استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف ظاهرة تقديم وايثار المصالح الخاصة على المصالع العامة باعتبارها من الظواهر المجتمعية التي تهدد المنظومة الاخلاقية للمجتمع.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي اليوم الجمعة (21 /12 /2018)، ان المصلحة كما في معاجم اللغة تعني ما يبعث على الصلاح وما يتعاطاه الانسان من الاعمال الباعثة على نفعه وخيره او الباعثة على نفع وخير الاخرين.
واضاف ان هنالك مصالح خاصة ومصالح عامة تهم المجتمع وان الحديث يشمل المواطن كفرد في اي موقع كان سواء أكان فرد عادي او موظف او طبيب او مهندس ويشمل كذلك الكيان سواء أكان كيان عشائري او مذهبي او ديني او قومي او سياسي.
واوضح ان مسألة المصلحة الخاصة والمصلحة العامة نابعة من غريزية حب الذات عند الانسان، لافتا الى ضرورة تواجد هذه الغريزة عند الانسان لانها هي التي تحرك ارادته وتدفعه للبحث عن مصالحه ومنافعه، مبينا ان المشكلة تكمن حينما تطغى هذه الغريزة عند الانسان بحيث يهتم بتغليب مصالحه ومنافعه على الاخرين ولا يفكر ولا يهتم الا بمصالح نفسه وذاته.
وتابع في حديثه ان اهتمام الانسان بمصالحه والسعي لتحقيقها وحرمان الاخرين يمثل مرتبة ليست صحية، لافتا الى ان الاشد والاخطر من ذلك ان يستلزم تحقيق المصالح الخاصة الاضرار بالاخرين وحرمانهم من تحقيق النفع ويمثل ذلك مرتبة ادنى تتنافى مع سيرة العقلاء وما هو المطلوب من الناس المؤمنين الذين يتصفون بروح المواطنة.
وبين ان بعض المجتمعات ومنها مجتمعنا تعاني اليوم من تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة في الكثير من شؤون الحياة ومنها التعدي على الحقوق والاموال العامة والتقصير والاهمال في الاداء المهني والوظيفي وتقديم المصالح الحزبية والقومية الضيقة على المصالح العامة وتغليب التعصب العشائري والقومي والحزبي والديني على الانتماء الوطني.
واكد ان ذلك ادى الى ابتلاء الناس بالكثير من الازمات والتخلف وهضم الحقوق وتأخر البلد والمجتمع وتخلفه عن ركب المجتمعات الاخرى.
ويرى ممثل المرجعية الدينية العليا ان مراعاة المصالح العامة لا تخص شخصا او كيانا معينا في المجتمع، بل تشمل المواطن العادي والموظف الحكومي والمعلم والمدرس والاستاذ في الجامعة والطبيب والتاجر والفلاح واصحاب المهن والحرف والسياسي واصحاب الاختصاص والفنون والكيان العشائري والمذهبي والديني والقومي والانتماء الحزبي وغيره من العناوين العامة.
وبين ان المعلم والمدرس والاستاذ الجامعي الذي يؤثر خدمة العلم والطالب ويقدم ذلك على راحته وما يطلبه من امتيازات مالية او وظيفية حرصا على تخريج الطالب المتعلم والماهر في اختصاصه الذي سيخدم مجتمعه ومستقبله باخلاص وتفان واتقان، وكذلك الطبيب الذي يؤثر تطبيب مريضه ويعمل بكل وسعه وطاقته لتحقيق شفاء مريضه وان كان ذلك على حساب الامتيازات المالية والوظيفية له، والموظف الذي يحرص على خدمة المواطنين واداء مهامه على الوجه الصحيح وان كان ذلك على حساب ما يطلبه من امتيازات مالية ووظيفية، والتاجر الذي يحرص على تقديم افضل السلع لمجتمعه وان كان ذلك على حساب ربحه المادي، والسياسي الذي يؤثر مصالح بلده وشعبه على مصالح حزبه وكيانه السياسي ويعتبر ان مصلحة بلده مقدمة على مصلحة كيانه السياسي وان تضررت من ذلك مصالحه السياسية، مبينا ان كل هؤلاء جديرون بالثقة بوطنيتهم وضميرهم الديني والوطني والغيرة على شعبهم، لافتا الى ان من لا يكون كذلك بل آثر مصالحه الشخصية والضيقة ولم يبالِ ولا يكترث بما يلحق بلده وشعبه ومواطنيه من ضرر واذى فهو بعيد عن شعارات الوطنية والحب لشعبه وقد تحكمت فيه غريزة الانانية حداً جعلته عبداً يسير وفق ما تمليه عليه تلك الغريزة.
واكد انه في مقابل ذلك فإن البحث عن المصالح الخاصة بلا ضوابط او قيود ومبادئ وسلطة تحدّ من ذلك اذا كانت هذه المصالح الخاصة تضر بمصالح الاخرين ستتحول الى قوة تدمير وافساد للمجتمع ومؤسساته وتترك الضعفاء فريسة للاقوياء واصحاب السلطة والقوة والمال وسينعدم الاستقرار والسلم والامانة وتهضم الحقوق، بل تهدّد مستقبل الاجيال القادمة.
واشار الى انه حينما تسود في المجتمع ظواهر مثل ان تطالب بالامتيازات بدون حساب ولا مقابل يوازي الامتيازات المالية او المنصبية او الاجتماعية او السياسية وان تنتفع من موقعك الوظيفي اقصى ما يمكن من تحقيق الاهداف الشخصية أو لا تقدم الخدمة الا بمقابل، ومن يعطي أكثر سأكون معه وسأعطيه ومن يقف في وجهي ومصالحي سأبحث له عما يوقفه ويحد من مخططاته أو ربما يقمعه، أو لا يهمك ان يتضرر وطنك ومدينتك واهلك وعشيرتك طالما ان مصالحك الشخصية متحققة، على هذا سيصبح البلد ومؤسساته سوقاً للمزايدات وساحة للصراعات وسوف لا يكون هناك عمل وتقدم وخدمة.
ونبه الكربلائي الى ضرورة الاهتمام بالمنظومة الفكرية والاخلاقية، مبينا ان مسالة غريزة حب الذات والانانية هي التي تؤدي الى تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة، مؤكدا على ضرورة ان تكون هنالك مبادئ وقيم وقواعد اخلاقية توجه هذه الغريزة بالوجهة الصحيحة لخدمة العنوان الخاص والعام.
وقال ان من الضروري ان تهتم المؤسسات التربوية بتربية الانسان وبالمنظومة الفكرية والعقدية بدءا من الاسرة والمدرسة والجامعة والدائرة وحتى المؤسسات الاخرى.
ووجه الى اهمية ان يعي الانسان ان بقية افراد المجتمع هم بشر مثله يتمنون حصول الخير والنفع والمصلحة لهم، لافتا الى انه هؤلاء جميعا وان اختلفوا معه في مسألة الانتماء الديني او القومي او المذهبي انما هم اما نظراء له في الخلق او اخوان له في الدين، داعيا الى ضرورة التركيز على هذه النظرة الفكرية والعمل على ضوئها.
كما اكد الكربلائي على ضرورة توضيح وتعريف منظومة الايثار وبيان فوائدها ومنافعها باعتبارها منظومة اخلاقية تهتم بمصالح ونفع الاخرين وقضاء حوائجهم والتضحية من اجلهم وحب الخير لهم، مبينا ان الموظف حينما يقدم خدمة للناس فان الناس سيخدموه، وفي حال لم يقدم لهم الخدمة وتعامل معهم بما يحقق مصالحه الشخصية فان الناس سيتعاملون معه بالمثل.
واوضح ان من يعمل على خدمة الناس وهم بالملايين فانهم سيعملون على خدمته ونفعه، وفي حال عمل لصالح نفسه فقط او لعشيرته او لكيانه الاجتماعي او السياسي بروح الانانية، وحرم الاخرين من هذه المنافع فان الاخرين سيعاملونه بالمثل وبالتالي سيحرم من منافع كثيرة، مبينا انه ورد في بعض الاحاديث ان منع الانسان يده من الناس حرمه الناس من اياد كثيرة، موضحا ان الانسان حينما يعيش مع (1000) شخص ويعمل على خدمتهم فانه سينتفع من (999) شخص، وبالعكس اذا عمل لصالح نفسه سيرحم من ذلك النفع.
ولفت الى ضرورة الاهتمام بهذه المنظومة الاخلاقية كما الاهتمام بالمؤسسات التربوية والمسائل العلمية والتخصصية الاكادييمة.
ويرى ممثل المرجعية الدينية العليا ان من قواعد تغليب المصالح العامة على الخاصة هي توفر البيئة الصالحة، مبينا ان المقصود بذلك ان يكون الحاكم او من سلمت بيدهم مقاليد الامور قدوة للاخرين في المجتمع.
وبين ان على المعلم ان يكون قدوة للطالب وكذلك المدرس والاستاذ الجامعي والطبيب والمهندس والموظف، مبينا ان البيئة الصالحة هي التي تصنع الانسان الذي يسعى لخدمة ونفع الاخرين .
ودعا خطيب جمعة كربلاء الى ضرورة ان تعتني المؤسسات التشريعية والتنفيذية بحماية المصالح العامة، مبينا ان التربية احيانا لوحدها لاتكفي وان التكلم بالموعظة والنصيحة في خطب الجمعة قد ينفع في بعض الاحيان، الا ان من الضروري ان تقوم المؤسسات التشريعية بسن القوانين التي تحفظ المصالح والحقوق العامة وتمنع الاضرار بالاخرين، فضلا عن قيام السلطة التنفيذية بتطبيق هذه القوانين التي تحمي الاموال والخدمات والحقوق العامة وتمنع اي عنوان شخصي او عنوان ضيق كأن يكون عشيرة او عنوان ديني او قومي من الاضرار بالاخرين.
وقال الكربلائي ان مراعاة المصالح العامة سينعكس على الجميع، وان كل عنوان شخصي وضيق ان اعتنى بمصالحه فقط وقدمها على الاخرين حينئذ سينبسط الضرر على الجميع وسيتقوض العمل الجمعي وتشتت الطاقات والجهود والامكانات.
ولاء الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق