تربت في مدرسة جدها رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وتعلمت منه الصبر والحكمة و تلقت من أبيها الشجاعة والجرأة والأقدام، ونهلت من غذاء الكرامة المحمدية ما نهلت.. فهي الصّبر على نوائب الدنيا وفجائع الأيام تلك هي زينب بنت علي بن ابي طالب.
سماها جدها رسول الله، وكنيت بأم كلثوم وأم الحسن، ويقال لها زينب الكبرى للتمييز بينها وبين أختها زينب الصغرى، ووقد لقبت ايضاً بالصديقة الصغرى.. لأن أمها الزهراء سلام الله عليها هي الصديقة الكبرى وسيدة نساء العالمين ولقبت بالعقيلة والموثقة والعارفة والعالمة غير المعلمة والفاضلة وغيرها من الاسماء التي تحمل الصفات والفضائل العلوية.
كان نصيبها من اسمها جمال الطلعة وحسن المنظر والمظهر، وكانت صابرة يوم تلقت نبأ استشهاد شقيقها الحسن مسموما، وبقيت صابرة مكابرة عند استشهاد ولديها عون الأكبر ومحمد وهما يؤازران ابي عبد الله الحسين في عاشوراء، وصمدت وتماسكت أكثر عندما احتزت سيوف الغدر رأس الحسين أمام عينها وقد وقفت شامخة صابرة مرفوعة الرأس، وعلى الرغم من أسرها فقد عاهدت الحسين على حفظ ولده السجاد زين العابدين فحفظته وأبقت السلالة العلوية بأمر الله الى يوم يبعثون .
المشهد عبر العصور :
عرف موقع السيدة زينب عليها السلام قديما باسم قرية راوية، وقد كانت القرية تضم من بضعة بيوتات طينية بسيطة جدا وتطورت بعد ذلك وتزايدت أهميتها بعد ان أقامت فيها السيدة زينب الكبرى سلام عليها حتى غدت مدينة حديثة مقدسة متجددة الأتساع العمراني المستمر، وأصبحت بمثابة لؤلؤة فن العمارة الإسلامية الحديثة.. حيث توالى عليها التجديد لتمر المدينة والمشهد المقدس بعدة مراحل عمرانية قسمت كالاتي :
1. في عام 500هـ شيد أهل حلب بمشهدها جامعا كبيرا من أشهر جوامع دمشق وجددت عمارتها عام 768هـ .
2. في عام 1257هـ/1836م شيد الحرم الذي كان مؤلفا من مبنى مربع الشكل يضم المقام وكان طول ضلع هذا الحرم 26م وارتفاعه 6م قائم على مداميك حجرية متماسكة بالطين ، وسقف المبنى من الخشب تعلوه طبقة ترابية ، وكانت قبة الحرم مبنية من الآجر ، ومحمولة على أربعة أقواس . وفي عام 1287هـ/1870م انهار السقف بسبب الأمطار ثم جدد السقف من القرميد المحمول على هيكل خشبي .
3. في عام 1302هـ جددت القبة الكريمة ، وفي عام 1354هـ انشأت غرفٌ كثيرة حول المقام لراحة الزائرين وجددوا المدخل الشريف ، وفي عام 1370هـ تم تعمير الحرم والصحن والأروقة ونصب لها قفص فضي مذهب ومحلى بالجواهر الكريمة النادرة وزنه 12 طنا ، وفي عام 1373هـ اهدي صندوق من ايران عليه غطاء من البلور، وفي عام 1380هـ قدم لمشهدها بابٌ ذهبي مع اقامة مئذنتين شامختين بارتفاع (54م) من ايران ، وفي عام 1380هـ اهدي باب ذهبي للمدخل الغربي ، وبابان مذهبان بالمينا للمدخل الشمالي والقبلي ، كما تم في عام 1413هـ اكساء قبة المقام من الخارج بالذهب .
4. وفي سنة (1952م) أعد مخطط لمبنى مقام السيدة زينب بمساحة عامة تبلغ أبعادها 150×190 م ، أما مساحة المبنى الخاصة بالحرم فتبلغ مساحته 90×90 م والحرم الداخلي 30×30 م ، ورصفت أرضيته مع أرضية الرواق بالرخام ، وبلغ عرض الفناء الخارجي 15م يفصل بين رواق الصحن ورواق المقام .
5. وفي سنة (1993م) جدد الصندوق والضريح المكسو بالذهب من المحبين الموالين من كل ارجاء المعمورة وقد خطت على شباك الضريح الفضي خطبة السيدة زينب بأجمل الخطوط مع أسماء الله الحسنى .
المشهد المقدس :
يعد مشهد السيدة زينب عليها السلام أحد أبرز المزارات والأماكن المقدسة في سوريا والمنطقة العربية.. حيث يقع قبر السيدة زينب عليها السلام على أطراف القسم الجنوبي الشرقي من دمشق وعلى بعد 7كم، ودعت هذه الناحية باسم السيدة زينب أو قبر السيدة كما يشاع في بعض مناطق ارض الشام وعرفت قديما بقرية راوية.
ويتألف مشهد السيدة زينب من أربعة أجزاء رئيسة وهي : السور ، والجامع المحيط بها مع الأروقة ، والصحن والضريح ، ويحيط بالمرقد سور ضخم مزين بأجمل النقوش والخطوط القرآنية، ويتضمن أربعة مداخل للزائرين يبلغ عرض كل منها 4م وعلى جانبي كلاً منها رواق جميل عرضه 4م رصفت بالحجر المجلي المتميز بلونه البيج والرمادي الغامق الجميل ، وتبدو خلف الرواق 70 غرفة واجهاتها بنيت من الحجر ويعلو كل من أبوابها ونوافذها قوس نصف مستدير.
أما المسجد فيقع في الجهة الغربية تقريبا من القرية ويتألف من باحة واسعة وله مدخلان مدخل غربي ومدخل شمالي والمدخلان يوصلان الى المقام فالحرم ، وقد تم بناؤه حول مقام السيدة زينب والذي يعد من التحف المعمارية الرائعة والصروح الهندسية البديعة، ويوجد على جانبي الصحن من الداخل مئذنتان بارتفاع 54م وقد زينت كل مئذنة ببلاطات تربيعية وزخارف نباتية وهندسية وبأسماء الله الحسنى وبلون أزرق وفيروزي وبيجي وجوزي وتحيط بالأروقة عقود فارسية مدببة.
ويتوسط الصحن بناء الحرم ويتقدمه رواق محيط به من جميع جهاته ، تزين واجهة الرواق عقود دائرية متجاوزة قليلا وترتكز على اعمدة مربعة طويلة مكسوة بالرخام وتزين هذه العقود الآيات القرآنية وزخارف نباتية ذات أغصان حلزونية وقد تميزت أرضيات هذه الزخارف بلون فيروزي أما أرضيات الآيات القرآنية فكانت بلون أزرق .
ويتميز سقف الحرم بارتفاعه 6م عند الجدران الخارجية للحرم حتى ارتفاع 8م وأخيرا 10م جوار قبة الحرم التي يبلغ قطرها10م ، وأن سقف الحرم متدرج يفصل كل درجة عن غيرها سطح زجاجي عمودي من شانه توفير الإضاءة الطبيعية الكافية والمناسبة ودخول أشعة الشمس الى داخل مبنى الحرم ، وقد استخدم الخزف (القاشاني المعرق) في تزيين رواق الصحن والحرم والأعمدة والدعائم والأقواس الحاملة للقبة والقبة نفسها والمئذنتين ، كما استخدمت المرايا في كسوة الأقسام العلوية من جدران الحرم، ويتوسط الحرم الصندوق الفضي المطعم بالذهب والمحلى بالمجوهرات يليه صندوق زجاجي ثم صندوق خاتم مزخرف وضع فوق الجسد الطاهر للسيدة زينب عليها السلام.. وهو من خشب الابنوس الثمين المقطع كالفسيفساء، والمطعم بالعاج والاسلاك الذهبية الجميلة مما يجعله من اروع التحف الفنية وأجملها ووضع في مكانه عام 1955 باحتفال كبير ، ويبلغ طول هذا الصندوق الخشبي 240سم×180سم ، وارتفاعه 180سم وقد احيط بقفص من الواح البلور الجميل)، ويحيط بالضريح 8 أعمدة مربعة طويلة ومزخرفة تتوج هذه الأعمدة من الأعلى دائرة ، وترتكز على هذه الأعمدة القبة المزخرفة من الداخل بالقاشاني الأيراني المزخرف وبعض النقوش المنفذة من الزجاج والمرايا، أما من الخارج فتغطيها بلاطات الذهب وتعلوها سارية تتوجها دائرة مشعة ، ويحيط بالقبة حزام ذهبي مطعم بالمينا الزرقاء خط عليه سورة الدهر بلون أبيض ، ويحيط بالقبة من الخارج والداخل شبابيك وظيفية و تزيينية بوقت واحد ومعقود بعقود متوافقة ومتنوعة رائعة في جمالها.. لتبقى بذلك روح التوافق التي تتسرب في هذا العطاء القدسي هي الدافع الحقيقي الذي يؤطر دعائم الإعجاب المرتبط بالجمال الروحي الذي يوثق بدوره قواعد الإبداع التي يتميز بها كل تكوين جمالي متنوع ويعبر عنها كل تركيب عماري او زخرفي .. وكيف لا يكون ذلك ونحن في حضرة النور العلوي الفاطمي حضرة السيدة زينب الكبرى عليها السلام.
عظم الله لنا ولكم الاجر باستشهاد الصديقة الصغرى زينب بنت علي المرتضى عليهما السلام.
اعداد : سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق