سيرة حياة الإمام علي بن الحسين (ع) خارطة الطريق نحو مجتمع صالح

 

 

أ.د.بسمة رحمن عودة

 أ.م.د.طالب عبد الكريم كاظم

منذ ان دبت قدم بني ادم تراب هذه الارض وهو يتحلى بالأخلاق الحميدة ومشخصا للأخلاق الفاسدة ، وقد امره الله تعالى بالتخلق بكل الفضائل الاخلاقية لكي يصل الى تحقيق الهدف الذي خلق من اجله الا وهو عبادة الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " (1)

فأصبحت الاخلاق الفاضلة من مستلزمات الحياة الصحيحة على الارض ومن مستلزمات المجتمعات البشرية التي تطمح الى الرفعة والطهارة . فأصبح قرب الانسانمن الكمال غاية الشرائع السماوية . وبدأ الرسل عليهم السلام بالإرشاد والوعظ لهذه النفوس الجامحة التي تميل طبعا الى الراحة والدعة . وتوالى الرسل الى قيادة البشرية نحو هذا الهدف السامي حتى خاتمها وسيد المرسلين محمد بن عبد الله (ص) الذي قال ط انما بعثت لا تمم مكارم الاخلاق " (2) وورد عن الامام علي (ع) قوله : حسن الخلق من افضل القسم واحسن الشيم " (3) ولكي نقف على معنى الاخلاق وحسنها جاء بحثنا هذا عن الامام علي بن الحسين (ع)

اهمية البحث :

تتمثل اهمية البحث بما يأتي :

الاهمية النظرية : تتمثل الاهمية النظرية للبحث في اطلاع افراد المجتمع على سيرة حياة الامام علي بن الحسين (ع) بدءا من نسبه ، فضائله ، صفاته ، موقف الامام بعد واقعة الطف الاليمة وكيفية تصرف المرء بالمواقف العصيبة ، النظرية السياسية لدى الامام (ع) ،  دوره عليه السلام  في بناء المجتمع الاسلامي ، كذلك التراث العلمي الذي خلفه الامام (ع) واخيرا فلسفة عليه ‌السلام في الانفاق وتحرير العبيد .  الاهمية التطبيقية : تتمثل الاهمية التطبيقية للبحث في مدى استثمار الافراد لما ورد من دروس وعبر وحكمة ونضج في التعامل مع الناس في حياتهم العملية ومدى قدرتهم في التحلي بأخلاق الامام(ع) السلام لتكون فعلا سيرة  حياة الامام علي بن الحسين(ع) خارطة طريق  نحو مجتمع صالح .

اهداف البحث :

يهدف البحث الحالي الى التعرف  على :

1- التعرف على نسب الامام علي بن الحسين (ع) وفضائله وصفاته .

2- العرف على موقف الامام علي بن الحسين (ع) بعد واقعة الطف .

3- التعرف علىالنظرية السياسية لدى الامام علي بن الحسين (ع).

    4- التعرف على  دور الامام علي بن الحسين(ع) في بناء المجتمع الاسلامي .

5- التعرف على  التراث العلمي الذي خلفه الامام زين العابدين (ع )

6- التعرف على فلسفة الإمام عليه‌ السلام في الانفاق وتحرير العبيد .

المبحث الاول

الامام علي بن الحسين (ع)

نسبه – فضائله – صفاته

أولاً : نسب الامام علي بن الحسين (ع) :

هو الامام الرابع من الائمة الطاهرين :علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب .

والده سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام .

والدته السيدة شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمزانو شروان .

جده : امير المؤمنين وسيد الوصيين علي ابن ابي طالب عليه السلام .

ميلاده : ولد في المدينةفي الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرةقبل وفاة حده امير المؤمنين بسنتين .

كنيته : ابو الحسن وابو محمد .

القابه : علي الاصغر لكونه اصغر من اخيه الشهيد في كربلاء علي الاكبر – وزين الصالحين – والسجاد – وزين العابدين – والبكاء – وذو الثفنات – الزكي – الامين .

صفاته : اسمر – قصير – دقيق – نقش على خاتمه " وما توفيقي الا بالله "

امامته : قام بامر الامامة بعد استشهاد ابيه الحسين _(ع) عام 61ه وله من العمر 23 سنة وتوفي مسموما في 25 محرم عام 95 ه وله من العمر 57 سنة .(4)

ثانياً : فضائل الامام علي بن الحسين (ع):

فضائله : للإمام  علي بن الحسين عليه السلام فضائل عديدة كيف لا وهو من ائمة الهدى الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وعصمهم بلطفه .

ومن فضائله التي تدل على علو مكانه:-

روي عن رسول الله انه قال :" اذا كان يوم القيامة ينادي مناد اين زين العابدين فكأني انظر الى ولدي علي بن الحسين بن  علي ابن ابي طالب يخطر بين الصفوف وروي جابر الانصاري قال :, كنت عند رسول الله صل الله عليه واله فدخل عليه الحسين بن علي فضمه الى صدره وقبله واقعده الى جنبه ثم قال : يولد لابني هذا ابن يقال له علي اذا كان يوم القيامة ينادي مناد من بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو . وقال امير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسين حينما اراد الزواج من شاه زنان : ليلدن لك منها اعلام حير الارض.

وهذا اليسير من فضائله الكثيرة ولكنها ترشدك الى شموخه وعظيم منزلته عليه السلام (5) .

 

ثالثاً : صفات الامام علي بن الحسين (ع) : 

1-  الامام السجاد عليه السلام مدرسه في بر الوالدين :                                            يروى ان امه السيدة شاه زنان توفيت بعد ايام قلائل من ولادته فدفعه الامام الحسين الى احدى المرضعات التي تشرفت بإرضاعه والاعتناء به فكانت امه الثانية فكان الامام السجاد يبرز لها كل الادب والبر فقد قيل له يوما انك ابر الناس ولا تأكل مع امك لماذا؟ فقال الامام اكره ان تسبق يدي الى ما سبقت اليه عينها فأكون عاقا لها. فلهذا الحد كان يراعي مشاعر وهواجس امه حتى في تناول الاكل فكيف به في بقية الامور . (6)

حلم الامام السجاد مدرسة أخلاقية :                                                             كان هشام بن اسماعيل والي المدينة يؤذي الامام السجاد كثيرا فقد كان يتصرف معه بخشونة وعنف ويمنعه بعض حقوقه ويرفع عنه الى الخليفة تقارير مكذوبه ويجعل حوله الجواسيس ويسمعه من الكلام ما يكره وهكذا استمرت الحالة والامام صابر لا يقابله الا بالسكوت وفي يوم من الايام عزل هشام من امارته وامر به ان يقف امام الناس ليأخذ كل شخص حقه من هشام فبعض الناس كانت تطلبه اموال والبعض كان يصفعه على وجهه واخرون كانوا يبصقون في وجهه وهشام ساكت عن ذلك كله ويقول ما اخاف الامن علي بن الحسين ثم جاء دور الامام علي بن الحسين عليه السلام فمر به وسلم عليه وطلب من خاصته الا يتعرضوا لهشام بشيء ثم بعث احدهم الى هشام يقول له ان الامام يقول لك هل انت بحاجه الى مال فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا عندها اندهش هشام وندم على افعاله ونادى بأعلى صوته الله اعلم حيث يجعل رسالات سكبت جارية لعلي بن الحسين عليه ماء ليتوضأ فسقط الأبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت الجارية: إن الله يقول والكاظمين الغيظ فقال: قد كظمت غيظي قالت: والعافين عن الناس فقال: عفا الله عنك، فقالت: والله يحب المحسنين، قال: أنت حرة لوجه الله تعالى .(7) كرمه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون :                                                روي ان الامام السجاد عليه السلام يحب العنب فاشترى منه شيئا وقدموه اليه عند الافطار وقبل ان يمد يده وقف بالباب سائل يطلب شيئا من الطعام فقال الامام لأحدى نساؤه احملي العنب كله الى الفقير فقالت له يا مولاي بعضه يكفيه قال لا والله الا كله وفي اليوم الثاني اشترت له احدى جواريه ذلك العنب واتت به فوقف سائلا اخر ففعل مثل ذلك ثم اشترت له ثالثا واتت به في الليلة الثالثة ولم يأت سائل فاكل وقال ما فاتنا منه شيء والحمد لله .                           -من تواضعه عليه السلام                                             : سافر مره مع رفقاء لا يعرفونه واشترط عليهم ان يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون اليه وبالفعل فقد قام الامام بكل الاعمال دون ضجر او من فصادف ان راه رجل فعرفه فقال لهم اتدرون من هذا ؟ فقالوا لا قال هذا علي بن الحسين فوثبوا اليه فقبلوا يده ورجله واعتذروا منه وقالوا ما الذي جملك على هذا ؟ فقال اني سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله صلى الله عليه واله مالا استحق فاني اخاف ان تعطوني مثل ذلك فصار كتمان امري احب الي.(8)

المبحث الثاني :الامام علي بن الحسين (ع)  بعد واقعة الطف

أولاً : الوضع السياسي والاجتماعي للإمام علي بن الحسين (ع):

     ان مفهوم القيادة  يرتبط بالجماعة اكثر من ارتباطه بالأفراد ، اما القائد فهو أي شخص يقود جماعة من الاقراد ويؤثر في سلوكهم ويوجه عملهم فهو بهذا المعنى يكون بؤرة لسلوك اعضاء الجماعة ويكون الشخص المركزي في الجماعة . (9)

وبعد واقعة الطف الفجيعة، عاش الإمام زين العابدين عليه السلام، وضعاً سياسياً واجتماعياً صعباً، نظراً لما سببته قضية الخذلان والهزيمة النفسية التي مُني بها أهل الكوفة أمام نداءات الاستغاثة لنصرة الدين التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام. وهذا ما جعل دور الإمام يتخذ صبغة جديدة، تواكب المرحلة الاجتماعية والسياسية للأمة، فبرز دوره الريادي في إعادة بناء النفوس التي لوثتها جريمة الطف، وإعادة المسلمين الى فطرتهم السليمة، ثم الى إيمانهم ودينهم كما أراد لهم الله تبارك وتعالى.

وفي ظل الإرهاب الدموي، واستمرار انتهاك القيم الدينية من قبل الحكم الأموي، متمثلاً بيزيد ومن جاء بعده، لجأ الإمام السجّاد عليه السلام الى أساليب جديدة في الدعوة الى الله تعالى، ومجابهة المنكر، وصون رسالة جده من الانحراف، على خُطى والده الشهيد.. وكان سلاحه الجديد على الساحة هو «الدعاء» من خلال السفر العظيم الذي خلفه لنا عليه السلام، وهو «الصحيفة السجادية»، الذي قيل بحقه في حديث شريف انه «زبور آل محمد» .(10)

من هنا نعرف، أن قيادة الإمام زين العابدين عليه السلام، لم تكن بالمعنى المتعارف للقيادة الظاهرية، إنما بالمنظور الفكري المتوثب الذي يراقب الأحداث وهو في صميمها ويصاحب التطورات عن كثب.

اما القيادة في بعدها الفكري والعقائدي  فقد وضع الإمام زين العابدين عليه السلام، أسساً لخطته الإصلاحية المترامية الأطراف البعيدة الغايات، واختار السبل التي تبعد أعين السلطة عنه.

فكان منهج «الدعاء»، الذي تجاوز فيه الصعيد الوجداني، الى مطلق الصُعد التي تصاغ فيها الخطب والرسائل في طرح القضايا المختلفة، ومنها الصعيد الفكري والعقائدي.

لقد استغل الأمويون جهل العامة وبعدهم عن المعارف الدينية، فاخذوا المعنى الحرفي لكلمة «اليد» و «العين» و «الوجه» وغيرها مما لا يصح إطلاقها على الله تبارك وتعالى.

وعمدوا الى نشر هذه الأفكار في المجالس العامة ومساجد المسلمين، فسرت الى مسامع الإمام زين العابدين عليه السلام، أقوال قوم يشبهون الله جلّ وعلا بخلقه، وهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففزع لذلك ولجأ مستجيراً بالله مما سمع وهو يقول:

«الهي بدت قدرتك، ولم تبد هيبة جلالك فجهلوك، وقدروك بالتقدير على غير ما أنت به شبهوك، وأنا بريء يا الهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء يا الهي ولم يدركوك.... واتخذوا بعض آياتك رباً – فبذلك وصفوك..»

من هنا؛ رفع الإمام عليه السلام صوته الرافض لمروجي الأفكار الدخيلة على الإسلام، وأعلن براءته أمام الله من العقائد المنافية لمعنى التوحيد، حتى يكون حجة بالغة على الناس أجمعين، ولذا توجه عليه السلام الى تمجيد ربّه وتقديسه من خلال أدعيته ومناجاته، لتكون خير جواب وردّ على التوجه الخاطئ من بعض المسلمين لمعرفة الدين.(11)

ثانياً : الانقطاع الى الله وليس الى السلطة :

لقد كان صوت الإمام السجّاد عليه السلام مدوياً في الآفاق، وهو يوطد أسس عقيدة التوحيد في لفتات بارعة تهدم بنيان الصنمية الجديدة.

فبين أولاً وجوب الاعتماد والتوكل والطاعة والانقطاع لله وحده تعالى، لا لأحد من المخلوقين لان الكل محتاج الى الغني، القادر، المُعطي وحده، لذا يقول عليه السلام في دعائه كاشفاً عن تلك المفاهيم:

«اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك وأقبلت بكلّي عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج الى رفدك، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك، و رأيت أن طلب المحتاج الى المحتاج سفه في رأيه و ضلّة في عقله. فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، و راموا الثروة من سواك فافتقروا... فأنت يا مولاي دون كل مسؤول، موضع مسألتي، ودون كل مطلوب إليه وليّ حاجتي، أنت المخصوص قبل كل مدعو بدعوتي، لا يشترك أحد في رجائي. ولا يتفق احد معك في دعائي، لك يا الهي وحدانية العدد، وملكة القدرة الصمد، وفضيلة الحول والقوة، ودرجة العلو والرفعة، ومن سواك مرحوم في عمره، مغلوب على أمره.... فتعاليت عن الأشباه والاحتداد وتكبرت عن الأمثال والأنداد فسبحانك لا اله إلا أنت.

هذا الدعاء، دعوة مفتوحة لمن أراد الانقطاع الى الله تعالى، والاعتماد عليه، وفي هذه العبارة: «مرحوم في عمره، مغلوب في أمره»، ينعى الإمام السجاد عليه السلام، الذين يطلبون العزة والكرامة والارتفاع من غير طريق الله جل وعلا، لأنه تعالى وحده بيده ملكوت كل شيء، وأما غيره فمغلوب على أمره مقهور على شأنه .. وقد احتوى هذا الدعاء خالص الإيمان وجوهر التوحيد . (12)

المبحث الثالث النظرية السياسية لدى الامام زين العابدين

لقد استطاع علي بن الحسين (ع) ان يجمع بين الشؤون الروحية والمنطلقات السياسية ، جمعا لا يخامره التعسف ولا يشوله الريب . فهو العابد التهجد ، الزهد ، الخاشع ، الأواب . وهو المربي المقاوم للظلم والاستبداد ، والسند القوي للمستضعفين .  لم يفصل بين العبادة والسياسة في الاسلام ، بل هما وحدة متكاملة بمنزلة الروح والجسد . هذا اذا فهمنا الاسلام فهما موضوعيا بعيدا عن مخططات الاستعمار والامبريالي ومصالح المستغلين من اسرار سياسة  الامام علي زين العابدين (ع) انه ذلك الانسان الذي تكن له الجماهير كل اجلال واكبار وحب عميق   ، ولا ادل على ذلك من قصة الامواج البشرية التي ارتادت بيت الله الحرام والتي ما ان رأت علي بن الحسين (ع) يريد ان يشق طريقه حتى انفرجت له وافترقت ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، من غير اتفاق سابق ومن دون امر صادر لها في الوقت الذي كان فيه هشام بن عبد الملك مع موكبه الرسمي محتفظا بموطأ قدم له منتظرا ان يخف الزحام ليؤدي مناسك الحج . ومن اسرار سياسة  الامام علي زين العابدين (ع) انه المتمكن من الضمير الشعبي حتى في حالة انتهاج المواقف الصلبة والحدية ، وانه الموقر المهيب وان توشح باللين والتواضع . وهذا هو السحر الحلال في السياسة والمجتمع . (13) ومن اسرار سياسة الامام علي زين العابدين (ع) انه قام بالمنجزات الكبيرة بعيدا عن الوسائل الاعلامية . لكن الوسائل الاعلامية ما فتأت تكرر ذكره في محافلها وتمجده طوعا او كرها . ولابد ان يكون الامام زين العابدين (ع) شاعرا بهذا المعنى الذي قد ورد في احدى الابتهالات الرفيعة المستوى : وكم من ثناء جميل لست اهلا له نشرته . ما تمتاز به سياسته الفضلى انها تستند الى قاعدة فكرية وقانونية عظمى تكاد تكون منقطعة النظير اذ انه الأوحد من علماء عصره استلهاما للفكر الاسلامي واستيعابا لقواعد التشريع .  من براعة سياسة علي زين العابدين (ع) انه لم يكن منصرفا الى السياسة كل الانصراف وانما كانت السياسة شأنا من شؤونه لا اكثر ومع هذا فقد حقق من المكاسب السياسية ما يدهش الذين انصرفوا اليها انصرافا تاما وكانت شغلهم الشاغل طيلة حياتهم من ذوي العبقرية السياسية والاضطلاع والجد وقوة الاحتمال .  ان الخط السياسي للإمام زين العابدين (ع) هو خط الاسلام بلا ريب . بيد ان للخط السياسي في الاسلام شعبا وميادين كثيرة قد اقتصر منها الامام زين العابدين (ع) على ما يوافق الملابسات والظروف الاجتماعية والسياسية ، مع قرضه وادخاله جملة من الآراء والمواقف على الملابسات والظروف .  لم تكن سياسة الامام زين العابدين (ع) سياسة غامضة فحسب ، بل غامضة جدا وعليها الف ستار وستار من التغطية والتمويه التي خلقها الامام زين العابدين (ع) نفسه ، فقد وضع لمسات خطه السياسي بما ينسجم مع الظروف القاهرة والاهوال المحيطة ويتناسب وحدتها ، وشدة توترها .( 14)

المبحث الرابع : دور الامام علي بن الحسين (ع) في بناء المجتمع الاسلامي

عني الإمام زين العابدين(ع)، من خلال سيرته العطرة، ببناء المجتمع الإسلامي بناء عقائديا وأخلاقيا عناية بالغة، سيما في الفترة التي أعقبت فاجعة الطف، بسبب ما وصل إليه حال المجتمع آنذاك م  ن انهيار في الجانب العقائدي والأخلاقي، وابتعاد الناس عن دينهم من جراء سياسات الحكم الأموي التضليلية، التي حملت معول الهدم على القيم الأخلاقية والعقائد الحقة، فانبرى (ع) إلى إصلاح المجتمع وتثبيت العقائد الحقة وتهذيب الأخلاق بالقول والفعل(15) وكان المسلمون يرون في سيرة الإمام زين العابدين(ع) امتدادا حقيقيا لسير جده الرسول الكريم(ص)، وتجسيداﹰ حيّاﹰ لقيم الإسلام، حتى ملكَ حبه القلوب، وانشدت إليه النفوس، بما كان يحمل من الملكات العالية وجوامع الكمالات، التي عزّ وجودها في ذلك الزمان. وقد استطاع الإمام زين العابدين(ع)، وهو في قيد المرض، ورهن الأسر الأموي والإقامة الجبرية، أن ينشر أهداف الثورة الكبرى التي فجرها أبوه سيد الشهداء(ع)، وذلك بالسعي إلى إصلاح المجتمع الإسلامي، وبث روح التدين والأخلاق الفاضلة فيه. فتمكن –برغم العقبات والصعوبات– أن ينشر الحياة في جسد الأمة الذي دبت فيه أمارات الموت، بسبب ابتعاده عن قيم الإسلام، والاستسلام لسياسة التجهيل والتضليل الأموي لشل حركة المجتمع الإسلامي، وتعطيل تفكيره، وأخلد إلى الراحة وطلب العافية. -وكانت الخطة الإصلاحية للإمام زين العابدين(ع) تعطي الأولوية لتدارك ما أصاب الأمة من ابتعاد عن القيم الروحية، وسلوك الاتجاه المادي البعيد عن كل ما يمت للآخرة بصلة. وذلك من خلال (  16)

1- انقطاعه إلى الله تعالى بالعبادة والمناجاة، حتى سمي لكثرة عبادته بـ(زين العابدين) و(سيد الساجدين) و(ذي الثفنات)، ولم يعرف المسلمون في زمانه رجلا أعبد منه ولا أزهد. وظهرت آثار العبادة على جسده الشريف، وكان يطوي كثيرا من لياليه في المسجد الحرام يؤدي نسكه وعباداته، وقد رويت مشاهد كثيرة لعبادة الإمام زين العابدين(ع) أدهشت من حوله، وأعادت إلى الناس صورة عبادة رسول الله(ص) وجده أمير المؤمنين(ع( وفي إحدى ليالي مناجاته مع ربه، كثر بكاؤه، وعلا نشيجه، حتى خر مغشيا عليه. يقول طاووس اليماني الفقيه (فدنوت منه وشلتُ رأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده، فاستوى جالسا وقال: من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي؟ فقلت: أنا طاووس يا ابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جافون. أبوك الحسين بن علي، وأمك فاطمة الزهراء، وجدك رسول الله؟ قال: والتفت إلي وقال: هيهات هيهات يا طاووس، دع عني حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ). والله لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح . وما (المناجاة الخمسة عشر) إلا من رشحات نفسه القدسية، وفيها من فنون الدعوات، وآداب مخاطبة المعبود، ما لم يكن مألوفا لدى عبّاد ذلك العصر، فضلا عن اكتنازها لمطالب عالية في العقائد والأخلاق.

وقد أثرى الإمام زين العابدين المجتمع الإسلامي، بل الفكر البشري، بكنوز العلم والحكمة عن طريق الدعاء، فحينما مُنع من إلقاء توجيهاته ودروسه عن طريق المنبر، تحول إلى المحراب ليبث علومه ومبادئه في الصحيفة السجادية المعروفة بزبور آل محمد، ولم تلك الأدعية للرهبانية والتصوف واعتزال المجتمع، بل هي كنوز معرفية ترسم للمجتمع الإسلامي البرامج العقائدية والأخلاقية. 

المبحث الخامس :الامام زين العابدين (ع) المؤسس الثاني لمدرسة اهل البيت                   يعتبر الإمام السجاد عليه السلام المؤسّس الثاني لمدرسة أهل البيت، بعد المؤسّس الأوّل صلى الله عليه واله وسلم والمشيّد على ذلك الصرح الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام.

كان منزل الإمام السجّاد عليه السلام مدرسة، ومسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم مركزاً لمدرسته، ومعهداً لتعليم طلّابه، ونقطة انطلاق لتدريب تلامذته، لبثّ العلوم الدينيّة إلى العالم، وإلى الأجيال الصاعدة، فكان يلقي محاضراته وبحوثه على العلماء والفقهاء، وكانت تلك البحوث تتناول العلوم الإسلاميّة المهمّة والحسّاسة، منها علم التفسير، وعلم الفقه، والحديث، والفلسفة، وعلم الكلام، وقواعد السلوك، والأخلاق. كما كان يلقي في كلّ جمعة خطاباً عامّاً جامعاً على الناس، يعظهم فيه، ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في الآخرة. وكان الناس يحفظون كلامه ويكتبونه، وقد التفّ العلماء والفقهاء والقرّاء حول الإمام عليه السلام، لا يفارقونه حتّى في سفره إلى حجّ بيت الله الحرام، يستمعون إلى حديثه، ويسجّلون فتاواه، ويدوّنون ما يمليه عليهم من علوم ومعارف وحكم وآداب. وقد تخرّج في مدرسته مجموعة كبيرة من فطاحل العلماء والفقهاء، الذين اشتهروا بالرواية عنه عليه السلام. منهم على سبيل المثال: أبان بن تغلب، والمنهال بن عمرو الأسديّ، ومحمّد بن مسلم بن شهاب الزهريّ، وسعيد بن المسيّب، وأبو حمزة الثماليّ، وسعيد بن جبير، ويروى أنّ سفيان بن عيينة، ونافع بن جبير، وطاووس بن كيسان، ومحمّد بن إسحاق، قد أخذوا عن الإمام السجّاد عليه السلام بعض الأحاديث، وغيرهم .(  17) .

من التراث العلمي الذي خلفه الامام زين العابدين (ع ) ما يلي :

أ- الأحاديث                                              :                                               جاء في طبقات ابن سعد، أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان ثقة مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً.. وقال الشيخ المفيد في الإرشاد: وقد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرةً، وحُفظ عنه من المواعظ والأدعيّة، وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهور بين العلماء، ولو قصدنا إلى شرح ذلك لطال به الخطاب، وتقضّى به الزمان (18) .

ب- الصحيفة السجّاديّة                                                                            :

 المعبّر عنها "إنجيل أهل البيت"، و "زبور آل محمّد"، ويقال لها: "الصحيفة الكاملة" أيضاً، وقد اهتمّ العلماء بروايته، وعليها شروح كثيرة، وهي من المتواترات عند الأعلام، لاختصاصها بالإجازة والرواية في كلّ طبقة وعصر، ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبى جعفر الباقر عليه السلام، وزيد الشهيد ابني عليّ بن الحسين، عن أبيهما عليّ بن الحسين وذكر فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة فقال: خذوا عنّي حتّى أملي عليكم، وأخذ القلم وأطرق رأسه، فما رفعه حتّى مات (19) .

ج- رسالة الحقوق                                                              :                                         وهي تحتوي على توجيهات وتعليمات وقواعد في السلوك العامّ والخاصّ، من أدقّ ما يعرفه الفكر الإنسانيّ.

 وقد جاء في آخرها، قول الإمام عليه السلام: "فهذه خمسون حقّاً محيطاً بك، لا تخرج منها في حال من الأحوال، يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها، والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك، ولا حول ولا قوة إلّا بالله، والحمد لله ربّ العالمين"

إنّ رسالة الحقوق التي نظمها الإمام زين العابدين عليه السلام، تدلّ على اهتمام الإمام بكلّ ما يدور حوله في المجتمع الإسلاميّ، وعنايته الفائقة بسلامته النفسيّة والصحيّة، ورعايته لأمنه واستقراره، وحفاظه على تكوينته الإسلاميّة. وإذا نظرنا إلى ظروف الإمام عليه السلام من جهة، وإلى ما يقتضيه تأليف هذه الحقوق، من سعة الأفق وشموليّته من جهة أخرى، وقفنا على عظمة هذا العمل الجبّار، الذي صنعه الإمام قبل أربعة عشر قرناً. إنّ صنع مثل هذا القانون في جامعيّته، ودقّته وواقعيّته، لا يصدر إلّا من شخص جامع للعلم والعمل، مهتمٍّ بشؤون الأمّة، ومتصدٍّ لإصلاحها فكريّاً وثقافيّاً، واقتصاديّاً، واجتماعيّاً، وإداريّاً، وصحيّاً، ونفسيّاً، ولا يصدر- قطعاً- من شخص منعزل عن العالم، وعن الحياة الاجتماعيّة، ولا مبتعدٍ عن السياسة وأمور الحكم والدولة! ولذلك فإنّا نجد الرسالة تحتوي على حقوق مثل: حقّ السلطان، وحقّ الرعيّة، وحقّ أهل الملّة عامّة، وحقّ أهل الذمّة، وغيرها ممّا يرتبط بأمور الدولة والحكم وتنظيم الحياة الاجتماعيّة، إلى جانب الشؤون الخاصّة العقيديّة والعباديّة والماليّة، وكلّ ما يرتبط بحياة حرّة كريمة للفرد وللمجتمع الذي يعيش معه، ومثل هذا لا يصدر ممّن يعتزل الحياة الاجتماعيّة. (20)

ورسالة الحقوق عمل علميّ عظيم، يستدعي دراسة موضوعيّة عميقة شاملة، نقف من خلالها على أبعاد دلالتها على حركة الإمام زين العابدين عليه السلام الاجتماعيّة، وخاصّة من المنظار السياسيّ، وما استهدفه من بيانها ونشرها" (21) .

 

الدوافع لكتابة رسالة الحقوق:

كثر اللهو والطرب وانتشرت دور الميسر ومجالس الغناء طيلة حكم الأمويين، واستقدم ملوكهم الجواري والمغنيين والمغنيات من شتى البلدان إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وأغدقوا عليهم المال بسخاء. كما بذلوا الكثير من المال على الشعراء لتأييد سلطانهم فاصطنعوا به الأحزاب واستذلوا به الأعداء. وكان عبد الملك بن مروان من أكثر ملوك بني أمية بذلاً للمال في سبيل تأييد سلطانه، وعامله آنذاك الحجاج بن يوسف فلما حاصر الكعبة ، وفيها ابن الزبير أمر رجاله أن يرموا الكعبة بالمنجنيق فتهيـــب جنده ، فجاء بكرسي وجـــلس علـــيه وقال لهم: (يا أهل الشام ، قاتلوا على أعطيات عبد الملك) ففعلوا. وكثيراً ما كان يرد أذى الأحزاب وإخماد الثورات بالمال ينثره على الناس فينشغلون به عنه. من ذلك ما فعله مع جماعة عمرو بن سعيد الأشدق لما طمع بالشام دونه. فاحتال في استحضاره إلى ديوانه وقتله غدراً، ولما علم أصحابه بمقتله تجمهروا حول دار الخلافة مطالبين بدم زعيمهم، خاف عبد الملك العاقبة فأمر أن يرمى برأس عمرو إلى الناس ومعه المال الكثير، فنفذ ابنه عبد العزيز ذلك، وجعل يلقي بالأموال على الجماهير المحتشدة. فلما رأى الناس الرأس والأموال انشغلوا بالأموال وتفرقوا(22) .

        لقد استخدموا المال والنساء وبذلوا على تلك المجالس والليالي الساهرة بسخاء، ولم يكن يدعوهم إلى هذا السلوك المنحرف والاستهتار الفاضح حبهم لملذاتهم فقط، وإنما كان هدفهم من وراء ذلك إماتة الروح الإسلامية الصحيحة في نفوس الناس ليبعدوهم عن الدين الإسلامي وعن رسالة الأنبياء المرسلين فلا يهمهم بعد هذا أمر الخلافة والمطالبة برفع الظلم والاستهتار فالمال ميسور أمام فراغٍ الشباب والجواري ودور الميسر منتشرة تستهويهم للتلهي وقتل الوقت هدراً. لقد هيأوا الأذهان أيضاً إلى قبول الرأي القائل بأن الخلافة ليست إلا ملكاً كالقيصرية والكسروية، وأن الله تعالى لم ينص على إمام بعينه كما يرى كثير من المسلمين.

في وسط هذا المجتمع المريض كان لا بد للإمام السجاد أن يداوي هذه النفوس لتتخلص من أمراضها وتعرف حدودها وترجع إلى الأخلاق الإسلامية السامية التي تعيد للأمة تعاليم الإسلام القومية والسليمة التي كاد الأمويون أن يقضوا على معظمها بأعمالهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وتصرفاتهم التي لا تليق بأمة مرموقة بين الأمم تعرف مكانتها السامية بين الدول المتحضرة أجل لقد تفسخت الأخلاق وتردت حتى أصبحت تهدد بخطر عظيم الأمر الذي دعا الغيارى على الدين أن يهتموا الاهتمام الكبير لصد هذا التيار الجارف، ومن أحرى بأهل البيت الذين اختارهم سبحانه وتعالى لردع الظلم عن أعناق المستضعفين، وهداية الناس إلى الحياة الحرة الكريمة. قال محمد صادق الصدر:(وكان أول من لفت الأنظار إلى هذا الخطر المحدق بالناس جميعاً الإمام زين العابدين (عليه السّلام) فقط نشط في جهاده نشاطاً عظيماً منقطع النظير فكان يلقي على الأمة بآرائه الإصلاحية تارة عن طريق المناجاة، وطوراً عن طريق القلم، وهذه (رسالة الحقوق) أملاها (عليه السّلام) دستوراً عاماً يتضمن كل ما تحتاجه البشرية من حقوق، فلم يترك حقاً من حقوق الله على عباده، أو حقوق العباد أو حقوق العباد بعضهم على بعض إلا ذكره ونبه عليه، وقد قدم الأهم فالأهم من هذه الحقوق ببيان رائع، ومنطق لا يقبل الرد ولا أعرف أسلوباً أروع من هذا الأسلوب، وفكراً صالحاً للم

جتمع أصلح من هذا الفكر، وهي مواضيع عامة منبعثة عن حاجات المجتمع الإنساني يصلح تطبيقها، والسير على نهجها في كل زمان، وهي تكفل للناس السعادة والهناء في الدارين . (23)

رسالة إصلاحية يحتاجها الفرد في حياته الخاصة ليصلح أموره ويعرف حدوده، كما يحتاجها المجتمع البشري بكل أفراده وطبقاته، يحتاجها الراعي ليحكم بالعدل وتحتاجها الرعية لتقاوم الظلم والقهر وتعيش حياة كريمة هنية.

أما الدوافع التي دفعت الإمام السجاد إلى كتابة هذه الرسالة الخالدة ونشرها فهي دوافع إنسانية أملتها عليه الظروف السياسية والتدهور الأخلاقي والفساد المستشري في البنية الحاكمة. لقد تعلم من أبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) سيد الشهداء الذي خرج (لا أشراً ولا بطراً وإنما ليصلح رسالة جده) النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

د-الدعاء                                                           :  

لقد كان الإمام عليّ بن الحسين، يحرص على أن يضع الناس، على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، تجاه مسؤوليّاتهم، وما يجب عليهم لله وللناس، ولكن بأسلوب يختلف عن أساليب الوعّاظ والمرشدين والقصّاصين، لقد استعمل أسلوب الحوار مع الله، ومناجاته، واستعطافه وتمجيده .

فقد كان يوجّه الأمّة من خلال أدعيته، التي كان يضمّنها مختلف المعارف الإسلاميّة: عقائديّاً وهو الأهمّ وسياسيّاً وأخلاقيّاً، وغير ذلك.. ولم يكن بإمكان أحد أن يعترض عليه، ويقول له: لا تدع ربّك.. فإنّ ذلك سوف يكون مستهجناً ومرفوضاً من كلّ أحد. حيث يرونه- بحسب الظاهر- لا يتعرّض لدنيا هؤلاء الحكّام، وإنّما شغل نفسه بعبادة ربّه، وتصفية وتزكية نفسه.(24)

 

 

ه- العبادة :                                                   

 الإمام زين العابدين عليه السلام هذا الوجود المقدّس، كان سيّد الروحانيّة بمعناها الصحيح، أي إنّ من فلسفة وجود رجل مثل عليّ بن الحسين، أنّ الإنسان عندما ينظر إلى آل النبيّ صلى الله عليه واله وسلم كلّهم، ومنهم عليّ بن الحسين، يرى روحانيّة الإسلام أي حقيقة الإسلام، وهذا أمر مهمّ في حدّ ذاته . وقد ورد العديد من الروايات التي تذكر حالاته مع الله وعبادته له، ويكفي أنّ من أشهر ألقابه التي عرف بها: "زين العابدين"..

فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "كان أبي عليه السلام يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة، كأنّه ساق شجرة، لا يتحرّك منه شيءٌ إلّا ما حرّكه الريح منه  وعنه عليه السلام قال: "كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة تغيّر لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتّى يرفضّ 14عرقاً" 15(25) .

و- تكفّله للفقراء والمحتاجين :                                                                          لقد كان الإمام عليه السلام يرعى الفقراء والمحتاجين، ويكثر من التصدّق عليهم، في السرّ والعلن، وفي الليل والنهار، متكفّلاً للكثير من البيوتات التي لم تكن تجد قوتها وطعامه، وفي الغالب من حيث لا يدري أحد منهم، حتّى إذا رحل الإمام إلى ربّه، فقدوا تلك الصدقات، فعلموا أنّ الإمام عليه السلام هو الذي كان يقوم بها. فعن الإمام الباقر عليه السلام: "وكان عليه السلام ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره، وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربّما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتّى يأتي باباً فيقرعه، ثمّ يناول من يخرج إليه وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيراً لئلّا يعرفه، فلمّا توفي عليه السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّه كان عليّ بن الحسين. ولمّا وضع عليه السلام على المغتسل نظروا إلى ظهره، وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين. (26)

"ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خزٍّ، فعرض له سائل فتعلّق بالمطرف، فمضى وتركه، وكان يشتري الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه فتصدّق بثمنه  "ولقد كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرّاء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان له منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاماً حتّى يبدأ، فيتصدّق بمثله. (27)

المبحث السادس فلسفة الإمام عليه ‌السلام في الانفاق وتحرير العبيد

كان الرقّ نظاماً متّبعاً قبل الإسلام وجاء الإسلام لعلاجه واجتثاثه ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ) (28) كما أنّه كان نتيجة طبيعية للفتوحات الإسلامية ووقوع الآلاف من أبناء البلدان المفتوحة أسرى بأيدي المسلمين ، الأمر الذي لابدّ منه لمساومة حكّام البلدان الأخرى على تحرير أسرى المسلمين.. فضلاً عن كونه حالة طبيعية في الوسط الاجتماعي آنذاك. فقد قيل إن الزبير بن العوّام مثلاً كان يملك ألف عبد وألف أمة ، وإن عملية فتح واحدة للمسلمين ، كان فيها نصيب الدولة الإسلامية من العبيد ستين ألفاً ، وإن امرأة واحدة من المسلمين اشترت خمسمائة عبد ، إذ كان العبد الواحد يُباع أحياناً بقبضة من فلفل المطبخ...و لما كان هؤلاء العبيد يشكّلون شريحة اجتماعية مهمة يُنظر إليها نظرة ازدراء ودونية طبعاً ، وكان معظمهم لا يستطيع التمرد على سيده بحكم  النظام الاجتماعي القائم ، ولا يجد بدّاً من العمل معه أوله مقابل لقيمات يسدُّ بها رمقه ، أو أمانٍ يحفظ له حياته ، من خلال انتمائه لهذا البيت أو هذا الرجل ، كان على الإمام زين العابدين أن يتعامل مع الظاهرة من موقع المسؤولية ؛ إذ عليه أولاً أن يُعاملهم كبشر لا يختلفون عن غيرهم في طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم ، وأيضاً في تطلعاته هو عليه‌ السلام لكسب ودّهم وتربيتهم وزرع القيم الرسالية في نفوسهم... وحين كان الواحد من هؤلاء يُخاطب بكلمة «يا عبدي و يا أمتي» كان عليه‌ السلام يخاطبهم «يا فتاي و يا فتاتي» ؛ إذ كان يرى فيهم رصيداً اجتماعياً مؤثراً لنشر الإسلام وقيمه وتعاليمه .(  29)

هدف الإمام عليه‌ السلام من التعامل مع الظاهرة :

ومن هنا كان رأي الإمام أن يتعامل معهم وفق الاُسس التالية (30) :

 ١ ـ التأكيد على قيم الإسلام في نظرته إلى البشر بأنهم جميعاً لآدم وآدم من تراب.. ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) وأن : « الناس سواسية كأسنان المشط » وأنه « لا فرق بين عربي وأعجمي إلّا بالتقوى » و « لا فضل لابن البيضاء على ابن السوداء إلّا بالحق » وأن « الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق » ، وبالتالي فإنّ على الإمام عليه ‌السلام تجسيد هذه المثل النبيلة في التعامل مع أولئك العبيد ورعايتهم وتربيتهم وأخيراً تحريرهم ، أي عتقهم ، وبثّهم في ربوع العالم الإسلامي لأداء الأمانة وتبليغ الرسالة...

٢ ـ تربية المسلمين وحثّهم على إنهاء هذه الظاهرة غير الممدوحة عبر تشجيعهم على شراء العبيد وعتقهم ، وكل ذلك بعد تأكيده على عدم 

التعالي عليهم ومعاملتهم معاملة إنسانية ، أي بآدمية ورفق كما هو شأن القيم الإسلامية في النظر إلىٰ الضعيف أو المستضعف ممّن لا مال لديه ولا أهل ولا عشيرة..

٣ ـ السعي إلى زجِّ هؤلاء العبيد في المجتمع من خلال تبنّيهم ورعاية شؤونهم واحتضانهم واجتثاث عقدة النقص من نفوسهم ، وكذلك اجتثاث جذور الفوقية والعرقية من نفوس أسيادهم بغية استثمار المؤهلين منهم في الوسط الاجتماعي كقادة ومربين ومبلّغين ، فضلاً عن هدف الإمام العظيم لمواجهة الحالة العنصرية التي أوجدتها السياسة الأموية في التفريق بين العرب والموالي أو تفضيل العرب علىٰ غيرهم ، باعتبارهم (مادة الإسلام) كما زعموا ، أو زعم بعضهم.

وهكذا فقد أوجد الإمام السجاد عليه‌ السلام تشكيلاً أو وجوداً اجتماعياً مؤثراً ، كان يحترم الإمام ويكنّ له كل ألوان التقدير والاعتزاز والحبّ ، وخاصة حين تأتي تفاصيل تلك المعاملة الأخوية من السموِّ والمثالية مابقي يُذكر على امتداد الدهر

استنتاجات البحث :

 توصل البحث الحالي الى جملة استنتاجات وكما يلي  :

هو الامام الرابع من الائمة الطاهرين : علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب .  والده سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام .والدته السيدة شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمزانو شروان .جده : امير المؤمنين وسيد الوصيين علي ابن ابي طالب عليه السلام .ميلاده : ولد في المدينة  في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة  قبل وفاة جده امير المؤمنين بسنتين . كنيته : ابو الحسن وابو محمد .القابه : علي الاصغر لكونه اصغر من اخيه الشهيد في كربلاء علي الاكبر – وزين الصالحين – والسجاد – وزين العابدين – والبكاء – وذو الثفنات – الزكي – الامين .صفاته : اسمر – قصير – دقيق – نقش على خاتمه " وما توفيقي الا بالله "امامته : قام بأمر الامامة بعد استشهاد ابيه الحسين _(ع) عام 61ه وله من العمر 23 سنة وتوفي مسموما في 25 محرم عام 95 ه وله من العمر57 سنة .  : للإمام  علي بن الحسين عليه السلام فضائل عديدة كيف لا وهو من ائمة الهدى الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وعصمهم بلطفه .

ومن فضائله التي تدل على علو مكانه:-

روي عن رسول الله انه قال :" اذا كان يوم القيامة ينادي مناد اين زين العابدين ؟ فكأني انظر الى ولدي علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب يخطر بين الصفوف وروي جابر الانصاري قال :, كنت عند رسول الله صل الله عليه واله فدخا عليه الحسين بن علي فضمه الى صدره وقبله واقعده الى جنبه ثم قال : يولد لابني هذا ابن يقال له علي اذا كان يوم القيامة ينادي مناد من بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو . وقال امير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسين حينما اراد الزواج من شاه زنان : ليلدن لك منها اعلام حير الارض.  من صفات الامام علي بن الحسين (ع) ما يلي :- الامام اعلي بن الحسين عليه السلام  كان مدرسه في بر الوالدين  .

ب- حلم الامام علي بن الحسين (ع) مدرسة أخلاقية:

ت-ا تصف الامام علي بن الحسين (ع)  بالكرم .

ان الوضع السياسي والاجتماعي  للإمام علي بن الحسين(ع) بعد واقعة الطف يمكن تلخيصه بالاتي: بعد واقعة الطف الفجيعة، عاش الإمام زين العابدين عليه السلام، وضعاً سياسياً واجتماعياً صعباً، نظراً لما سببته قضية الخذلان والهزيمة النفسية التي مُني بها أهل الكوفة أمام نداءات الاستغاثة لنصرة الدين التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام. وهذا ما جعل دور الإمام يتخذ صبغة جديدة، تواكب المرحلة الاجتماعية والسياسية للأمة، فبرز دوره الريادي في إعادة بناء النفوس التي لوثتها جريمة الطف، وإعادة المسلمين الى فطرتهم السليمة، ثم الى إيمانهم ودينهم كما أراد لهم الله تبارك وتعالى. لجأ الإمام السجّاد عليه السلام الى أساليب جديدة في الدعوة الى الله تعالى، ومجابهة المنكر، وصون رسالة جده من الانحراف، على خُطى والده الشهيد.. وكان سلاحه الجديد على الساحة هو «الدعاء» من خلال السفر العظيم الذي خلفه لنا عليه السلام، وهو «الصحيفة السجادية»، الذي قيل بحقه في حديث شريف انه «زبور آل محمد» . أن قيادة الإمام زين العابدين عليه السلام، لم تكن بالمعنى المتعارف للقيادة الظاهرية، إنما بالمنظور الفكري المتوثب الذي يراقب الأحداث وهو في صميمها ويصاحب التطورات عن كثب. اما القيادة في بعدها الفكري والعقائدي  فقد وضع الإمام زين العابدين عليه السلام، أسساً لخطته الإصلاحية المترامية الأطراف البعيدة الغايات، واختار السبل التي تبعد أعين السلطة عنه. رفع الإمام عليه السلام صوته الرافض لمروجي الأفكار الدخيلة على الإسلام، وأعلن براءته أمام الله من العقائد المنافية لمعنى التوحيد، حتى يكون حجة بالغة على الناس أجمعين، ولذا توجه عليه السلام الى تمجيد ربّه وتقديسه من خلال أدعيته ومناجاته، لتكون خير جواب وردّ على التوجه الخاطئ من بعض المسلمين لمعرفة الدين.

6-  النظرية السياسية لدى الامام زين العابدين :

لقد استطاع علي بن الحسين (ع) ان يجمع بين الشؤون الروحية والمنطلقات السياسية ، جمعا لا يخامره التعسف ولا يشوله الريب . ب-  لم يفصل بين العبادة والسياسة في الاسلام ، بل هما وحدة متكاملة بمنزلة الروح والجسد . هذا اذا فهمنا الاسلام فهما موضوعيا بعيدا عن مخططات الاستعمار والامبريالي ومصالح المستغلين . من اسرار سياسة  الامام علي زين العابدين (ع) انه ذلك الانسان الذي تكن له الجماهير كل اجلال واكبار وحب عميق  . ومن اسرار سياسة  الامام علي زين العابدين (ع) انه المتمكن من الضمير الشعبي حتى في حالة انتهاج المواقف الصلبة والحدية ، وانه الموقر المهيب وان توشح باللين والتواضع . وهذا هو السحر الحلال في السياسة والمجتمع . ومن اسرار سياسة الامام علي زين العابدين (ع) انه قام بالمنجزات الكبيرة بعيدا عن وسائل الاعلام  . ما تمتاز به سياسته الفضلى انها تستند الى قاعدة فكرية وقانونية عظمى تكاد تكون منقطعة النظير اذ انه الاوحد من علماء عصره استلهاما للفكر الاسلامي واستيعابا لقواعد التشريع . من براعة سياسة علي زين العابدين (ع) انه لم يكن منصرفا الى السياسة كل الانصراف وانما كانت السياسة شأنا من شؤونه لا اكثر ومع هذا فقد حقق من المكاسب السياسية ما يدهش الذين انصرفوا اليها انصرافا تاما وكانت شغلهم الشاغل طيلة حياتهم من ذوي العبقرية السياسية والاضطلاع والجد وقوة الاحتمال . ان الخط السياسي للإمام زين العابدين (ع) هو خط الاسلام بلا ريب . بيد ان للخط السياسي في الاسلام شعبا وميادين كثيرة قد اقتصر منها الامام زين العابدين (ع) على ما يوافق الملابسات والظروف الاجتماعية والسياسية ، مع قرضه وادخاله جملة من الآراء والمواقف على الملابسات والظروف . لم تكن سياسة الامام زين العابدين (ع) سياسة غامضة فحسب ، بل غامضة جدا وعليها الف ستار وستار من التغطية والتمويه التي خلقها الامام زين العابدين (ع) نفسه ، فقد وضع لمسات خطه السياسي بما ينسجم مع الظروف القاهرة والاهوال المحيطة ويتناسب وحدتها ، وشدة توترها .

7- دور الامام علي بن الحسين(ع) في بناء المجتمع الاسلامي :

عني الإمام زين العابدين(ع)، من خلال سيرته العطرة، ببناء المجتمع الإسلامي بناء عقائديا وأخلاقيا عناية بالغة، سيما في الفترة التي أعقبت فاجعة الطف، بسبب ما وصل إليه حال المجتمع آنذاك        من انهيار في الجانب العقائدي والأخلاقي. وكان المسلمون يرون في سيرة الإمام زين العابدين(ع) امتدادا حقيقيا لسير جده الرسول الكريم(ص)، وتجسيداً حياً لقيم الإسلام، حتى ملكَ حبه القلوب، وانشدت إليه النفوس. -وكانت الخطة الإصلاحية للإمام زين العابدين(ع) تعطي الأولوية لتدارك ما أصاب الأمة من ابتعاد عن القيم الروحية، وسلوك الاتجاه المادي البعيد عن كل ما يمت للآخرة بصلة. وذلك من خلال .

اولا - انقطاعه إلى الله تعالى بالعبادة والمناجاة، حتى سمي لكثرة عبادته بـ(زين العابدين) و(سيد الساجدين) و(ذي الثفنات).

ثانيا - وقد أثرى الإمام زين العابدين المجتمع الإسلامي ، بالفكر البشري، بكنوز العلم والحكمة عن طريق الدعاء.

8- الامام زين العابدين (ع) المؤسس الثاني لمدرسة اهل البيت                                  :   يعتبر الإمام السجاد عليه السلام المؤسّس الثاني لمدرسة أهل البيت، بعد المؤسّس الأوّل صلى الله عليه واله وسلم والمشيّد على ذلك الصرح الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام.

ومن التراث العلمي الذي خلفه الامام زين العابدين (ع ) ما يلي :

أ- الأحاديث                                                       :

 جاء في طبقات ابن سعد، أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان ثقة مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً.. وقال الشيخ المفيد في الإرشاد: وقد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرةً، وحُفظ عنه من المواعظ والأدعيّة، وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهور بين العلماء، ولو قصدنا إلى شرح ذلك لطال به الخطاب، وتقضّى به الزمان .

ب- الصحيفة السجّاديّة       :

 المعبّر عنها "إنجيل أهل البيت"، و "زبور آل محمّد"، ويقال لها: "الصحيفة الكاملة" أيضاً، وقد اهتمّ العلماء بروايته، وعليها شروح كثيرة، وهي من المتواترات عند الأعلام، لاختصاصها بالإجازة والرواية في كلّ طبقة وعصر، ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبى جعفر الباقر عليه السلام، وزيد الشهيد ابني عليّ بن الحسين، عن أبيهما عليّ بن الحسين وذكر فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة فقال: خذوا عنّي حتّى أملي عليكم، وأخذ القلم وأطرق رأسه، فما رفعه حتّى مات .

ت- رسالة الحقوق                                                       :

 وهي تحتوي على توجيهات وتعليمات وقواعد في السلوك العامّ والخاصّ، من أدقّ ما يعرفه الفكر الإنسانيّ .

أما الدوافع التي دفعت الإمام السجاد إلى كتابة هذه الرسالة الخالدة ونشرها فهي دوافع إنسانية أملتها عليه الظروف السياسية والتدهور الأخلاقي والفساد المستشري في البنية الحاكمة. لقد تعلم من أبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) سيد الشهداء الذي خرج (لا أشراً ولا بطراً وإنما ليصلح رسالة جده) النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ث-الدعاء :                                                

 لقد كان الإمام عليّ بن الحسين، يحرص على أن يضع الناس، على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، تجاه مسؤوليّاتهم، وما يجب عليهم لله وللناس، ولكن بأسلوب يختلف عن أساليب الوعّاظ والمرشدين والقصّاصين، لقد استعمل أسلوب الحوار مع الله، ومناجاته، واستعطافه وتمجيده .

ج-العبادة :                                                                         

 الإمام زين العابدين عليه السلام هذا الوجود المقدّس، كان سيّد الروحانيّة بمعناها الصحيح، أي إنّ من فلسفة وجود رجل مثل عليّ بن الحسين، أنّ الإنسان عندما ينظر إلى آل النبيّ صلى الله عليه واله وسلم كلّهم، ومنهم عليّ بن الحسين، يرى روحانيّة الإسلام أي حقيقة الإسلام، وهذا أمر مهمّ في حدّ ذاته . وقد ورد العديد من الروايات التي تذكر حالاته مع الله وعبادته له، ويكفي أنّ من أشهر ألقابه التي عرف بها: "زين العابدين"..

ح- تكفّله للفقراء والمحتاجين                                                                 : 

 لقد كان الإمام عليه السلام يرعى الفقراء والمحتاجين، ويكثر من التصدّق عليهم، في السرّ والعلن، وفي الليل والنهار، متكفّلاً للكثير من البيوتات التي لم تكن تجد قوتها وطعامه، وفي الغالب من حيث لا يدري أحد منهم، حتّى إذا رحل الإمام إلى ربّه، فقدوا تلك الصدقات، فعلموا أنّ الإمام عليه السلام هو الذي كان يقوم بها.

فلسفة الإمام عليه‌ السلام في الانفاق وتحرير العبيد :

كان الرقّ نظاماً متّبعاً قبل الإسلام وجاء الإسلام لعلاجه واجتثاثه ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ) (25) كما أنّه كان نتيجة طبيعية للفتوحات الإسلامية ووقوع الآلاف من أبناء البلدان المفتوحة أسرى بأيدي المسلمين .

هدف الإمام عليه ‌السلام من التعامل مع الظاهرة :

ومن هنا كان رأي الإمام أن يتعامل معهم وفق الاُسس التالية  :

التأكيد على قيم الإسلام في نظرته إلى البشر بأنهم جميعاً لآدم وآدم من تراب.. 

 تربية المسلمين وحثّهم على إنهاء هذه الظاهرة غير الممدوحة عبر تشجيعهم على شراء العبيد وعتقهم ، وكل ذلك بعد تأكيده على عدم التعالي عليهم ومعاملتهم معاملة إنسانية ، أي بآدمية ورفق كما هو شأن القيم الإسلامية في النظر إلى الضعيف أو المستضعف ممّن لا مال لديه ولا أهل ولا عشيرة.

ث-السعي إلى زجِّ هؤلاء العبيد في المجتمع من خلال تبنّيهم ورعاية شؤونهم واحتضانهم واجتثاث عقدة النقص من نفوسهم ، وكذلك اجتثاث جذور الفوقية والعرقية من نفوس أسيادهم بغية استثمار المؤهلين منهم في الوسط الاجتماعي كقادة ومربين ومبلّغين ، فضلاً عن هدف الإمام العظيم لمواجهة الحالة العنصرية التي أوجدتها السياسة الأموية في التفريق بين العرب والموالي أو تفضيل العرب علىٰ غيرهم ، باعتبارهم (مادة الإسلام) كما زعموا ، أو زعم بعضهم.

 

الهوامش والمصادر :

( سورة الذاريات 56)

2-ميزان الاخلاق ج1 ص804 ح1111

غرر الحكم : 4842 ح5000) . (http://www.alshirazi.net( الإمام علي زين العابدين عليه السلام مفخرة الساجدين وشهادة في الخامس والعشرين من المحرم).

5- https://forums.alkafeel.net نبذة عن حياة الامام السجاد (ع) .

6- قصص تربوية في حياة الامام السجاد dijla.com www.radio

7- المصدر نفسه .

8- المصدر نفسه .

9-  د. محمد جاسم العبيدي ود. باسم ممحمد دلي . المدخل الى علم النفس الاجتماعي . ص 348).

10- مهند ال كزار . الابعاد التربوية والاصلاحية في ادعية الامام السجاد (ع) . وكالة انباء براثا . http://burathanews.com

11- المصدر نفسه .

12- المصدر نفسه .

13- محمود البغدادي  . النظرية السياسية لدى الامام زين العابدين (ع)  . المعاونية الثقافية  . المجمع العلمي لأهل البيت (ع) . 1403 ه. http://www.dlia.ir

14-المصدر نفسه

 سلسلة محاضرات (دروس في التفسير والتدبر) لسماحة السيد مرتضى الشيرازي المحاضرة(143) و(144) ** السيد نبأ الحمامي، باحث ومدرس في الحوزة العلمية في النجف الاشرف

am.me/nabaa _news).                                                     

المصدر نفسه . الإمام السجاد(ع)..المؤسس الثانــي لمــدرسة أهل البيـت(ع http://tarbaweya.org ( المصدر نفسه . المصدر نفسه. المصدر نفسه. المصدر نفسه.  مؤلفات الامام زين العابدين (ع) http.ll aqaed .com  المصدر نفسه الإمام السجاد(ع)..المؤسس الثانــي لمــدرسة أهل البيـت(ع http://tarbaweya.org  ( المصدر نفسه . المصدر نفسه. المصدر نفسه . سورة البلد : ٩٠ / ١٣.١

29 - الامام علي بن الحسين (ع) دراسة تحليلية . مركز الرسالة . المكتبة الاسلامية . سلسلة المعارف الاسلامية (29) .

30 - المصدر نفسه .

 

المرفقات