرجل يثوب ثوباً وثوباناً : رجع بعد ذهابه . والثواب جزاء الطاعة ، وكذلك المثوبة : قال تعالى  ) لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ( ([8]) وأثابه الله ثوابه وأثوبه وثوبه مثوبته : أعطاه إياها . وفي التنزيل ) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( ([9]) وأثابه الله مثوبة حسنة ) ([10]) .

2. وهو مأخوذ من ثوب ( الثاء والواو والباء قياس صحيح من اصل واحد ، وهو العود والرجوع ، والثواب من الأجر والجزاء كالمثوبـة والمثوبة جزاء الطاعة ) ([11]) .

3. والجزاء والعطاء والمثابة والثواب : الجزاء واثابة الله فعل له ذلك وفي التنزيل والله عنده حسن الثواب ([12]) .

أما الثواب في الاصطلاح فهو :

1. الثواب : ( ما يستحق به الرحمة والمغفرة من الله تعالى والشفاعة من الرسول r ، قيل الثواب هو إعطاء ما يلائم الطبع ) ([13]) .

2. ( هو يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله فيسمى الجزاء ثوابـاً تصوراً أنه هو هو ، والثواب يقال في الخير والشر ، ولكن الأكثر المتعارف عليه في الخير ) ([14]) .

3. ( هو دافع إلى التمسك بالقيم الأخلاقية ، لأن الإنسان يحب ثمرة أعماله سواء كانت مادية أو معنوية ) ([15]) .

   4. ( وهو حافز يدفع الناس للعمل والبناء والدرس والتحصيل ) ([16]) .

5. هو إحساس الفرد بان كل هاجسة من هواجسه قائمة على العدل فلا إمكان لان يسلم فيها المسيء من عقابه أو المحسن من ثوابه ([17]) .

والذي يمعن النظر في هذه التعاريف يمكن لنا أن نرجح التعريف الخامس وذلك لسببين :- احدهما : كونه جامع من أن الثواب يكون في الخير في إثابة صاحبه ، وفي الشر في معاقبة مسيئه .ثانيهما : كونه مانع أن يكون الثواب في الخير فقط .

العقــاب في اللغـــة :

1. عقب : عِقَبُ كل شيء ، وعقبه ، وعاقبه وعقبته ، ومن عاقبت الرجل معاقبة وعقوبة وعقاباً ، والعقبى جزاء الأمر ويأتي العقاب بمعنى العقوبة ([18]) .

    2. ( وهو من العاقبة والجزاء بالخير أو بالشر ) ([19]) .

    3. ( والعقاب العقوبة ، وعاقبه بذنبه ) ([20]) .

أما العقاب في الاصطلاح :

1. ( لأن العقب والعقبى مختصان بالثواب ، والعقوبة والمعاقبة والعقاب يختصان بالعذاب ) ([21]) .

2. أن العقوبة التي حددها الله U للمسيئين هي السياج الذي يحمي المجتمع من الشر والفساد والفوضى والانحراف ([22]) .

3. أن العقاب هو الذي يحمي المجتمع من المجرمين وهو الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع ، والمقصود بذلك : هو إصلاح حال البشر وحمايتهم من المفاسد ، واستنقاذهم من الجهالة وإرشادهم من الضلالة وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة ([23]) .

4. ( هو خصيصة من خصائص نظام الأخلاق في الإسلام لان الإسلام جاء بالأخلاق أمراً ونهياً ، وعصيان أوامر الشرع ، وارتكاب ما نهى عنه سبب العقاب ، كما أن الالتزام بحدود الشرع وطاعته سبب الثواب الحسن ) ([24]) .

     5. ( ويأتي العقاب في لغة القانون هو مقابلة الشر بالشر ) ([25]) .

نستنتج من ذلك ان التعاريف اللغوية تكاد تتفق مع التعاريف الاصطلاحية حيث يوجد تقارب كبير في معنى الثواب والعقاب . فضلا عن ذلك يخرج البحث بنتيجة ان الابتلاء والتكليف أساس يرتكز عليه الثـواب والعقاب ، ويحدد هذان المصطلحان من خلال حدود المسؤولية . وكذلك ان قانون الثواب والعقاب صفة من آثـار العدل الإلهي ، حيث لا يظلم ربك أحداً ، ثواباً حسناً على ما عمل ، أو عقاباً مناسباً لما اقترف .

م.م بــلال حكمـت محمــد

([1]) سورة الزلزلة : الآية  7 ، 8 .

([2]) سورة ص : : الآية  28 .

([3]) سورة المائدة : الآية  100 .

([4]) ينظر : أصول الدعوة ، عبد الكريم زيدان : 69 ، ط9 ، (421هـ- 2001م) ، مؤسسة الرسالة ، والقرآن الكريم ، رؤية تربوية ، زهير محمد شريف : 41 - 42 ، ط1 ، (1402هـ -1982م ) ، دار الفكر - عمان .

     والتربية الأخلاقية الإسلامية ، د. مقداد يالجن : 357 ، ط1 ، (1977م) ، مكتبة الخانجي .

([5]) التفسير الإسلامي للتاريخ ، د. عماد الدين خليل : 307 ، ط2 ، (1978) ، بغداد – دار التربية .

([6]) سورة إبراهيم : الآيات 28 - 29 .

([7]) ينظر : : منهج التربية الإسلامية ، محمد قطب : 1/189 - 190 ، دار الكتاب الإسلامي – قم – إيران – والحضارة الإسلامية أسُسها ومبادؤها ، أبو الأعلى المودودي : 278 ، ترجمة : محمد عاصم ، دار العربية للنشر .

([8]) سورة البقرة : من الآية 103 .

([9]) سورة المطففين : الآية 36 .

([10]) لسان العرب ، لابن منظور ، 1/356 ، دار صادر بيروت ، ط ، 1997 ، ومعجم مقاييس اللغة ، لأبي الحسين احمد بن فارس بن زكريا ، 1/392، بتحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ، ط3 ، 14021981 ، والقاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ، 1/43 ، بيروت – لبنان – دار الجيل . ومختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي ، 74 ، عنيت بضبط هذه الطبعة سميرة خلف الموالي ، بيروت – لبنان المركز العربي للثقافة والعلوم ، والمعجم الوسيط قام بإخراج الطبعة  د. إبراهيم أنيس وآخرون : 1/102 ، ط2 ، والمصباح المنير ، للرافعي : 1/97 ، مط البابي الحلبي – مصر .

([11]) معجم مقاييس اللغة ، لأبي الحسين احمد بن فارس بن زكريا : 1/392، بتحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ، ط3 ، (1402 هـ-1981م) ، والقاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي : 1/43 ، بيروت – لبنان – دار الجيل ، ومختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي : 74 ، عنيت بضبط هذه الطبعة سميرة خلف الموالي ، بيروت – لبنان المركز العربي للثقافة والعلوم .

([12]) المعجم الوسيط قام بإخراج الطبعـة د. إبراهيم أنيس وآخرون : 1/102 ، ط2 ، والمصباح المنير ، للرافعي : 1/97 ، مط البابي الحلبي – مصر .

([13])  التعريفات ، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني : 45 ، دار الشؤون الثقافية .

([14])  معجم مفردات ألفاظ القرآن ، للعلامة الراغب الأصفهاني : 352 تحقيق نديم مرعشلي .

([15])  أصول الدعوة ، عبد الكريم زيدان : 69 .

([16]) موازين القرآن الكريم ، عز الدين بليق : 2/83 .

([17])  ينظر : : الحضارة الإسلامية ، أبو الأعلى المودودي : 281 .

([18]) ينظر : لسان العرب : 4/381 ، ومعجم مقاييس اللغة : 4/78 .

([19]) المعجم الوسيط : 1/613 .

([20])  مختار الصحاح : 329 .

([21]) معجم مفردات ألفاظ القرآن : 352 .

([22]) ينظر : موازين القرآن الكريم : 2/83 .

([23]) ينظر : التشريع الجنائي الإسلامي ، عبد القادر عودة : 1/6099 دار الكتاب العربي .

([24]) أصول الدعوة : 105 .

([25]) شرح القانون العراقي الجديدة ، د. عيان الحسني : 241 ، ط2 ، 1972 ، ط الإرشاد .

المرفقات