العدالة الاسرية وتطبيقاتها في سيرة الزهراء (عليها السلام )..الجزء الأول

الباحثة : زينب العيوس

يعد مفهوم العدالة الاسرية من المفاهيم الاساسية في فلسفة الاخلاق والحقوق المطروحة في الدراسات الاجتماعية، والتي تعد من أقدم المفاهيم التي عرفها البشر منذ فجر التاريخ وبداية حضارته، إذ جعلها هدفاً وسعى لتحقيقها وإرسائها، ويعد من أكثر الموضوعات قدسية وشيوعاً في السلوك الاجتماعي، فالعدالة الاسرية ليست وليدة اليوم بل هي وليدة المجتمع وقواعدها وقد ظهرت قبل ان تظهر فكرة القانون ومفهومه.

إذ تعتبرالأسرة في الإسلام وكافة الاديان الاخرى النواة الأولى والمكون الأساسي للمجتمع الإنساني وهي الوعاء الحافظ للنسب وعبرها يتم انتقال الثروة من جيل إلى جيل ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعياً. لكنَ الوثائق الدولية تدعو لما يهدد كيان الأسرة ويؤدي إلى انحلال المجتمع بالقضاء على الترابط الأسري، وذلك بالمطالبة بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الأسرة دون مراعاة لتفاوت واجباتهما واستعداداتهما الفطرية وكفاياتهما كما ورد في وثيقة اتفاقية التمييز ضد المرأة المطالبة بالمساواة في الحقوق الأسرية "الطلاق، التعدد، القوامة...إلخ". إنَّ الأسرة في مجتمع المسلمين مستهدفة لأنها الحصن الواقي للمجتمع المسلم فإذا سقطت ضاعت القيم وساد الفساد والانحلال كما ساد في الغرب.

وقبل الخوض في غمار البحث والحديث عن كيفية تحقيق العدالة وتطبيقها في الواقع والمبادئ التي تقوم عليها سنحاول ضبط مفهومها، فما مفهوم العدالة؟   

إذ عرف العدل في اللغة على النحو التالي: "وهو القصد في الكلام وهو خلاف الجور "[i]

ويأتي ايضا بمعنى " الاستقامة، يقال: عدل في أمره، أي استقامة، ويقال هذا عدل أي مستقيم "[ii].

وعند الفلاسفة وعلماء الاجتماع عرفت العدالة على انها " احدى الفضائل الاربع الكبرى التي سلم بها الفلاسفة من قديم وهي: الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، ويقصد بالعدالة ايضا توزيع الحقوق والواجبات بين الافراد حسب كفاياتهم في حدود المصلحة العامة، والعادل من يحترم حقوق غيره ولا يخضع لميل الهوى، ولا يجور في حكمه على أحد "، وعرفت على انها " ناتج العقل المنسق لقوى النفس اثلاث، العالقة، والغضبية، والشهوانية. اما ارسطو فقد عرفها على انها: فضيلة بالنسبة الى الغير، وليست مطلقة لأنها تهم المجتمع المدني "[iii]

اما (افلاطون) يعتبر العدالة هي (تقسيم المجتمع الى طبقات لكل طبقة وظيفتها الخاصة أن تؤديها دون تقصير منها او تدخل كل واحدة منها في وظيفة الاخرى، فهي كل ما تحتاجه المدينة بعد الفضائل الثلاث التي ذكرنها وهي الاعتدال والشجاعة والحكمة، ليس الا دعامة التي نشأت عنها الفضائل وبفضلها تستمر في الوجود وهذه الفضيلة هي العدالة)[iv]    

ومن خلال ما تقدم من تعريفات العدالة يمكن تحديد مفهوم العدالة الاسرية على انها احقاق المساواة والعدل في توزيع الواجبات والحقوق في الاسرة ، نظرا للدور المهم التي تحتله الاسرة اذ تعد نواة  اجتماعية أساسية ودائمة ، ونظام اجتماعي رئيسي،  وليست الأسرة أساس وجود المجتمع فحسب ، بل هي مصدر الأخلاق ، والدعامة الأولى لضبط السلوك والإطار الذي يتلقى فيه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية ،لذا لابد من تحقيق نظام العدالة داخل الاسرة لكي يتحقق العدل في كافة جوانب المجتمع الاخرى ،وربما كان ذلك هو مجمل منظور علم الاجتماع إلى الأسرة باعتبارها نظاماً اجتماعيا متكامل.

الفصل الاول: أهمية العدالة الاسرية في تنشئة أفراد الاسرةوعلاقتها بتنشئة الاجتماعية.

الأسرة أهم خلية يتكون منها جسم المجتمع البشري إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، وفي كنفها يتعلم النوع الإنساني أفضل أخلاقه، اذ فيها ينشأ الفرد وفيها، تنطبع سلوكياته، وتبقى أثارها منقوشة فيه، يحملها معه، ويورثها ذريته من بعده.

وتعتبر الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وتمثل الأساس الاجتماعي في تشكيل وبناء شخصيات أفراد المجتمع والامة والزواج أصلها، شرعه الله تنظيما للفطرة يتميز به الانسان الذي   كرمه الله ورفعه من حضيض الحيوانية في تلبية الفطرة وحفظ النسل والنسب.

 فالزواج هو ذلك الرابط المقدس الذي يجمع الرجل بالمرأة وفق أسس شرعية ومدنية، حيث يمنح لكل أطرافه حقوق وتترتب عليهم واجبات وبتحقيق العدالة الاسرية تكتم إنسانية الرجل والمرأة في أداء رسالتهما في الحياة.

 اذ تعد العدالة عنصراً مهما في اداء الحقوق الاسرية ابتدأ من الزوج اذ عليه ان يكون عادل في اداء حقوق الزوجة كحسن العشرة و كف الأذى عنها وعدم الإضرار  بها و مراعاة شعورها  ، وان يلامس قلبها قبل جسدها اذا ان  المرأة تحتاج إلى رجل يقدرها ويحترمها، ومعتدلا في القول والفعل ويحافظ على مشاعرها وأخلاقها فإن ذلك أهدأ إلى النفس وأهنأ للعيش ، فالعدالة في اعطاء ومشاركة المشاعر والآمال والطموحات مع زوجته اكثر ضرورة من تقاسم الفراش والسرير ولقمة العيش فقيومة الرجل على المرأة ليس الانفاق فقط وانما تحمل مسؤولية اسعادها واغنائها واشباع شهواتها ايضاً   .   

 اما في مسألة العدالة الاسرية للزوجة فالمرأة احياناً مظلومة في صورة ظالم ، واحياناً اخرى ظالمة في صورة مظلومة ،فبعضهن تظهر بصورة  الانبياء في الظاهر ولكن تؤدي دور الأبالسة في الخفاء وفي التعامل مع زوجها واهل بيتها ، فتخونه سراً وتظهر الحب له علناً ، تترائى من بعيد كوكبا منيراً او قطعة ماسة تسلب اللباب ،ولكن مع الاقتراب اليها ومعاشرتها لا تجد الا براكين خامدة وغابات موحشة وصخور رطبة لا حياة فيها ولا احاسيس تغرس اناملها الناعمة في قلوب من حولها دون شفقة ورحمة هنا لا تجد العدالة مقرا لها ويصبح العيش مع بعضهن جهنم .

 اما الزوجة الصالحة تلك التي تكون عادلة في اداء حقوق زوجها فتكون الأمان لزوجها، وراحة لقلبه، وتمنحه السعادة في حياته، كقارورة عطر تعطر ايامه، وهنا تكون العدالة الاسرية بين الزوجين هي هدف اساسي في سبيل الوصول الى السعادة الزوجية إذا تقوم على اعمدة ثلاث هي الحب والالتزام والتعاون بينهما.

 وان اثر العدالة الاسرية بين الزوجين يؤدي الى استقرار وتماسك مع باقي أفراد  أسرتهم، ويتم ذلك عن طريق التفاعل الايجابي بين الزوجين وأفرادالأسرة المبني على المحبة والمودة وٕاشباع الحاجات الأساسية والثانوية ، اذ تختلف طبيعة هذا التفاعل من أسرة لأخرى حسب طبيعة اتخاذ القرارات في الأسرة ومدى مشاركة  افراد الأسرة في ذلك فبطبيعة الحال إن أي أسرة قد تتعرض في بعض الأحيان لعوائق ومشكلات تمنع نمو علاقاتها السوية بين  افرادها ويعطل نموهم نموا سليما وتؤثر في صحة افرادها النفسية ، وبالتالي يؤثر على صيرورة واستقرار الأسرة ككل.

فالأسرة هي اول هيئة تتولى اعداد الفرد منذ ولادته لان يكون كائناً اجتماعياً وعضواً في مجتمع معين، فهي تستقبل المولود وترعاه، وتروضه على آداب السلوك الاجتماعي وتعلمه لغة قومه وتراثه الحضاري والثقافي، ويأتي الوالدان في مقدمة من يؤثر في الطفل، وعلى هذا المستوى تمثل الاسرة اهم عوامل التنشئة الاجتماعية الخاصة بالطفل، واقوى الجماعات تأثيرا في سلوكه، وتتأثر الاسرة بالثقافة العامة التي تسود المجتمع وما ينتج عنها حيث يعتبرها بعض الباحثين اداة نقل وايصال لثقافة المجتمع من جيل الى جيل. ([v])

ولا بد من الإشارة إلى أن معاملة الوالدين للأبناء يجب أن تكون عادلة، سواء أكان ذلك بين الكبار والصغار أم بين الذكور والإناث، بحيث يعطى كلّ منهم حّقه في الرعاية والاهتمام وتأمين متطلباته، مع مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء وقد ثبت علمياً الاهمية البالغة التي توفرها الاسرة للطفل خلال مراحل حياته المبكرة، اي الفترة الزمنية التي تبدأ من ميلاد الطفل وتستمر حتى بلوغه مرحلة المراهقة ([vi]) وهي أهم مراحل النمو. والاكثر تأثيرا في حياته. باعتبارها مرحلة التكوين والاعداد والتدريب ورسم ملامح الشخصية ([vii]).

 ان العدالة الاسرية لا تشتمل على تأمين متطلبات العيش فقط، بل لا بد العدالة في اعطاء التوجيهات التي تساعد على تطبيع الطفل اجتماعياً، من خلال محاولة تشكيل شخصيته بالطريقة التي تراها مناسبة بما يؤدي الى توافقه مع اسرته ومع مجتمعه. ([viii])، وان بناء شخصية الاطفال يأتي من خلال توفير الاساليب التي تمكنهم من ممارسة الحياة بثقة عالية بالنفس. والاستقرار السلوكي والعاطفي. ([ix])، ويتم ذلك عن طريق التوجيه السريع والمباشر من قبل الوالدان لأطفالهم من اجل تعليمهم القيم والمعايير والادوار والاتجاهات الاجتماعية المرغوبة. ([x])

وكذلك استخدام مبدا الثواب من خلال التحفيز والتشجيع مادياً ومعنوياً إذا قدم الطفل سلوكاً سوياً ومقبولاً، ومبدأ العقاب المادي والمعنوي على الممارسات السلوكية غير السوية او غير المرغوب فيها ([xi])، تهذيب غرائز الاطفال ومنحهم المحبة والرعاية والطمأنينة والاستقرار النفسي ([xii]).

 وبالتالي فأن الطفل يتربى تربية نفسية سليمة خالية من العقد والمشكلات، التي لا تبدو واضحة للعيان حالياً. ولكن ستظهر نتائجها بشكل واضح مستقبلاً وان اشباع حاجات الابناء من قبل الوالدين يخفف من درجات التناقض في التربية ويحقق التماسك الاسري واستقراره. ([xiii])

وان من اهم صفات وخصائص مرحلة الطفولة، ان الطفل في هذه المرحلة يكون منقادا لتوجيه الوالدان أو المؤسسات الاجتماعية الاخرى مثل رياض الاطفال والمدرسة والاصدقاء. الا ان الطفل قد يجد في التلفزيون بديلا عن أم تخلت عن مسؤولياتها، أو اب مشغول بهموم واتعاب الزمان، على الرغم ان مستقبل الشعوب يتوقف على درجة اهتمامهم بالطفل وثقافته، فالدول التي تحرص على شبابها الصغير عقليا وفكريا، عليها ان توفر لهم كل الوسائل في جو يسمح لهم بمعرفة العالم من حولهم وصقل مواهبهم الابداعية والابتكارية لتحصل على ثمار هذا العمل مستقبلا. وللأسف نكاد لا نعثر على مثل هذه الجهود الان مهما بحثنا عنها مع الاعتراف بوجود بعض الجهود المبذولة في ذلك المضمار، الا انها لا ترقى الى المستوى المطلوب. لذا ازدادت اهمية جماعة الرفاق في عملية التنشئة الاجتماعية، وذك نظراً لزيادة معدلات اشتغال الام. مع زيادة احتمال تعلم الطفل قبل دخوله المدرسة. ([xiv])

 وبما ان حياة الانسان عبارة عن سلسلة من الحلقات المتصلة والمتلاحقة والمستمرة ولكل من هذه المراحل خصائص وسمات تختلف عن غيرها من الحلقات الاخرى، وتخضع لتطبيقات فرعية لها دلالاتها من التكوين والقدرات والفعاليات، منذ الولادة وحتى مرحلة متقدمة عمريا ([xv])، اذ تعد مرحلة المراهقة مرحلة اساسية من مراحل النمو، وهي في جوهرها حصيلة بيولوجية اجتماعية. ويتمثل الجانب البيولوجي للمراهقة في النمو الجسمي الذي يمر به الفرد، وهو ينتقل من مرحلة الطفولة الى مرحلة البلوغ، وقمة البلوغ من وجهة النظر البيولوجية تكمن في قدرة الخلايا الجنسية على الانسال، وهنا تطرأ على الانسان تبدلات في حجمه، وتغييرات في نسبية العلاقات القائمة بين اجزاء جسمه ([xvi])

ومن المشكلات التي يعاني منها المراهقون والشباب والتي تترك اثارها في سلوكهم بشكل او باخر الانحرافات الجنسية، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة وانحرافات الاحداث من اعتداء وسرقة ونهب، وتحدث هذه الانحرافات في الكثير من الاحيان نتيجة لحرمان المراهق من العطف والحنان في المدرسة او في الاسرة وعدم اتخاذ مبدأ العدالة الاسرية فيها ،وضعف التوجيه الديني، وعدم تنظيم اوقات الفراغ ومن المشكلات او الصعوبات التي يعاني منها المراهق ضغط الاهل او الاسرة عليه للوصول الى اعلى مستوى ممكن عن التفوق العلمي لا تقدر عليه قواه العلمية الطبيعية والشعور بالفشل والاحباط في حال عدم تحقيق رغبة الاهل ([xvii]).

وهناك ايضا مشكلة الاستغراق في الخيالات، وفي احلام اليقظة والتي نبعده عن عالم الواقع. ونتيجة لنضج الغدد الجنسية واكتمال وظائفها. فان الفرد قد ينحرف ويمارس بعض العادات وقد يميل المراهق الى قراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية. وقصص العنف والاجرام.

لذا ينبغي توجيه المراهقون والشباب للابتعاد عن العادات السيئة بأسلوب الاقناع، بعيدا عن العنف والتهديد، وتشجيعهم نحو القراءة، ومناقشة مشاكله مع الكبار في ثقة وجرأة، ويقع على عاتق الاسرة العمل بعدل معه وكذلك علماء المسلمين ورجال الثقافة والاعلام والتربية والاصلاح تزويدهم بالحقائق والمعلومات التي تثبت ايمانهم وترسخ عقيدتهم وتحمينهم من نزعات الالحاد والشك وان جوهر المشكلة التي يعاني منها قسم كبير من الشباب في الوقت الحاضر، يتلخص في (طرق الانزلاق نحو التغيير). ويقصد به التأثر السريع والعميق بمجموعة الظواهر السلبية التي تسود الواقع الاجتماعي، وما تحمله بعض العادات الاجتماعية الرديئة من معاني الى نفسية الشباب، فضلا عن التناقض الثقافي، والفوضى الاقتصادية والفقر والفساد الاداري وغياب العدالة في الاسرة والمجتمع، مع انتشار مظاهر الاستغلال والتسلط والانحراف بكل اشكاله وانواعه وان الرغبة الجامحة في التخلص من ذلك الواقع ادى الى البحث عن البديل في مظاهر الحياة الغربية القادمة من البعيد عبر القنوات الفضائية من خلال التقليد والمحاكاة ([xviii]).

        اذن نستنتج مما سبق الاثر البالغ الذي تضفيه العدالة الاسرية على السمات والخصائص الاساسية لشخصية الطفل في المراحل العمرية الاولى، وشخصية الفرد عندما ينمو ويكبر من خلال العديد من الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية كونها حلقة مكملة ضمن سلسلة عمليات التنشئة الاجتماعية من قبل الاسرة والمدرسة وهي بذلك تعد عاملاً حاسماً ومهماً من عوامل عملية التنشئة الاجتماعية التي تعتبر عملية التطبع الاجتماعي للإنسان او هي عملية بناء الشخصية الانسانية التي يتحول من خلالها الفرد من كائن حي بيولوجي عند مولده الى كائن حي اجتماعي Social begin يتعلم ممن سبقه الى الحياة وينمي استعداده ويسهم بدوره في التأثير على ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.([xix])

اذ تعتبر الاسرة هي الجماعة المرجعية الاولى المسؤولة عن عملية التنشئة الاجتماعية، وقد شملتها موجه التغيير في معظم دول العالم حجماً وكيفاً وهذا يؤثر بالطبع على تربية وتنشئة الافراد وتوافقهم النفسي والاجتماعي والعقلي، ولقد جاءت ثورة الاتصال لتجعل من وسائل الاعلام شريكاً فاعلاً يسهم بقدر كبير في عملية التنشئة الاجتماعية خاصة وفي العملية التربوية التي يخضع لها الافراد بشكل عام. بجانب قنوات التنشئة الاجتماعية الاخرى (الاسرة، المدرسة.) وتظهر فاعلية وسائل الاعلام في قدرتها على التحرك حيث يوجد الجمهور المستهدف في بيته او مكتبه او اي مكان يتجه اليه تخاطب الكبير والصغير المرأة والرجل. كما ان وسائل الاعلام احتلت نفسها مكاناً في كافة ميادين الفكر والتأثير في الثقافة والترويج والتسلية والتوجيه وفق اساليب مستحدثة وتقنيات عالية مما يجعل الانسان يسلم عقله وعاطفته للوسيلة الاعلامية لتقوم بدور الاب والمعلم بل واحياناً دور الافتاء والارشاد دون ان يدرك المتلقي ان ما تحمله الرسالة الاعلامية اليوم مشحون بقيم صاحب الرسالة. يسعى لإحلالها محل القيم القائمة إذا كانت هذه القيم تتعارض مع اهدافه وبرامجه. ([xx])

ومهما تعددت الافكار وتنوعت فان عملية التنشئة الاجتماعية هي المحور الذي تستخرج منه شخصيات الافراد على المدى القريب والبعيد، اضافة الى عوامل اخرى، بعضها يتعلق بذات الفرد، والاخر يرتبط بالمحيط الذي يعيش فيه، اذ يعتبر دور الاسرة دور هام وخطير وعظيم التأثير في حياة الفرد منذ ولادته، وطوال حياته حيث يتم بناء شخصيته واكتساب الانماط السلوكية الخاصة به والتهيئة النفسية والاجتماعية له([xxi])، وما قيل عن اختلاف التنشئة الاجتماعية زمانياً ومكانياً لاعتبارات خصوصية وفلسفة المجتمع، يقال عن اختلاف او تماثل التنشئة الاسرية في العراق بشكل خاص وفي العالم بشكل عام ويوماً بعد اخر مع دخول العالم عصر الانترنيت والتقدم العلمي المتسارع والاقمار الصناعية، اصبحت التنشئة الاجتماعية عاجزة الى حد ما، عن  تحقيق مبدا العدالة وتكريس المبادئ والقيم في النفوس بفعل التحديات الخارجية وفي مقدمتها لجوء بعض المجتمعات الى استعارة النموذج التنموي الغربي وما ينتج عن ذلك من مشكلات، وغياب دور الوالدين في تربية ومراقبة الاولاد اثرت وما زالت تؤثر سلباً على عمليات التنشئة الاجتماعية في المجتمع، وعليه لابد ان تأخذ العدالة الاسرية بنظر الاعتبار واتخاذها السبيل الى تنشئة اجتماعية ووضع اسس علمية رصينة تخدم وتعزز مبدأ العدالة الاسرية حاضراً ومستقبلاً.

 

[i] مختار الصحاح ، ص417.

[ii] لسان العرب، 430.

[iii] المعجم الفلسفي ،مراد وهبه، ص444.

[iv] اميرة حلمي مطر، جمهورية افلاطون ،ص 228.

([v])  سناء عبد الوهاب الكبيسي، التنشئة الاجتماعية في رياض الاطفال ، مصدر سابق ، ص 75.

6-  محمد عودة الريماوي، في علم نفس الطفل، ص34.

7علي عبد الرحمن عوض، التلفزيون وبرامج الاطفال، مجلة الرائد، الامارات العربية، العدد7، 1995،ص57.

([viii])  د. جمال حسين الالوسي واميمة علي خان، علم نفس الطفولة والمراهقة، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1983، ص 124-126.

([ix])  عباس محمود عوض، في علم النفس الاجتماعي، بيروت، دار النهضة العربية، 1980، ص 202-204.

([x])  حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماعي ، ط5، القاهرة، دار الهنا للطباعة، 1984،           ص 253-255.

([xi]) سناء عبد الوهاب الكبيسي، التنشئة الاجتماعية في رياض الاطفال ، مصدر سابق ، ص 77.

([xii])  خضير سعود الخضير ، المرشد  التربوي لمعلمات رياض الاطفال لدول الخليج العربي ، الرياض ، مطبعة المكتب العربي ، 1986، ص 47-48.

([xiii])  عبد الفتاح دويدار ،علم النفس الاجتماعي ، بيروت، دار النهضة العربية ، 1994، ص 102.

([xiv])  مصطفى فهمي، سيكولوجية الطفولة والمراهقة، ص 214.

4- اسحق يعقوب القطب،  اتجاهات الشباب نحو  المطالعة في المجتمع الكويتي المعاصر، الكويت، ادارة البحوث والترجمة ، وزارة الاعلام، 1980، ص10.

1-  مارتا هاريس، ابنك المراهق ، كيف تفهمه وترعاه ، ترجمة ضياء الدين ابو الحب وعدنان محمد حسن، ط2، بغداد، مكتبة النهضة، 1973، ص7.

3-   عبد الرحمن العيسوي، سيكولوجية الطفولة و المراهقة،ص58.

1- زكي حنوش، ازمة الشباب العربي بين التغيير والارهاب وصراع القيم، مجلة الفكر العربي ، العدد8، 1995، ص46-49.

([xix])  عبد المنعم هاشم وعدي سلمان، الجماعات والتنشئة الاجتماعية ، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة ، 1971، ص 8.

([xx])  شاهيناز طلعت ، وسائل الاعلام والتنمية الاجتماعية ، ص 79.

([xxi]) د. انعام جلال توفيق، التنشئة الاجتماعية للاسرة العراقية، ص 18.

المرفقات