الشاعر جواد بدقت .. في محراب الشعر الحسيني

تاريخ كربلاء الأدبي زاخر بالمعطيات الكبيرة والمآثر العظيمة والمنجزات الخالدة, وقد شهدت حركاتها الأدبية بروزاً أدبياً تصدّر في فترات زمنية الحركات في المدن الأخرى ونافس الحركات الثقافية في النجف الأشرف والحلة, كما تزعم رجال الأدب فيها طليعة هذه الحلبة وكان من أهم عوامل نشاط هذه الحركة وجود المدارس العلمية والحوزوية والمنتديات الأدبية التي كانت تزخر بها كربلاء وتعد من مظاهرها وسماتها البارزة.

ورغم النكبات والمآسي التي تعرضت لها كربلاء نتيجة الهجمات العثمانية والوهابية عليها على مدى تاريخها الطويل, والظروف القاهرة التي عاشتها إلا أنها بقيت منبعاً ثراً ورافداً مهماً في إغناء الفكر الإسلامي والحضارة الإنسانية وبقي تاريخها يرفد الساحتين العلمية والأدبية بأفذاذ العلماء والأدباء.

وكان من أبرز من أنجبتهم هذه البيئة الدينية العلمية والأدبية الشاعر الحاج جواد بدقت الذي انعكس في شعره مؤثرات البيئة الشيعية وظهر فيه الموروث الكربلائي الراسخ في الضمائر والقلوب والمستمد من النهضة العظيمة للإمام الحسين (ع) حيث وجد في هذا الموروث الرمز الأعلى أسمى معاني البطولة والإباء والوفاء والثبات والفداء من أجل الدين والعقيدة فاتخذه قدوة له وكرس حياته وشعره له.

ورغم أن عمره قد توقف عند العقد الخامس في كل الأقوال التي قيلت في تاريخ مولده ووفاته إلا أنه كان مفعماً بالعطاء مليئا بالإبداع فترك في مسامع الدنيا دويّاً كما قال المتنبي, فقد اختلفت الأقوال في تاريخ ولادته ووفاته غير أن الراجح في ذلك هو أنه ولد عام (1816م) وتوفي عام (1865م) ولكن كل الأقوال اتفقت على أن مولده ووفاته كانا في كربلاء ودفن بها, وكانت الدولة العثمانية آنذاك تحكم العراق.

أما نسبه فهو جواد بن محمد حسين بن عبد النبي بن مهدي بن صالح بن علي الأسدي الحائري الملقب بـ (بدقت) وهو لقب أسرته الكربلائية العريقة التي تنتمي إلى بني أسد والتي تشرفت بسدانة المرقدين المطهرين للإمام الحسين (ع) وأخيه أبي الفضل العباس (ع) في فترة من الفترات وقد جاء هذا اللقب من جدهم الحاج مهدي الذي قيل إنه كان فيه لثغة في لسانه فأراد أن يقول بزغت الشمس فقال بذقت (1) وقد ذكر ذلك الشيخ المحقق محمد السماوي بقوله:

وكالجوادِ بن الحسينِ المنتمي   ***   لبدگتٍ نــبزاً بكافٍ أعجمي

الأسديُّ من أهــــــالي كربلا   ***   فكمْ له مـن نظمِ عقدٍ قد حلا

بكى وأبكى مقلاً فــي محفلِ   ***   فأرخوا (جنى رياضَ المُقل) (2)

درس بدقت في بداية حياته على يد والده فكان لتلك الدراسة الأولى أثراً كبيراً عليه ومنها فُتّحت أذهانه على الشعر الذي كرسه في حق أهل البيت (ع) ولكن سرعان ما خطف الموت والده وهو بأمس الحاجة إليه حيث كان والده الحاج محمد حسين يمتهن بيع الحبوب في دكان صغير، فأثر موته والده عليه كثيراً فلم يكن له ذلك الباع الطويل في التجارة كوالده فتدهورت حياته المادية وتدنّى مستوى معيشته حتى اضطر للعمل حمّالاً في السوق.  

وإذا كان بدقت لم يوفّق في التجارة فقد أبدع في الشعر وحاز نجاحاً كبيراً فلم يضع لمساته في التجارة وزاحم تجار السوق بل نقش اسمه في سماء الأدب الذي كان أميل إليه فطرياً، ونافس كبار شعراء عصره، في ذلك الوقت الذي كانت فيه كربلاء تعجّ بالشعراء الكبار أمثال: الشاعر الكبير محسن أبو الحب, والشاعر الحاج محسن الحميري, والشاعر موسى الأصفر, والشاعر قاسم الهر, والشاعر يوسف بريطم, والشاعر فليح حسون رحيم, والشاعر علي الناصر, والشاعر محمد علي كمونة, والشاعر عمران عويد وغيرهم وقد تتلمذ وصقل موهبته الشعرية على يد الأخيرين.

قرر بدقت أن يتفرغ للشعر والأدب وقد ساعده وارد بستانه الذي ورثه من أبيه على ذلك فكان يقتات منه وتقع هذه البستان في عكد (بليبل) (3) فلازم الشاعر الشيخ عمران عويد الذي أثر فيه وصقل مواهبه.

تميّز بدقت بشعره حيث تبوّأ مكانة متميزة في بيئة شاعرة واشتهر عصره بالشعراء الكبار لكنه حاز على مركز الطليعة بينهم لغزارة نتاجه الشعري الرصين فتميز شعره بلغة جزلة متينة الألفاظ وأسلوب متماسك التراكيب, اعتمد على فنون البلاغة لاسيما البديع وفنونه كما تميّز بالنَفَس الطويل المحافظ على الجودة كما في ملحمته الكبيرة التي سنتحدث عنها.

قال عنه الشيخ العلامة أغا بزرك الطهراني: كان من مشاهير شعراء كربلاء له ديوان مخطوط كله من الجيد. (4)

وقال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: كان شاعراً بليغاً أديباً كاملاً ... ينظم النظم الرائق . وقد نظم روضة في مدح الإمام علي (ع) وأخرى في ذم أعدائه, وقد تصدى ولده الأديب الشاعر محمد حسين لجمع شعره, توفي عام 1281هـ عن سن 49 سنة ودفن في الرواق الحسيني بقرب مرقد الأقا البهبهاني (5)

كما عده الشيخ علي آل كاشف الغطاء في مكان آخر من كتابه من أكبر شعراء العراق والعراق كان يتسيّد الساحة العربية في الشعر والأدب فقال ما نصه: كان شاعراً ماهراً من أكبر شعراء العراق. (6)

ويظهر أنه لم يكن شاعراً فقط بل كان خطيباً كما نستشف ذلك من قول محمد السماوي حيث يقول في ترجمته: الفاضل الأديب الشاعر المحاضر المشهور بالمحبة لأهل البيت (ع) (7)

كما وصفه بذلك رضا كحالة فقال: أديب شاعر محاضر. (8)

ووصفه السيد جعفر الخرسان: بزبدة الشعراء.   

وأشهر شعر بدقت الملحمة الكبيرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهي ملحمة طويلة ضمّن فيها فضائله (ع) ومآثره وبطولاته وصفاته العظيمة ويبلغ عدد أبياتها (1265) بيتاً, وإضافة إلى هذه الملحمة فله ديوان جمعه ابنه محمد حسين بدقت المتوفي سنة 1339هـ، وقد حققه الأستاذ سلمان هادي آل طعمة, وله أيضا الروضة وهي تضم 28 قصيدة كل قصيدة قافيتها على حرف من حروف الهجاء ابتداء من الهمزة وحتى الياء, وكلها في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

يقول جواد بدقت في رثاء الحسين (ع)

متى فلكُ الحــــادثاتِ اســتدارا   ***   وغــــــادرَ كلَّ حشىً مُستطارا

كيومِ الحسيـــــــنِ ونارُ الوغى   ***   تصــــــــاعد للفرقدينِ الشرارا

فلم ترَ إلا شهـــــــــــــاباً ورى   ***   وشهماً بــفيــضِ النجيعِ توارى

إلى أن أطــــــــــــــلَّ بها فادحٌ   ***   تزلــــــــزلَ منه الوجودُ ومارا

وعاد ابن أزكـى الـورى محتداً   ***   وأمنـــــــــــعُ كل البرايا ذمارا

تجولُ على جسمِـــهِ الصافناتُ   ***   وتكســـوهُ من نقعِها ما استثارا

فيا ثاويــــــــــــاً يملأ الكائناتِ   ***   عُلا ويضـــــيءُ الوجودَ منارا

ويا ســـــــــابقاً قد وهاهُ العثارُ   ***   فليت العثــــــار أصيب العثارا

فكيفَ وأنتَ حســـــــــامُ الإلهِ   ***   تفلّلُ منكَ المنـــــــــايا غرارا ؟

وتدعو وأنتَ حمى المستجيـر   ***   فيعيا عليـــــكَ الورى أن تُجارا

وتستسقيَ من نفحــــاتِ الظما   ***   فتسقى من المشـــرفيِّ الحرارا

وتبقى ثلاثــــــــــــــاً بديمومة   ***   معــــــرَّى بجرعائِها لا تُوارى

وكيف يعـــــــفر منك الصعيد   ***   محيـــــــا به الملكوتُ استنارا؟

وصدركَ عيبــــــــة علمِ الإله   ***   يعدّ لخيـــــــــلِ الأعادي مغارا

فذلك أجرى دمـــــــوعي دماً   ***   وأوقدَ مـــــــــــا بين جنبيَّ نارا

وهي قصيدة طويلة يتفجع فيها بدقت على مقتل الإمام الحسين (ع) وما جرى عليه من بعد مقتله من رض صدره الشريف وهو منبع علم الله ثم يتطرق إلى سبي حرائر النبوة وسليلات الوحي على النوق ويطاف بهن في البراري والقفار وهن يلذن فيقول:

وما لعقــــائلِ أزكـــــــــى الأنـــــامِ   ***   لينحــــى بها في الفلا ويُســـارا ؟

وإن تركبَ النيــــــــــــــبَ مهزولةً   ***   وتوسعـــــــــها في الترامي مغارا

وزينبُ تدعــــــــــــو ألا هلْ مجير   ***   يجيــــــــــــــرُ وأنّى لها أن تُجارا

بقلبٍ يذيــــــبُ الصـفا شجــــــــوه   ***   ودمعٍ سكــــــوبِ يضاهي القطارا

سأهجرُ إلا البكــــــا والــــــــعويل   ***   وآلف إلّا الهنــــــــــــــــا والقرارا

أرى واحـدي مركــــــــزاً للرماح   ***   ومن بعدُ يوجـسُ قلبي إصطبارا ؟

وتدعو أخــــــــــــاها وأنّـى تُجاب   ***   وما كــــــــــــان إلّا تجيبُ افتقارا

أخي صرتُ قطبَ مدارِ الخطـوب   ***   يدورُ عليَّ مــــــــــدى ما استدارا

يشاطرُني الــــــــــــــدهرُ أحـداثه   ***   وتدعو بي النائبــــــــــــاتُ البدارا

وقلبي من الثكلِ في كـــــــــلِّ آنٍ   ***   يموتُ مراراً ويحــــــــــــيا مـرارا

أراكَ تُكابدُ وقعَ الحمـــــــــــــــامِ   ***   بحرّ حشىً يضرمُ القــــــــلـبَ نارا

ويُجلى كريمَك في السمــــــهريِّ   ***   وجسُمك جلبة قبِّ المهـــــــــــارى

وحولكَ من هـــــــــــاشمٍ عصبة   ***   وصحب وفوا للمعالي ذمـــــــــارا

ومن أشهر قصائده في رثاء الإمام الحسين (ع) هذه القصيدة التي يتحسر فيها من قتل الإمام وهو حجة الله في أرضه وابن سيد الأنبياء وسيدة نساء العالمين مع أهل بيته وهم كالكواكب المشرقة وأصحابه الأوفياء أشرف الناس حسباً ونسباً على يد الأدعياء فيقول:

غداة أبو السجــــــــــادِ والموتُ بــاسط   ***   موارد لا تــــــــــلفى لهنَّ مصادرُ

أطلَّ على وجــــــــــــــــهِ العراقِ بفتيةٍ   ***   تبـــاهـتْ بهم لـــلفرقدينِ الأواصرُ

يقيمُ بهم ركــــــــنَ الهدى وهـو والـــدٌ   ***   ويحيي بهم ربـــعَ العلى وهو داثرُ

فطافَ بهم والجيـــــــــشُ تأكــــله القنا   ***   وتعبثُ فيه المــاضيـــــاتُ البواترُ

على معركٍ قد زلزلَ الـــكــــونُ هولَه   ***   وأحجمنَ عـنه الضارياتُ الخوادرُ

يزلزلُ أعلامَ المنـــــــــــــــــايا بمثلها   ***   فتقضي بـهـــــولِ الأولينَ الأواخرُ

وينقضُ أركانَ المقـــــــــاديرِ بــــالقنا   ***   إمـــــــامٌ على نقضِ المقاديرِ قادرُ

أمستنزلُ الأقدارَ من مـــــــــــــلكوتِها   ***   فكيفَ جرتْ فيــــــما لقيتَ المقادرُ

وأنَّ إضطرابي كيف يصرعكَ القضا   ***   وإنَّ القضا إنفاذ ما أنــــــــــتَ آمرُ

أطلَّ على وجــــــــــــهِ المعالمِ موهنٌ   ***   وبادرَ أرجـــــــــــــاءَ العوالمِ بادرُ

بأنَّ ابنَ بنتِ الوحــــي قد أجهزتْ به   ***   معاشرُ تنميــــــــها الإماءُ العواهرُ

فما كان يرسو الدهــر في خلدي بأن   ***   تدورُ على قطـــــبِ النظامِ الدوائرُ

ويتعجب بدقت من اعتلاء الشمر وهو الوضيع صدر سبط النبي (ص) ووريث علمه بعد أن تخضب وجهه الشريف بالدماء وطعن صدره بالرماح فيقول:

إذا ميَّــــز الشمرُ رأسَ الحسين   ***    أيجمعــــــــــها لـلعلى مـجمعُ ؟

فيا ابنَ الذي شـــرَّعَ المكرمات   ***   وإلا فلـــــــــــــيـسَ لـها مشرعُ

بكمْ أنزلَ أللهَ أمَّ الكتــــــــــــاب   ***   وفي نشرِ آلائـــــــــــكم تصدعُ

أ وجهكَ يخضـــــــبُه المشرفيُّ   ***   وصدرُك فيه القنـــــــا يشرع ؟

وتعدو على جسمكَ الصافنــات   ***   وعلمُ الإلهِ بــــــــــــــــه مودعُ

وينقعُ منكَ غليـــــــــلُ السيوف   ***   وإنَ غليـــــــــــــــــلكَ لا ينقعُ

ويقضي عليك الردى مـصرعاً   ***   وكيف القضا بالردى يصرع ؟

بنفسي ويا ليتـــــــــــــها قدّمت   ***   وأحرزها دونــــــــكَ المصرعُ

ويا ليته استــــــــــبدلَ الخافقين   ***   وأيسر ما كـــــــــــــان لو يقنعُ

لقد أوقعوا بكَ يــــــــا ابنَ النبي   ***   عزيزاً على الديـــنِ ما أوقعوا

فمصاب الحسين (ع) يعيش مع الشاعر ولا يفتأ يذكره ويبكي وكل مصاب دونه يهون:

لم تجرِ ذكـــرى نيّر وصـــفــــاتـه   ***   إلا ذكرتــــكَ والحـــــديثُ شجونُ

يا قلب ما هـــــــــــــذا شعارُ متـيَّمٍ   ***   ولعلَّ حال بني الغـرامِ فنــــــــونُ

خفِّض فخطبكَ غير طارقةِ الهوى   ***   إن الهوى عما لقيـــــــــــتَ يهونُ

ما برّحت بكَ غير ذكرى كـــربلا   ***   فإذا قضيــــــــــــتَ بها فذاكَ يقينُ

وَرِدَ ابن فاطمة المنونَ على ظـما   ***   إن كنتَ تأسى فلتردكَ مــــــــنونُ

ودعِ الحنيــــــنَ فإنها العظمى فلا   ***   تأتي عليها حســـــــــــــرةٌ وحنينُ

ظهرتْ لها فــــــــي كلِّ شيءٍ آية   ***   كبرى فكادَ بها الفنـــــــــــاءُ يحينُ

بكتْ السماءُ دماً ولـــــــم تبردْ به   ***   كبدٌ ولو أنَّ النجــــــــــــــومَ عيونُ

ندبتْ لها الرسلُ الـكرامُ ونــــدبُها   ***   عن ذي المعــــــارجِ فيهـمُ مسنونُ

فبعينِ (نوحٍ) سـالَ ما أربـى على   ***   ما سارَ فيه فلكهُ المشــــــــــــحونُ

وبقلبِ (إبراهيم) مــــــا بردتْ له   ***   ما سجّرَ (النمـــــرود) وهو كـمينُ

ولقد هوى صعقاً لذكرِ حديـــــثِها   ***   (موسى) وهــوّنَ ما لقي (هارون)

وإختارَ (يحيى) أن يُطافَ برأسهِ   ***   وله التأسي (بالحسيـــــــــن) يكونُ

وهو يعزو كل ما حدث في الطف لخيانة وصية النبي (ص) في تعيين الخليفة من بعده وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فلولا السقيفة ما جرت كربلاء:

فجزاكَ تيمٌ بالضــــــــــلالةِ بعــــده   ***   للحشرِ لا يـــــأتي عليه سكونُ

عقدتْ بيثــــــربَ بيعـةٌ قضيتْ بها   ***   للشركِ منه بعـــــــد ذاكَ ديونٌ

برقيِّ منبرِهِ رُقي فـــــــــــي كربلا   ***   صدرٌ وضُـــرِّجَ بالدمـاءِ جبينُ

لولا سقـــــــــوط جـنين فاطمةٍ لما   ***   أودى لهـــــا فـي كربلاءَ جنينُ

وبكسرِ ذاكَ الضـلعِ رُضَّـتْ أضلعٌ   ***   في طيِّـــــها سـرُ الإلهِ مصونُ

وكما (علي) قّــــــــــــــودُهُ بنجادِهِ   ***   فله (عـــــــــليٌّ) بالوثاقِ قرينُ

وكما (لفاطم) رنــــــــــة من خلفه   ***   لبناتِـــــــــها خلفَ العليلِ رنينُ

وبزجرِها بسيـــاطِ (قـنفذ) وشحّت   ***   بالطــــفِّ في زجرٍ لهنَّ متونُ

وبقطعِهم تلكَ الأراكـــــــــةِ دونها   ***   قُطعتْ يدٌ فـــــي كربلا ووتينُ

لكنما حمــــــلُ الرؤوسِ على القنا   ***   أدهى وإن سبقـــــتْ به صفينُ

كلٌ كتابُ أللهِ هـــــــــــــذا صامتٌ   ***   خـــــــــافٍ وهذا ناطقٌ ومبينُ

وقال في رمز الوفاء وعنوان الشجاعة أبي الفضل العباس (ع)

أبا الفضلِ في يـــــومٍ به جـمحَ القضا   ***   وعـــــــــــاثتْ بكلِّ العــالمينَ عظائمُه

أقامَ مقــــــــــــــاماً يملأ الـكونَ سيفه   ***   وحسبكَ مـمــــــــــــا كان أن هو قائمُه

يطولُ بشــــــــــــأوِ الأولـينَ بنورِهم   ***   وإنَّ له شــــــــــــــــأواً به طالَ هاشمُه

يقومُ ببحرٍ بالعظـــــــــــــــــائمِ مترعٌ   ***   وأعظم منـــــــــــه كفُّ من هو عائمُه

فإنَّ لأسبـــــــــــــــابِ القضاءِ عوالماً   ***   وإنّ الـــردى يمـنى أبي الفضل عالمُه

فنازلها حربــــــــــــاً تذوبُ لهولِهِ الـــــــــــــــسماواتُ لـــــــــــــــولا أنه هو حاجمُه

على سابحٍ لـــــــو شـاءَ من طولهِ به   ***   لداستْ منـــــــــــــــاط النيِّراتِ مناسمُه

فأرسله في الجيــــــــــشِ حتى تفللتْ   ***   حدودُ مواضيــــــــهِ وخارتْ ضراغمُه

فأحرزَ مجرى المـــــــــاءِ كفَ يفوقُه   ***   بمجرى الندى في بعضِ ما هو ساجمُه

فأعيا بأن تطفى ضـــــــــــراغمُ قلبه   ***   وقلبُ حسيــــــنٍ ليــسَ تطفى ضراغمُه

فلم يروِ منه غيــــــــــــرَ قلبِ مزادِهِ   ***   وعادَ كــــــوجسِ الرعدِ تُزجى هماهمُه

تنازِلهُ الآســــــــــــــــــــادُ علماً بأنّه   ***   يصادمُ محتــــــــومَ القضا من يصادمُه

فأمضى بهم عزماً ترى دونه الرَّدى   ***   وإن الرَّدى أن لا تهـــــــــــــبَّ عزائمُه

ومن شعر الروضة وهي (28) قصيدة كلها في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قوله:

بل باهتــــوا لـ (أبي تـــــــــــــــراب) في فمِ الأعدا ترابُ

بـــــولائــهِ أدركتُ ما   ***   أرجو وهمْ خسروا وخابوا

بولائـــــــهِ صدعَ النبــــــــــــــيُّ لما بهِ نـــــــصَّ الكتابُ

بولاهُ تصـرفُ كلُّ حـــــــــــــادِثة تسيـــــــــئ وتـسترابُ

بنواله جـــــرتِ البحــــــــــــارُ الفعمُ وانهمرَ السحـــــابُ

بل قامت الدنـيــا به   ***   وعنتْ لعزتهِ الرقـــــــــــابُ

بهداهُ يُستـسقـى وذكـــــــــــــراه بها الداعــــــــــي يُـجابُ

بل فيه يكـــــشفُ مــــــــــــــا يروعُ عن الأنامِ ويُستـرابُ

بالله لولا غـــمر كفــــــــــــــك لم يـــــــــكن للفيضِ بـابُ

بالله ما من باسم غيـــــــــــــرك إن دعي لا يستــــــجابُ

بالله يا من زالَ دونـــــــــــــكَ عن فمِ الغيبِ النقــــــــابُ

بالله يـــا من باسمِه   ***   لما دعوا المولى أجــــــــابوا

المصطفى وبفـاطم   ***   وبنيكما طهروا وطـــــــــابوا

أما ملحمته الخالدة في مدح أمير المؤمنين (ع) فهي تحتاج إلى دراسة منفردة كونها ألمت بتاريخ مرحلة من أهم مراحل التاريخ الإسلامي استعرض فيها بدقت هذه المرحلة من بداية الدعوة الشريفة إلى واقعة الطف وخص الجزء الأكبر منها في مدح أمير المؤمنين (ع).

محمد طاهر الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

.........................................................................................................

1 ــ أعيان الشيعة / محسن ألأمين ج 17 ص 188

2 ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 77

3 ــ مقدمة ديوان جواد بدقت تحقيق سلمان هادي آل طعمة

4 ــ  الكرام البررة  ج 2 ص 278

5 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 2 ص 140 و ج 9 ص 188 . :

6 ــ الحصون المنيعة  ج 7 ص 148

7 ــ الطليعة من شعراء الشيعة

8 ــ معجم المؤلفين ج 3 ص 168

المرفقات