بُشرى..

روي عن قنبر مولى الإمام أمير المؤمنين عليه‌ السلام:

بينما كنّا ذات يوم من الأيام مع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة وهو يعظنا ويرشدنا ويحذّرنا من النار ويرغّبنا بالجنة، إذا بأعرابي قد أقبل نحو المسجد، فأناخ راحلته على باب المسجد ودخل متّجهاً نحونا، حتّى إذا وصل إلينا سلّم علينا وخصّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بالتحية والسّلام، وقبّل يده الكريمة، ووقف بين يديه وكأنه يطلب إليه حاجة، فقال له الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام برأفة وحنان: ((يا أخا العرب، كأنّك جئتنا في حاجة، فما هي حاجتك؟ فإنّها منقضية إن شاء الله تعالى)).

فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم بها منّي. يت إلى منزل أمير المؤمنين عليه‌السلام، وطرقت الباب مرّتين، وفي الثالثة جاءت فضة وراء الباب قال قنبر: عندها التفت إليّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال: ((يا قنبر، امض إلى المنزل وقل لمولاتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تناولك السّفط (1) الفلاني في موضع كذا وكذا )). فقلت: سمعاً وطاعة، وحبّاً وكرامة لله تعالى ولسيّدي ومولاي الإمام أمير المؤمنين. قال قنبر: فقمت مسرعاً ومضوقالت: مَنْ الطارق؟ أجبتها قائلاً: أنا قنبر مولى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام، وخادم أهل البيت عليهم‌السلام. فقالت فضة: أهلاً ومرحباً بك، وما حاجتك يا قنبر؟ فأخبرتها بما قال لي سيّدي ومولاي وما يريده. فقالت فضة: مكانك حتّى آتيك به. فوقفت بالباب انتظر مجيئها، وإذا بي أسمع جلبة الفرح وصخب السرور يعلو من داخل المنزل، فتعجّبت، وانتظرت حتّى إذا رجعت إليّ فضة وأتتني بالسفط سألتها عن سبب ذلك، فقالت فضة: لقد ولد الساعة للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام غلام أزهر كأنّه فلقة قمر. فقلتُ لها، وقد امتلأت أنا الآخر فرحاً وسروراً: وممّن هذا المولود الأغر؟ فقالت فضة: إنّه من اُمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة، ثمّ أضافت قائلة: وقد أوصتني سيّدتي وسيّدتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقول لك: إذا رجعت إلى مولاي ومولاك الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فبشّره بولادة هذا المولود الأغر، واسأله عن اسمه وكنيته ولقبه.

فقلت، وأنا لا أمتلك نفسي بهجة وفرحاً: حبّاً وكرامة، وسمعاً وطاعة، ثمّ هنّأتها وودّعتها. وأقبلت بالسفط مع البشارة بالمولود الجديد مسرعاً إلى سيّدي ومولاي الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام، فلمّا سلّمته السفط وقفت بين يديه لأُبشّره بما عندي من خبر الولادة، غير أنّي بقيت أترصّد الفرصة المناسبة لإعلان هذا الخبر وتقديم هذه البشارة السّارة، حتّى إذا فرغ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من حاجة الأعرابي وأعطاه ذلك السفط التفت إليّ وقال مبادراً: ((ما وراءك يا قنبر، فإنّي أرى أثر البهجة والسرور طافحاً على أسارير وجهك؟)). فقلت، وقد رأيت الفرصة مناسبة: نعم يا سيّدي ومولاي، لقد جئتك ببشارة. فقال عليه‌السلام: ((وما هي تلك البشارة يا قنبر؟ بشّرك الله بالجنّة)). قلت: لقد وُلد لك يا سيّدي ومولاي غلام أغر. فقال عليه‌السلام: ((وممّنْ هذا المولود الجديد؟)).   قلت: لقد سألت عن ذلك فضّة عندما أخرجت إليّ السفط، فقالت: إنّه من اُمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة، كما وأنها قالت لي: بأنّ سيّدتي السيّدة زينب عليها‌السلام أوصتني أن اُبشّرك بهذا المولود عندما أرجع إليك وأن أسألك عن اسمه وكنيته ولقبه.

فلمّا سمع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ذلك تهلّل وجهه فرحاً وسروراً وشكرني على هذه البشارة، وقال: ((يا قنبر، إنّ لهذا المولود شأناً كبيراً عند الله ومنزلة عظيمة لديه، وأسماؤه وكناه وألقابه كثيرة، وسأمضي أنا بنفسي إلى المنزل لإنجاز ما سنّه لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمولود عند الولادة، وبعدها من سنن الإسلام، فهيّا بنا إلى ذلك يا قنبر)).

1- السفط: هو وعاءٌ من قضبان الشجر ونحوها توضع فيه الأَشياء.

*الخصائص العباسية ص63

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات