ينظر هارون الرشيد العباسي الى الامام موسى بن جعفر الكاظم بانه مصدر خطر على السلطة؛ لان سلوك الامام (عليه السلام) وتأثيره في الأمة كان كافياً لأن يدفع بالرشيد العباسي الذي لا يتبنى حكمه على أصول مشروعة ليخطط لسجن الامام (عليه السلام) وبالتالي اغتياله.
لذلك جعلت السلطة الامام (عليه السلام) تحت المراقبة ورصد تحركاته فكانت السلطة تستقبل اي معلومات ترد عن الامام سواء أكانت هذه المعلومات صادقة أم كاذبة من اجل اتخاذ اجراء ضده، ولذلك كانت نتيجة حبس الامام (عليه السلام).
وتشير المصادر التاريخية ان هناك اكثر من وشاية في الامام (عليه السلام) ومن ابرز هذه الوشايات على سبيل المثال لا الحصر:
حيث يبين الشيخ الصدوق ان يعقوب بن داود الذي كان وزيرا عند المهدي العباسي اول من وشى بالإمام "عليه السلام"، الا ان الصدوق لم يذكر ماذا قال يعقوب عن الامام (عليه السلام) والنتيجة التي ترتبت على هذه الوشاية والذي يتضح ان المهدي لم يتخذ اي اجراء بناءً على هذه الوشاية[1].
الا انه من الضروري ان نشير هنا كان للوشاية دور سلبي ضد الامام فقد اغرى يحيى بن خالد البرمكي، محمد بن اسماعيل لغرض الوشاية بالإمام، الا ان هذه الرواية فيها اختلاف فهناك مصادر تذكر أن محمد بن اسماعيل خرج الى بغداد وسعى بالإمام الكاظم، ومصادر اخرى تبين انه سعى به عندما قدم الرشيد العباسي الى الحجاز.
ولتوضيح ذلك، حيث تشير الرواية الاولى ان محمد بن اسماعيل خرج الى العراق وجاء الى الامام الكاظم يستأذنه في الخروج الى العراق ، فقال الامام " اوصيك أن تتقي الله في دمي" واعطى له مالاً حيث يذكر الكليني انه اعطاه ثلاثمائة دينار وثلاثة الاف درهم ، بينما ذكر الطوسي انه اعطاه اربعمائة وخمسين ديناراً والف وخمسمائة درهم[2] ، ثم خرج الى العراق حتى أتى الى الرشيد العباسي ودخل عليه وسعى بالإمام الكاظم(عليه السلام) اذ قال له :" يا أمير المؤمنين أن في الارض خليفتين حتى رأيت موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وانت بالعراق يجبى لك الخراج"[3]، فامر له الرشيد العباسي بمائة الف درهم، وقيل انه عندما قبض المال ودخل الى منزله توفي في الليلة نفسها[4].
أما الرواية الثانية فتشير أن محمد بن أسماعيل كان يكتب للإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) كتب السر الى شيعته في مختلف انحاء العالم العربي الاسلامي، وعندما قدم الرشيد العباسي الى الحجاز سعى محمد بعمه الامام الكاظم(عليه السلام) الى الرشيد اذ قال له :" ما ظننت أن في الارض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة"، بتعبير ادق، أباح اسرار الامام الكاظم الى الرشيد فحبس الرشيد الامام الكاظم وحظي محمد بن اسماعيل بمكانه عند هارون الرشيد العباسي وخرج معه الى بغداد [5].
ومهما اختلفت الدوافع والمقاصد، يتضح لنا ان الروايات التاريخية اختلفت في الشخص الذي سعى بالإمام الكاظم (عليه السلام) الذي كان من المقربين منه، ولذلك كان اجراء الرشيد بناءً على هذه السعاية هو حبس الامام موسى بن جعفر الكاظم.
وعلى الغرار نفسه، ان المصادر التاريخية تبين ان يحيى البرمكي كانت له يد في هذه السعاية اذ حمل المسعودي السعاية بالإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الى يحيى البرمكي بالدرجة الاساس فذكر :" حتى كان من البرامكة ما كان من السعي في قتله والاغراء به حتى حبسه الغوي، يعني الشيد هارون في يد السندي بن شاهك" [6].
وامر الرشيد العباسي باعتقال الامام (عليه السلام) وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبي الاكرم محمد(صلى الله عليه واله) قائلاً:" اليك أشكو يا رسول الله" [7] وكان المأمور بحراسة الامام اثناء الطريق من المدينة الى البصرة حسان السروي، وسارت القافة تطوي البيداء حتى وصلت البصرة، حيث اخذ حسان الامام ودفعه الى عيسى بن ابي جعفر فحبسه في بيت من المحبس، ولما شاع خبر اعتقال الامام في البصرة وعلم الناس بمكانه هبت اليه العلماء وغيرهم لغرض الاتصال به من طريق خفيّ فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروى عنه[8].
وختاما يجدر بنا ان نؤكد لم يكتف الحكام العباسيون بتقمصهم الخلافة، مستأثرين بها على بيت النبوة (عليهم السلام)، حتى أخذوا يتبعونهم سجناً وقتلاً وتشريداً وكان من ابرزهم الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام تم سجنه على يد هارون الرشيد العباسي.
جعفر رمضان
[1] ابي جعفر محمد بن علي القمي الصدوق، عيون اخبار الرضا، تقديـم: مهـدي الخرسـان ، (النجف: المطبعـة الحيدريـة، 1970م) ، ج1، ص72-73.
[2] ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ، تعليق: عبدالحسين المظفر ، (النجف: مطبعة النعمان ، 1958م)،ج1، ص485.
[3] ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، اختيار معرفة رجال المعروف برجال الكشي ، تحقيـق: محمـد تقي فاضـل وابو الفضـل الموسويان ، (طهران: مؤسسة الطباعة والنشر، 1961م)، ج2، ص541.
[4] رشيد الدين ابو عبدالله المازندراني، مناقب آل ابي طالب، (قم: المطبعة العلمية، د.ت)، ج3، ص440.
[5] جمال الدين احمد الحسيني ابن عنبه، عمدة الطالـب في انسـاب آل ابي طالب، (النجف: دار الاندلـس للطباعـة والنشـر، 1988م)، ص233-234.
[6] ابو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، اثبات الوصية ، (قم: مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر ،2003م)، ص212.
[7] ابي جعفر محمد بن علي القمي الصدوق، المصدر السابق، ج1، ص85
[8] احمد بن علي بن احمد بن العباس النجاشي، الرجال ، (طهران: مركز جانجانة مصطفوي للنشر، د.ت)،ص453.
اترك تعليق