الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 8/ذو القعدة/1440هـ الموافق 12 /7 /2019م :

اخوتي اخواتي اعرض على مسامعكم الكريمة أمرين : الأمر الاول: اتحدث عن العشائر والامر الثاني: اتحدث عن الانتحار.

 

الأمر الاول:

لاشك ان هوية كل شعب هي محل اعتزاز و افتخار، وهذا التنوّع الموجود عندنا في العراق نعتز بكل ما يمت لهذا البلد من وجودات متنوعة ومختلفة، ومن الركائز الاساسية في تركيبة هذا الشعب هي مسألة العشائر، والعشائر العراقية لها تاريخ حافل ومهم ولها وقفات مشرفة ايضاً وكثيرة، يمكن ان تقفز الى الذاكرة بشكل سريع كيف كان موقفها في ثورة العشرين واخذت زمام المبادرة بشكل حفظت في وقتها للبلاد هذه الحالة للحفاظ على هوية البلاد.

وفي السنين المتأخرة ايضاً هبّت العشائر من ضمن ما هبّ للدفاع عن ارض العراق وعن مقدساته وعن قيمهِ عندما توفّقَ الجميع لتلبية ما تفوهّت به المرجعية الدينية العليا المباركة في قضية الافتاء ضد زمر داعش.

اضافة الى المآثر المحمودة والاخلاق التي تتمتع بها هذه العشائر من الجود والكرم والشجاعة والنُبل والغيرة ومجموعة من المآثر المحمودة.

ولقد تكوّنت في هذه العشائر مجموعة من حلقات التربية اذا جاز التعبير عندما كانت الدواوين والمضائف يجتمع فيها وجوه القوم ووجهاء العشيرة ويجلس ابناء العشيرة ممن لم تُخبره الحياة ويستمع النصيحة ويستمع التوجيه ويستمع الموعظة بحيث تُصقل شخصية هذا الشاب وهو يستمع الى وجوه قومه بكل ما يمكن ان يكون عنوان للفضيلة، بحيث اصبحت المقولة الدارجة ان المجالس مدارس..

ونشأت طبقة تحمل في ثناياها هذه القيم النبيلة والقيم الاصيلة التي نفتخر بها جميعاً، وطبعاً العشائر لأهميتها ممكن ان تكون مطمع لمن لا يريد بالبلاد خير لأنها هي ذخيرة مهمة كما قُلت وهذه العشائر ايضاً صدّرت الى المجتمع الكوادر العلمية على اختلاف وجوداتها، في الفترة المتأخرة بدأت بعض الاشياء تبرز بدأت تُسيء الى قيم العشيرة، بدأت هذه الاشياء تُسيء الى تلك القيم النبيلة والقيم التي كُنّا نراها ونسمع بها بحيث اصبح بعض افراد العشيرة اصبح في حراجة مما يسمع ومما يقول، واصبحت بعض التصرفات تتطفّل على هذا التكوين الذي نعتزّ به، وهذا التطفل العشائر الاصيلة السلوكيات النبيلة التربية التي ذكرنا هي بريئة منهُ واصبحت هذه الامور تأخذ مساحة حقيقة مساحة غير طيبة في بعض المجالات، هذه الامور وان قلّت لكنها تؤثّر..

انا ممكن اذكر على نحو العجالة بعض هذه التصرفات التي من غير الصحيح ان تبقى:

مثلا ً حالة الاحتكام، تعرفون هناك مشاكل واحتكاك طفل من هنا وشاب من هنا وشيخ من هناك.. تحدث حالة من الاحتكاك كما هي لا تخلو من أي مجتمع، لكن هذا الاحتكاك الموجود الآن هي حالة من الاحتكام التي لا تُحل إلا بمبالغ مُجحفة بحيث اصبح الموضوع لا يُغلق إلا باموال طائلة واصبح من يتصيد افتعال هذه المشاكل لغرض الاستفادة المادية بطريقة او باخرى واصبح هذا الموضوع الآن هو مادي بحت، يَعزُّ علينا ان هذه القيم والمآثر الحميدة تتحول الى جانب مادي تتحول الى سلوك لا يعرف الا المادة واصبحت هذه الحالة هي حالة سائدة وان قلّت لكن سائدة في مواطن بحيث لا يُمكن ان تُحل الا بمبالغ ومبالغ مُجحفة جداً..

انا اُحب ان ابيّن موقفاً شرعياً ان هذه المبالغ اغلبها اكل مال بالباطل، ومن الجميل جداً ان الانسان يتثقّف في الجانب الفقهي ويسأل على ان هذا الجانب المادي المُثقل ما هو وجهه الشرعي في ذلك؟! نعم، وُجهاء القوم يحاولون ان يلملموا المشكلة ويُمكن ان يتصالح او تتصالح الاطراف ببعض مالٍ أقل ما يكون في الجانب الشرعي يُصالح بين الاطراف بشكل حتى يُطفيء النائرة ويُطفيء الفتنة، اما ان تتحول المسألة الى جهة مادية بحتة ومن يدفع بهذا الاتجاه ومن يدفع حقيقة هذا خلاف المآثر الحميدة والمسموعات على تلك الاصول الجيدة التي تربّت عليها العشائر..

النقطة الثانية وهي تزوير الحقائق يعني العشيرة تنتصر الى ولدها وان كان مخطئاً، هذا أمر تنأى بنفسها الحُكماء عنهُ، الانسان يملك اخواني عقله والعقلاء ينأون بالعكس هم يُحاسبوا فرد العشيرة اذا اخطأ بحق الآخرين وهم يوجهوا النُصح لهُ اذا اخطأ، لا يكونوا معهُ على باطلهِ لا يمكن ان يتنازع اثنان وكل منهم يرى ان صاحبه هو ملك من الملائكة، لابد من وجود مخطئ، المخطئ يتوجه لهُ النُصح لا ان نكون مع المُخطئ كيفما اتفق لأنه من اطراف عشيرتي..

لا تكن هناك حميّة لا ترضى بها الموازين العُرفية فتبدأ تزوير الحقائق وايمان مُغلّظة وكلهُ كلام باطل في باطل من اجل لأن هذا مني فلابد ان يكون على صح كيفما اتفق، لا اعتقد ان الوجوه الطيبة التي يمكن ان تؤثّر قطعاً ترضى بهذا الفعل، من النقاط المهمة ايضاً اصبح تعطيل في بعض المؤسسات وفي بعض الجهات مثلا ً تُعطّل عيادة طبيب لأن الطبيب اُتُهِمَ بأنه اخطأ بحق المريض الفُلاني..

لا معنى اخواني التفتوا دائماً نقول لا يمكن ان تكون ردود الفعل اكبر من الفعل، هذا غير صحيح، ما دام المنطق موجود والعقل موجود تُحل الامور بطريقة اسهل بكثير، لابد ان تُعطّل عيادة الطبيب لأيام الى ان تُحل القضية هذا تعطيل لحياتنا اليومية، حقك يمكن ان يُؤخذ بطريقة تحفظ كيان الجميع، هناك حلول لمعالجة الخطأ، لا يمكن ان تكون ردود الفعل اكبر من الفِعل، هذا أمر اصبحَ يُعاب علينا، لابد في بلدنا بلد متحضر لابد ان نرتقى الى حالة كيف نواجه المشاكل بطريقة في مُنتهى الموضوعية..

نقاط اخرى: الانفة من تطبيق القانون، يشكو لنا بعض موظفي الدولة وهذه اضعها الان امام انظار المسؤولين، يشكو لنا اننا اذا طبقنا القانون بمجرد تطبيق القانون سنُحاكم من العشيرة الفلانية، هذا في العمل اخطأ يُعاقب..تأتي العشيرة، شرطي مرور بهذا المستوى اُريد ان اتكلم شرطي مرور يقول اوقف سيارة متجاوزة فيقول لي ألا تعرفني من أي عشيرة؟ بعض المؤسسات فيها عملية نقل من مكان الى آخر، العشيرة لا تقبل..

انا اقول هذا ليس لهُ علاقة بما قُلت في البدء تلك الاصالة والمآثر الحميدة والاخلاق والتاريخ العزيز الكريم لا يمكن ان البعض يحاول ان يُصادر كل هذا بهذه التصرّفات الضعيفة والقليلة والتي هي بعيدة عن العُرف اصلاً..

 المرجو من الاحبة ممن يسمع الكلام ويلتفت هذا التماسك لابد ان يبقى في العُرف في المقبول لا ان ينفرط العقد وتتحول القضية الى قضايا غير مفهومة، لابد من وجود ضوابط مقبولة لا تُصادم العُرف ولا تُصادم القانون حتى يطمئن الآخرون بأن اذا اخطأت هذا الخطأ معروف ان كيف اتعامل معهُ.. اما ان تبقى القضية هكذا اخواني اعتقد لا يرضى بها الجميع..

 

الأمر الثاني : هو مسألة الانتحار..

واقعاً تتبعت ما تذكره الصحافة والاعلام عن حالات وبعض الحالات نجا محاول الانتحار نجا من ذلك مثلا ً يصعد على جسر يحاول ان يرمي نفسه ثم يُدركهُ البعض مثلا ً..

حاولت ان اتتبع وجدت ان هذه الحالة اولا ً لم تكن موجودة وان وُجِدَت فهي بحيث لا تُعدّ اصلا ً، ثانياً : وجدنا هذه الحالة عند الشباب، يعني في ريعان الشباب، انا نصيحتي لمن يكون على هذه الطريقة بالنسبة للذي انتحر لا يسمع الكلام، لكن الذي قد يُفكّر لا قدّرَ الله ابيّن هذا المعنى بخدمتكم:

كل انسان في بداية شبابه قد يبتلي التفتوا اخواني قد يبتلي بتجربة مادية قد يخسر فيها، بتجربة اجتماعية علمية ايضاً قد لا يتوفق.. بتجربة عاطفية يريد ان يتزوج من المرأة الفلانية لكن لا يجد الى ذلك سبيلاً..، هذا الشاب لا يملك تجربة واسعة، المشكلة مُركبّة، تبقى هذه المشاكل في صدرهِ لا يجد اباً متفرغاً لهُ، لا يجد اُسرة تحاول ان توجّه سلوك ولدها، هذا الشاب في عمرهِ مجموعة من الاصدقاء يحملون نفس ما عنده من افكار ومن رؤى ومن نظرة قد تكون تشاؤمية فيحاول اذا فشل في اول تجربة له ان يرى الدنيا قد اسودت فيه عينيهِ، يُحاول ان يعين على نفسهِ ويحاول ان يجعل ضبابية وغشاوة على قلبهِ وعقلهِ وعينيه بحيث لا يُفكر الا في هذه المشكلة فيرى ان المنافذ قد اُوصدت عنده فيرى افضل حل هو التخلص من الدنيا فيُقدم على الانتحار..

انا اسأل واطلب من هؤلاء الاخوة اقول يا اولادي واعزائي انتم في ريعان الشباب انتم الأمل لا يمكن ان ننهي حياتنا بتجربة واحدة بل تجربتين بثلاثة بعشرة.. لا تُنهي حياتك.. انت الآن تُقدم على فناء اعزّ شيء عندك من أجل تجربة قد انت اخطأت او قد خطئوك فيها..

عليك ان تنتفض عليك ان تصحو لا تأخذ النصيحة من فاشل، الفاشل لا يُعطيك نصيحة لأن الفاشل لو كان ممكن ان ينصح لنصح نفسهُ، خذ النصيحة من انسان ناجح، تعلّم ان تستنصح الآخرين، لا تفرّط بحياتك الانتحار عمل المنهزمين، الانتحار عمل الفاشلين، الانتحار عبارة عن قلّة تدبّر وقلة تعقّل، المجنون من يرفض حياتهُ، نعم عليك ان تستفيد من هذه التجربة، ليس من الشجاعة ان ترمي نفسك وتُنهي حياتك وتجعل مآسي الاسرة خلفك.. لا اعرف ما الذي تستفيدهُ؟! لمجرد ان مررت بتجربة وهذه التجربة كانت غير جيدة تُدمّر مستقبل حياتك بهذه الاشياء..

اخواني انا اقول هذا وانا اعلم ان هذا الكلام لابد ان يُتمم بكلام آخر، هناك تربية وافدة الينا لم تكن ثقافة الانتحار ولم نسمع بها! نعم كل المُبررات احدهم يقول عمل لا يوجد.. ظروف صعبة كذا.. نعم، انا اُقر معك بالظروف الصعبة والعمل، لكن ليست النتيجة ان تنتحر، النتيجة ان تبقى قُل انا تحديت الظروف وبقيت شامخاً..

يا حبيبي لا تُرهق اهلك ولا تفكّر بطريقة سلبية، الأمل امامك.. شاب دون العشرين ألم تقل ما هي تجربتك؟! الاب يا اخي العزيز اجلس مع الولد علمهُ افتح صدره، انتم الاولاد لا تتعلموا عدم الاهتمام بالآخرين، نعم، اعتز بشخصيتك اعتمد على نفسك ولكن انت كالعود الطري تحتاج الى مسند، هناك نبات جيد مثمر لكنهُ في بدايته يحتاج الى مسند الى ان يقوى عوده ويشتد عوده ثم بعد ذلك يعتمد على نفسه، انت تحتاج كُلنا نحتاج في اعمارنا نحتاج الى مسند الى من يوجهنا الى من يُرشد وهذا ليس عيباً..

استنصحوا الآخرين ابنائي احبائي.. والله كلما سمعنا بحالة من الانتحار كلما تأذينا.. هذا من رصيد هذا الشعب الأبيّ لماذا تذهبون الى هذه الطريقة.. انتم شباب في مقتبل العمر لا تغركم بعض الامور تجعلون الدنيا مُسودة لأن المستقبل انتهى.. لم ينته مستقبلك يا ابني.. الآن الحياة امامك لابد ان تكون قوياً وتكون شجاعاً وصبوراً هذه الخشونة في الرجولة مطلوبة عندكم ابنائي.. الرجل يتحمل المسؤولية..

ستة عشر عاماً كان عمرهُ شخص ذهب الى الدواعش وفجر قنبلة في الدبابة وفر سالماً منها!! ستة عشر عاماً عمرهُ!! وفي الصحراء وفي كل الامور! الانسان اذا اراد شيئاً حصل عليهِ، لماذا هذا الاحباط الانكسار.. لماذا؟؟!!

انتم ابناء امهات غذنكم بحليب طاهر ابناء اباء من اصلاب طاهرة.. لا تذهبوا الى ان تنهوا حياتكم من اجل اشياء في منتهى التفاهة والبساطة.. من علمكّم على هذه الطريقة؟! ليست شجاعة، المُنتحر مهزوم وفاشل والمنتحر جبان ان يواجه الحياة فيذهب الى الانتحار..

لا اعرف من أين وفدت هذه القضية والصحافة تنقل يومياً.. طبقة شباب في ريعان شبابكم ابنائي لا تذهبوا الى هذه القضية.. واجهوا الامور بشجاعة وقوة والله سبحانه وتعالى يُعينكم على فتح افاق كثيرة جداً.. انت لا ترى جل المشهد الآن انت بعدك في تجربة قليلة المشهد اصعب من جهة مما تراه واسهل من جهة اخرى مما تراه.. الحياة تحتاج الى مُرشد وموجّه وأحد تستند عليهِ يا ابني..

لا تُعجّل بأن تُنهي حياتك بأسباب هي جداً جداً بسيطة وتافهة..

نسأل الله سبحانه وتعالى وندعو لشبابنا الاعزاء في هذه الاعمار الفتيّة نحن نرغب ونتمنى ان نراكم في طليعة الناس الذين يبنون هذا البلد بعيداً عن هذه الممارسات المرفوضة.. اسأل الله لكم دوام التوفيق والتسديد والامل وان الله تعالى يفتح بصركم وبصيرتكم على امور تُبعدكم عن هذه الممارسات..

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات