الباحثة: زينب العيوس
تكتنف تعاليم القرآن الكثير من المبادئ ومن بينها العدالة الاسرية والمساواة والانصاف والكرامة والمودة والرحمة التي تعكس جميعها سننا كونية وتتسق في الوقت نفسه مع معايير حقوق الانسان والاسرة المعاصرة، وهذه القيم القرآنية بمقدورها ان تضيف الى التطور الذي تشهده الممارسات والقوانين والاساليب بالشكل المتعلق بقضايا الاسرة، بالشكل الذي يتماشى مع مفهومها المعاصر عن العدل، فهي تجسيد للقيم والسلول القويم.
لان السريعة اسلامية مبناها واساسها مصالح العباد في المعاش والمعاد وهي كلها عدل ورحمة فكل مسألة خرجت عن العدالة الى الجور وعن الرحمة الى ضدها وعن المصلحة الى المفسدة وعن حكمة الى العبث فليست من الشريعة الاسلامية وانما هي دخليه عليها عليها ومؤد لجة .
ان العدالة الاسرية في الاسلام لا نستطيع ان ندركها ما لم ندرك مجملا التصور الاسلامي عن الألوهية والكون والحياة والإنسان، فليست العدالة الا فرعاً من ذلك الاصل الكبير الذي ترجع اليه كل تعاليم الاسلام، وهو أحد اركان علم الكلام والفقه الاسلامين ومبدأ العدل هو الذي اوجد قانون التطابق بين العقل والشرع في الاسلام، وهذا يعني في الفقه الاسلامي انه اثبت ان العدل يتطلب ان نقر القانون على صورة التي افتضاها العدل ولا ظلم وخلاف العدل.
إذا يقول (هربرت سنبسر): "تمتزج العدالة بشيء اخر غير الاحساسات الا وهو الحقوق الطبيعة للأفراد، ومن اجل ان يكون للعدالة وجود خارجي يجب على الافراد ان يحترموا الحقوق والامتيازات الطبيعة".[1]
فالعدالة هي الطموح الفطري الذي يسعى الانسان الى تحقيقه في اعطاء كل ذي حق حقه ، والانسان العادل هو الذي يتبع أمر الله ويضع كل شيء في موضعه دون افراط وتفريط ، أي القسط في الشيء واداء حقوق الله وحقوق عباد الله وتنفيذ حكم الله ، والعدل قد ذكر في جميع الشرائع السماوية واعتبر اسس من اساس الاخلاق فهو يتضمن العدالة في التعامل مع الزوجة والزوج والاولاد والتعامل مع الاخرين وفق مبدأ المساواة والحرية والأمن والكرامة ، وكل تلك الاشياء يمكن تحقيقها بتحقيق العدالة ، فالعدل قيمة مطلقة ربانية غرس الله حبتها في قلوب اصحاب الفطرة السوية والعقول الراجحة التي تنبذ الظلم والجور والتعنيف .
وهي مبدأ اساسي لعيش حياة كريمة غير قابل للتبديل او التعديل ، فالعدالة تمثل نموذجاً مطلقاً محدداً سلفا ومطلوب من الانسان السعي حتى تقترب من هذا النموذج وان الدين الاسلامي قد انبت جذور العدالة الاسرية في القلوب ورعاها واوجدها في الارواح سواء في الجانب الفكري او الفلسفي او الجانب العلمي والاجتماعي ومن خلال هذا النظرة الشمولية في التصور الاسلامي تتجاوز نطاق العالم الى الكون كله ويرى ان ظلم الانسان لا يقتصر على حرمانه من متطلباته البيولوجية فحسب بل يتجاوز الى مظالم وصور اخرى اشد فتكا واصعب تعقيداً.
ونتيمن بذكر بعض الآيات والروايات التي مفادها الحث على العدل والعدالة
قوله تعالى" أن لله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى...."[2]
وقوله تعالى " وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل"[3]
قال الرسول(ص)"عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة قيام ليلها وصيام نهارها، وجور ساعة أعظم عند الله من معاصي ستين سنة. وقال امير المؤمنين على (ع): قلوب الرعية خزائن مالكها فيما اودعها من عدل وجور "[4]
ويظهر واضح من الآيات الكريمة ان الاسلام يدعو الى العدالة في جميع الممارسات ومن ضمنها الاسرة، وخير ما نستدل به هو الرسول (ص) واخلاقه إذا كانت مسيرة الانسانية تحتاج الى قدوة لتطبيق العدالة وجاء من بعده اهل بيته (ع) وتأتي الزهراء (ع) في طليعة اهل بيته بل سيدتهم جميعاً، فكانت المثل الاروع في حبها لربها ولرسول وفي سلوكها الاخلاقي مع زوجها واولادها وفي زهدها وتعففها فهي نموذجاً حيا ومختصر للإسلام والعدالة الاسرية والاسرة المسلمة الناجحة بكل ما فيها من قيم اسلامية.
ومن لطف اخلاقها عدم تكليف امير المؤمنين(ع) بما يصعب عليه ففي حديث البحار عن ابي سعيد الخدري قال" أصبح على (ع) ذات بوم ساعيا فقال: يا فاطمة هل عندك شيء تغذينه؟ فقالت: لا والذي أكرم ابي بالنبوة واكرمك بالوصية، ما أصبح عندي شيء. فقال: الا كنت اعلمتني فألفيكم شيئاً؟ فقالت: يا ابا الحسن أنى لأستحي من ألهى ان أكلف نفسك ما لا تقدر عليه[5]
وكذلك قيامها بالأعمال المنزلية الشاقة ورعاية زوجها واطفالها بأتم وجه وبكل حب ومودة وعدل ففي أحد الايام دخل عليها الرسول (ص) (فوجدها تطحن شعيراً وهي تبكي، فقال لها: ما الذي ابكاك يا فاطمة لا أبكي الله لكِ عيناً؟ فقالت: ابكاني مكابدة الطحين وشغل البيت وانا حامل، فلو سألت علياً ان يشتري لي جارية تساعدني في شغل البيت. فقال: يا فاطمة ما من امرأة طحنت بيدها الا كتب الله لها بكل حبة حسنة ومحا بكل حبة سيئة، او غسلت قدرها الا غسلها الله من الذنوب والخطايا، وان حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء والحيتان في البحار فإذ اخذها الطلق كتب الله لها ثواب المجاهدين وثواب الشهداء)[6].
وقد عيرها بذلك المعتز العباسي فرد عليه صفي الدين الحلي بقوله:
"عيرتها بالرحى والزاد تطحنه ولا زال زادك حباً غير مطحون "[7]
لقد كانت الزهراء(ع) قد جسدت الاخلاق الاسلامية والقيم السامية والمودة والعدل في تعاملها مع زوجها وابيها واولادها فعن الامام الحسن(ع) قال" رأيت امي فاطمة (ع) قامت في محرابها ليلة الجمعة فلم تزل راكعة ساجدة حنى انفجر عمود الصبح وسمعتها تدعوا للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعوا لنفسها بشيء، فقلت لها يا اماه ولم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار " [8]
يظهر واضح من الرواية كيف كانت الزهراء(ع) تزرع بذور الحب والعدل في نفس اطفالها عن طريق تعليهم التعاليم الدينة السلمية مثل معاملة مع الاخرين وأثر ذلك في تنشئة الاجتماعية فالأسرة هي ركن الاساسي لبناء المجتمع وإذا تربى الطفل على مثل هكذا قيم اذن صلحت الاسرة وصلح المجتمع اجمع.
عن النبي (ص) انه نظر الى بعض الاطفال فقال (ويل لأولاد اخر الزمان من ابائهم. فقيل: يا رسول الله من ابائهم المشركين. فقال: لا ابائهم المؤمنين ولا يعلموهم شيء من الفرائض وإذا تعلم اولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا فنا منهم بريء وهم مني براء).
إذا يركز الرسول (ص) على ضرورة تعليم الاطفال فرائض دينهم وعقيدتهم، ويذكر اخر الزمان وهو الزمن المعاصر الذي نعيشه في غياب سلطة الاهل وحلت وسائل التواصل محلها فهو يتلقى دروس الحياة عبر شبكات واسعة مضللة عن طريق النت وبث السموم والفكر الفاسد في عقله مما يؤدي الى التمرد والعصيان وفقدان سيطرة على سلوكه.
اما الزوج ودوره في هذا الاسرة الربانية فكان ربيب الرسالة وحافظ سر الرسول (ص) وأخيه وابن عمه ان العلاقة بين الزهراء والامام علي كانت علاقة تملئها الحب والروحانية والسكنية، فكل منهم يقوم بأداء واجبه بالعدل وبما يرضي الله سبحانه وتعالى كانت اسرة تمثل الانموذج والقدوة لكل المجتمعات قديما وحديثا، فعن علي(ع) في حق الزهراء "قال: ما اغضبتها مدة حياتي معها ولم تغضبني ولم تعصي امري مدة حياتها معي "[9]
وعن الامام علي(ع) قال (دخل علينا الرسول(ص) وفاطمة (ع) جالسة عند القدر وانا أنقي العدس، فقال(ص): من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب على خدمة العيال كفارة الكبائر ويطفئ غضب الرب ويزيد الحسنات والدرجات.
وعن ابو عبد الله (ع)قال كان امير المؤمنين يحتطب ويسقي ويكنس، وكانت فاطمة(ع) تطحن ونعجن وتخبز وقال حق المرأة على زوجها ان يسد جوعها ويستر عورتها ولا يصيح في وجوهها فاذ فعل ذلك فقد ادى والله حقها)[10]
اذا عاشت الزهراء(ع) مع علي في بيت تملئ روحانية اركانه ، منزلا اسلاميا يفيض بالخشوع والرحمة والعدالة وتتألق فيه القيم الاسلامية اذا جعل بيتا لله وللطهارة والحق والعدل والرحمة والمودة ، فلم يشعر الامام (ع) ان في تأدية اعمال منزلية قد تنقص من كرامته او رجولته بل كان يتقاسم معها الاعمال ،تجسيداً لحق الرحمة والمؤانسة الرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة ، وتكريمها ، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الإسلام ، وإشاعة جو السرور والبشاشة والمودة واللطف في المنزل ، وادخال الفرحة على قلبها ، والصبر على أخطائها ومساوئها التي لا تؤثر على نهجها الاسلامي ، وتجنّب كلّ ما يؤدي إلى الاضرار بصحتها النفسية ، كالتعبيس في وجهها ، أو ضربها ، أو هجرها ، أو التقصير في حقوقها .
والزهراء(ع) كانت لا تعتبر نفسها خادمة وان العمل واجبها بل كانت ارفع من ذلك بكثير ، كانت نموذجا وقدوة لكل النساء اللواتي تعتبران البيت او الحياة الزوجية عبئا ثقلا ، وذلك لما تراه من معاملة عادلة في اداء الحقوق والواجبات من قبل الامام علي (ع) ، فالزواج هو عملية تكامل الانثى مع الرجل وليس مصادرة حقوق انسان لأنسان ، فان كثير من النساء والرجال قد احتركت الظروف عليهم لتقسوا عليهم بكثير من الاعباء والمشاكل والآلام ، فيشعرون بالعبء الثقيل على اكتافهم والضغط الروحي الذي يجعلهم يعشون العقد النفسية والتذمر والسبب هو غياب العدالة في اداء حقوق والوجبات بين الزوجين حتى في المشاعر ذاك البخل الذي يولد الكثير من الازمات النفسية بين افراد الاسرة.
عن ام المؤمنين ام سلمى قالت (بينما الرسول (ص) في بيتي يوما، إذا قالت الخادمة ان على وفاطمة بالسدة. فقال لي: قومي وافتحي عن اهل بيتي، قالت: فقمت في البيت القريب، فدخل على وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الاخرى فقبل فاطمة وقبل علياً)[11]
ففي تصور لهذا المشهد الذي يفيض حبنا وحنانا متبادل بين اهل البيت إذا لا فرق بين كبار وصغار في اعطاء مشاعر الحب والحنان التي تزيد من المودة بين افراد الاسرة وتأثر على الاحاسيس والمشاعر لدى الطفل، وهذا ما تفتقده اغلب الاسر في الوقت الحاضر إذا نادرا ما نجد الاب يقبل اولاده او يقبل الذكور دون الاناث او الصغار دون الكبار وهكذا تفقد العدالة في توزيع المشاعر والاحاسيس. ام الام فهي لطالما تبث سموها في قلوب الاطفال عن طريق سلوكها مع زوجها ومع افراد العائلة الاخرى المقيمة معهم مما يؤدي الى فقدان حلقة الوصل بين الارحام إذا ترى الزوج لا يزور اهله واخوانه.
الخاتمة:
إن العدل من أهم المبادئ الإسلامية التي تحقق سعادة الفرد والجماعة وهو من المفاهيم الإدارية العظيمة التي ينبغي تفهمها وإدراك معانيها وأهميتها في نجاح العمل الإداري سواء كــان ذلك تربوياً أو غير ذلك، فإن نظام الأسرة الذي سنّه الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة، ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفيزيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، بحيث ينعم كل فرد منها، ويجد في ظلالها الرأفة والاستقرار.
ومن خلال ما تقدم في ضوء هدف البحث وهو بيان العدالة الاسرية وتطبيقاتها في سيرة الزهراء (ع) ومدى تأثر الاسرة الاخرى في تطبيقها والسير على نهجها توصلت الباحثة الى النتائج الاتية:
اولا: أثرها في الجانب النفسي:
للعدالة الاسرية دوراً هام في الجانب النفسي وبناء شخصية الطفل ،اذا تعتبر العدالة الاسرية في المنزل أهميتها البالغة في التربية، واعداد شخصية الطفل، فعن طريقها تحقّق البيئة الاجتماعية آثارها التربوية في الأطفال، فبفضلها تنتقل إليهم تقاليد أمتهم، ونظمها، وعرفها الخلقي، وعقائدها وآدابها وفضائلها، وتاريخها، وكثير مما أحرزته من تراث في مختلف الشؤون، فإن وفق المنزل في أداء هذه الرسالة الجليلة حققت البيئة الاجتماعية آثارها البليغة في التربية، وإن فسد المنزل، فإن الطفل حتما يفسد، ولا تكون له أية شخصية.
إذا دعا الإسلام إلى سيادة الحب والعدل والمودة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكر صفو الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، ورعت ما عليها من الآداب كانت الفذة المؤمنة وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها، وأدّت حقوقه وواجباته شاعت المودة بينها وتكوّن رباط من الحب العميق بين أفراد الأسرة الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة.
ثانياً: أثرها في جانب التنشئة الاسرية.
ان للعدالة الاسرية اثر في تنشئة الاسرة (التعاون بين افراد الاسرة)اذا حث الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جو متبادل من الود والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يشارك الصدّيقة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في تدبير شؤون المنزل ويتعاون معها في إدارته، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهم العناصر الذاتية في التربية السليمة.
ثالثاً: أثرها في الجانب الاخلاقي:
إذا حث الإسلام على تبادل الاحترام والعدالة في اعطاء مشاعر، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، فقد أثر إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جواً من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه، وقد ثبت في علم التحليل النفسي بأن قيم الأولاد الدينية والخلقية إنما تنمو في محيط العائلة.
رابعاً: الجانب الاسري (تعامل مع الافراد).
وإذا منيت الأسرة بعدم الانسجام والاضطراب فإن أفرادها يصابون بآلام نفسية، واضطرابات عصبية، وخصوصاً الأطفال فإنهم يمنون بفقدان السلوك والانحراف، وقد ظهرت الدراسات والبحوث التربوية الحديثة أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأحداث هو اضطراب الأسرة وعدم استقرارها فتنشأ منه الأزمات التي تؤدي إلى انحرافهم. (المذنبون الصغار)
لذا من اللازم الحفاظ على استقرار الأسرة، وإبعادها عن جميع عوامل القلق والاضطراب حفاظاً على الأحداث، وصيانة لهم من الشذوذ والانحراف.
خامساً: أثرها في الجانب التربوي والعقائدي.
1-دورالأب: فهو ليس مسؤولاً عن الحياة الاقتصادية وتوفيرها لأبنائه فحسب، وإنما هو مسؤول عن تربيتهم، وتهذيبهم، وتأديبهم، وتوجيههم الوجهة الصالحة، وأن يعوّدهم على العادات الطيبة، ويحذّرهم من العادات السيئة.
إن الأب مسؤول عن تربية أبنائه تربية صالحة ليكونوا قرّة عين له في مستقبله، وكان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعنون بهذه الجهة ويولونها المزيد من الاهتمام، إن الولد ليس بعضاً من الأب بل هو نفسه يحكي وجوده وكيانه فعليه أن يهتم بشؤونه التربوية، وأن يعني في تهذيبه، وكماله ليكون فخراً وزيناً له، أما إذا أهمل تربيته، ولم يعن بشؤونه يغدو نقمة ووبالاً عليه.
على الأب أن يعني أشد العناية بأبنائه، وأن يوليهم المزيد من اهتمامه ويغدق عليهم العطف والحنان، ويقوم بتكريمهم أمام الغير فإن لذلك أثره الفعال في بناء كيانهم التربوي، وازدهار شخصيتهم ونموهم الفكري.
وان يحقق العدالة بينهم وينبغي للأب أن يغمر جميع أولاده بالحب ويساوي بينهم بالحنان، والعطف والرعاية، فإن اختصاص بعضهم بذلك، وحرمان الباقين منه مما يؤدي إلى العقد النفسية. والغيرة والحفيظة، ونشوب الثورات الانفعالية في نفوسهم، كما تجعلهم عرضة للإصابة بأمراض عصبية خطيرة.
وعلى الأب أن يغمر بيته بالعدل والود والعطف، ويشيع بين أهله العدالة والحب والحنان، وأن يقابل خصوص زوجته بالإحسان، ويوفر لها جميع ما تحتاج إليه فإن ذلك ـ أولاً ـ من حقوقها الطبيعية التي فرضها الله ـ وثانياً ـ أنه يبعث على التربية الصحيحة للطفل وازدهار شخصيته، لأنه يعيش في جو من الحب والدعة والاستقرار.
والأب باعتباره عميد الأسرة فهو مسؤول عن إقامة العدالة في الكيان التربوي فيها، وعليه أن يجتنب فحش القول، وبذاءة الكلام، وكل ما يخل بالآداب العامة، وإن يقيم في بيته العفة والطهارة، ويجنب أهله المنكر وسيئ القول فإن كلامه وسيرته تنفذ إلى أعماق قلوب أبنائه، وتنطبع فيها سيرته وأخلاقه.
إن الطفل لا ينشأ نشأة سليمة، وهو يشاهد أبويه يفعلان المنكر، ويقترفان الإثم، وإن الأب الذي يكذب ويطلب من طفله أن يكون صادقاً فإنه لا ينصاع لقوله، وإنما يتبع عمله وسيرته...على الأب إذا أراد أبناءه أن يكونوا قرّة عين له في مستقبله فعليه أن يطبق على واقع حياته الصفات الكريمة وأن يسير سيرة طيبة ليكون قدوة حسنة لأهله وغيرهم.
2-دور الأم:
إن الأم هي المدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل، وإكسابه العادات فإذا كانت مهذبة كريمة تم إنشاء جيل صالح. متّسم بالاتزان في سلوكه، وإذا لم تكن مهذبة فإن الجيل حتماً يصاب بالتحلّل، ويمنى بكثير من المفاسد.
إن الأم تتحمل مسؤولية اجتماعية كبيرة. فإنها مسؤولة عن مستقبل الأمة وصلاحها وانطلاقها، فهي بمهدها وحضانتها اللبنة الأولى في بناء الكيان التربوي الصالح أو الطالح.
وعلى الأم التي تريد أن ترى من أبنائها قرة عين وذخيرة لها في مستقبلها أن تسهر على تربيتهم، وترعى سلوكهم، وتبث في نفوسهم النزعات الطيبة والمثل الكريمة، وتحبذ لهم كل سلوك طيب، وتلمسهم النتائج الشريفة التي تترتب على فعله، وتشجيعهم عليه بجميع طاقاتها.
وأن تجنّبهم عن كل طريق إجرامي أو عادة سيئة، وتخوفهم من سلوك أي جهة لا تتفق مع العادات الدينية، والاجتماعية، وتدلل لهم على ما يترتب عليها من الضرر لهم، وللأسرة والمجتمع ،و عليها أن تربى بناتها بالطهارة والعفة، وترشدهن إلى محاسن النساء الخالدات، وتحذرهن من الاستهتار وخلع الحجاب، وارتداء بعض الأزياء التي ترتديها الفتاة الغريبة التي لا تشعر بالعفة والكرامة... على الأم أن ترعى باهتمام أمر بنتها، فتراقبها، وتتفحّص شؤونها، حتى لا تتلوث بالأخلاق الفاسدة التي دهمت بلاد المسلمين، وغزت حياتهم الفكرية والعقائدية.
و أن لا تسرف في دلال أطفالها فإن لذلك من المضاعفات السيئة التي توجب تأخر التربية، وعدم قابلية الطفل في مستقبل حياته لتحمل مشاق الأمور ومصاعبها، و أن تشعر أبناءها بمقام أبيهم، ولزوم تعظيمه، واحترامه حتى يتسنى له القيام بتأديب من شذّ منهم، وإرغامه على السلوك الحسن إذا شذّ بعض أبنائها، وسلك غير الجادة فواجبها إخبار أبيه ليقوم بتأديبه، وحمله على السلوك القويم، وليس لها إخفاء ذلك وحجبه عنه لأن الولد يتشجع على ارتكاب الرذيلة والمنكر، كما أنه ليس لها أن تمانع زوجها وتدفعه عن القيام بتأديب أولاده لأن ذلك يؤدي إلى تمردهم وفساد تربيتهم. وأن تبعد أطفالها عن الشوارع فإنها لا تخلو من المغريات، ودوافع السلوك المضاد للمجتمع، فقد أصبحت تعجّ بالمنحرفين والمصابين بأخلاقهم الذين هم مصدر لتلويث الأطفال، وجرهم إلى حمأة الرذائل والموبقات.
3-دور الأبناء:
وأولى الإسلام رعاية الأبناء لآبائهم اهتماماً خاصاً، وأوجب عليهم طاعتهم المطلقة، وجعل عقوقهم من الكبائر التي توعّد عليها بالناراذايجب على المسلم أن يعامل أبويه، ويقابلهما بكل ما يملك من طاقات الخدمة والإحسان وإن يسخّر نفسه للعمل بما يرضي عواطفهما، ويشيع في نفوسهما روح الرضا والقبول وليس له أن يفوه بكلمة سأم أو ضجر منهما فيما إذا بلغا سن الشيخوخة، وعجزا عن القيام بشؤونهما، فإنه تتأكد خدمتها، ورعايتهما، وعليه أن يخفض جناح الذل، ويدعو لهما ويقابلهما بكل ألوان التكريم والإكبار فإن ذلك من موجبات الغفران، وقد تواترت الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه واله) وأئمة الهدى (عليهم السلام) بلزوم البر والإحسان إليهما ويؤكد الإسلام بصورة خاصة على خدمة الأم والبر بها أكثر من الأب لأن حقوقها على الولد أكثر من حقوق الأب.
إن الولد مسؤول أمام الله عن رعاية أمه والبر بها، وتوفير ما تحتج إليه جزاءً لأتعابها القاسية، وعنائها الشاق الذي بذلته في تربيته، إن البر بالوالدين، ولزوم طاعتهما، والقيام بجميع ألوان الخدمة لهما كل ذلك من العناصر الأساسية في التربية الإسلامية الهادفة إلى تماسك المجتمع على أساس من المودة الصادقة والحب المتبادل.
سادساً: أثرها في التنشئة الاجتماعية.
يظهر إثر العدالة الاسرية في التنشئة الاجتماعية من خلال جانبين الجانب الاول، وهو إذا ظلم الرجل زوجته، ظلمت الزوجة ابنائها، وإذا ظلمت ابنائها ظلم الابناء بعضهم بعضا، وإذا فعلوا ذلك ظلموا الجيران، وانتشر مما يؤدي الى انتشار الظلم في المجتمع، فالظلم كالظلام ما ان يقع في مكان حتى يعم ويجتاح كل المكان.
والجانب الثاني هو الانفتاح القائم في الوقت الحاضر ادى الى غياب دور الاسرة ودور العدالة الاسرية مما ادى الى ضياع الاسرة من الاب والام والاطفال، وغياب اداء الحقوق والوجبات بصورة عادلة كما شرعها الدين الاسلامي في رسالة الحقوق، ومع غياب الاب الغارق في العالم الافتراضي والام الضائعة والمشتتة بين صفحات التواصل يلجئ الابناء الى مصادر اخرى لغرض تعلم دروس الحياة العقائدية والاخلاقية.
وهنا يظهر دور الاعلام الفاسد الذي يؤدي الى غسل ادمغتهم وتمرد على اهله وعلى عقيدته مما ادى الى انتشار المفاسد والمثلية الجنسية والالحاد والعسوف عن التعاليم الدينة القيمة تحت شعار التحرر والتطور وان الدين اصبح من القديم وغيرها من الامراض التي تنخر المجتمعات الاسلامية ،اننا نعيش في عالم غريب عن اهداف وسيرة الزهراء (ع)ومسؤوليتنا نحن وانتم ان نوضح وننقل الاهداف الفاطمية ونشرها في شطئ ارجاء الدنيا ، فان النبي (ع) قد سجدا شاكرا لربه لهذه المحبوبة ، لذا بداعي الحب ننشر ثقافتها ، لأنها لطالما حاربت وتحملت اعباء والمشقة من اجل الابقاء على الاسلام ذاك الاسلام الحقيقي ، وتخليد النداء الصالح للإنسانية وتحقيق العدالة في المجتمع فاين نحن من كل هذا.
[1] مرتضى مطهري ‘ نظام حقوق المراة في الاسلام ،ص45.
[2] سورة النحل الاية 90.
[3] سورة النساء الاية 58.
[4] مرتضى فياض ، الحقوق الزوجية في الاسلام ، ص66.
[5] السيد علي الحسيني الصدر، اخلاق اهل البيت ، ص
[6][6][6][6][6][6][6][6] السيد حسن الحسيني الشيرازي ،كلمة فاطمة الزهراء،ط 1،(لبنان: دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع، 2006)، ص 173_ص177.
[7] باقر القريشي ، موسوعة اهل البيت(ع)،ط2، (النجف:مؤسسة الامام الحسن، 2012م)، ص 143.
[8] العلامة فياض الكاشاني ، اخلاق النبوة والامامة ، طك1، (لبنان: دار الحي البضاء ،2005م)،ص 102.
[9] حسين احمد الخشن ، الزهراء قدوة ،(لبنان: دار الملاك ، 2001م)، ص 89.
[10] مرتضى فياض ، مصدر سابق ، ص 17.
[11] حسين جابر جمال، فاطمة الزهراء من قبل الولادة الى ما بعد الاغتيال في مصادر اهل السنة والجماعة ،ص32.
اترك تعليق