الرقع الخطية بين النشأة والتطور..

ان بداية تطور الخط العربي قد تزامنت مع مراحل تدوين القران الكريم الذي يعد العامل الرئيس الذي أعطى الفنان والفن الإسلامي مكانة لم يحتلها فن من الفنون من قبل،  من خلال تأكيد القران الكريم على الكتابة وتأكيدها من قبل رسولنا الكريم وآله الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين ، فكانت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة حافزا قويا للخوض في غمار هذا الفن وتطويره.. فالخط العربي يشكل طريقا روحانياً للخطاط يعبر به عن التسليم لله والتوكل عليه وابتغاء مرضاة الخالق.

لقد كان للدين الإسلامي الأثر البالغ في تحفيز الخطاط المسلم لتقديم اجل جهوده وإمكانياته الخطية من خلال كتابة القران الكريم الذي يشغل اعلى مراتب القدسية، حيث دفعت هذه المقومات الخطاط بالمضي قدما لإجادة الخطوط العربية من خلال تدوين الكلم الرباني والأحاديث النبوية الشريفة، فضلا عن الصفة الجمالية التي يتمتع بها هذا الفن.. لذلك مثل الخط العربي الجانب الوظيفي والجانب الجمالي في آن واحد..  وقد برزت ظواهر فنية عديدة في هذا الفن العريق وكان من اهمها ظاهرة الرقع الخطية، و التي ذات قوام من القطع الجلدية او سعف النخيل المصفوف او الورق وغيرها، وقد بدأت هذه الظاهرة الفنية الرائعة بالتطور المستمر من الناحية التقنية لتشكل مجموعة من اللوحات الفنية متميزة بالوضوح والمقروئية و تظم على الأغلب نوعين من الخطوط و يكون قياس قلم الخط الأول فيها اعرض بضعفين أو ثلاثة أضعاف من قياس قلم الخط الثاني.

ظهرت الرقع الخطية - التي عادة ما تأخذ شكل الاستطالة - من خلال كتابة القران الكريم والأحاديث الشريفة، وهي لم تظهر فجأة من العدم كإبداع شخصي.. بل استحدث شكلها واشتق من شكل المصاحف التي ظهرت في بدايات الخط العربي الاسلامي فقد كانت المصاحف تكتب بخط الثلث والنسخ وعلى شكل اسطر متتابعة تزين اطرافها بتكوينات زخرفية نباتية.

 لقد كانت كتابة المصاحف هي الحافز الأول لظهور فن الرقع الخطية وقد كانت في بادئ الأمر تحتوي على مساحتين فقط تتضمن المساحة الأولى منها خط الثلث.. فيما تخصص الثانية بخط النسخ أي ان تقسيم عناصرها ثنائي المساحة ، ومن ثم أضاف بعض الخطاطين مساحة ثالثة لخط الثلث قد تكون مكملة للنص الأول المكتوب بالخط نفسه..  وبدأت هذه الرقع الخطية بالتنوع والانتشار من حيث التقسيم المساحي و من خلال تعدد المساحات الخطية وقد تصل في بعض الرقع الى خمس مساحات تخصص ثلاثة منها لخط الثلث فيما تكون الباقية لاستيعاب خط النسخ، واستمر بعد ذلك تنظيم المساحات لهذه الرقع الخطية على ما هو عليه من توزيعات لتدخل فيها مجاميع من انواع الخطوط الاخرى  ولكن تبقى الخطوط المتمثلة بالثلث والنسخ هي الاهم في هذا النوع من الفنون كونها الأكثر صعوبة والأجمل من بين الخطوط الاخرى لتكون ميزاناً يستحصل الخطاط من خلالها الإجازة الخطية من قبل استاذه ومعلمه.

 استخدم فن الرقع الخطية لأغراض وظيفية وجمالية.. فكانت قرائية أو تعليمية من الناحية الوظيفية وحُلية رائعة من الناحية الجمالية، وتعددت أنواعها من ناحية الشكل واختيار النصوص المنجزة فيها، حيث عمد بعض الخطاطين الى اختيار نص واحد في الرقعة الخطية يكتب بخطي الثلث والنسخ فيكون الترابط كلي من حيث المعنى، فيما اختار البعض منهم نصين متغايرين تماما  مما يحقق ذلك عدم الترابط في وحدة المعنى،  ومنهم من حاد عن الطريقتين باختيار نصوص مترابطة جزئيا ليكون فيبها سطر الثلث مكمل للسطر الثاني من الخط نفسه، اضافة الى وجود بعض الرقع التي يكون الترابط فيها بالمضمون لا غير.

يستخدم خط الثلث في هذه الرقع على شكل سطر بسيط غير مزدوج , وفي بعض الأحيان يكون هناك حرف أو حرفين على الأكثر فوق السطر الأساس بحيث لا يشكل تأثيرا على الوضوح وامكانية القراءة.. أما خط النسخ فيكتب بمسارين من الاتجاه المائل أو المستوي وغالبا ما يعتمد الاتجاه المستوي للكتابة بغية تحقيق الوضوح والمقروئية،  أما قياس أقلام الخط المستخدمة في انجاز الرقع فيكون بجعل قلم النسخ يساوي ثلث قلم الثلث أي ان مساحة كل حرف من حروف النسخ تساوي ثلث مساحة الحرف المكتوب بخط الثلث   .

أما فيما يخص الزخارف المستخدمة في الرقع فهي غالاً ما تكون زخارف نباتية كونها الأقرب لنفس المتلقي وأكثر إشعارا بالراحة  حين التعرض اليها، ويسعى الخطاط إلى الابتعاد عن بعض الزخارف ذات الاشكال الحيوانية كونها تنافي عقيدته في عدم محاكاة الاشكال لذاتها.. فيما تعتمد الأطر الزخرفية التي تقوم بدورها بإحاطة كل تفاصيل الرقعة الخطية مما يعطي للرقعة وحدة بنائية مترابطة، وهناك ايضاً رقع خطية يكتفي الفنان المنفذ لها بإشغال المساحات الجانبية لخط النسخ بزخارف نباتية غالبا ما تتصف بالتناظر وقد تكون بعض الرقع خالية من الزخارف تماما ويكتفي المشاهد بجمالية خطوطها وانسيابية حروفها.  

اعداد: سامر قحطان القيسي 

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة 

 

 

المرفقات