الصنوبري .. شاعر الهيامين

 

ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: أن عبد الله الحلبي الصفري راوية شعر الصنوبري سأله عن السبب الذي من أجله نُسب جده إلى الصنوبر حتى صار معروفاً به ؟ فقال له: كان جدي صاحب بيت حكمة من بيوت حِكَم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه وحدة مزاجه وقال له:

 إنك لصنوبري الشكل. يريد بذلك الذكاء وحدة المزاج.

يُفهم من خلال هذا الجواب عن مرجعيات وجذور الصنوبري أنه لم ينشأ في أجواء عادية لا أثر فيها لسابقة علمية أو أدبية في تاريخ أسرته, بل يدل على أن أسلافه كان لهم قدماً ثابتاً وبصمة مؤثرة في هذين المضمارين وقد ورث الصنوبري منهم هذه المكانة حتى جعلته يتبوّأ منصباً علمياً لا يقل عن منصب جدّه في الاشراف على بيت حكمة المأمون, بل نستطيع القول أن المنصب الذي حازه يفوق كثيراً منصب جده..

ورغم أن صفِتي العلم والأدب هما صفتان مكتسبتان ولا علاقة للوراثة فيهما إلا أن الأجواء العلمية والأدبية التي ينشأ فيها الإنسان تُعدّ عاملاً مهماً في تكوينه, خاصة إذا اتّحدت مع عاملي الرغبة في التعلم لديه والتوجّه نحو العلم وهو ما اجتمع عند الصنوبري ..

حيث شكلت كل هذه العوامل أثراً قوياً ومؤثراً في صقل مواهبه وتكوين شخصيته العلمية والأدبية حتى استحق منصب الاشراف على مكتبة من أعظم المكتبات في العالم في وقتها وهي مكتبة الدولة الحمدانية في حلب حيث لم يجد سيف الدولة الحمداني من هو أكفأ منه لهذا المنصب فشارك الخالديَين الأخَوَين الشاعرين محمد، وسعيد، ابنا هاشم الموصلي العناية بها. وكأن الصنوبري كان يعدّ نفسه لهذا المنصب ..

حلب سيف الدولة

لم تشهد حلب عصراً حضارياً ذهبياً زخر بمختلف العلوم والآداب عبر تاريخها الطويل كالذي شهدته في عهد سيف الدولة الحمداني, فقد عاشت ذروة عصرها الحضاري والثقافي حتى أصبحت فيه من أهم المراكز العلمية والثقافية في العالم الإسلامي وملتقى رجال العلم والفكر والأدب، فكان لهذه النهضة الثقافية والحضارية أثراً كبيراً ودوراً عظيماً في إغناء الفكر الإنساني وبقي أثرها على مدى قرون عديدة، يقول المستشرق الأمريكي ستيفن همفريز عن عصر سيف الدولة (في زمنه كان من الممكن لحلب أن تجاري أي بلاط في إيطاليا في عصر النهضة).

فقد حفلت حلب بالفقهاء والعلماء والأطباء والفلاسفة والأدباء والشعراء والمؤرخين وأعلام العصر، يقول الغزالي: (إنه قد اجتمع له ــ أي لسيف الدولة ــ ما لم يجتمع لغيره من الملوك فكان خطيبه: ابن نباتة الفارقي، ومعلمه: ابن خالويه، وخزّان كتبه: الخالديان والصنوبري، وشعراؤه: المتنبي, وكشاجم,  والسلامي, والوأواء الدمشقي, والببغاء, والنامي, وابن نباتة السعدي وغيرهم).

وإضافة إلى هؤلاء الأعلام فقد جمعت ندوته العلمية والفكرية التي كان يعقدها في قصره كبار علماء اللغة والتاريخ في التاريخ الإسلامي أبرزهم: (أبو بكر الخوارزمي) شيخ أدباء نيسابور, والعالم واللغوي والناقد الكبير (أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني), والعالم اللغوي الكبير (أبو الفتح بن جني)، و(أبو علي الفارسي). و(ابن خالويه)، و(أبو علي الحسين بن أحمد الفارسي)، و(عبد الواحد بن علي الحلبي) المعروف بـ (أبي الطيب اللغوي)، و(أبو الفرج الأصفهاني)، و(ابن نباتة)، ومن الجغرافيين، (ابن حوقل الموصلي) صاحب كتاب (المسالك والممالك).

كما ضمت ندوته إضافة إلى المتنبي الشاعر الفارس (أبا فراس الحمداني), كما عاش في ظل دولة سيف الدولة أشهر خطاط عرفه التاريخ الإسلامي وكان الخطاط الخاص به ويصحب مخطوطاته أينما رحل وهو عبد الله بن مقله المعروف بـ (ابن مقلة) وهو أخو الوزير أبي علي محمد بن علي.

وظهر في عصر سيف الدولة أشهر الأطباء الذين عرفهم التاريخ الإسلامي مثل (عيسى الرَّقي) المعروف بـ (التفليسي)، و(أبو الحسين بن كشكرايا)، و(أبو بكر محمد بن زكريا الرازي) الذي يعد من أعظم أطباء الإسلام وأكثرهم شهرة وإنتاجا، ومن الفلكيين والرياضيين: (أبو القاسم الرَّقي) (والمجتبى الإنطاكي) و(ديونيسيوس) و(قيس الماروني).

ومن أبرز الفلاسفة والمنطقيين الذين زخرت بهم حلب والذين أثروا الساحة الإسلامية بعلومهم الفيلسوف (أبو نصر الفارابي) ـ المعلم الثاني ـ ، و(ابن سينا).

في مثل هذه الأجواء عاش الصنوبري واستطاع أن ينقش اسمه بينهم وان يذكره المؤرخون في أول صفوفهم كما يذكره الأدباء في رأس شعرائهم شاعراً كبيرا مجيدا وحتى قال عن نفسه:

وإذا عزيــــــنا إلى الصـــــــنوبر لـم   ***   نعز إلى خامل مـــــن الخشبِ

لا .. بلْ إلى بــــــــاسقِ الفروعِ عـلا   ***   مناسباً في أرومــــــةِ الحسبِ

مثـل خيامِ الحــــــــريرِ تـحــــــــملُها   ***   أعمدةٌ تحتـــــــــها منَ الذهبِ

كأن ما في ذراهُ مــــــــــــــــــن ثمرٍ   ***   طيرٌ وقوعٌ على ذرى القضبِ

باقٍ عــلى الصيفِ والــــــــشـتاءِ إذا   ***   شابتْ رؤوسُ النبــاتِ لم يشبِ

محـصّنُ الحبِّ فــــــــــي جواشنِ قدْ   ***   أمن في لبسِها مـــــــن الحربِ

حبٌّ حكى الحبَّ صِينَ في قربِ الأصـــــــــــدافِ حتى بـــــدا مــــن القربِ

ذو نثةٍ ما ينــــــــــــــــــال من عنبٍ   ***   ما نيل مـن طيــــبِها ولا رطبِ

يا شجراً حبــــــــــــــــــه حدانِيَ أن   ***   أفدى بأمي محبـــــــــــــة وأبي

افتراء وتفنيد

هو أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبي الحلبي الأنطاكي المعروف بـ (الصنوبري) ..

لم تشر المصادر إلى سنة ولادته تحديداً سوى من ترك ذلك على الاحتمال من المؤرخين فشفع قوله عند ولادته بـ (حوالي) و(نحو) و(قريباً) من سنة (284هـ/‍897م), أما وفاته فكانت عام (334 هـ/945م), وهذا يعني أنه عاش خمسين عاماً هجرية أي ما يعادل سبعة وأربعين عاماً ميلادية كما هو واضح وهو ما يدل بوضوح على أمرين مهمين هما:

أولا: أنه كان شاعراً مُكثراً إذا ما قارنا عمره بديوانه الذي يبلغ مائتي ورقة في أكثر من ثمانية آلاف بيت, كما أشارت المصادر إلى أنه إضافة إلى إكثاره من الشعر إجادته فيه وهي صفة نادرة بين الشعراء ..

ثانيا: تفنيد وإبطال ما وصفه بعض المؤرخين من أصحاب الأهواء والعصبيات المذهبية من أنه كان (منهمكاً في الملذات وأنه تاب بعد أن بلغ الستين من عمره) ! حيث لا تُخفى مآرب هؤلاء في الإنتقاص من رموز الشيعة والحط من منزلتهم وهذا ديدنهم في استهداف كل ما يمت إلى التشيع بصلة, فغير عجيب على من يجعل الحجاج (رجل الدولة المفترى عليه) ! ويصف هارون العباسي بـ (الزهد) و(التقوى) و(إحياء الليل بالعبادة) ! أن لا يتورّع في إلصاق التهم بالرجال المؤمنين الملتزمين بدينهم وعقيدتهم غير أن حقائق التاريخ كفيلة بدحض هذه الإفتراءات والأكاذيب, فكيف يُعيّن سيف الدولة رجلاً منهمكاً في الملذات في منصب علمي مرموق ويجعله في مكان يرتاده الفقهاء والعلماء والحكماء والقضاة وأرباب العلم والأدب ؟ ثم إن شخصية الصنوبري العلمية والأدبية ومكانته بين أعلام عصره كفيلة برد هذا الاتهام.

هجرة إلى العلم

هاجر الصنوبري إلى حلب مركز الإشعاع العلمي والحضاري ودرس فيها وتعلم على يد كبار العلماء والأدباء فيها حتى استطاع أن ينافس شعراء عصره, فتوجّهت إليه الأنظار وأصبح اسمه يشع في سماء حلب مع كبار الشعراء, حتى لقب بـ (حبيب الأصغر) ــ أي أبي تمام ــ كما استفاد الصنوبري من تنقلاته بين حلب والموصل والرقة ودمشق وتزود بالعلم والأدب، وخاصة إلى الرقة التي أصبحت موطنه الثاني بعد حلب وكانت له روابط صداقة مع الشعراء والأدباء فكانت جلساته معهم تقوي شاعريته وتصقل موهبته ومن أهم هؤلاء الأعلام:

1 ــ المعوج الرقي، الذي عدّه بعض المؤرخين أستاذاً له ويدل على علاقته القوية به قصيدته في رثائه عندما توفي (307هـ).

2 ــ علي بن سليمان الأخفش الصغير، العالم اللغوي الشهير.

3 ــ كشاجم الشاعر الذي كانت تربطه به علاقة متينة وصداقة قوية كان عمادها تشيعهما وولاؤهما لأهل البيت وكلاهما له قصائد كثيرة في حقهم (ع) فاجتمعا في بيئة شيعية وضمتهما ندوة سيف الدولة.

قالوا عنه

قال عنه السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: كان الصنوبري شاعراً مجيداً مطبوعاً مكثراً، وكان عالي النفس، ضنيناً بماء وجهه عن أن يبذله في طلب جوائز ممدوح، صائناً لسانه عن الهجاء، يقول الشعر تأدّباً لا تكسّباً. مقتصرا في أكثر شعره على وصف الرياض والأزهار. وكان يسكن حلب ودمشق

وقال الشيخ محمّد السماوي في الطليعة من شعراء الشيعة: كان فاضلاً باهراً، وأديباً شاعراً.

وقال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة من ملوك مصر والقاهرة: الشاعر المشهور، كان إماماً بارعاً في الأدب، فصيحاً مفوّهاً.

وقال الشيخ عبد الحسين الأميني في الغدير: شاعر شيعي مجيد، جمع شعره بين طرفي الرقّة والقوّة، ونال من المتانة وجودة الأُسلوب حظّه الأوفر، ومن البراعة والظرف نصيبه الأوفى, وتواتر في المعاجم وصفه بالإحسان تارة وبالإجادة أخرى وإن شعره في الذروة العليا ثالثة, ), وكان يسمى حبيباً الأصغر لجودة شعره, وأما تشيعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق ونص بذلك اليماني في نسمة السحر وعده ابن شهر اشوب من مادحي أهل البيت عليهم ‌السلام .. ثم يذكر بعض أشعاره

ونقل الشيخ عباس القمي في (الكنى والألقاب) عن ابن شهر اشوب قوله في الصنوبري: كان من شعراء أهل البيت (ع) وله أشعار في مدائح أهل البيت ومراثيهم

وقال الثعالبي في يتيمة الدهر: تشبيهات ابن المعتز, و أوصاف كشاجم، وروضيات الصنوبري، متى اجتمعت اجتمع الظرف والطرف، وسمع السامع من الإحسان العجب.

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: أن أكثر شعره فيه.

وقال ابن النديم في فهرسه: إن الصولي عمل شعر الصنوبري على الحروف في مائتي ورقة.

وقد ضمت كل صفحة من الورقة وفق ما حدد ابن النديم عشرين بيتاً وعلى هذا الأساس فقد احتوى ديوانه ثمانية آلاف بيت.

ديوانه

ليس أدل على أهمية شعر الصنوبري وشاعريته من اهتمام كبار علماء اللغة وأفذاذ الشعراء به وجمعه وتدوينه فقد جمع ديوانه الشاعر والعالم واللغوي الكبير الصولي (محمد بن يحيى بن عبد الله), كما اهتم بشعره وعني به في حياته رواية وجمعا تلميذه أبو العباس الصفري, وعثمان بن عبد الله الطرسوسي, وقد اشتهر شعره في البلاد حتى دخل الأندلس وقرئ بها على يد محمد بن العباس الحلبي، وعنه رواه اللغوي الأندلسي أبو بكر الزبيدي الإشبيلي.

أما مميزات شعر الصنوبري فقد عني بالتشبيهات وابتكار الصور وقد شابه بعض النقاد شعره بشعر ابن الرومي من حيث استيفاء المعنى, لكنه كان يترسم خطى أبي تمام حتى عدّه النقاد خليفة له وقد احتوى شعره على مختلف الأغراض وأهمها وصف الرياض.

الروضيات

لا يمكن لمن يدرس شعر الصنوبري أن يغض الطرف عن الروضيات التي اشتهر بها حتى عُرف بها وعُرفت به فقد هام في الطبيعة الجميلة وسبّح الله على خلقه لهذا الجمال بشعره حتى سُمِّي بشاعر الرياض وهو أول شاعر يكسر الجو التقليدي للشعر العربي والذي ساده الوقوف والبكاء على الأطلال حيث يقول:

وصفُ الرياضِ كفاني أن أقيمَ على   ***   وصفِ الطلولِ، فهل في ذاكَ من باس؟  

وله في هذا الغرض قصائد كثيرة أشهرها ما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان في وصف حلب ورياضها وأجوائها وتبلغ مائة وأربعة أبيات وقد ذكرها الحموي كلها ومطلعها:

احبسا العيس احبساها   ***   وسلا الدار سلاها  

وقد جمع هذه (الروضيات) محمد راغب الطباخ في كتاب منفرد. ومن هذه الروضيات قوله:

ونرجسٌ ساحرٌ الأبصارِ ليس كما   ***   كأنه من عَمَـــــى الأَبصارِ مَسْحورُ

هذا البنفسجُ هذا الياســمينُ وذا النِّـــــــــــــسرينُ ذا سوسنٌ في الحُسْنِ مشهور

تظلُّ تَنثرُ فيه السُّحْـــــــبُ لؤلؤَها   ***   فالأَرضُ ضــاحكةٌ والطيرُ مسرور

حيث التفتَّ فقمريِّ وفـــــــــاختةٌ   ***   فيه تُغَنِّي وشفنيـــــــــــــنٌ وَزَرْزُور

الرثاء

أما في الرثاء فأشهر قصائده فيه رئاؤه أمه وابنته ليلى يقول في رثاء أمه:

قد صَــوَّحـت روضتي المونقهْ   ***   وانتُزعت دوحتي المورقَـهْ

بابٌ إلى الجـنة ودّعــــــــــــتُهُ   ***   منذ رأيتُ المـوتُ قد أغـلقَهْ

يقلق أحشـائي على مضجـعي   ***   تذكري أحشــــــاءكِ المـقلقهْ

يا مهجة جُرت فمّنــــــــــنتُها   ***   من الثرى غير الضمينِ الثقهْ

علامَ طابت بكِ نفســي وقــد   ***   هــــــــددتها حــانية مشفقـــهْ

ولعل أفجع ما مُني به الشاعر من مصيبة هو رحيل ابنته وهي في عز الصبا فرثاها بأفجع رثاء:

سأبكي ما بكى القُمـــريُّ بنتي   ***   ببحرٍ من دمـــــــوعٍ بل بحورِ

ألســتُ أحـقُّ مـن أبـكي عليها   ***   إذا بكــت الطيورُ على الطيورِ

في أهل البيت

إذا كان هيام الصنوبري بالطبيعة والرياض والأزهار قد طغى على شعره وحياته وصباه فإن هناك هياماً آخر ساد روحه وقلبه حتى تملكه, إنه هيام العقيدة والمودة لأهل البيت وتشيّعه لهم, فنجد ما يفيض على قصائده الروضيات من هذا الهيام في قصائده في حق النبي وأهل بيته (ع).

يقول في هيامه بسيد الخلق محمد (ص) الذي اصطفاه الله على خلقه, وفضله على جميع العالمين, والذي أسرى به الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وله انشق القمر, وسبّح الحصى في يده الشريفة:

ندبتُ ونُحـــــــــــــــتُ بني أحمدٍ   ***   ومثليَ نـــــــــاحَ ومثلي ندبْ

بني المصطفى المرتضى خاتمِ الــــــــــــــنبيينَ والمنـــــــخب المنتخبْ

ولا سرى مســــــــــــــراه إلا بهِ   ***   وما مسّه في السرى من تعبْ

أم القمــــــــــــــــــرُ انشقّ إلا له   ***   ليقضـيَ ما قد قضى من أربْ

ولا يدُ سبّـــــــــــحَ فيها الحصى   ***   سوى يـــــدِهِ في جميعِ الحقبْ

وقد اقترنت سيرة النبي (ص) بسيرة أمير المؤمنين (ع) فهما صنوان لا ينفصلان:

وفي تــــــفلةٍ ردّ عينَ الوصيِّ   ***   إلى حالِ صــــحـتِها إذ أحبْ

أخـــــــوهُ وزوجُ أحبِّ الورى   ***   إليهِ ومسعــــــــدُه في النِوبْ

له ردّت الشمسُ حتى قضى الــــــــــــــصلاة وقــامَ بــــما قد وجبْ

وزكّا بخـــــــــــــــاتمِهِ راكعاً   ***   رجاءَ المجـــازاةِ في المنقلبْ 

أبو حسنٍ والحسيـــــــــنِ الذَيــــــــــــــن كانا سراجيْ سراجَ العربْ

هما خير ماشٍ مشـــــى جدّةً   ***   وجــــــــــــداً وأزكاهُ أمّاً وأبْ

فحب أهل البيت (ع) كان متغلغلاً في روح الشاعر وكان ديدنه الجهر به:

حبُّ النبيِّ مـحمــــــــــدٍ ووصيِّه   ***   مع حبِّ فاطمةٍ وحبِّ بــــنيها

أهلُ الكسـاءِ الخمسةِ الغـررُ التي   ***   يبني العُلا بعلاهــــــــم بانيها

كم نعمةٍ أوليـتَ يا مــــــــــولاهمُ   ***   في حبِّهم فالحــــــمدُ للموليها

إنَّ السفاهَ بتـركِ مدحي فيـــــــهمُ   ***   فيحقّ لي أن لا أكــونَ سفيها

هم صفوةُ الكرمِ الذي أصــفيــهمُ   ***   ودّي وأصفيتُ الذي يـصفيها

أرجو شفاعتــــــهمْ وتلكَ شفاعةٌ   ***   يلتذ بردَ رجـــــــائها راجـيـها

صلّوا على بنتِ النبــــــيِّ محمدٍ   ***   بعد الصلاةِ على النبيِّ أبيــها

ويقول في يوم الغدير يوم الولاية الكبرى:

رفعَ النبيُّ يميــــــــــــــنه بيمينهِ   ***   ليرى ارتفــــاع يمينهِ رائيها

في موضعٍ أضحــى عليه منبّهاً   ***   فيه وفيـــــــــه يبدئ التشبيها

آخاه في ضمٍّ ونـــــــــوّه باسمِهِ   ***   لم يــــــألُ فـي خيرٍ به تنويها

هو قال: (أقضــاكم) عـــليٌّ إنّه   ***   أمضى قضيته التي يمضــيها

هو لي كهارونٍ لموسى حـــبّذا   ***   تشبيه هرونٍ به تشـــــــــبيـها

يوماهُ يومٌ للعـــــــدى يــرويهمُ   ***   جوداً ويومٌ لــــــــــلقنا يرويها

يسعُ الأنامَ مثوبة وعـــــــقوبةً   ***   كلتاهما تمضي لمــــا يمضيـها

بيدٍ لتشييدِ المعالي شطـــــرُها   ***   ولهدمِ أعمارِ العـــــــدى باقيها

ومضاءُ صبرٍ ما رأى راءٍ له   ***   فيما رآه من الـــــصدورِ شبيها

لو تاهَ فيه قومُ مـــــوسى مرة   ***   أخرى لأنسى قومَ موسى التيها

وفي مناقب وفضائل أمير المؤمنين ومنزلته العظيمة عند الله ورسوله يقف الصنوبري أمام هذه العظمة بإجلال وهو في محراب أخي رسول الله, ووالد سبطيه, وزوج ابنته سيدة نساء العالمين, وأول من صلى مع النبي, وحل منه محل هارون من موسى, ورُدّت له الشمس حتى صلى, فيقول:

أخي حبيــــــــبي حبـيبُ الله لا كذب   ***   وابناه للمصــطفى المستخلصِ ابنانِ

صلى إلى القبلتـيــــــن المقتدى بهما   ***   والناس عــــن ذاكَ في صمٍّ وعميانِ

ما مثل زوجـــــتهِ أخـرى يقاسُ بها    ***   ولا يقـــــــــاسُ على سبطيهِ سبطانِ

فمضمرُ الحــــبِّ في نـورٍ يخصُّ بهِ   ***   ومضمرُ البغضِ مخصوصٌ بنيرانِ

هذا غدا مالكٌ في النـــــــــــارِ يملكه   ***   وذاك رضــــــــــوانُ يلقاهُ برضوانِ

رُدّت له الشمسُ في أفــلاكِها فقضى   ***   صلاتَه غيــــــــــــرَ ما ساهٍ ولا وانِ

أليسَ من حلَّ منه في أخــــــــــــوّته   ***   محلَ هارونَ من موسى بن عمرانِ؟!

وشافعُ الملكِ الراجي شفـــــــــــاعته   ***   إذ جـــــــــــــاءه ملكٌ في خلقِ ثعبانِ

قال النبيُّ له: أشـــــــــــقى البريّة يا   ***   عليُّ إذ ذُكـــــــــــــــرَ الأشقى شقيّانِ

هذا عصى صـــــالحاً في عقر ناقتِه   ***   وذاكَ فيـــــــــــــكَ سيلقاني بعصيانِ

ليخضبنْ هذهِ من ذا أبــــــــــا حسنٍ   ***   في حين يخضبُـــــــها من أحمرٍ قانِ

أما كربلاء فلها في نفس الصنوبري أثر. وأي أثر ؟ لنترك له الحديث عنها في هذه الأبيات:

يا خيـــــــــــرَ من لبسَ النبــــــــــــــوّةَ من جميــــــــعِ الأنبياءِ

وجدي على سبـــطيـكَ وجــــــــــــــد ليسَ يؤذنُ بانقـضـــــــاءِ

هذا قتيــــــــــــــــلُ الأشقيـــــــــــــــاءِ وذا قتيـــــــــلُ الأدعياءِ

يومُ الحسيــــــنِ هرقتَ دمــــــــــــــــعَ الأرضِ بلْ دمعَ السماءِ

يومُ الحسيــــــنِ تركتَ بــــــــــــــــــابَ العزِّ مهجـــــورَ الفناءِ

يا كربلاء خــــــــلقتِ من   ***   كربٍ عليَّ ومــــــــــن بلاءِ

كمْ فيــــــــكِ من وجهٍ تشـــــــــــــــرّبَ ماؤه مــــــــــاءَ البهاءِ

نفســــي فداء المــصطلي   ***   نارَ الوغى أي اصـــــطلاءِ

حيثُ الأسنةُ في الجواشــــــــــــــنِ كالكواكبِ في الســــــــماءِ

فاختارَ درعَ الصـبرِ حيـــــــــــــــثُ الصبرُ من لبسِ السنــــاءِ

وأبى إبـــــــــاءَ الأسدِ إنّ   ***   الأســـــدِ صادقة الإبـــــــاءِ

وقضى كريـــماً إذ قضى   ***   ظمآنَ في نفرٍ ظمــــــــــــاءِ

منعـــــــــوهُ طعمَ الماءِ لا   ***   وجدوا لماءٍ طعمَ مــــــــــاءِ

مَن ذا لمعــــــــــــقورِ الجـــــــــــــوادِ ممالِ أعوادِ الخبــــــــاءِ

مَن للطريــــــــحِ الشلوِ عــــــــــــــرياناً مُخلّىً بالعــــــــــــراءِ

مَن للمحنّـــــــــــــــطِ بالتـــــــــــــــرابِ وللمغسّلِ بالدمــــــــاءِ

من لابنِ فـــــــاطمةِ المغــــــــــــــــيّبِ عن عيونِ الاوليــــــاءِ

وهو يتمنى أن يزور كربلاء لكي يشم ترابها الزكي المضمخ بدماء الشهادة:

أنيخا بنا العيسَ في كربلاء   ***   مناخَ البلاءِ مناخَ الكربْ

نشمُّ ممــــــسّكَ ذاك الثرى   ***   ونلثمُ كافــورَ تلكَ التُربْ

ونقضي زيــــــارةَ قبرٍ بها   ***   فإنّ زيـــــــارته تُستحبْ

فأي هول جرى في كربلاء ؟ وأي دماء قد سفكت ؟

وابكوا دماءً لو تشـاهدَ سفكـــــــها   ***   في كربلاء لما ونت تبكيــــها

يا هولها بين العمــائمِ والــــــلـهى   ***   تجري وأسيافُ العِدى تجريها

تلك الدماءُ لو انها تـــــــــوقى إذاً   ***   كانت دماءُ العالميـــــــــنَ تقيها

لو أن منها قطــــــــرة تفـــدى إذا   ***   كنا بنا وبغيــــــــــــــرنا نفديها

إن الذين بغوا إراقتــــــــــها بغوا   ***   ميشومة الـــــعقبى على بـاغيها

قُتل ابن من أوصى إليه خير مـن   ***   أوصى الوصايا قط أو يوصيها

فكل بكاء للشاعر هو بكاء على قتلى الطف:

عوجـــا بدارِ الطفِّ بــالدارِ التي   ***   ورث الهدى أهلوه عن أهليها

نبكي قبــــــوراً إن بكــينا غيرها   ***   بعضَ البكاءِ فإنما نــــــــعنيها     

نفدت حيـــاتي في شــجـىً وكآبةٍ   ***   للهِ مكتئبُ الحـــــــــياءِ شجيها

بأبي عفت مـــــــنكم معالمُ أوجهٍ   ***   أضحى بها وجهُ الفخارِ وجيها

مالي علمت سوى الصلاة عليكم   ***   آلُ النبيِّ هدية أهــــــــــــــديها

وأسا عليَّ فإن أفأت بمـــــــقلـتي   ***   يحدي سوابق دمعِها حاديــــها

سقياً لها فئة وددتُ بـــــــــــأنني   ***   معها فســــقّاني الـردى ساقيها

تلكَ التي لا أرضَ تحمل مثلـــها   ***   لا مثل حاضــــرِها ولا باديها

قلبي يتيهُ على القــــــلوبِ بحبِّها   ***   وكذا لساني ليـــــسَ يملكُ تيها

وأنا المدلّه بالمرائي كــــــــــلما   ***   زادت أريـــــــدُ بـــقولِها تدليها

يرثي نفوساً لو تطيــــــــق إبانة   ***   لرثـت له من طــولِ ما يـرثيها

فتفاصيل يوم الطف حاضرة في ذهن الشاعر ماثلة في وجدانه فاستحضر ظمأ الحسين وتوديعه عياله واستشهاده وقطع رأسه على يد الشمر وقد سكب كل هذه التفاصيل دمعاً وشعراً:

سآسي لمن فيه كل الأســــــى   ***   وأسكبُ دمــــعي له ما انسكبْ

لمنْ ماتَ من ظمأ والــــفرات   ***   يرمي بأمــــواجه مــــــن كثبْ

يرومُ اقتراباً فيحمـــــــــونه الــــــــــــــوصول إلــــيه إذا ما اقــــتربْ

وقد أنصب الفاطميات مـــــــا   ***   يعانيه تحــت الوغى من نصبْ

اذا هو ودّعهنَّ انتحبـــــــــــنَّ   ***   من حرِّ تــوديـــــــــعِهِ وانتحبْ

أيا ابن الرسولِ ويا ابن البتولِ   ***   ويا زينــــــة العـلمِ زين الأدبْ

كأني بشمرٍ مكبّـــــــــــاً عليكَ   ***   ويـــــــــلٌ لشمرٍ على من أكبْ

ومهري مـــاضٍ مُخلّى العنانِ   ***   خضيـــبُ اللبانِ خضيبُ اللببْ

وقد أجلتِ الحــربُ عن نسوةٍ   ***   سقتها يدُ الحــربِ كأسَ الحربْ

يلاحظنَ وجـــــهكَ فوقَ القناةِ   ***   ويذهبن باللحــــــــظِ أنىّ ذهبْ

فبــــــــــــوركتِ مرثية حُليت   ***   من الحَلي بــــالمنتقى المنتخبْ

إلى ضَبّةِ الكـــــوفةِ الأكرمين   ***   تنسّب أكـــــــــــرمْ بهذا النسبْ

إلى القائمينَ بحــــــقّ الوصيِّ   ***   عند الرضـــــاءِ وعند الغضبْ

 ولا يفتأ الصنوبري يستذكر أحداث يوم عاشوراء وقد أفعم قوافيه بذكر الحسين:

ذكرُ يومِ الحسينِ بالــــطفِّ أودى   ***   بصمـاخي فلم يدع لي صماخا

متبعاتٌ نسأوه النـــــــــــوح نوحاً   ***   رافعـات إثرَ الصراخِ صِراخا

منعوهُ مــــــــــــاءَ الفراتِ وظلّوا   ***   يتعاطــــــــــــــونه زلالاً نقاخا

بأبي عترة النبــــــــــــــــيِّ وأمّي   ***   سدَّ عنــــــــــهم معاندٌ أصماخا

خير ذا الخلق صبيـــــــــةً وشباباً   ***   وكهــــــــــولاً وخيرُهم أشياخا

أخذوا صدرَ مفخرِ العزِّ مــــــــذ   ***   كـــانوا وخلّوا للعالمينَ المخاخا

النقيّون حيث كـــــــــــانوا جيوباً   ***   حيث لا يأمن الجـيــوب اتساخا

خلقوا أسخيــــــــــــاء لا متساخـــــــــــــــين وليس السخيُّ مـــن يتساخى

أهل فضلٍ تناسخوا الفضلَ شيباً   ***   وشبــــــاباً أكرم بـذاكَ انـتـساخا

يا ابنَ بنتِ النبيِّ أكــــرم به ابنا   ***   وبأسنــــــــــــــــاخِ جدّه أسناخا

وابن من وازرَ النبـــــيِّ ووالاه   ***   وصافاهُ في الـغديـــــــــــرِ وآخا

وابن من كان للكريــــــــهةِ ركّـــــــــــــاباً وفي وجـــــــه هولِها رسّـاخا

للطلى تحت قسطلِ الحــربِ ضـــــــــــــرّاباً وللهــامِ فــي الوغـى شدّاخا

ما عليكم أنــــــــاخَ كلكله الدهــــــــــــــــر ولكن على الأنـــــــــــامِ أناخا

وللصنوبري في حق أهل البيت قصائد كثيرة ضمن فيها مناقبهم وفضائلهم وبكى وأبكى على مصابهم:

حيّ ولا تســـــــــــــــــــأم التحياتِ   ***   وناجِ ما اسطعتَ من مناجاةِ

حيّ دياراً أضــــــــــــحت معالمها   ***   بالطف معـــــلومة العلامـاتِ

وقل لها يا ديـــــــــــــــــار آل رســــــــــول الله يا معـــــــدنَ الرسـالاتِ

وقل عليك الســـــلام ما انبرت الشــــــــــــــمسُ أو البدرُ لـــــــــلبريـاتِ

هم منــــــــاخُ الهدى ومنتجعُ الوحــــــــــــــي ومستوطنُ الهدايـــــــــات

إن يَتلُ تالي الكتابِ فضـــــــــــلهمُ   ***   يتلُ صنــــــوفاً من الـتلاواتِ

خصّوا تلك الآيـــــــــــــاتِ تكرمة   ***   أكرم بتلكَ الآيـــــــــاتِ آياتِ

هم خيرُ مــــــــاشٍ مشـى على قدم   ***   وخير مَن يمتطي المـــطيّات

هم علّموا العالمـــــــــــــين أن عبـــــــــــــــدوا الله وألغوا عبادةَ الـــلاتِ

عُجـتُ بأبيــــــــــــــــــاتِهم أسائلها   ***   فعجت منها بخيرِ أبـيــــــــاتِ

على قبورٍ زكيةٍ ضمـــــــــــــــنت   ***   لحودُها أعظـــــــــــماً زكيّات

أذكى نسيــــــــــــــــماً لمن ينسّمها   ***   من زهراتِ الربــــى الذكيّات

وأصلها الغــــــــيث بالغدو ولا صـــــــــــــارمها الغيثُ بالعشيّـــــــــــاتِ

الشافعــــــــــــــــون المشفعون إذا   ***   ما لم يشفّع ذوو الشفاعــــــاتِ

من حين ماتوا أحيوا ، وليس كمن   ***   أحياؤهم في عدادِ أمـــــــواتِ

جلّــــــــــــت رزاياهُم فلستُ أرى   ***   بعد رزيــــــــــــــاتِهم رزيّاتِ

وقال في رثاء سيد الشهداء (ع)

نوحا على سيدي الحسيـــــــــن نعم   ***   نوحا على سيدي بن ساداتِ

نوحاً تنوحــا منه عـــــــــلى شرف   ***   مجــــــــــدّل بـين مشرفياتِ

ذقنا بــذوق السيـــــــــوف من دمه   ***   مرارةً فــــــــاقتِ المـراراتِ

كأنني بالدماءِ مـــــــــــــــــنه على   ***   خير تراقٍ وخيــــــــــر لبّاتِ

ذِيدَ حسينٌ عن الفـــــــــــــراتِ فيا   ***   بليّة أثمــــــــــــــــرتْ بليّاتِ

لم يستطع شربــــــــه وقـد شربت   ***   من دمه المرهفــــاتُ شرباتِ

ما لك ما غُــــــــرت يا فـرات ألم   ***   تسقِ الخبيثينَ والخبيـــــــثاتِ

كم فاطميـــــــــينَ منكَ قد فُــطموا   ***   من غيرِ جــــــرمٍ وفاطمياتِ

ويل يزيد غداة يـــــــــــــقرع بالــــــــــــــقـضيب من سيـــــدي الثنيّاتِ

فزد يزيـــــــــــــــداً لعناً وأسرته   ***   من ناصبيٍّ ونـاصبيــــــــــاتِ

إلعنه والعن مــــن ليس يــــــلعنه   ***   ثُبت بذا أفضـل المثوبـــــــاتِ

الجنُّ والإنـسُ والمــــــــلائكة الــــــــــــــكرامُ تبــــــــــــكي بلا محاشاةِ

على خضيبِ الأطرافِ من دمِهِ   ***   يا هول أطـــــــرافه الخضيباتِ

في لمّةٍ من بني أبيه حــــــــوت   ***   طيب الأبوّاتِ والبنـــــــــــوّاتِ

مَن يسل وقتاً فــــــــــإن ذكرهمُ   ***   مجددٌ لي في كل أوقـــــــــــاتي

بهم أجازى يوم الحســـــابِ إذا   ***   ما حوسبَ الخلقُ للمجــــــــازاةِ

تجـــــــــــــــارتي حبّهم وحبّهمُ   ***   ما زال من أربحِ التجـــــــاراتِ

وفي الإمام الحسين (ع) أيضاً

لوعة مـــا تزحـــرحُ   ***   وجوى لـيسَ يــــــبرحُ

وشجىً مــــــــا أزال   ***   أفيق مــنه وأصــــــبحُ

وأسىً كلما خَــــــــبا   ***   خبـــــوُه عـادَ يقـــــدحُ

وحسودٌ يـــحــاول الـــــــــــــجدَّ من حيث يــــــمزحُ

فهو يــــأسو اذا حضــــــــــــــرتُ وإن غبـــتُ يقدحُ

فمداجٍ مــــــــــواربٌ   ***   ومبيـــــــــــنٌ مصرّحُ

كإبن آوى يـعـوي ورا  ***   يَ وكالــــــــكلبِ ينبحُ

عجبي والخطــوب تبـــــــــــــــرح فيـــــــــنا وتسنحُ

لطلابي لراحــــةِ العيــــــــــــــشِ والمـــــوتُ أروحُ

قل لبــــــاغي ربحٍ بمـــــــــــــــدح إذا ظـــــلَّ يمدحُ

مدحُ آلِ النبيِّ يــــــــا   ***   بــــــاغي الربحِ أربحُ

مَن بهــــــمْ تُمنحُ النجـــــــــــــاةُ غـــــــداً حينَ تُمنحُ

وبهمْ تصـــــــــلحُ الأمــــــــــــورُ التي ليـــسَ تصلحُ

ما فصيـــــحٌ إلا وهمْ   ***   بالعُلى مـــــــنه أفصحُ

سبقوا شرح ذي النهـى   ***   بنهى ليـــــسَ تُشرحُ

همْ على المـــــــــــعتفيــــــــــــــن أوسع أيــدٍ وأفسحُ

كلما وزنـــــــــــــوا به   ***   فهمُ مـــــــــنه أرجحُ

طيّرَ النارَ فــــي الحشا   ***   طـــــائرٌ ظلَّ يصدحُ

ناحَ شجواً ومـــــا درى   ***   أنني مــــــــنه أنوحُ

أنا أشجى مــــــــــــنه فـــــــــــــؤاداً وأضنى وأقرحُ

لي فـــــــــــــــؤادٌ بنارِهِ   ***   كلّ يـــــــــومٍ مُلوّحُ

وحشاً ما المــــدى مدى   ***   حرقـــــــاتي يشرّحُ

للحسيـــــــــنِ الذي الشـــــــــــــــؤن بذكــــراهُ تُسفحُ

لابنِ مَن قـــــامَ بالنصيــــــــــــــــحةِ إذ قــــامَ يَنصحُ

الذبيحُ الذبيــــــــــحُ من   ***   عطــــشٍ وهو يذبحُ

من رأى ابن النبـــيِّ في   ***   دمـــــه كيفَ يسبحُ

طامحاً طــــــــــرفه إلى   ***   أهلِــــهِ حين تطمحُ

يطبقُ العيـــــنَ وهوَ في   ***   كربــــــــاتٍ ويفتحُ

بي جوى للحسيــــــن يـــــــــــــــؤلمُ قلبــــي ويقرحُ

أبطحي ما إن حـــــــوى   ***   مثـــــــله قط أبطحُ

تلمحُ المكـــــــرماتِ من   ***   طـــرفِهِ حين يلمحُ

أيّ قبرٍ بالطــــــــفِّ أضــــــــــــحى به الطفُّ يُبجحُ

بأبي الطفّ مطــــــرحاً   ***   للعُلـى فيـــه مطرحُ

ظـــــــاهرُ الأرضِ منه   ***  تحزنُ والبطنُ تفرحُ

مالسُفرٍ بالـــطفِ امسوا   ***   حلــــولاً وأصبحوا

من صــــــــــريعٍ على   ***   جوانبِهِ الطيرُ جُـنّحُ

وطريــــــــحٍ على محــــــــــــــاسنِهِ التربُ يُـطرحُ

فلحــــــــى الله مستبيـــــــــــــحي حماهمْ وقـد لُحوا

ما قبيـــحٌ إلا وما ارتـــــــــــــكبَ القـــــــــومُ أقبحُ

آلُ بيتِ النبـــيِّ مـالي   ***   عنــــــــــكمُ تزحزحُ

أفلحَ الســـــالكونَ ظـــــــــــــــل هداكــــم وأنجحوا

أنا في ذاكَ لا ســوى   ***   ذاك أسعــــى وأكدحُ

فعســــــى الله عن ذنـــــــــــــــــوبي يعفو ويصفحُ

ويسخِّر الصنوبري جلَّ قوافيه ليوم الطف:

يا حــــــــــادي الركبِ أنخْ يا حادي   ***   ما غيــــر وادي الـطفِّ ليَّ بوادِ

يعتادني شوقي إلى الطــــــــفِّ فكُنْ   ***   مشاركــــــــي في سوميَ المُعتادِ

للهِ أرضُ الطـــــــــفِّ أرضـــاً إنها   ***   أرضُ الهدى المعبودُ فيها الهادي

أرضٌ يحارُ الطرفِ في حــــايرِها   ***   مهما بدى فالنورُ منـــــــــــــه بادِ

حَيا الحَيــــــــــــا الطفَّ وحيّا أهلَه   ***   من رائـــــــــــحٍ من الحيا أو غادِ

حتى ترى أنــــــــــــــوارَه موشية   ***   تزهي على موشــــــــــــيةِ الأبرادِ

زهوي بحبِّ المصطــــــــفى وآلِهِ   ***   على الأعادي وعلى الحــــــــسَّادِ

قومٌ علا منــــــــــــــــهم وأبناءٌ أفـــــــــــــــديهم بآبــــــــــــــــائي وبالأجداد

همُ الأولى ليس لهم في فخـــــرهم   ***   نِدٌّ وحاشــــــــــــــاهمْ من الأندادِ

يا دمعُ أسعدني ولستَ منـــــصفي   ***   يا دمعُ إن قـصّــرتُ في إسعادي

ما أنس لا أنسى الحـــسينَ والألى   ***   باعـــــــوا بـه الإصلاحَ بالافسادِ

لما رآهم أشـــــــــرعوا صمَّ القنا    ***   وجرَّدوا البـيــــــضَ من الأغمادِ

نــــــــــــــــازعهمُ إرث أبيه قائلاً   ***   أليـــــــــــــسَ إرث الأبِّ للأولادِ

أنا الحسيــــــــــنُ بن عليٍّ أسدُ الـــــــــــــــروحِ الذي يعـــــــلو على الآسادِ

فاضــــمروا الصدق له وأظهروا   ***   قولَ مصــــــــــرّينَ على الأحقادِ

ففارقَ الدنيا فديناهُ وهــــــــــــــل   ***   لذائـــــــــــــــــقٍ كأسَ المنايا فادِ

ولم يرمْ زاداً ســـــــوى الماءِ فما   ***   أن زوّدوه منــــــــــه بعضِّ الزادِ

أروى الترابَ ابن علي مــــن دمٍ   ***   أيَّ دمٍ وابـــــــــــــــــن عليٍّ صادِ

تلكَ الصفايا من بناتِ المصطفى   ***   في ملكِ أوغـــــــــــــادِ بني أوغادِ

قريحة أكبــــــــــــــــادُها يملكها   ***   عصـــــــــــــــــــابة غليظة الأكبادِ

لذا غدت أيـــــــــــــــــامُنا مآتماً   ***   وكنَّ كالأعــــــــــــــراسِ والأعيادِ

ويبقى الطف متجسدا في ضمير الشاعر

سِر راشـــــــداً يا أيــها السائرُ   ***   ما حارَ مَن مقصِدِه الحــــائرُ

ما حار من زارَ إمــــامَ الهدى   ***   خير مزُور زارَه الـــــــزايـرُ

مَن جدُّه أطهــرَ جدٍّ ومَــــــــن   ***   أبوه لا شك الأبُ الطــــــاهرُ

مقـــــاسمُ النــارِ ، له المسلمُ الــــــــــــــمؤمنُ منّا ، ولــــــــها الكافرُ

دانَ بديـــــنِ الــحقِّ طـفلاً وما   ***   أن دانَ لا بادٍ ولا حـــــــاظرُ

الواردُ الكهـــــــــفَ على فتيةٍ   ***   لا واردٌ منهــــــــم ولا صادرُ

حتى إذا ســــــــــلّمَ رَدّوا وفي   ***   ردّهـــــــــــمُ ما يـخبرُ الخابرُ

أذكرُ شجوى ببـــــــــني هاشمٍ   ***   شجوي الذي يُشجى به الذاكرُ

أذكرهمُ ما ضحكَ الروضُ أو   ***   ما ناحَ فيه وبــــــــكى الطائرُ

يومَ الحسينِ ابتزَّ صبـري فما   ***   مني فلا الصبرُ ولا الــــصابرُ

لهفي على مولاي مسـتنصراً   ***   غيِّــــبَ عن نـــصرتِهِ الناصرُ

حتى إذا دارَ بما ســــــــــاءنا   ***   على الحـــــــسينِ القدرُ الدائرُ

خرّ يضاهي قمراً زاهــــــراً   ***   وأيــــــــنَ مــــنه القمرُ الزاهرُ

وأم كلثوم ونســــــــــــــوانُها   ***   بمنظرٍ يكبرهُ الــــنـــــــــــاظرُ

يسارقُ الطرفَ إلـيها وقـــــد   ***   أنحى على منــــحــــرِهِ الناحرُ

فالدمعُ من مقلتِـــــــــهِ قاطرٌ   ***   والدمعُ مـــــــن مقلتِــــها قاطرُ

يا من همُ الصفوةُ من هاشمٍ   ***   يعـــــــــــــــرفُها الأولُ والآخرُ

ذا الشاعرُ الضبِّيُّ يلقى بكم   ***   ما ليـــــــــــــسَ يلقى بكمُ شاعرُ

ونختم مراثيه للإمام الحسين بهذه الأبيات من قصيدة:

عوجا على الطفِّ الحنايا   ***   ما طـــوره أطرُ الحنايا

فهنــــــاكَ مثوى الأصفيــــــــــــــاء المنتمين إلى الصفايا

لم تُرعَ لا الموصي ولا الــــــــــموصى إليه ولا الوصايا

ابن النبـــــــــــــيِّ معفّرٌ   ***   وبنــــــاتُ فاطـمةٍ سبايا

خيرُ البــــــرايا ، رأسُه   ***   يُـهدى إلى شــــرِّ البرايا

لم أدرِ للصبيــــانِ أذرفُ أدمعـــــــــــي أم للصبـــــــــايا

تالله لا تخفى شجــــــــــوني .. لا .. وعلّام الخفـــــــــايا

ويزيدُ قد وضعَ القضيـــــــــــبَ من الحسينِ على الثــنايا

فهبُوه ما استحيـى النبيَّ ولا الوصـــــــي .. أمـــــا تحايا

محمد طاهر الصفار

 

 

 

المرفقات

: محمد طاهر الصفار