أم أبيها فاطمة "عليها السلام" على فراش المرض تطلق صرخة الرفض على وجه مجتمع المدينة

اذا تحدثنا عن مرض فاطمة فان مرضها ليست كسائر أمراض الناس كالحُمًّى وأمثالها، يعرضهم بسبب اختلال المزاج وانحراف العناصر في الجسم، بل كان مرضها بسبب مأساتها وايذائها من قبل المنافقين من الامة الاسلامية، وتخلي المسلمين عن نصرتها ونكوصهم عن الزام ابي بكر بحقها ، فاشتدت على الزهراء ولزمت فراش المرض . اذ ان الزهراء "عليها السلام" كانت يوم وفاة الرسول الاعظم "صلى الله عليه واله" صحيحة في جسمها وأعضائها ولم يكن فيها جروح ولا قروح ولا آلام ولا مأساة، وكل ما كان لها من الآلام و الأمراض والجروح جسماً وروحاً، بدا من يوم قُبِضَ فيه النبي الاكرم "صلى الله عليه واله" .    

في هذا المقال لا بد من تسليط الضوء بشكل مباشر على من عادها ليطمئن على صحتها، وثباتها "عليها السلام" على موقفها من الخلافة القائمة ويمكن ان نتبين من هذه المواقف مع:

من دخل اليها من نساء رسول الله "صلى الله عليه واله" وغيرهن من نساء قريش ، فقلن لها: كيف انت ؟ قالت:" أجدني والله كارهة لدنياكم، مسرورة لفراقكم، ألقى الله ورسوله بحسرات منكن، فما حفظ لي الحق، ولا رعيت مني الذمة، ولا قبلت الوصية، ولا عرفت الحرمة "[1] . مع نساء المهاجرين والانصار اللواتي اجتمعن عندها فقلن لها : كيف أصبحتِ من علتك؟ فقالت:" أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم لفظتهم بعد أن عجمتهم وشئنهم بعد أن سبرتهم فقبحاً لفلول الحد وخور القنا وخطل الرأي وبئسما قدمت لهم أنفسهم إن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشنت عليهم عارها فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين إلا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطأته ونكال وقعته ..."  [2]. مع قوم من وجوه المهاجرين والانصار جاءوا اليها وهي على فراش المرض معتذرين متعللين بأنهم  لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يُبرَم العهد ويُحكَم العقد  لما عدلنا إلى غيره، ولا سبيل الى العدول الى الامام علي "عليه السلام" فقالت ام أبيها : "إليكم عنّي ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم "[3] مع عائشة بنت طلحة عندما دخلت عليها فرأتها باكية، فقالت لها بابي انت وامي ما الذي يبكيك؟ فقالت ام ابيها: "أسألتي عن هنة حلق بها الطائر، وحفي بها السائر، ورفع إلى السماء أثرا، ورزئت في الأرض خبرا، أن قحيف تيم وأحيوك عدي جاريا أبا الحسن في السباق، حتى إذا تقربا بالخناق، أسرا له الشنآن، وطوياه الاعلان، فلما خبا نور الدين، وقبض النبي الأمين، نطقا بفورهما، ونفثا بسورهما، وأدلا بفدك، فيا لها لمن ملك، تلك أنها عطية الرب الاعلى للنجي الأوفى، ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي، وأنها ليعلم الله وشهادة أمينه، فإن انتزعا مني البلغة، ومنعاني اللمظة، واحتسبتها يوم الحشر زلفة، وليجدنها آكلوها ساعرة حميم، في لظى جحيم.[4]" مع ام المؤمنين أم سلمة عندما دخلت لتطمئن على صحتها فقالت : كيف اصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله فاجابيتها السيدة الزهراء:" أصبحت بين كمد وكرب ، فقد النبي وظلم الوصي ، هتك والله حجابه ، من أصبحت إمامته مقبضة [ مقتضبة ] على غير ما شرع الله في التنزيل ، وسنها النبي " صلى الله عليه وآله" في التأويل ولكنها أحقاد بدرية ، وترات أحدية ، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لامكان الوشاة ، فلما استهدف الامر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الايمان من قسي صدورها ، ولبئس - على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين - أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد استنصار [ انتصار ]، ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب ، ومنازل الشهادات"[5] مع ابي بكر وعمر بن الخطاب أتياها عائدين و استأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما، فقالت : والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني"[6].

نستنتج من ذلك، ان استمرار السيدة فاطمة ام ابيها في بث الشكوى والتأسف على ما جرى من صرف الخلافة عن الامام علي "عليه السلام" فكانت اللسان المدافع الذي ظل يقرع الاسماع بالحق المظلوم حتى لحقت بالنبي الاكرم  واستمر سخطها على البعض من المسلمين الذين وقفوا الى جانب السلطة في هذا الظلم ، مع الادلاء بأحقية الامام علي ، كما ان السيدة فاطمة تؤكد في كل مخاطباتها بان الامة تسير نحو التمادي في الظلم والظلال وان النتائج الفادحة لسلوك الامة بترك التمسك بأحكام الله ستظهر على مر الاجيال.

جعفر رمضان

 

[1]احمد بن ابي يعقوب بن جعفر اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الامير مهنا، (بيروت : شركة الاعلمي للمطبوعات، 2010)، ، ج2، ص115.

[2]  أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور، بلاغات النساء ، تحقيق حمد الألفي،( القاهرة: مطبعة مدرسة ، 1908)

[3]  ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الأمالي، تحقيق علي اكبر الغفاري،( طهران: دار الكتب الاسلامية ، 1381)،  ج1 ، ص374

[4] ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المصدر السابق، ص204.

[5] رشيد الدين ابي عبد الله محمد بن علي ابن شهر اشوب، مناقب ال ابي طالب، تحقيق يوسف البقاعي،(ايران، 2008) ، ج2، ص234.

[6] محمد باقر المجلسي، بحار الانوار،(بيروت: مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، 2008)، ج 43، ص 202-203.  .  

المرفقات