تأمُلٌ في دعاء اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك

(اَللّهُمَّ اجْعَلني فيهِ مِنَ المُتَوَكِلينَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلني فيهِ مِنَ الفائِزينَ لَدَيْكَ، وَاجعَلني فيه مِنَ المُقَرَّبينَ اِليكَ بِاِحْسانِكَ يا غايَةَ الطّالبينَ )

 

معنى التوكل

قال تعالى (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران – ١٥٩]، التوكل هو الاعتماد على الله عز وجل والتسليم إليه في جميع الأمور، ويوضح معناه حديث النبي  صلى الله عليه وآله في معنى التوكل على الله تعالى، فقال : (العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يرج ولم يخف سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله، فهذا هو التوكل)[البحار ج74 ص20]، فالمجموع بما هو مجموع يحقق التوكل على الله عز وجل.

وبعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة قد جعلت التوكل شرط الإيمان بل الإسلام،  قال تعالى : (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[المائدة - ٢3، و (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)[يونس – ٨٤]، فمفهوم المخالفة إن لم تتوكلوا على الله فلستم بمؤمنين أو مسلمين.

وقد جعله أمير المؤمنين عليه السلام ركن الإيمان، في قوله عليه السلام: (الإيمان على أربعة أركان: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله عز وجل)، فالتوكل هو ركن الإيمان، كما أن السقف لا يستقيم إلا بأركانه، كذلك الإيمان لا يستقيم إلا بأركانه، وأحدها ركن التوكل على الله عز وجل.

 

مراتب التوكل

قد ذكر علماء الأخلاق مراتب للتوكل، والحق أنها مراتب دقيقة في التشبيه، عميقة في المعنى، فينبغي الإشارة إليها، وسنذكرها من الأدنى إلى الأعلى:

الأولى: أن تكون حالة التوكل لديه كحالة الثقة بالوكيل في تصريف أعماله، وهذه تعتبر أقل التوكل.

الثانية: أن تكون حالة التوكل لديه كحالة الطفل مع أمه لا يعرف غيرها ولا يفزع لغيرها، وهذه أعلى مما قبلها.

الثالثة: أن تكون حالة التوكل لديه كحالة الميت بين يدي المُغسل يقلبه كيف يشاء، وهذه الأخيرة هي أعلى مراتب التوكل، وما أجملها من مرتبة.

 

بعض آثار التوكل على الله

ذكرت الروايات الشريفة العديد من آثار التوكل التي لها آثر على نفس المؤمن وشخصيته، أهمها :

القوة، عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله : (من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)[ كنز العمال: ٥٦٨٦]. النصرة، عن الإمام الباقر عليه السلام : (من توكل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم)[ جامع الأخبار ص٣٢١]  قوة القلب، عن الإمام علي عليه السلام : (أصل قوة القلب التوكل على الله)[ غرر الحكم ٣٠٨٢]. الغنى، عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله :  (لو أن رجلاً توكل على الله بصدق النية لاحتاجت إليه الأمور ممن دونه، فكيف يحتاج هو، ومولاه الغني الحميد)[ مستدرك الوسائل ج١١ ص٢١٧].  تيسير الأمور، عن الإمام علي عليه السلام : (من توكل على الله ذلَّت له الصعاب وتسهَّلت له الأسباب)[ غرر الحكم 9028] الرزق، عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله : (من توكل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحسب)[كنز العمال ٥٦٩٣].

 

(وَاجْعَلني فيهِ مِنَ الفائِزينَ لَدَيْكَ)

الفوز هو النجاح والتفوق والظفر والنصر، وهذه كلها معاني للفوز، وفي هذا الدعاء قد ذُكر طلب الفوز، ولكن الفوز بماذا؟ ومن هم الفائزون؟

أنواع الفوز

قد ذكرت الآيات الكريمة أنواع الفوز، نختصر أهمها فيما يلي : (1- رضوان الله، 2- الجنة، 3- مبايعة الله ورسوله، 4- الدخول في رحمة الله، 5- بشارة الدنيا والآخرة).

 

 أصناف الفائزون

وأيضاً قد ذكرت الآيات الكريمة أصناف الفائزين عند الله عز وجل، وأهمهم :

1- المؤمنون، 2- المهاجرون في سبيل الله، 3- المجاهدون في سبيل الله بالمال والنفس، قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[التوبة – 20]، 4- الصابرون على عبادة الله وطاعته، قال تعالى  (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ *إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ)[المؤمنون -109-110-111]، 5- المطيعين لله ورسوله، 6- الذين يخشون الله، 7- المتقون، قال تعالى ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النور – 52].

 

 

 

(وَاجعَلني فيه مِنَ المُقَرَّبينَ اِليكَ)

القرب من الله عز وجل هو غاية كل مؤمن ومبتغاه، وهو الرتبة العليا في عالم المعرفة، فلا يتقرب من الخالق إلا من صلحت سريرته، وحسنت معرفته، ولعل البعض يتصور أن التقرب إلى الله عز وجل يكون فقط بالصلاة والصوم والحج؛ كلا بل إن مفهوم القرب أوسع بكثير من دائرة الصلاة والصوم؛ بل لعل صلاة البعض وصومه تبعده عن الله لا تقربه، كما هو حال المخالفين لأهل البيت عليهم السلام، فينبغي للمؤمن معرفة طريق القرب إلى لله عز وجل حتى يضمن قربه، وطريق القرب هو المعرفة الحسنة؛ لأن الخالق ليس بجسم مرئي، وقد ذكرنا غير مرة أن الطريق إلى معرفة الله عز وجل هم أهل البيت عليهم السلام، فطريقهم هو الطريق الوحيد الموصل إلى الحق، وكل طريق غيره هو طريق ضلال، فقد صرح القرآن الكريم بالمتابعة والطاعة لله وللرسول والمؤمنين الذين هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولا يخفى هذا الأمر على المطلع.

فالنتيجة: أن أهل البيت عليهم السلام هم طريق المعرفة، والمعرفة هي طريق القرب إلى الله عز وجل، ولكن كيف نحصل على القرب الآلهي بعد المعرفة الحسنة؟

حتماً العبادات والأعمال الصالحة والأذكار والصدقات وغيرها من موارد الطاعة وفعل الخير، والحصول على الملكات النفسية والأخلاقية والروحية، وحسن الخلق، والتسليم لله عز وجل، هذه كلها مقربة إلى الله عز وجل، ومطلوبة من العبد، وفعل بعضها لا يعني الاستغناء عن البعض الآخر، وأيضاً هنالك أمور قد يغفلها البعض تحقق القرب من الخالق بشكل أضمن وأسرع، فقد جاء في زيارة عاشوراء القدسية : (يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلى اللهِ وَ اِلى رَسُولِهِ وَاِلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَاِلى فاطِمَةَ وَاِلَى الْحَسَنِ وَاِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ...) فموالاة سيد الشهداء والبراءة ممن خالف نهجه هو الطريق الأقرب إلى الله عز وجل، ولعل البعض يعترض على ذلك!! فيجاب: أن موالاة سيد الشهداء عليه السلام تعني إتباعه والسير بسيرته ومبادئه ونهجه، وهل هنالك شيء يقرب إلى الله أكثر من النهج والمبدأ الحسيني؟!

 

(بِاِحْسانِكَ يا غايَةَ الطّالبينَ) تأملوها قليلاً.

 

فالخلاصة:

أن التوكل على الله هو ركن الإيمان وشرطه، وله آثار تعود على المؤمن بخير الدنيا والآخرة. إن للفوز عند الله عز وجل أنواع، كما أن للفائزين أصناف. أن القرب الآلهي لا يتحقق إلا بالمعرفة الحسنة، والمعرفة لا تتحقق إلا عن طريق أهل البيت عليهم السلام. أن القرب الآلهي يتحقق بمصاديق كثيرة؛ ولكن أقربها هو إتباع سيد الشهداء عليه السلام ومبادئه ونهجه، والتبري ممن خالفه، وخالف نهجه.

 

إبراهيم السنجري

مؤسسة الإمام الحسين عليه السلام للإعلام الرقمي

 

المرفقات