هل خطّط الإمام الحسين عليه السلام لإبراز مشهد المظلومية والمأساة في كربلاء؟

يتصوّر بعض الكتّاب أنّ هدف الإمام الحسين عليه السلام من نهضته هو فضح بني أُميّة وتعريتهم، والكشف عن حقيقتهم؛ وذلك من خلال إيجاد وخلق مشهدٍ لمظلوميّته، فقد مهَّد بموجب ذلك مقدماتِ اِنهيار الحكم الأُموي وسقوطه، حتى يكتسب بنو هاشم أي: بنو العبّاس ـ نتيجةً لتلك المظلومية ـ شعبيةً وإقبالاً جماهيرياً واسعاً يمكّنهم مستقبلاً من الأخذ بزمام الحكم.

تؤكّد هذه الفئة من الكتّاب على أنّ الحسين بن علي عليه السلام قد ذهب إلى مذبحه عالماً مختاراً، وسعى إلى إيقاعِ مقتله بشكل أكثر ترويعاً وإثارةً للشفقة والعطف؛ كي تؤثِّر مصيبته في القلوب تأثيراً بالغاً، وتتحرّك على ضوئها مشاعر الناس وأحاسيسهم بالضدّ من بني أُميّة ووقوفاً مع بني هاشم.

يُعدّ الكاتب الألماني ماربين[2] من الذين أعلنوا رؤيتهم بهذا النحو من التفسير ـ فيما يتعلّق بنهضة الإمام الحسين عليه السلام وهدفه ـ حيث يقول: «كان الحسين لسنوات متوالية يُعِدّ العُدّة لمقتله، حاملاً في رؤيته غايةً وهدفاً عالي المنال»[3].

ويقول أيضاً: «بما أنّ الحسين بن علي لم يكن في رؤيته هدفاً منشوداً غير قتله ـ والذي يُعدّ مقدمة لذلك الخيال العالي وتلك المحرِّكية المقدّسة روليسيون [4]ـ رأى أنّ أكبر وسيلة لتحقيق ما يصبوا إليه هي المظلومية وعدم الناصر، فاختار هذا الطريق كي تكون مصيبته مؤثِّرة في قلوب الناس»[5].

ويقول أيضاً: «لم يتهاون الحسين دقيقة واحدة في إفشاء ظلم بني أُميّة وجورهم وإبراز عداوتهم لبني هاشم وأولاد محمّد»[6].

وفيما يتعلّق بمصيبة الطفل الرضيع، يقول: «لم يصرف الحسين نظره عن هدفه المتعالي[7] رغم كل تلك المصائب الفجيعة، والأفكار المتراكمة، والعطش وكثرة الجراحات، ومع علمه أنّ بني أُميّة لن يرحموا طفله الرضيع، إلّا أنّه حمله بكفّيه ـ صرف تعظيم مصيبته ـ متظاهراً بطلب الماء له؛ فسَمِعَ الجوابَ بالسهم»[8].                               

وفيما يرتبط بانقراض بني أُميّة، يُعلِّق قائلاً: «وفي أقلّ من قرن سُحِبَت السلطة من بني أُميّة قاطبة... وهذه كلّها نتائج السياسة الحسينية»[9].

وحول تولّي بني العباس زمام الحكم، يقول: «ولم يمضِ أقلّ من قرن حتى استقرّت المملكة الإسلامية الواسعة في بني هاشم»[10].

وفيما يتعلّق بإحياء الإسلام بواسطة مقتل الإمام، يقول: «قد أحيى الحسين بمقتله دين جدّه وقوانين الإسلام»[11].

ويمكننا تلخيص أقوال هذا المستشرق الألماني بعدّة جُمَل:

1 إنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يهيّئ لمقتله قبل استشهاده بسنوات متوالية.

2 سعى الإمام ـ قدر الإمكان ـ إلى إيقاع مصيبته بشكل أكثر ترويعاً.

3 المظلومية ـ التي سعى الإمام دوماً إلى إيجادها ـ هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الهدف.

4 هدف الإمام هو تأجيج مشاعر الناس وتحريكها ضد بني أُميّة؛ حتى ينتفضوا ويُسقطوا الحكم الأُموي؛ ومن ثَمّ يمكِّن بنو هاشم أي: بنو العباس من الوصول إلى الحكم؛ وبهذا يحيى بمقتله عليه السلام الإسلامُ وقوانينه.

ونحن ـ إذا تأمّلنا بدقّة ـ لا يمكننا القبول بما ورد في كلام هذا الكاتب الألماني، وذلك من خلال بيان نقاط الضعف في الجمل الأربعة السابقة من كلامه:

مناقشة الجملة الأُولى

فيما يرتبط بالجملة الأُولى لا بدّ أن نقول: لا يُعلَم من أين جاء هذا الرجل الألماني بفرض أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يهيّئ لمقتله لسنوات متوالية؟! فأيُّ مؤرّخ ـ سواء أكان شيعيّاً أم سنّياً ـ كتب لنا أنّ الإمام عليه السلام كان لسنوات عديدة يهيّئ مقدمات مقتله؟!

إذا استطاع ماربين ـ أو أيُّ شخص آخر يفكّر مثل تفكيره ـ أن يأتي بدليل تاريخي يُثبِت لنا أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان قبل نهوضه بثورته البطولية ولو بساعة قد مهَّد وأعدَّ العدّة لمقتله.. فنحن مستعدّون من دون نقاشٍ قبول بقيّة كلامه، حتى وإن كان مجرّداً عن الدليل. ولكنّ الصحيح أنّ ما ذكره ماربين لم يتحدّث به أيُّ مؤرِّخ.

الشيء المؤكّد هو: أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يُعدّ أو يُهيّئ مقدمات مقتله، حتى وقع الاعتداء عليه من قِبَل السلطة الحاكمة، فتحرّك إلى الكوفة من أجل إقامة حكمٍ قويّ يهدف إلى إنقاذ الإسلام، وذلك حينما رأى أنّ العوامل الطبيعية لتحقّق النصر ممكنة ومتاحة. وعندما تغيّر الوضع الكوفي آنذاك ولم يكن بالإمكان إقامة الحكم المنشود، سعى الإمامُ حينها بكل ما يستطيع إلى الحيلولة دون وقوع الحرب. وبعد أن فُرِضت عليه تلك الحرب اللا إنسانية والمعادية للإسلام من قِبَل عمّال الحكومة الأُمويّة، كان لزاماً عليه بحكم الضرورة والقانون والوجدان أن يجاهدهم جهاداً دفاعياً، حتى قاوم ببسالة إلى الرمق الأخير رافضاً بذلك الظلم والعدوان.

إذاً، لم يكن الإمام الحسين عليه السلام ـ خلافاً لمقولة ماربين ـ قد بذل جهداً في تهيئة أجواء ومقدمات مقتله عليه السلام، سواء أكان ذلك قبل وقوع الاعتداء عليه من قِبَل حكومة يزيد أم بعده.

وإذا كان المراد من ذلك أنّ الإمام كان يتنبّأ سابقاً بمقتله، ويتوقّع حدوثه، وكان متهيّأً للشهادة. فالجواب: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يتنبّأ ـ أيضاً ـ باستشهاده، وكان مستعدّاً للشهادة، إلّا أنّ هذا لا يعني إعداد العُدّة للشهادة وتهيئة المقدّمات لها.

 

مناقشة الجملة الثانية

فيما يتعلّق بالجملة الثانية لا بدّ أن نقول: إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يسعَ أبداً إلى جعل مصيبته أكثر ترويعاً، وإنّما سعى بكل ما يملك من قوّة إلى الدفاع والمقاومة، وجاهد حتى آخر رمق في حياته من أجل حفظ عياله وأهل بيته. وما طلبه الماء لابنه ـ إذا صحّ النقل ـ إلّا لأجل حفظ حياة ذلك الطفل البريء، وليس لأجل أن يُقتَلَ حتى تكون مصيبته أكثر وَقْعَاً وتأثيراً في القلوب.

وعليه؛ فقد اجتهد الإمام الحسين عليه السلام في جميع مراحل النهضة في طريق الدفاع عن الدين والنفس والعيال وكل ما كان متعلّقاً به.

نعم، إنّ أجهزة حكومة يزيد المستبدّة، وأعوانه المرتزقة، هم الذين أظهروا إلى أبعد الحدود تلك القساوة والوحشية والأفعال اللا إنسانية، فلم يسلم منهم حتى ذلك الطفل الرضيع، فذبحوه بسهم من الوريد إلى الوريد؛ وهذا لا يعني أنّ الإمام عليه السلام كان يسعى جاهداً إلى جعل أعدائه أكثر همجية ووحشية؛ حتى تكون مصائبه أكثر ترويعاً وتأثيراً، كما يتخيّل هذا المستشرق الألماني.

 

مناقشة الجملة الثالثة

أمّا فيما يرتبط بالجملة الثالثة لا بدّ أن نقول: إنّ الحسين بن علي عليه السلام لم يفتعل تلك المظلومية إطلاقاً، وإنّما العكس هو الصحيح؛ إذ دافعَ وقاوم إلى آخر نفس في حياته؛ من أجل أن لا يرضخ للظلم والجور. فليس منطق الحسين بن علي عليه السلام القول: هذا حنجرتي وهذا خنجركم. وإنّما منطقه هو الجهاد في سبيل إنقاذ الإسلام وإحيائه، بعد أن أيقن أنّ قبول الظلم والذلّ وتأييد الخلافة المفروضة زوراً يعود بالضرر على الإسلام، ويساعد على ضياع الحقوق الاجتماعية.

وعليه؛ فلم يذهب الإمام الحسين عليه السلام إلى استقبال الظلم، ولم يستخدم المظلومية كوسيلة كبرى يصل من خلالها إلى غايته، وإنّما تقدّم إلى المعركة لدفع الظلم والوقوف بوجه الدكتاتورية والاستبداد. وأجهزة الدولة الظالمة هي التي اعتدت ظلماً على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم  وأوجدت مظلوميّته.

 

مناقشة الجملة الرابعة

وبالنسبة إلى الجملة الرابعة لا بدّ من القول: يبدو أنّ المستشرق الألماني خلط بين الهدف وبين الأثر القهري. وعلى سبيل المثال: إذا بنى شخصٌ لنفسه داراً؛ فهدفه أن يسكن في ذلك الدار، ولكن هناك أثرٌ لهذا البناء، وهو إمكان الاستفادة من ظِلّ حائطه، ومع ذلك لا يصحّ القول: إنّ الهدف من بناء الدار هو الاستفادة من ظلّه. فهدف الإمام الحسين عليه السلام من نهضته هو إنقاذ الإسلام والمسلمين.

نعم، يوجد لهذه النهضة ـ أيضاً ـ أثرٌ قهريّ يتمثّل بجعل الحكم الأُموي المستهجن أكثر استهجاناً وازدراءً بين الناس، ومن جهة أُخرى جعل بني هاشم ـ وبالأخص أهل بيت النبوّة ـ أكثر مودّةً واحتراماً بينهم.

نعم، في ضمن ذلك أيضاً تمكّن بنو العباس من استغلال شهادة الإمام لصالحهم؛ من أجل الوصول إلى السلطة، ولم يكن الإمام يهدف أبداً إلى استجلاب الحبّ والود لبني هاشم حتى يتمكّن بنو العباس من الظفر بالحكم.

وأمّا قوله: «إنّ في قتل الحسين إحياءً للإسلام». فجوابه قول الإمام السجّاد عليه السلام: «قد أحدث مقتلُ أبي ثلمةً في الإسلام عظيمةً» [12]. ولا قيمة لكلام ماربين في قبال حديث الإمام السجاد عليه السلام.

نعم، لمّا كانت نهضة الإمام الكبرى لأجل إنقاذ الإسلام، وقد استُشهد على طريقه كذلك، فكل مسلم صاحب ضمير يتألّم ويبكي على تلك المصيبة المروِّعة، ويحدث في نفسه انفعالاً يحرّكه ويدفعه نحو اتّباع طريق الإمام في إنقاذ الإسلام وإحيائه. وهذا أعظم أثرٍ أنتجته شهادة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة. ولكن كل هذا لم يكن مراداً لدى ماربين.

وخلاصة البحث في كلام ماربين: إنّ كل ما طرحه بهذا الخصوص خطأٌ مرفوض؛ ومنه تمّت مناقشة كلامه تحت عنوان: رأي خاطئ، وكان من الأجدر بهذا الباحث المستشرق ـ وبتعبير أصحّ: ذلك اللا مستشرق ـ أن لا يبدي رأياً فيما لا تخصّصَ له به؛ كي لا يوقع نفسه في مشكلةٍ ولا يكلّف الآخرين بمناقشته.

وبشكل عام، فإنّ هناك نقاط ضعف كثيرة برزت في كتابة ماربين؛ ممّا يدلّ على عدم معرفته كاملاً بالتاريخ الإسلامي؛ فعلى سبيل المثال يكتب في الصفحة18: «تحقَّق مقتل عثمان نتيجة الإثارات والدعايات التي قام بها بنو هاشم». وهذا خلافُ الحقيقة والواقع.

رأيٌ محتمل:

يكتب ماربين: «حضرت في تركيا برفقة مترجمي الخاص مآتماً للحسين بن علي وسمعتُ الخطباء يقولون: كذا وكذا عن نهضة الإمام الحسين»[13].

فهناك احتمال مطروح أنّ بعض الخطباء المحترفين والسطحيّين في تركيا قد بحثوا فلسفة النهضة الحسينية على أساس التصوّر القائل: إنّ الإمام الحسين قد نهض بداعي الاستشهاد.. وكل ما سمعه ماربين دوّنه وكتبه، وعلى سبيل الاحتمال: لمّا لم تتوفّر لديه معلومات بخصوص نهضة سيد الشهداء عليه السلام، عدا تلك المسموعات، توقّع أنّ كلّ ما سمعه في مجالس العزاء في تركيا صحيحٌ مئة بالمئة. وعليه؛ فقد تلقّى كلَّ ما سمعه بقبولٍ حَسن على أنّها حقائق قطعية في تاريخ الإمام الحسين عليه السلام. وبعد رجوعه إلى أُروبا كتب لهم ما سمعه کمحصّلةٍ لسفره إلى الشرق، كما كان شائعاً عندهم ـ ولا زال ـ كتابةُ مذكّرات السفر ونشرها.

في ذلك الوقت ـ وبعد أن تُرجِمَت كتابات ماربين في النهضة الحسينية إلى اللّغات الشرقية ـ تلقّى الشرقيون بقبول حَسنٍ كلَّ ما قاله ماربين بوصفها صادرات الغرب إليهم، وقاموا بنقلها كوثيقةٍ تاريخية محكمة لساناً عن لسان وكتاباً عن كتاب، وأخذوا يتمسّكون بها وجعلوها دليلاً يستدلّون به على أقوالهم وكتاباتهم.. ويا أسفاه!!

ثمّة نقطة:

إذا تصوّر الناس هكذا بأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يطلب بخروجه القتلَ، وقد تحقّقت إرادته على يد مرتزقة السلطة الأُموية.. فلن تُثار حينها مشاعر الناس وأحاسيسهم بالضد من الحكومة؛ باعتبار أنّ الأمر الذي سعى إليه الإمام ـ حسب الفرض ـ قد تمّ تحقّقه على أيدي الحكومة الأُموية كما يريد.

نعم، يمكن لنا أن نتصوّر تلك المشاعر المتفاعلة بالضدّ من بني أُمية فيما لو علم الناس أنّ الحكومة الجائرة قد عملت على خلاف ما يرتضيه الإمام ويريده، وعمدت إلى قتل سبط الرسول صلى الله عليه وآله و سلم  وأبنائه وأنصاره ظلماً وجوراً.

وثمّة نقطة أُخرى أيضاً:

يقول الإمام الحسين عليه السلام: «فلكم فيَّ أُسوة...» [14].

إذا أردنا أن نحكم ـ كما حكم ماربين ـ بأنّ الإمام أراد أن يُلقي بنفسه في دائرة القتل وعلى أسوء حال ممكن، مع سبعة عشر نفراً ـ تقريباً ـ من خيرة رجالات البيت النبوي، وأكثر من خمسين نفراً من خيرة رجالات الإسلام وأبناء القرآن، جاعلاً طفله الرضيع هدفاً لمرمى السهام، وممكِّناً أراذل القوم من أسر عيال الرسالة ونقلهم من مكان إلى آخر.. فهل يصحّ جعل هذا الفعل نموذجاً يقتدي به المسلمون ويسيرون على ضوئه؟!

تذكير

يقول شيخ الطائفة الطوسي+ ـ حول مسألة جواز أو عدم جواز أن يكون الإمام عالماً بمقتله فخرج إلى القتال ـ: «ولي في هذه المسألة نظرٌ» [15].

وذهب أُستاذه العالم الكبير السيد المرتضى+ علم الهدى إلى عدم جوازه؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجبٌ عقلاً وشرعاً [16].

وعليه؛ إذا كان شيخ الطائفة& متردداً في الحكم بجواز كون الإمام عالماً بمقتله حال خروجه أم لا، وكذلك ما ذهب إليه السيد المرتضى في الحكم بحرمته؛ فكيف يمكن بلا تحرّزٍ نسبة ذلك إلى الإمام عليه السلام بأنّه خرج عالماً بمقتله؟! وكيف يصحّ اتّباع فعل تردّد في أصل جوازه بعض العلماء وصرّح بحرمته بعضٌ من دون ترديد؟! وعليه، كيف يمكن لنا ترجيح رأي ماربين الألماني على رأي علماء الشيعة الكبار؟!

 

هل كان مقتل الإمام الحسين عليه السلام في مصلحة الإسلام؟

قد يُقال أحياناً: إنّ في قتل الإمام الحسين عليه السلام إحياءً للإسلام.

[نقول]: هنا لا بدّ من الفصل بين قضية مقتل الإمام الحسين عليه السلام ـ والتي تُعدّ من جرائم حكومة يزيد ـ وبين مسألة كفاح الإمام ونضاله حتى المرحلة الأخيرة من شهادته.

وإذا قال أحدٌ: إنّ الجريمة التي ارتكبتها حكومة يزيد بقتلها الإمام عليه السلام كانت بصالح الإسلام.. فإنّ هذا القول لا يمكن قبوله بأيّ وجه من الوجوه لما يلي:

1ـ إذا كان المراد من ذلك: أنّ قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم  كان سبباً للعمل بأحكام الإسلام على نطاق واسع من قِبل مسلمي الحجاز والعراق والشام وشمال أفريقيا.

[أقول]: هذا الكلام ليس بصحيح؛ إذ كيف يمكن التصديق بأنّ مقتل الإمام كان باعثاً ومحرِّكاً نحو العمل بأحكام الإسلام بشكل أكثر؛ أي: لكي يُصلّوا أكثر، ويصوموا أكثر، ويجاهدوا أكثر، ويلتزموا بقوانين الإسلام الجنائية أكثر؟!

2ـ وإذا كان المراد: أنّ قتل الإمام أدّى إلى قيام فتوحات أُخرى، فقد فُتِحت مثلاً ـ في زمن الوليد بن عبد الملك ـ بلاد الأندلس في الغرب، وبلاد سمرقند وبخارا في الشرق.

[أقول]: فهذا الرأي ليس بصحيحٍ أيضاً؛ فما وجه العلاقة بين مقتل الإمام عليه السلام وبين فتح الأندلس وسمرقند؟! فهل كان وجود الإمام مانعاً عن تقدّم المسلمين وانتصارهم حتى فُتِحَ لهم بمقتله عليه السلام طريق النصر شرقاً وغرباً؟!

3- وإذا كان المراد: أنّ مقتل الإمام الحسين عليه السلام أدّى إلى إضعاف الحكم الأُموي، فلم يستطيعوا بعد مقتله أن يضحّوا بالإسلام مقابل أهوائهم الجاهليّة.

[أقول]: هذا أيضاً لا يمكن قبوله؛ فمن جهة يصحّ القول: بأنّ مقتله عليه السلام قد أضعف حكومة بني أُموية، إلّا أنّها قد استحكمت من جهة أُخرى؛ فقد ضَعُفَت من جهة وقوعها محلّ اشمئزازٍ وكراهية أكثر في أذهان عامة الناس. واستحكمت من جهة تمكّنها من إزاحة منافسٍ قويّ كالإمام الحسين عليه السلام من ساحة المواجهة، وقمع حركة أهل العراق وإخماد تطلّعاتهم في إقامة الحكم المنشود، حتى ساد في صفوفهم الخوف والرعب الشديدين.

ولا شكّ في أنّ جانب القوّة بعد مقتل الإمام عليه السلام كان أكثر بروزاً من جانب الضعف، باعتبار أنّ السلطة ـ بعد شهادة الإمام وقمع حركة أهل العراق ـ كانت تمثّل قدرةً بارزةً ومرعبة. أمّا جانب الضعف فيها، فقد تمثَّل في تنفّر الجماهير التحررية من حكومة بني أُمية، تنفّراً مخفياً ومبيَّتاً لا يجرأ أحدٌ على إظهاره.

وعليه؛ فلم يكن هناك مانعٌ أو مزاحمٌ ـ بعد وقعة كربلاء ـ يقف في طريق الحكومة الأُموية لثنيها عن تنفيذ برامجها العدائية للإسلام، بل استمرّت السلطة في تنفيذ برامجها الشيطانية بطريقة أكثر ترهيباً وتخويفاً، كما أظهرت ذلك فعلاً في وقعة الحرّة، وفي تعدّيها أيضاً على حرمة بيت الله الحرام حين هجومها على مكة.

زيادة على ذلك، فإنّ بني أُميّة أنفسهم استطاعوا ـ في زمن عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك ـ أن يمتلكوا واحدة من أعظم الحكومات على وجه الأرض وأكثرها قوّة، حتى وصلت الفتوحات آنذاك إلى الأندلس في أوربا[17]، وإلى سمرقند وبخارا وجميع بلاد ما وراء النهر وتخارستان في آسيا[18]، ثمّ استمرّت هذه الدولة الجائرة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ما يقارب السبعين سنة.

4- وإذا كان المقصود: أنّ مقتل الإمام عليه السلام ساعد في رصّ الصف الشيعي وجعله أكثر تنظيماً من ذي قبل.

فلا بدّ من القول: إنّ الواقع الشيعي نراه قد قوي ـ من جهةٍ ـ واستحكم بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، ومن جهة أُخرى ضَعُف وتقهقر. فجانب القوّة يكمن في تحرّك مشاعر الناس وعواطفهم لصالح الشيعة، وجانب الضعف يتمثّل بفقدان البيت الشيعي زعيماً كبيراً كالحسين بن علي عليه السلام ومقتل ثلّة من أبرز رجالات الشيعة وشخصياتها. زيادة على ذلك، فإنّ حادثة التوابين ومقتل عدّة آلافٍ من خواص الشيعة ورجالاتها قد أدّى إلى إضعاف الشيعة أكثر مّما مضى، ثمّ جاءت ثورة المختار ومقتله والإبادة الجماعية لستة آلاف من أتباعه[19]، فتقهقرت الجماعة الشيعية تدريجياً وعجزت عن فعل أيّ شيء، حتى وصل الأمر إلى انتفاضة زيدٍ بن علي والتي أدّت إلى تجزئة الشيعة إلى زيدية وغير زيدية، بالإضافة إلى ما أعطته من خسائر جسيمة.

كل تلك العوامل زادت في إضعاف الشيعة، ومن دون شك، فإنّ جانب الضعف عند الشيعة ـ بعد وقعة كربلاء ـ أكثر ثقلاً من جانب القوّة عندهم؛ باعتبار أنّ جانب الضعف ناتجٌ عن مقتل الإمام عليه السلام واليأس من تشكيل الحكومة الجديدة. ذلك الضعف المخيّم المثير للخيبة والألم. وأمّا المشاعر الإيجابية المؤيِّدة للشيعة والداعية إلى تقويتهم كانت إلى حدٍّ كبير مخفية وسريّة، ولم يستطع أحدٌ من الناس إظهارها إلّا القليل منهم.

5- وإذا كان المراد: أنّ مقتل الإمام الحسين عليه السلام كان سبباً لفضح آل أبي سفيان والكشف عن حقيقتهم؛ وبذلك تمّ إحياء الإسلام.

فهذا المطلب ليس بصحيحٍ أيضاً؛ لأنّ فضائح معاوية وابنه يزيد كانت على مستوى من الظهور لا يُحتاج معه إلى كشف الستار، بل لم يوجد هناك من الأساس ستارٌ مسدولٌ على كوارث وفضائح عنصري الفساد هذين حتى يُطوى جانباً. فكان معاوية بشكل ظاهرٍ وصريح ينتهك أحكام الإسلام بلا حدود. وقد ذكرنا[20] ـ كنموذجٍ ـ في بحث ماهية نهضة الإمام عليه السلام عشرين مورداً من جرائم معاوية بحق الإسلام والدين، وأوضحنا أنّ ابن أبي سفيان قد ارتكب تلك الجرائم بشكل واضح ومكشوف للعيان.

[ونتساءل]: هل طغى معاوية بالسرّ والخفاء على علي عليه السلام؟! وهل وقعت حرب صفّين ـ التي هُدرت فيها بسببه دماء أكثر من سبعين ألف نفرٍ ـ على نحوٍ سرّي؟! وهل كانت أوامر معاوية القاضية بقتل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام والإغارة عليهم في المدينة والأنبار واليمن على نحوٍ سرّي؟! وهل إقامته لصلاة الجمعة في يوم الأربعاء كانت على نحوٍ سرّي؟! وهل كان قتله لحجر بن عدي وعمر بن حمق وأنصارهم بشكل خفي؟! وهل كان لعن أمير المؤمنين عليه السلام الذي أصدر فيه معاوية تعميماً على أنحاء الدولة الإسلامية وقام بتنفيذه أمراً خفيّاً؟!

فقد مزّق معاوية حجاب الحياء والدين؛ إذ يصفه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «ظاهر غيّه، مهتوك ستره»[21]، فخرج مظهره الشيطاني من وراء الستار، «فإنّما هو الشيطان»[22]. على حدّ وصف أمير المؤمنين عليه السلام.

فهل يمكن بعد هذا الكلام الصريح والواضح لأمير المؤمنين عليه السلام حول فضائح معاوية أن يتخيّل أحدٌ أنّ تلك الفضائح والانتهاكات كانت من وراء حجاب[23]؟! وحيث إنّ فضائح معاوية كانت ظاهرةً إلى هذا الحد، فهل يمكن لأحدٍ أن يتصوّر أنّ فضائح ابنه يزيد كانت مختبئة وراء الأستار؟!

6- وإذا كان المراد: أنّ مقتل الإمام عليه السلام وأسر أهل بيته كان سبباً في تأجيج مشاعر أهل الشام وتمرّدهم على يزيد؛ وبالتالي تمّ إحياء الإسلام بذلك.

فهذا أيضاً لا يمكن قبوله، فقد طغى الوضع المادّي على أهل الشام وتمسّكهم بالدنيا على امتداد أربعين سنة من حكومة معاوية، إلى درجة لو ضُرِبُوا على رؤوسهم بمطارق من حديد لما استيقظوا من نومهم العميق، ولما ثاروا وانتفضوا على يزيد.

فأهل الشام ـ بعد حادثة كربلاء ـ هم أنفسهم قاموا بالتجاوز على أعراض أهل المدينة في وقعة الحرّة بإشارةٍ من يزيد، وهم الذين قاموا بأمرٍ منه بالهجوم على حرم الله مكّة المكرّمة، وأراقوا الدماء وهتكوا حرمة بيت الله الحرام. فهل يُتوقّع من مثل هؤلاء الناس أن يتمرّدوا على يزيد[24]؟!

نقطة هامّة:

زيادة على كل ما ذُكر، وكما مرّ في القسم الثاني[25]، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام عندما واجه الحرّ بن يزيد الرياحي قرّر حينها الرجوع إلى الحجاز، وأصرّ على هذا الأمر إصراراً كبيراً، إلى حدّ أقترح الرجوع وإيقاف النزاع خمس مرّات على الأقل منذ تلك اللحظة التي واجه فيها الحرّ وحتى بداية الحرب، كما حذّر جيش العدو في يوم عاشوراء من قتله[26]، وسعى جاهداً للحيلولة دون وقوع الحرب وإراقة الدماء.

فهل يعني قرار الإمام بالعودة إلى الحجاز، واقتراحه إيقاف النزاع بضعة مرات، وتحذيره جيش عمر بن سعد من الإقدام على إراقة دمه.. أنّه لا يريد أن يحيى الإسلامُ بمقتله؟!! فهل كان الإمام غير راضٍ وراغبٍ في إحياء الإسلام؟!!

 

خلاصة الكلام

وخلاصة الكلام هي: أنّنا لا نتصوّر أيَّ معنى صحيح يمكن قبوله لهذه العبارة: إنّ بقتل الإمام الحسين عليه السلام تمّ إحياء الإسلام؛ أي: بتلك الجريمة التي ارتكبها يزيد. سواء أكان إحياء الإسلام بمعنى:

1ـ العمل بأحكامه.

2ـ أم الفتوحات الإسلامية.

3ـ أم ضعف حكومة بني أُميّة.

4ـ أم انتظام الشيعة وائتلافهم.

5ـ أم افتضاح آل أبي سفيان وتعريتهم.

6ـ أم قيام أهل الشام بثورة على يزيد.

نعم، إنّ الحقيقة تتمثّل في مقاومة الإمام الحسين عليه السلام وكفاحه البطولي في طريق الإسلام، ومن أجل إحياء تعاليم القرآن، حتى نال بذلك الشهادة. فهذا هو المنهاج العملي الذي خطّه الإمام كمصباحٍ يشعّ نورُه في طريق الإنسانية؛ فعلى الجميع أن يستفيدوا قدر الإمكان من هذا المنهج الإنساني المتعالي من أجل تحقيق أهداف الإسلام والعمل على طبقها.

 

تشبيه خاطئ

ربّما يقال: قد يتطلّب الوضع الصحي المتدهور لمريض ما ـ في بعض الأحيان ـ إلى استخدام السكّين لإجراء عملية جراحية. كذلك في الوضع الاجتماعي، فقد يصل الفساد إلى حدٍّ لم يبقَ معه أيّ طريق للإصلاح عدا طريق الحرب وإراقة الدماء. فلمّا رأى الإمام الحسين عليه السلام أنّ فساد المجتمع وصل إلى حدٍّ لم ينفع معه إلّا إراقة الدماء، حينها أقدم على فعل مثل هذا العمل الكبير.

هنا لا بدّ من القول: هل يُستأصل ـ في حال إجراء العملية الجراحية ـ العضو السالم أم العضو الفاسد؟!

الجواب واضح: العضو الفاسد. فإذا قطع الطبيب الجرّاح عضواً سالماً مكان العضوِ الفاسد، أو كان سبباً في قطعه؛ وَقَع محلاً للوم والعتاب، وتحمّل جميع تبعات تلك الخطيئة المتعمَّدة.

فهل يصحّ القول: إنّ الإمام الحسين عليه السلام لمّا رأى فساد المجتمع وانحرافه؛ أقدم على جرِّ ثلّة من خيرة أفراد المجتمع وأكثرهم استقامةً وعلى رأسهم الإمام نفسه إلى عنق الموت والقتل؛ بداعي إجرائه عملية جراحية لهذا المجتمع؟! فيا تُرى، هل يمكن إصلاح المجتمع المنحرف ببقاء الجماعة الفاسدة ومقتل الجماعة المصلحة؟!

فالخطأ في هذا القول يتمثّل في كون القائل به يتصوّر أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعمل منذ بداية حركته لإيجاد حادثة كربلاء؛ ولأجل ذلك قام بتلك الثورة. في حين أنّ الإمام عليه السلام لم ينهض لخلق مثل هكذا حادثة فضيعة ومروّعة، بل كل ما فعله الإمام هو الوقوف بوجه النظام الدكتاتوري، والنهوض من أجل إنقاذ الإسلام والمسلمين عن طريق إقامة الحكم العادل. وفي قبال ذلك: ما فعله مرتزقة الحكومة الأُموية من ضرب القوى الوطنية والإسلامية، وقتل ابن رسول الله‘ وأنصاره الأوفياء.

وعليه؛ لا بدّ من الفصل بين ما قامت به مرتزقة حكومة يزيد ضد الإسلام، وبين ما قام به الإمام عليه السلام، وأن لا نضع حادثة كربلاء الدامية في رصيد سيد الشهداء عليه السلام؛ كي لا نضيف عن طريق ذلك ظلماً آخر إلى سبط النبي صلى الله عليه وآله و سلم .

 

تصورٌ خاطئ

يتصوّر البعض أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان عازماً منذ بداية الأمر على التضحية بنفسه، وأنّ يؤسَر أهل بيته ويُساقون من بلدٍ إلى بلد. وبعبارة أُخرى: كان الإمام يهدف من أوّل الأمر إلى وضع عياله في دائرة الأسر، وسعى جاهداً إلى تحقيق ذلك بداعي تعرية الحكومة الأُموية آنذاك وإظهار حقيقتها!

[أقول]: هل يمكن أن يُقال: إنّ دخول زينب الكبرى بثيابٍ رثّة على مجلس عبيد الله بن زياد، وجلوسها في ناحية مخبِّئة نفسها بين النساء كي لا تُعرف، وعبيد الله بن زياد مع كل ما يحمله من غطرسة ووحشية ينادي لثلاث مرات: مَن هذه المرأة؟ موجِّهاً إلى بنت أمير المؤمنين عليه السلام أنواع التهم والافتراءات[27] يذوب من الهمّ عند سماعها قلب كل إنسان غيور.. فهل كان هذا هدف الإمام الحسين عليه السلام ومراده وعمل ناشطاً من أجل تحقيقه؟!

وهل يمكن القول: إنّ الأمر بقتل الإمام السجاد عليه السلام من قِبَل ابن زياد بعد خطبته المتعجرفة بحجّة تجرّؤ الإمام بالردّ عليه، فتعلّقت به عمّته زينب‘ واعتنقته وقالت: «والله، لا أُفارقه، فإن قتلتَه فاقتلني معه»[28]. فتَكَوَّنَ من ذلك مشهدٌ ترتعد عند سماعه فرائص كل إنسان، فكيف برؤيته؟! أكان ذلك كلّه ما يصبو إليه الإمام عليه السلام ساعياً وراء إيجاده وتحقّقه؟!

وهل يمكن القول: إنّ التنقّل الإجباري لأطفال بيت الرسول صلى الله عليه وآله و سلم الميتَّمون، مع تلك المسافات البعيدة والصحراوية، وتحت أشعة الشمس الحارقة، وتحت مراقبة القوات المسلّحة المترصِّدة، من دون إعطائهم الحريّة والاختيار في السير والاستراحة والنوم وتناول الطعام، ممّا يتقرّح له كبد كل إنسانٍ عطوف.. فهل كلّ هذا كان مراداً للإمام عليه السلام؟!

وهل يمكن القول: إنّ وقوع بنات الإمام الحسين عليه السلام وأخواته في معرض الرؤية والمشاهدة من قِبل العصابات المجرمة، ممّا يهتزّ له قلبُ كل إنسان غيور.. كان مطلوباً للإمام عليه السلام؟! فإذا كان ذلك مراداً للإمام عليه السلام؛ فلماذا اشتكت السيدة زينب‘ بحرقة قلبٍ من ذلك الأمر قائلةً: «يتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد والدنيء والشريف»[29]؟!

هل يمكن القول: إنّ إشارة ذلك الرجل الشامي إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام، طالباً من يزيد أن يتبرّع له بها لاتخاذها جارية، ممّا دفع بالسيدة زينب‘ ـ في حالة مأساوية ـ أن تُدافع عن ابنة أخيها، متحمّلةً ذلك الكمّ الهائل من التوهين والتحقير[30] ما لا يُطيق سماعه أيُّ إنسان مسلم.. أكان ذلك كلّه ممّا قصده الإمام عليه السلام؟!

فهل يُتصوَّر من إمامٍ مجروحٍ دافع عن أهل بيته قائلاً لأعدائه: «ويلكم! إن لم يكن لكم دينٌ وكنتم لا تخافون يوم المعاد؛ فكونوا في أمر دنياكم أحراراً ذوي أحساب، امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهّالكم»[31].. أيتصوّر أن يكون هكذا إمام قد رضي أن يكون مصير النساء والبنات بيد هؤلاء الزمرة الخبيثة تُساق في الأزقّة والأسواق والمشاهد العامّة؟!

كم هو تصوّر طفولي لمن يرى أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يخطّط لعملٍ ما يُجبِر من خلاله مرتزقة النظام إلى سَوق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله و سلم من مكان إلى آخر؛ كل ذلك بداعي تعرية بني أُميّة وفضحهم؟!

كم هو منطقٌ عجيب لمن يقول: إنّ الإمام عليه السلام كان راضياً بكل ما وقع على أهل بيته من أفعال قاسية وغير إنسانية ومخالفة للأخلاق والإسلام!

إنّ ما وقع من أسرٍ لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله و سلم  ـ مع تلك الأوضاع المروّعة والمأساويّة ـ يُعدّ من الجرائم الفريدة من نوعها والتي سوَّدت وجه التاريخ الإسلامي، بل تاريخ البشرية جمعاء. فلا المولى عزّ وجل كان راضياً بمثل هكذا جريمة مروّعة، ولا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم ، ولا الإمام الحسين عليه السلام، ولا المسلمون، ولا يمكن أن يحيى الإسلام بهذه الوسيلة، وإنّما هي ثلمة في الإسلام لا يسدّها شيء، كما حدث ذلك بالفعل.

 

 الكاتب: الشيخ نعمة الله الصالحي النجف آبادي - المترجم: هيئة التحرير

مجلة الإصلاح الحسيني – العدد التاسع

مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

________________________________________

[1] هذا المقال هو عبارة عن بحث مجتزأ من كتاب شهيد جاويد/الشهيد الخالد لمولّفه الشيخ نعمة الله الصالحي النجف آبادي. هيئة التحرير.

[2] قال بعض الباحثین: إنّ الصحيح في هذا الاسم مارتين بالتاء، وأمّا النطق بالباء ماربين فخطأٌ مشهور.

[3] اُنظر: السیاسة الحسينية: ص33.

[4] رولیسیون: تحریك مشاعر الناس وعواطفهم بالضد من بني أُمية.

[5] اُنظر: السياية الحسينية: ص25.

[6] المصدر السابق: ص26.

[7] مراده من ذلك: تحريك مشاعر الناس وأحاسيسهم.

[8] اُنظر: السیاسة الحسينية: ص29.

[9] المصدر السابق: ص36.

[10] المصدر السابق: ص38.

[11] المصدر السابق: ص22.

[12] هيئة التحرير: ونصُ عبارته عليه السلام  كما ورد في كتاب اللهوف: «إنّ الله ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصائب جليلة وثُلمة في الإسلام عظيمة، قُتِلَ أبو عبد الله الحسين عليه السلام  وعترته، وسُبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان، من فوق عالي السنان... أيُّ قلبٍ لا ينصدع لقتله؟! أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أيُّ سَمْعٍ يسمع هذه الثُّلمة التي ثُلمت في الإسلام؟!». ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف، ص117.

[13] اُنظر: السياسة الحسينية: ص45.

[14] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص304.

[15] تلخيص الشافي: ج4، ص190.

[16] اُنظر: المصدر السابق.

[17] ابن الأثير، محمد، الكامل في التاريخ: ج4، ص556.

[18] أبو حنيفة الدينوري، أحمد، الأخبار الطوال: ص282.

[19] اُنظر: المصدر السابق: ص269.

[20] في كتاب شهيد جاويدالشهيد الخالد. هيئة التحرير.

[21] نهج البلاغة: رسالة 39. يقول المترجم: هذا كتاب له عليه السلام  إلى عمر بن العاص بدايته: «فإنّك جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئ ظاهرٍ غيّه مهتوكٍ ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفّه الحليم بخلطته...».

[22] نهج البلاغة: رسالة 44.

[23] نعم، إنّ الجرائم التي ارتكبتها حكومة يزيد ـ وقتلهم الإمام عليه السلام  ـ جعلت من آل أبي سفيان أكثر تعريةً من قَبل، بعد أن كانوا مفضوحين أساساً، إلّا أنّ تلك الفضائح التي حلّت بآل أبي سفيان نتيجة تلك الجرائم لا يمكن أن تكون هدفاً لنهضة الإمام عليه السلام .

[24] لم يختصّ أهل الشام لوحدهم بعدم التمرّد والخروج على يزيد، بل إنّ أهل الكوفة أيضاً لم يثوروا على يزيد بن معاوية. يقول ابن طاووس+ في خصوص أهل الكوفة: «ما عرفناهم أنّهم غضبوا في أيام يزيد لذلك الفعل الشنيع، ولا خرجوا عليه، ولا عزلوه عن ولايته». كشف المحجّة: ص47.

[25] في كتاب شهيد جاويد الشهيد الخالد.

[26] اُنظر: المفيد، محمد، الإرشاد: ص216.

[27] اُنظر: المصدر السابق: ص225.

[28] المصدر السابق: ص226.

[29] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف: ص163.

[30] اُنظر: المفيد، محمد، الإرشاد: ص228.

[31] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص344.

 

المرفقات