لو اطلعنا على الافكار الجمالية للفلاسفة المسلمين لأعانتنا على ادراك الجوانب التطبيقية الفنية للمظاهر الجمالية، فهي تتمثل بوضوح الجانب النظري من فلسفة الجمال، ويمكن الوصول والاستدلال على ذلك من خلال ما كتبوا عن الجمال في مؤلفاتهم، حيث صوروا جمال الطبيعة وجمال الاشياء بصورة مباشرة عن طريق الذات والمدركات العقلية والعودة بالأشكال الى خالقها جل شأنه.
لقد كان للتقارب العربي الاغريقي اثراً كبيراً في البناء الفلسفي للجمال الذي انتجه العرب المسلمون وبالأخص حينما صاغوا فلسفتهم العقلية وفق رمزية عربية واسلامية، فأصبحت عملية التذوق الجمالي عند الفلاسفة المسلمين تحدث بين ذات محركة وموضوع مدرك على حد سواء، فهي تعتمد على ما يحدثه الموضوع الجمالي من اثر في نفوسنا.. مما يدل على أن الجمال يدرك بعد عملية حسية بحتة ترتبط بالذات والعقل بعيداً عن اللذات الحسية الدنسة، والتأكيد على الروح كونها باقية بعد الموت وجوهرها اثيري يعود الى الباري عز وجل.
تقترب الفلسفة الاسلامية من الفلسفة اليونانية في الدمج بين تحقيق الغاية والجمال، حيث النافع في غاية ما يكون جميلاً لها، وهذا ما يشابه قول احد فلاسفة اليونان عن الجمال بالتبعية، فاقترنت الفلسفة الاسلامية بالفكري والخلقي واضفاء النزعة الرومانسية التي تحمل في طياتها الروح الشرقية الاسلامية، والتوفيق ما بين الدين والفلسفة التي تحقق بلا شك القيم الخيرة في الاشياء الجميلة.
وبهذا التوفيق امتزج النظام الحسي ومعطياتة واهميتة بالنظام المثالي، حيث تهدف الى غاية اخلاقية عليا تنبع من الموقف الديني الملتزم وان يكن نفعياً في النظر الى الجمال، بأن اللذيذ والنافع والجميل، اما نافع اللذة واما نافع في الجميل.. وان على الانسان مسؤولية الاختيار و تحصيل الجميل والنافع في الحياة العاجلة.. وقد تنوعت الآراء وتعددت عند فلاسفة اخرين، فنظروا الى الجمال بتصوف وتجلِ وارجعوه الى الخالق معتبرين ان العدد هو اصل الموجودات حيث جعل في اعلى الامور الروحانية حيث قالوا(ان الامور الطبيعية اكثرها من خلق الباري جل ثناءه وجعلها مربعات تتمثل بـ المواسم الاربعة والحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف ..الخ ، فعدوها رياضة للنفس من تدريب وتوجيه نحو رفض المحسوس والمعطيات المادية الغرائزية، وهذا االترابط ما بين فكرة الجمال والخير و الفضيلة - الدين - لم يعد مقتصر على الدين فحسب، وانما تعداه الى الفنون عموماً، وذلك بأن تكون الغاية من الفن هو تهذيب الاخلاق وتنشيط الادارة الاخلاقية .. فالفن والجمال والابداع هو دعوة نحو وعي الاشياء والظواهر بنظمها الرياضية الخفية، فهو عمل ودراية بإدارة تعتمد الرياضيات في تحليل الاشياء والظواهر بغية الوصول الى تأسيسها كفن ذو روحية جمالية تلتقي مع المبادئ والعقيدة الاسلامية.
والجميل والجليل هو ما احدث انبساطاً في نفوسنا فأفرحها، حيث الجميل ما حرك حواسنا ومدركاتنا .. بيد ان الجليل هو ما احدث خشوعاً وخوفاً في اعماقنا بسبب قصور اذهاننا عن فهمه وبلوغ الغاية منه، فالجميل قد يتوافر في الحسيات والجليل لدى الذهنيات حيث يعد مظهراً لنسب رياضية وتوازن وايقاع وهو نسق مادي ،فهو صفة ادراكية في اساسها، ذلك ان الاحساس بالجمال هو اساس المشاعر الجميلة للعلاقة القوية ما بين الشيء الجميل(كوجود مادي) وما بين النفس المتذوقة له .
ومما تجدر الاشارة اليه ان الاتقان والكمال مرادفين للجمال عند بعض الفلاسفة المسلمين حيث ان كل شيء جماله وحسنه في ان يحضر كماله اللائق به المُمكن له، فاذا كانت جميع كمالاته المُمكنة حاضرة فهو غاية في الجمال، فهو حسي وبصري يدرك من الحواس الخمسة، فضلاً عن القلب او ما يسمى بالبصيرة الباطنية للإنسان والمميزة بأنها اقوى من البصر الظاهر كما في القول(القلب اشد ادراكاً من العين)،وجمال المعاني المدركة بالعقل اعظم من جمال الصورة الظاهرة للأبصار.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق