من مثلي وأنا عتيق الحسين..

عمّت البشرى سماوات الله تعالى وأرضيه.. بولادة ثاني السبطين وثالث الائمة الاطهار امامنا الحسين بن علي عليهما السلام يوم الخميس لثلاث خلون من شهر شعبان المعظم من السنة الرابعة للهجرة، الذي ميزه الله بولادة اقمار من سلالة سيّد المرسلين ومن صلب سيّد الوصيين ، وهم رجال قد كانوا من التأريخ عظمائه ومن الإسلام أبطاله.. أولهم حسيناً الذي صحح بدمه اعوجاج الدين وبقائه غضاً طرياً وثانيهم ابا الفضل العباس الذي عرف بالإيثار وتميّز بالشجاعة والصمود العظيم وثالثهم علي بن الحسين عليهما السلام الذي عرف بالعبادة وجمال الإمامة وكان دأبه التهجّد والدعاء ليصبح سيد الساجدين .. ورابعهم منتظر به يقام العدل فتهتدي به الامم الى يوم يبعثون.

التكوين الابداعي اعلاه من اعمال الفنان التشكيلي حسن روح الامين، وهو جزء من سلسلة اعماله العقائدية المتجددة برؤاه الحداثوية الشرقية المميزة التي نفذت بتقنية الزيت على القماش، والذي كان مناسبا لتصوير دلالات تعبيرية قريبة من الحدث وفكرة الموضوع المتمثلة بيوم ولادة الامام الحسين بن علي وهو ملقى في حجر جده المصطفى وجناحي الملك فطرس تحيط بهما، وقد صور الفنان فكرة اللوحة بمفردات متخيلة تبدو جليةً للمشاهد انه استقاها من الروايات الواردة عن هذه اللحظة المباركة.

نحى الفنان في هذه اللوحة كعادته منحى روحيا مؤثرا ، فهو كما هو معروف في اغلب اعماله الفنية يبدع وفقا لإلحاح داخلي يسيطر عليه يرتقي بفكره واعماله الى التعبير عن حالة وجدانية داخلية صادقة قد تأثر بها دون غيرها، فقد عمد روح الامين في تكوين هذه الرائعة الى الاستفادة من مبادئ المدرسة الواقعية وسحر تقنياتها في تمثيله لشخصيات اللوحة المتمثلة بشخص الرسول الاعظم وآل بيته الاطهار والتعبير عن مكنونات اللوحة وروحانيتها .

يتطرق الفنان في بعض اجزاء هذه اللوحة الى احدى الروايات المتعلقة بالملك فطرس الذي عوقب بكسر جناحه.. حتى مضى مع الملك جبرائيل والملائكة المهنئين بولادة ابي عبد الله الحسين واقترب من مهد الحسين بن علي يتمرغ به ويمسح به جناحيه.. ورسول الله يدعو له حتى عاد جناحه الى ما كان عليه بأمر الله، وعرج مع جبرئيل إلى السماء وصار إلى موضعه ليكون عتيق الحسين وحينها ال على نفسه أن يوصل سلام كل من يسلم على الحسين بن علي إلى قبره، فما من أحد يسلم على الحسين (عليه السلام) إلا وسلامه يصل إلى قبر الحسين بواسطة الملك فطرس .*

أبدع الرسام في تصوير المشهد من خلال  اختزال عناصر الإيهام بالمكان بأبسط صوره وعمد إلى كسرها بذات الوقت باستخدامه اللونين الازرق السماوي بتدرجات مختلفة و والابيض والاصفر المائلين إلى الدفء أكثر من البرود، فقد اعتمد الفنان في تنفيذ هذا السطح التصويري على مبدأ البساطة والهدوء في التكوين، مجسدا ذلك من خلال انسيابية حركة الألوان الاقرب الى الدوائر وانصافها وانتشارها في مساحة اللوحة بالكامل والتي من خلالها خلق عمقاً منظورياً وهمياً،  وقد عمد الامين إلى تقسيم المشهد الى مساحات متكافئة قدر الامكان من خلال توزيعه الافقي لشخصيات اللوحة وعناصرها بعيدا عن ملامح الوجوه المباركة ، وقد تميز فضاء اللوحة بالضبابية اللونية بعيداً عن التفاصيل المكانية سوى تكوينات لونية بدرجات تفاوتت بين الازرق الفاتح وبعض الخطوط المتناثرة في افق اللوحة من اللونين الابيض والاصفر الفاتح  والدالة على اشكال الريش المتطاير من جناح الملك الممثل في باللون الابيض والاصفر.. فضلا عن خلفية اللوحة وفضائها والوانها الممزوجة بحذر مع اللون الابيض الذي جعل باقي الالوان تميل الى البرودة بانتشاره فيما بينها، وأتى ذلك في محاولة موفقة من الفنان لشد انتباه وتركيز الناظر إلى الموضوع الأساسي المتعلق بالولادة المباركة وكرامات ال بيت النبوة الاطهار.

سعى حسن روح الامين في هذا التكوين الابداعي  إلى تمثيل شخصيات اللوحة بعيداً عما تدركه الحواس عموماً، فقد اكتفى بوصف الأعيان الثابتة لها من خلال الالوان والهالة النورانية المحيطة بها.. ففي وسط اللوحة مُثلت الشخصيات افقياً بوقار عالٍ وروحانية والانوار تنبثق منها ممثلة بالفيض والرحمة الالهية التي منَّ الله بها على العباد بوجود رسول الله وعترته الطاهرة وضمان ديمومة مسيرة الاسلام وإحقاق الحق بهم سلام الله عليهم ، وأتى هذا النور موزعا بتناغم ليملأ فضاء اللوحة كاملاً، فضلا عن تغييب الفنان لملامح ، مما دفع بالمتلقي الى التفاعل الحر مع حيثيات اللوحة وما وراء الأشكال، وهنا يتضح للمتأمل وعي الفنان في إدارة تشكيل وتصميم أجزاء اللوحة على الرغم من صعوبة تخيل هذا الموضوع، كاشفاً بذلك ذات وفاعليتها في تشكيلاته الفنية من خلال خياله الخصب الكامن في نفسه وثقافته التاريخية والدينية والواقع المتمثل بهيبة وعظمة رسول الله وآل البيت صلوات الله عليهم اجمعين.

من كتاب بصائر الدرجات ج2 ص80 باب6 حديث7

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات