متى فُرض الصوم على المسلمين؟
كان العهد المكي عهد تأسيس العقائد، وترسيخ أصول التوحيد ودعائم القيم الإيمانية، والأخلاقية، في العقول والقلوب، وتطهيرها من رواسب الجاهلية في العقيدة والفكر والخلق والسلوك.
أما بعد الهجرة، فقد أصبح للمسلمين كيان وجماعة متميزة، تُنَادى بـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فشرعت عندئذ الفرائض، وحُدت الحدود، وفصّلت الأحكام، ومنها: الصوم. وكان ذلك في شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة.(1)
وهناك من يذهب إلى أنّ الصوم كان قد شُرّع في مكة مستدلاً بما ذكره جعفر بن أبي طالب أمام ملك الحبشة حيث ورد في كلامه(رضي الله عنه) أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أمرهم بالصلاة والزكاة والصيام...(2)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «أول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان إلاّ على الأنبياء, ولم يفرضه على الأمم, فلما بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله) خصّه بفضل شهر رمضان هو وأمته, وكان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أياماً, ثم نزل: ﴿شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ﴾ ...».(3)
مراحل تشريع الصيام
شرع صيام رمضان على مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة التخيير: في سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(١٨٣)أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(١٨٤)﴾.(4)
والمرحلة الثانية: مرحلة الإلزام والتحتيم: وهي أيضاً في مرحلتين:
من بعد وقت العشاء حتى الغروب من اليوم التالي: وهو قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(١٨٥)﴾،(5) وفي هذا الوقت كان البعض يشعر بالمشقة عليه جرّاء فصله عن مقاربة أهله.
بعد أن شق على المسلمين ذلك، وشكوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل الله تعالى بيان الأمر النهائي والذي استقر عليه أمر الصيام، وهو قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)﴾.[14]
علة تشريع الصوم:
سأل هشام بن الحكم أبي عبد الله عن علّة الصيام فقال: «إنّما فرض الله (عز وجل) الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أنّ الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلّما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله (عز وجل) أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع».(6)
وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: «علة الصوم: لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً، ويكون ذلك دليلاً له على شدائد الآخرة، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظاً له في العاجل، دليلاً على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة».(7)
وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أنّه قال: «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنّه قال له: لأي شيء فرض الله (عز وجل) الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوماً، وفرض الله على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله (عز وجل) عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على أمتي، ثم تلا هذه الآية [من سورة البقرة]: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾ قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله (تبارك وتعالى) له سبع خصال: أولها يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله (عز وجل) ، والثالثة يكون قد كفّر خطيئة آدم أبيه (عليه السلام) ، والرابعة يهوّن الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براءة من النار، والسابعة يطعمه الله (عز وجل) من طيّبات الجنة، قال: صدقت يا محمد».(8)
الصوم عند الشيعة الإمامية:
ينقسم من حيث الحكم إلى أربعة أقسام(10): واجب ، ومندوب ، ومكروه كراهةَ عبادة، ومحظور .
الصوم الواجب:
الواجب أقسام: صوم شهر رمضان، وصوم الكفارة، وصوم القضاء، وصوم بدل الهدي في حج التمتع، وصوم النذر، والعهد، واليمين، والملتزم بشرط أو إجارة، وصوم اليوم الثالث من أيام الاعتكاف .
الصوم المندوب:
والمندوب لا يجب إتمامه بالشروع فيه بل يجوز الإفطار إلى الغروب وإن كان يكره بعد الزوال، وهو على أقسام:
منها: ما لا يختص بسبب مخصوص ولا زمان معين، كصوم أيام السنة عدا ما استثني من العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى.
ومنها: ما يختص بسبب مخصوص في أيام المناسبات خاصة، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.
ومنها: ما يختص بوقت معين، وهو في مواضع:
منها: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو مؤكد عليه، فقد ورد أنّه يعادل صوم الدهر، ويذهب بوحر الصدر، وأفضل كيفياته: صوم أول خميس من الشهر، وآخر خميس منه، وأول أربعاء في العشر الثاني، ومن تركه يستحب له قضاؤه.
ومنها: صوم الأيام البيض من كل شهر، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
ومنها: صوم يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) وهو السابع عشر من ربيع الأول على الأصحّ، وعن الكليني أنّه الثاني عشر منه.
ومنها: صوم يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة.
ومنها: صوم يوم مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) وهو السابع والعشرون من رجب .
ومنها: يوم دحو الأرض من تحت الكعبة وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة .
ومنها: يوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدعاء.
الصوم المكروه:
والمكروه منه: ففي مواضع أيضاً:
منها: صوم عاشوراء.
ومنها: صوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم، وكذا مع الشك في هلال ذي الحجة خوفاً من أن يكون يوم العيد.
ومنها: صوم الضيف بدون إذن مضيفه.
ومنها: صوم الولد بدون إذن والده، ويحرم إذا كان إيذاء له من حيث شفقته عليه.
الصوم المحرم
وأما المحظور والمنهي عنه منه، ففي مواضع أيضاً:
صوم العيدين : عيد الفطر و الأضحى.
صوم أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة لمن كان بمنى.
صوم يوم الشك في أنّه من شعبان أومن رمضان بنية أنّه من رمضان، وأما بنية أنّه من شعبان فلا مانع.
صوم وفاء نذر المعصية، بأن ينذر الصوم إذا تمكن من الحرام الفلاني أو إذا ترك الواجب الفلاني، ويقصد بذلك الشكر على تيسره وأما إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به، ويلحق بالأول في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها.
صوم الصمت، بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه.
صوم الوصال، وهو صوم يوم وليلة إلى السحر أو صوم يومين بلا إفطار في البين.
صوم الزوجة مع المزاحمة لحق الزوج بلا إذن منه.
صوم المملوك مع المزاحمة لحق المولى ومن دون إذنه.
صوم الولد مع كونه موجباً لأذية الوالدين.
صوم المريض ومن كان يضرّ به الصوم.
صوم المسافر إلا في الصور المستثناة في كتب الفقه.
صوم الدهر حتى في العيدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- المسعودي، التنبيه والإشراف، ص 203؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 2، ص 129؛ ابن الجوزي، المنتظم، ج 3، ص 59 ؛ النووي، المجموع، ج 6، ص 250.
(2)- العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم، ج 4، ص 301.
(3)- القمي، تفسير القمي، ج 1، ص 62.
(4)-ابلقرة: 183 - 184.
(5)-البقرة: 185.
(6)-البقرة: 187.
(7)-الصدوق القمي، من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 73 حديث 1766
(8)- الصدوق القمي، من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 73 حديث 1767
(9)-الصدوق، من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 74 حديث 1769
(10)- الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة.
- ويكي شيعة
اترك تعليق