الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 27/شعبان/1440هـ الموافق 3 /5 /2019م :

اخوتي اخواتي اعرض بخدمتكم السؤال التالي ونحاول ان نجيب عليه بشكل موجز، ألا وهو كيف تتشكّل المنظومة المعرفية عند الإنسان؟

الإنسان عندما يولد ويأتي الى هذه الدنيا قطعاً سيتعلم ويكون حاله ليس كحال بدايات حياته وولادته، السؤال كيف تتشكل هذه المنظومة المعرفية عندهُ؟

طبعاً انا لا اتحدث عن المدارس الفكرية والثقافية وليس الكلام في هذا الجانب، يعني تعلمون ان المدارس الفكرية تختلف في مضامينها وتختلف في الاسس الفلسفية التي تُشيّد نفسها بها، الكلام ليس في ذلك، هذا ليس محلهُ، وانما حتى يكون حديثنا حديثاً اجتماعياً عاماً فلابد ان يكون حديثنا حول الآليات التي تتشكل فيها المنظومة المعرفية عند كل منا..

لعلّه أول آلية مسألة الكتاب، ان الانسان يقرأ في كتاب ما ويستفيد مما موجود في الكتاب ولذا ترى الناس يتسابقون على اقتناء الكتب وقراءتها ومناقشة ما في الكتاب وكان البعض بل لا زال يعقد مجالس عامة لمناقشة هذا الكتاب الذي قرأه زيد أو عمر فالكتاب كان ولا زال يمثل ركيزة مهمة في تشكيل المنظومة المعرفية.

ثانياً المعلّم ان الانسان يتعلّم من معلمه ويبقى يستفيد من هذا المعلم بالمقدار الذي يتيحهُ له الوضع العام.. وهذا التعليم أيضاً تختلف درجاته لكن لازال المعلّم يمثّل ركيزة مهمة في الاداة المعرفية، عندنا كتاب وعندنا معلم.

من جملة ما عندنا هي التربية التي يتربى فيها هذا الشخص سواء كان في بيته واسرته وهذه لها الأولوية في صقل شخصيته المعرفية فهو يتعلم من تجارب الاب وتجارب الجد وتجارب الام ويتعلم منهما كما يأخذ منهما الاكل والشرب يأخذه في البيت كذلك يأخذ منهُ الزاد المعرفي، ولعلّ هذه الامور من الامور الشائعة.. قديماً عندما بدأ الانسان يسطّر ويكتب الافكار والمعلّم ايضاً قديماً قضية آلاف السنين هناك معلم يعطي ويعلّم والاسرة هذا التكوين القديم وهذا هو الوضع الطبيعي في الأدوات المعرفية..

اليوم بالاضافة الى هذه الاشياء بدأت ثقافتنا المعرفية يدخل على آلياتها وادواتها اشياء اُخر لم تكن سابقاً موجودة وهذه الاشياء الاُخر ايضاً اشياء مؤثرة تدخل في ثقافتنا المعرفية بل هذه الاشياء اختصرت كثيراً من أدوات المعرفة ووضعتها امامنا بشكل واضح واقصد من هذه الادوات هي الثورة المعلوماتية الحديثة المتمثلة سواء كان بالانترنت او بعموم صفحات التواصل الاجتماعي.

طبعاً هذه الحالة لا يمكن الانسان ان يغفلها ومدى التأثير فيها، لكن اُحب ان انوّه هنا الى مسألة..

طبعاً انا لا اُعمم الحكم وانما اقول هذه الادوات المعرفية فيها النافع وفيها الضار كالكتاب الانسان ممكن ان يقرأ كتاباً نافعاً ويمكن ان يقرأ كتاباً ضارا، لكن هذه الادوات المعرفية فيها شيء آخر ألا وهو حالة عدم المعرفة الخاصة لمن يحاول ان يأخذ ثقافته العامة منها، كيف؟

اقول هذه المنظومات الثقافية ولأعبر عنها الالكترونية حتى نختصر الحديث، هذه الثقافة الالكترونية قسم كبير منها غير معروف، يعني هوية هذه الثقافة غير معروفة ونحن قد نمر بحالة من التشوّش الفكري المعرفي بل التناقض في بعض الحالات لعدم قدرتنا على فرز ما فيها ولذلك سيكون تأثيرها السلبي كثيراً خصوصاً على الشباب وبعض الاخوة الذين لم يتعلموا بالوضع السابق يعني ليس عنده كتاب ليس عندهُ معلّم ليست الاسرة في محل تعليمه وانما فتح عينيه على هذا الركام والكمّ الهائل المُشوِّش والذي فيه تناقض لا شك هنا لا نحصل على منظومة معرفية واضحة المعالم بل سنحصل على منظومة مشوَّهة.

المشكلة ان هذه الثقافة باتت اسهل تناولا ً لكنها اخطر تأثيراً ولذلك لاحظوا شيء الآن عندما نقرأ بعض ما في هذه مع غض النظر عن المسميات سنجد ان هناك ثقافة في هذه المقاطع – انا اقول لا اُعمم ايضاً كلامي واضح- سنجد ثقافة هي اقرب ما تكون الى الجهل منها الى الثقافة، يعني الانسان يتربى على حالة من الجهل وحالة من المبتنيات الفكرية غير الرصينة بل فيها كما قلت اشياء متناقضة اليوم تقول لك كذا وبعد شهر تذكر تقول كذا على نحو التبني وبعد شهر تقول على عكسه ايضاً على نحو التبنّي وتجعل هذا المتصفح في حيرة من ذلك.

ثانياً ان هذه فيها تجاوزات على حُرمات الناس بطريقة اصبح يسهل علينا رمي الناس بكل موبقة بلا ان نفكّر وبلا ان نراجع ونتأمل خطورة ذلك علينا واصبحت هذه المسائل هي التي تزكّي وهي التي تقدح وهي التي تذم وهي التي تجرح بطريقة في منتهى العشوائية.

خطورة هذه الثقافة هي عبارة عن ثقافة لا اصل لها هجينة مركبة من خليط يجعل الانسان غير مستوي يجعل ثقافته ثقافة مهزوزة ثقافة غير واقعية ويتجرأ الناس على ان يتكلم بعضهم على بعض بألفاظ نابية والفاظ لا يستحسنها الذوق العام، خرجت كثير من الامور عن الجادة الوسطى واصبحت معركة للكلام النابي والتصرفات غير اللائقة الى آخره بل اصبح البعض يملك اكثر من مصدر بهذا لغرض إحداث جو مثلا ً لإرباك مسألة معينة خصوصاً في حُرمات وثقافات وادبيات الناس، تجدها ثقافة لا تفتقر لأبسط مقومات اللغة الفهم الكلام الذي يُسبك بشكل صحيح.. خرجت هذه المسألة نهائياً..

طبعاً تعلمون اخواني وجود المعلم والفت النظر الى الاخوة اتحدث بالآليات، وجود المعلم يقوّم الخلل الذي يمكن ان يكون عند التلميذ يقوّم خلل اللسان خلل الكتابة خلل الفكرة.. هذه الاشياء اصبحت غير مقوّمة وانما تشجّع على الابتعاد عن اللغة الاصيلة اخطاء لغوية بدأت ثقافتنا الحقيقية تنسلخ شيئاً فشيئاً.. احترام بعضِنا لبعض اصبح ايضاً ينسلخ شيئاً فشيئاً لأن هذا يستحي امام الناس ان يتكلم بكلام نابي لكن عندما يأتي الى هذا الجهاز يتكلم بكلام نابي لأنه في بعض الحالات غير معروف فأمام نفسه سلخ الحياء عن نفسه والانسان اذا سلخ الحياء عن نفسه (اذا كنت لا تستحي فافعل ما شئت).

اخواني نحن عندما نقول ان هذه الامور تحتاج الى مزيد من ثقافة الاستعمال، اقول هذه الامور من حق ان يطوّر وسائله المعرفية هذا شيء حسن وجيد والناس استفادت كثيراً لكن ايضاً يحتاج الى ثقافة في تناول ادوات المعرفة، هذا نوع من الادبيات المشكلة أين؟ ان المجتمع والعرف يمكن ان يكون مصد لكثير من الانزلاقات لكن اذا حيّدنا المجتمع وبدأ هذا يتعبّد بهذا الجهاز وما يقول لهُ سيمنع هذه المصدّات تغيب عنهُ ويفعل ما شاء وبالنتيجة يوماً ستكون ثقافة شوهاء عمياء عرجاء ويدعي ان هذا من صميم ثقافتنا..

طبعاً انا لا اتحدث هنا عن المخاطر الاخرى، المخاطر الاخرى اللااخلاقية هذا باب واسع جداً وعلى الجميع ان يلتفت لهُ، نعم هذه مشاكل بعضها يجرّ الى بعض لكن لأن عنوان ما قُلت هي وسائل المنظومة المعرفية اجد لابد من وجود ثقافة يعني حتى في هذا الباب نحتاج الى مُرشد والى معلم نحتاج الى الاب ان يوجه ولدهُ كيفية الاستعمال نحتاج الام ان توجه ابنتها في كيفية الاستعمال لا تُترك هذه الامور بدعوى ان هذا يزيد من اطلاعه ومن ثقافته..

هذا امر في منتهى الخطورة اخواني ثقافة مشوّهة لعلّ بعد كم سنة نرى اشياء غير الاشياء الموجودة وهذه كُلها تُهدد منظومتنا الفكرية الثقافية بسبب سوء استخدام هذه الآليات..

الكتاب مطلوب المعلم مطلوب الاسرة ان تُربي مطلوب هذه الامور حسنة لو اُديرت بشكل جيد اما اذا اُديرت بشكل عشوائي حقيقة لا نسلم على ثقافتنا ابداً ستكون هناك ثقافة شوهاء عرجاء عمياء وهذا امرٌ لا يمكن ان يُغض النظر عنهُ حفاظاً على موروثنا الثقافي او اصالة ثقافتنا..

هذا ما يسمح به الوقت لعلهُ هناك احاديث اخرى تتعلق بهذا..

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا واياكم لخدمة ابنائنا واخوتنا اللهم احفظ بلادنا من كل سوء وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات