بقيع مصر..

خلق الدين الاسلامي بثقافته وروحانيته سلوكاً عمرانياً فريداً.. تمثل بقيام المدن وبنائها وازدهارها، فالمعالم الدينية والاثرية تعد الاساس الاول لنشأة تلك المدن بدأ من دور العبادة والمشاهد والاضرحة المقدسة للأنبياء وال بيت النبوة الاطهار المنتشرة في العديد من بلدان العالم.. اذ تجذب هذه المشاهد بقدسيتها وروحانيتها الناس من المحبين، حيث تكون من الاهمية ان تنشأ من حولها المحال العمرانية على الرغم من افتقارها لعوامل الجذب العمراني الاخرى في بعض الاحيان كالرقعة الجغرافية وغيرها.

تعمل هذه المقامات الدينية على تنشيط حركة السياحة الدينية للوافدين اليها من الارجاء المختلفة بفعل قوة الجذب التي تستقطب المحبين الراغبين والمعبرة عن المضمون الفكري والروحي المقدس الذي يقترب من جوهر الحياة الاسلامية المليئة بالمعتقدات والتقاليد المتوارثة وما تمليه العقيدة الدينية الإسلامية ومدى ما هو معروف عنها من دور بارز تشغله في حيز التفكير الإنساني للشخص المسلم.. ولعل الأضرحة الدينية المقدسة لآل بيت النبوة الاطهار وذراريهم ومقاماتهم ومشاهدهم المنتشرة في العراق وسوريا ومصر وبعض بلدان العالم خير مثال على ذلك .  

السيدة نفيسة..

يعد مرقد ومسجد السيدة نفيسة أحد اشهر المشاهد المقدسة لآل بيت النبوة الاطهار التي ازدانت بها أرض مصر، ويعود نسب هذه العلوية الطاهرة الى الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .. فهي  السيدة ( نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن على بن أبى طالب عليه السلام ) وكان والدها عالماً جليلاً، معدوداً من التابعين و مُجابَ الدعوة فاضلاً شريفاً، أصبح مدّةً والياً على المدينة إلى أن عزله المنصور لوشايةٍ فيه، مع أنّه كان ذا حزمٍ في ولايته وشدّةٍ في أخذ الناس بالحدود وحُرُمات الله.. وقد ولدت السيدة نفيسة كما تشير بعض المصادر في 11 ربيع الأول 145 هـ في مكة ، وأمها زينب بنت الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب عليهم السلام.

انتهلت السيدة نفيسة العلم اول الامر من ابيها، ومن ثم في المدينة المنورة بعدما انتقل بها أبوها إلى المدينة المنورة وهى في الخامسة.. فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى لقبها الناس بلقب نفيسة العلم، وقد تقدّم إليها إسحاق المؤتمَن ابن الإمام الصادق صلوات الله عليه للاقتران وتزوّجها في دار أبيه جعفر الصادق عليه السلام بالمدينة، وهي الدار التي كان يُسقى فيها الماء الذي تصدّق به الإمام الصادق عليه السّلام، فكان أن التقى النُّوران: الحسنيّ، والحسينيّ.. فنفيسة من أحفاد الإمام الحسن، وإسحاق مِن أحفاد الإمام الحسين صلوات الله عليهما.. وقد أثمر هذا الاقتران المبارك عن وَلَدَين، هما: القاسم، وأمّ كلثوم، ثم  انتقلت السيدة نفيسة مع اسرتها الى مصر عاام 193هـ وبقيت فيها  حتى وافتها المنية بعد ان اشتد عليها المرض عام 208هـ- كما تشير بعض المصادر- فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا شديداً.

عمارة المرقد الشريف..

يقع المرقد في منطقة تحمل اليوم اسم السيدة نفيسة  في حي الخليفة وسط القاهرة، ويعد أول مسجد في طريق يعرف بطريق أهل البيت او شارع الاشراف، وهو طريق يضم عدة محطات مشرفة تبدأ بمرقد السيدة نفيسة  وعدد من المقامات  الطاهرة مثل مقام الإمام على زين العابدين ومقام السيدة زينب بنت على والسيدة سكينة بنت الحسين والسيدة رقية بنت على بن أبى طالب عليهم السلام اجمعين، فضلاً عن مقام محمد بن الامام جعفر الصادق عليه السلام و ومقام السيدة عاتكة عمة الرسول صلى الله عليه وآله وفي منتهاه يقع المشهد الحسيني بأضوائه البهية، فضلاً عن وجود كثير من المقامات وقبور العباد الصالحين في ثنايا هذا الشارع الجميل.

تشير اغلب المصادر التاريخية  الى أن أول من شرع ببناء مشهد السيدة نفيسة هو عبيد الله بن السرى والى مصر من قبل بني العباس،  ثم أعيد بناء الضريح في عهد الدولة الفاطمية حيث أضيفت له قبة، ودون تاريخ العمارة على لوح من الرخام وضعت على باب الضريح وتبين اسم الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وألقابه، وقد أعيد تجديد القبة في عهد الحافظ لدين الله الفاطمي بعد أن تهالك جزء منها وتعرضت لبعض التصدعات والشروخ .. وتم اكساء المحراب بالرخام ايضاً سنة 532هـ.. وتأسس المشهد المبارك بالشكل الذى هو عليه الآن عام 1314 هـ بناء على توجهات أمر بها خديوي مصر عباس حلمي الثاني، وذلك بعدما أتلف المسجد على أثر حريق هائل عام 1310 هـ وهو يحمل الطراز الفاطمي المميز في العمارة الاسلامية.

أما عن شكل المشهد فهو كما العمائر الاخرى الموسومة بالطراز الفاطمي التي تتميز بتعدد الصحون واستخدام التغطيات المقببة وتعدد المحاريب في بناء الجدران الداخلية، اضافة الى الاحتفاظ بنمط المآذن المميز الذي ظهرت فيه لأول مرة في تأريخ العمائر الاسلامية الافاريز المزدوجة والمقرنصات التي تدور حول الطابق الاول من بناء المئذنة .

 يتوسط المشهد من الواجهة  الرئيسية  البوابة الرئيسية التي تمثل مدخلا مرتفعا بارزا في الشكل الى الخارج.. ترتفع فوقة لتغطيه قبعة من الحجر والاجر مزينة في وسطها بشكل افقي بشريط خطي بارز بقوله تعالى (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ) ومن فوقها الى اعلى القبعة الاجرية صف من المقرنصات الافقية يحدها من الاعلى نقوسش من الجر والاجر المحفور..  

 بنيت البوابة من الخارج على الطراز المملوكى، وهي تؤدى الى دركات من الحجر  تصل الى داخل المسجد وهو عبارة عن حيز مربع تقريبا مسقوف بسقف خشبى منقوش بزخارف عربية جميلة ويعلو منتصف البائكة الثانية منه شخشيخة مرتفعة *لتلطيف الجو والسماح بمرور نسائم الهواء الى المقام، وهذا السقف الخشبي محمول بمجمله على ثلاثة صفوف من العقود المرتكزة على أعمدة رخامية مثمنة القطاع.

وعند النظر الى جدار القبلة نجد ان محرابا يتوسطه  وفي طرفه وعلى يمين المحراب باب يؤدى إلى ردهة مسقوفة تصل للضريح الطاهر بواسطة فتحة  واسعة معقودة بواسطة مقصورة نحاسية أقيمت فوق قبر السيدة نفيسة، ويعلو الضريح قبة ترتكز في منطقة الانتقال من المربع إلى الاستدارة على أربعة أركان.

والمسجد له مدخل للرجال ومدخل للنساء وحديثًا تم تجديد المدخل وفرشه بالرخام الفاخر، وفى داخل المسجد ممر طويل يصل إلى المقام الشريف وفي هذا الممر يوجد لوحات مرسومة  تنطق بحب  ال بيت النبوة الاطهار وبعض الأشعار الرائعة في مدحهم كما جُددت المقصورة النحاسية الموجودة بالضريح في عهد والى مصر عباس الأول.

اعداد: سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

*الشخشخية .. احد التقنيات المعمارية المستخدمة في السقوف المفتوحة و تستخدم في تغطية القاعات الرئيسية او السقف الاخير لبيت السلم و تساعد على توفير التهوية والإنارة للقاعة التي تعلوها وتعمل الشخشيخة مع الملقف على تلطيف درجة حرارة الهواء و ذلك بسحب الهواء الساخن الموجود في أعلى الغرفة كما تساعد على توفير الإضاءة العلوية غير المباشرة

المرفقات