أ.م.د خليل خلف بشير م.م علي عبد الحسين حسن
المقدمة:تشكل الاسماء الحسنى العنوان الدال على الذات المقدسة, والطريق الموصل الى الحضرة الالهية المكرمة، وأحد معاني الأسماء العلاّمة، لذا فإِنَّ هذه الاسماء علامات على ذاته الطاهرة([1]) ولا سبيل لمعرفة الحق سبحانه وتعالى إلا عن طريق تلك الاسماء والصفات, فلما كان الحق سبحانه وتعالى بسيطاً لا ماهية له, ولما كان العقل لا يكتنه إلا الماهيات فحسب فقد استحال على العقل معرفة الله, فالعقل يعرف الله بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية([2]).
وإذا كان الامر كذلك فستكتسب الصفات والاسماء أهمية مضاعفة؛ لأنَّ باب المعرفة منحصر بها بعد أن استحالت عن طريق الذات, حيث ستغدو الصفات وسائط بين الذات الالهية وبين مصنوعاته سبحانه ووسيلة للارتباط به([3]), وهذا ما صرحت به الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) : ((فليس يحتاج أن يسمي نفسه, ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره, يدعونه بها, لأنَّه إذا لم يُدعَ باسمه لم يُعرَف))([4]). من أجل ذلك نجد الأدعية تبدأ بذكر الله حمداً أو نداءً؛ لأنَّ لسان الداعي متصل بقدرة الله وبه ينطق وبفضله وكرمه ينفتح ولولا تلك القدرة وذلك الفضل لما كان بمقدور العبد التفوه بكلمات الدعاء([5]) , (( فكيف لي بتحصيل الشكر؟ وشكري إياكَ يفتقر إلى الشكر, فكلما قلتُ لكَ الحمدُ وجب عليَّ لذلكَ أن اقول : لكَ الحمد))([6]).
ثم إنَّ كلَّ ما يصدر من الله من أفعال, فهو مرتبط باسم من أسمائه الحسنى, ولهذا فإنَّ المتكلم الحكيم يختار من الكلمات أنسبها لموضوع كلامه وأدلها على مكنونات نفسه، وكذا الحال في انتخابه لأسماء الله الحسنى، فإن الله تعالى وإن أذِنَ لنا بالدعاء بأي اسم من أسمائه إذ قال: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ (الإسراء / 110) فإن هذا لا يعني البتة عدم التماس المناسبة بين الاسم وموضوع الدعاء، إذ من غير المعقول أن يريد الإنسان الحياة وهو يدعو باسم(المميت)، أو يريد الرزق وهو يدعو باسم (القابض)([7]), فينبغي له أن يدعو ربَّه بالاسم المناسب لمقامه والحافظ من منافراته([8]).(( ومن هنا يظهر أن جهات الخلقة وخصوصيات الوجود التي في الأشياء ترتبط إلى ذاته المتعالية من طريق صفاته الكريمة أي إنَّ الصفات وسائط بين الذات وبين مصنوعاته ... وهذا هو الذي نجري عليه بحسب الذوق المستفاد من الفطرة الصافية فمن يسأل الله الغنى ليس يقول: يا مميت يا مذل أغنني، وإنما يدعوه بأسمائه: الغني والعزيز والقادر مثلا))([9]).
أما النداء في سياق الدعاء فإنَّه يختلف في دلالاته وغاياته عن السياقات الأخرى؛ إذ إنَّ اقبال المدعو على الداعي في الدعاء يشكل مطلباً رئيساً, إن لم نقل وحيداً, فهو غاية بحد ذاته, فالمدعو هو الغاية أولاً وبالأساس, والطلب هو ثانٍ وبالعرض, ((إلهي ماذا وجد من فقدك, وما الذي فقد من وجدك)), في حين أنَّه في مواطن أخرى يشكل وسيلة أولية لتحقيق غايات أخر.
إنَّ أبرز ما يلفت الانتباه ويجذب النظر تغيرُ الاسماء الحسنى وتبدلها, فما تراه في هذا الدعاء لا تراه في غيره مما يحدو بالباحث إلى محاولة تفسير ذلك والتماس المناسبة بين مطالب الدعاء ومعاني الاسماء, وقد كانت صيغة الأسماء الصرفية ومادتها اللغوية هما السبيل التي سلكها الباحث وهو يطلب غايته, فبحث في الأصل اللغوي للاسم, ثم الهيأة الصرفية التي جاء عليها مراجعاً سياق الدعاء لكشف سبب انتخاب هذا الاسم أو ذاك دون غيره.
وقد وقع البحث في مبحثين هما: الاسماء المشتقة، وقد أتى الباحث على مقصود العلماء بالمشتق والجامد، ملمحاً إلى الخلاف البصري الكوفي القديم حول أصل المشتقات، لينتقل بعدها إلى الاسماء المشتقة التي جاءت عليها الاسماء في الصحيفة السجادية وهي : (الاسماء المصوغة على وزن فاعل, صيغ المبالغة, الصفة المشبهة, صيغ التفضيل, المصدر الميمي).
أما مبحث الاسماء الجامدة فتضمن : المصدر الصريح, وصيغتي (يا الله, واللهم) .
وأخيراً نسأل الله أن يلهمنا الرشد والصلاح والعلم والعمل، وأن يجنبنا الخطل والزلل، إنَّه لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
الأسماء الحسنى حقيقتها وأهميتهااختلف العلماء في أصل الاسم فقيل إنَّه مشتق من السمو, وهو العلو؛ لأنَّه بمثابة التنويه, وقيل إنَّه مشتق من السمة أي العلامة([10]), ويرى ابن سيدة أنَّ الأول هو الصحيح معللاً ذلك بـ((أَن جمعه أسماءٌ على ردِّ لَام الْفِعْل وَكَذَلِكَ تصغيره سُمَّيُّ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ شَيْءٌ إِذا حذفت فاؤه دخله ألف الْوَصْل إِنَّمَا تدخله تَاء التَّأْنِيث كالزِّنَة والعِدَةِ والصِّفَةِ وَمَا أشبه ذَلِك وَيُقَال سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا إِذا علا وَمِنْه السماءُ والسَّمَاوَةُ وَكَأَنَّهُ قيل اسْم أَي مَا علا وظهَرَ فَصَارَ عَلَماً للدلالة على مَا تَحْتَهُ من الْمَعْنى))([11])
والاسم بحسب اللغة ما يدل به على الشيء سواء أفاد مع ذلك معنى وصفيا كاللفظ الذي يشار به إلى الشيء لدلالته على معنى موجود فيه، أو لم يفد إلا الإشارة إلى الذات كزيد وعمرو وخاصة الأسماء المرتجلة من الأعلام([12]).
والاسماء الحسنى هي الفاظ مجعولة أعلاماً على الذات بالتخصيص نحو (الله), أو بالغلبة نحو (الرحمن, الرحيم), وكذلك كل لفظ مفرد دلَّ على صفة من صفات الله, واطلق اطلاق الاعلام, نحو (الربّ, الخالق, العزيز, الحكيم)([13]) , فإنك إذا قلت : (زيد) فهو يدل على ذات متشخصة في الوجود من غير زيادة ولا نقصان, أما لو قلت: (العالم), دلَّ هنا على الذات منسوبة إلى العلم, ومن هنا صحَّ أنَّ تكثر الاسماء المختلفة على الذات الواحدة ولا يوجب ذلك تعددا فيها ولا تكثراً([14]).
إنَّ القول باسمية الاسماء الحسنى لا يعني الجواب عن الماهية فـ((قد ثبت أنَّه إذا اشار المشير إلى شيء وقال : ما هو ؟ فقيل : طويلٌ أو أبيض أو بصير, أو أشار إلى الماء فقال : ما هو ؟ فأجيب : بأنَّه بارد ... فكلُّ ذلك ليس جواباً عن الماهية البتة, والمعرفة بالشيء هو معرفة حقيقته وما هيته, لا معرفة الأسامي المشتقة, فإنَّ قولنا: حار. معناه شيء مبهم له وصف الحرارة, وكذلك قولنا: قادر عالم. معناه شيء مبهم له وصف العلم والقدرة))([15]) وهكذا في سائر الاسماء, فنحن حينما نثبت لربِّنا له هذه الاسماء والصفات إنما نثبت له الكمالات وننفي عن النقائص, مع عدم علمنا بكنه ما اثبتناه له تعالى, فنهاية معرفة العارفين عجزهم عن المعرفة ومعرفتهم بالحقيقة أنَّهم لا يعرفونه([16]) .
وثمة قضية غاية في الأهمية يجب التنبه لها والتأكيد عليه وهي أن الحديث عن الاسماء الحسنى لا يقصد بها الالفاظ, ومن ثم فإنَّ الاسماء الحسنى لا تعني الأسماء الجميلة, بل المراد منها الحقيقة والعين دون اللفظ والصورة الذهنية, ومعنى ذلك أنَّ الله سبحانه هو الفاعل الموجد لكلِّ شيء بما له من الصفة الكريمة المناسبة له التي يحويها الاسم المناسب, لا تأثير اللفظ أو الصورة المفهومة في الذهن أو حقيقة أخرى غير الذات المتعالية([17]). وهذا ما صرحت به الروايات فـ((عن هشام بن الحكم أنَّه سأل مولانا الصادق(ع) عن أسماء الله واشتقاقها, الله مِمَّ هو مشتق؟ قال: فقال لي : يا هشام الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوهاً, والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً, ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد أثنين, ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد, أ فهمتَ يا هشام؟ قال: فقلتُ زدني. قال: إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل أسم منها إلهاً, ولكن الله معنى يُدلُّ عليه بهذه الاسماء وكلها غيره ...))([18])
وإذا كانَّ هذا هو حال الاسماء اللفظية , فقد يتبادر إلى الذهن ما هو دور الاسم اللفظي؟ وهنا يجيب السيد الطباطبائي عن هذا السؤال بقوله: (( إنَّ الالفاظ ومعانيها وسائل وأسباب تُحفظ بها الحقائق نوعاً من الحفظ))([19]) .
وحينما يقول الانسان : (( اللّهمَّ إنَّي اسالُكَ باسمكَ)) فلا يقصد بذلك لفظ الاسم, وإنما هو يسأل بالواقع الخارجي الكائن وراء ذلك الاسم, وإنَّ الذي يحقق الاجابة ليست الألفاظ من جهة أنَّها أصوات بل الحقيقة الكائنة وراءها([20]) . ومن أجل ذلك جاز أن يدعى الله بكل اللغات؛ لانَّ مقصود الداعي الحقيقة الكامنة خلف تلك الاصوات, وما تلك الأصوات الا علامات تشير إلى تلك الذات المتعالية .
أنواع الاسم
تصنف الأسماء على قسمين هما: ( الاسماء المشتقة) و(الاسماء غير المشتقة)(*).
ويقصدون بالاشتقاق أخذ كلمة من أخرى مع تناسب بينهما في المعنى, وتغيير في اللفظ؛ ليدل بالثانية على المعنى الأصلي وزيادة مفيدة اختلفت لأجلها بعض الحروف أو حركاتها أو هما معاً ([21]).
واختلف العلماء في أصل المشتقات فقال البصريون ومعهم معظم الصرفيين بأنَّ المصدر هو أصل المشتقات, في حين ذهب الكوفيون إلى أن الفعل هو أصل المشتقات([22]), والذي يفهم من كلام سيبويه أنَّ المصدر هو الأصل, حيث يقول : إنَّ (( بعض الكلام أثقلُ من بعض، فالأفعالُ أثقلُ من الأسماء لأنّ الأسماء هي الأُولَى، وهي أشدُّ تمكّنا، فِمن ثم لم يَلحقها تنوينٌ ولحقها الجزْم والسكون، وإنَّما هي من الأسماء. ألا تَرى أنّ الفعل لا بدّ له من الاسم وإلاّ لم يكن كلاماً، والاسمُ قد يَستغنى عن الفعل، تقول: اللهُ إلهُنا، وعبدُ الله أخونا))([23]), فسيبويه يستدل على أصالة (الاسم)- والمصدر اسم- بدليلين : أولهما (صوتي) وهو خفة الاسم قياساً إلى الفعل, والآخر (تركيبي) وهو عدم استغناء الكلام عنه, فاستغناء الاسم عن الكلِّ واحتياج الكلِّ إليه دليل على أنّه هو الأصل والآخر فرع عليه([24]) .
أما الصيغ المشتقة التي جاءت عليها الاسماء الحسنى فهي (اسم الفاعل, صيغ المبالغة , الصفة المشبهة, افعل التفضيل, المصدر الميمي)
أما الاسم الجامد فهو ذلك الاسم الذي لم يؤخذ من غيره, نحو (ارض وباب) . وهو على قسمين : اسم ذات : وهو ما دلَّ على ذات محسوسة , مثل (رجل و فرس), واسم معنى : وهو ما دلَّ على معنى قائم في الذهن , نحو ( شجاعة و ذكاء) وعلى هذا الأساس فإنَّ كل المصادر الأفعال الثلاثية غير الميمية تدخل ضمن هذا النوع ؛ لأنها تدخل تحت عنوان (اسم المعنى)([25])
وما وقع من الاسماء الحسنى جامدا هي (مصادر الفعل الثلاثي غير الميمي) و(الله, اللهم) .
المبحث الأول : الاسماء المشتقة : ما وقع على وزن فاعل :يشكل الاسم المشتق على وزن (فاعل) حالة وسطى بين دلالة الفعل على الحدوث والتجدد وبين دلالة الصفة المشبهة على الثبوت والدوام ((فهو أدوم من الفعل, ولكنَّه لا يرقى إلى ثبوت الصفة المشبهة))([26]) . إنَّ محدودية بعض الأفعال وارتباطها بزمن معين أو بعالم معين أو بحالة خاصة قد يمرُّ بها العبد هو الذي يملي أن يجيء الاسم المقدس على هذه الصياغة والوزن, فـ(المحيي و المميت) اسمان من اسمائه تعالى جاءا على وزن فاعل؛ ذلك لأنَّ الإحياء والإماتة أمور تتعلق بفترة زمنية لا تتجاوز الحياة الدنيا والحياة البرزخية, فكانَّ من الأنسب مجيئهما على هذا الوزن, وهذا ما يفسر مجيء أغلب صفات الأفعال على هذا الوزن نحو (القابِض والباسِط, والمُحيي والمُميت, المُقدِّم والمٌؤخِر, المُعِز والمُذل, الخافِض والرافِع) وكذلك الاسمان (الظاهِر والباطن) فإننا نجدهما قد اشتقا على وزن (فاعِل) لأنَّ ظهور الحق وخفاءه مقتصر على الحياة الدنيا, أما في الحياة الآخرة فالكلُّ فيها ملاقيه ((يا إيها الأنسان إنّك كادحٌ إلى ربِّكَ كدحاً فملاقيه))(الانشقاق/ 6), فعندما يتعلق الفعل بالعباد تأتي هذه الأسماء الموزونة على وزن (فاعِل), أما إذا تعلق الأمر بالله سبحانه وتعالى فإننا نجدُّ انزياحا واضحاً عن هذا الوزن إلى الأوزان الأخرى التي فيها دلالة الثبوت والدوام نحو (المحيي الحيّ, المُغني الغني, العالم العليم , المُعز العزيز ) .
وممّا جاء من الأسماء الحسنى على هذا الوزن في (الصحيفة السجادية)
قول الإمام السجاد (ع) : (( يا نَافِذَ العدةِ([27]), يا وافي القولِ, يَا مُبدِّلَ السَّيئاتِ بأضعَافِها مِن الحسنات))([28]). قوله (ع) : ((اللهُمَّ يا كافِيَ الفردِ الضعيفِ, وواقيَ الأمرِ المخوفِ))([29]). قوله (ع) : ((يا ضامِنَ جزاءِ المُحسنينَ, وَمُستصلِّحَ عًملِ الفاسدينَ))([30]). قوله : ((يَا فَارِجَ الهَمِّ, وكاشفَ الغمِّ))([31]). قوله (ع) : ((أسألُكَ يَا غَافِرَ الذَّنبِ الكبيرِ, وجابِر العظمِ الكسيرِ, أن تهبَ لِي موبقاتِ الجرائِر... يَا مُجيبَ المضطرِ, يَا كاشِفَ الضُّرِ))([32]). وقوله (ع) : (( يَا مُنجيَ الهَالِكينَ, و يَا عاصِمَ البائسينَ, و يَا راحِمَ المسَاكينَ, و يَا مُجيبَ المُضطرينَ, ... , و يَا جابِر المُنكسرين, ... , و يَا ناصِر المُستضعَفينَ, و يَا مُجير الخائِفينَ, و يَا مغيثَ المكروبينَ))([33]) .إنَّ محدودية هذه الأفعال واقتصارها على فترة زمنية محددة ومحدودة هو ما سوغ مجيء الاسماء المصوغة منها على زنة اسم الفاعل.
أما عن علاقة هذه الاسماء بمطالب الدعاء فنحتاج لتحديدها العودة إلى سياق الدعاء, فلما كان الدعاء في المثال الأول متوجهاً في منفعته إلى الرسول محمد (ص وآله) ولما كان الرسول موعوداً بنيل مقامٍ محمود يكون فيه شافِعاً ومُشفَّعاً, حيث قال تعالى: (( وَمِنَ الليلِ فتَهَجد به نافِلَةً لَكَ عسى أن يَبعَثَكَ ربُّكَ مَقاماً مَحموداً)) ( الإسراء/ 79), ناسبه أن يأتي بالأسماء (( نَافِذَ العدةِ, وافي القولِ, مُبدِّلَ السَّيئاتِ بأضعَافِها مِن الحسنات)) .
أما سياق الدعاء في المثال الثاني فكان (إذا أحزنه أمر وأهمته الخطايا), حيث يقول (ع) : ((اللهُمَّ يَا كَافِي الفردِ الضعيفِ, وواقيَ الأمرِ المخوفِ, أفرَدَتني الخَطَايا فلا صَاحبَ معي, وضَعُفتُ عن غَضَبِكَ, فلا مُؤيَّدَ لي, وأشرفتُ على خوفِ لِقَائِكَ, فلا مُسكِّنَ لِروعتي))([34]), إنَّ الخوف وترقب المصيبة النازلة, جراء اقتراف الذنوب, كان هو الدافع والمحرك لإصدار نص الدعاء, وهذا ما حدا بالداعي إلى تصدير دعائه بهذين الاسمين (كافي, واقي), فما إن انتهى الداعي من نداء لفظ الجلالة (اللهُّمَّ) حتى استقدم هذين الاسمين متوسلاً بهما رجاءً لتحصيل الأمان.
أما موضوع الدعاء في المثال الثالث , ((يا ضامِنَ جزاءِ المُحسنينَ, وَمُستصلِّحَ عًملِ الفاسدينَ)), فكان (إذا نُعيَ إليه ميتٌ أو ذكر الموت), حيث يقول(ع) : ((اللهُمَّ صَلِّ على محمد وآله, وأكفنا طولَ الأملِ, وَقَصِّره عنا بصدقِ العَملِ حتى لا نُأمَّلَ استتمام ساعةٍ بعد ساعةٍ, ولا استيفاءَ يَومٍ بعد يَومٍ, ولا اتِّصال نَفسٍ بِنفس, ولا لحوقَ قدمٍ بقدم, وسلمنا من غروره, وآمنَّا من شروره... يا ضامِنَ جزاءِ المُحسنينَ, وَمُستصلِّحَ عًملِ الفاسدينَ))([35]) , ويأتي الدعاء للميت ختاماً للكلام, كما هو المعهود في أدبيات العرب, ولما كانت حال الميت تتردد بين (الصلاح) و (الفساد) جاء التأكيد منه (ع) على صفتين من صفاته تعالى تتمثلان بقبول عمل المحسنين والتجاوز عن سيئات المقصرين, وهو بهذا يدعو للميت أياً كان عمله.
ولما كان مضمون الدعاء في المثال الرابع هو (كشف الهموم), حيث يقول الإمام(ع) : ((يَا فَارِجَ الهمِّ وكاشِف الغمِّ, يَا رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمهما, صَلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد, وافرُجْ همِّي وأكشِف غَمِّي))([36]), فانفراج الهمِّ وانكشاف الغمِّ هما الغاية التي يسعى الداعي الى تحقيقها ناسبه استمطار شآبيب الرحمة الإلهية بـ(فارِج الهمِّ وكاشِف الغمِّ) من غير الاقتصار على هذين الاسمين بل تأكيدهما باسمين آخرين هما (رحمن الدينا والاخرة ورحيمهما) احترازاً من الداعي وتعليلاً لسبب اسقاط الهموم وازاحة الغموم, فرحمانية الحق ورحيميته هما الدافع وراء انفراج الهمِّ وانكشاف الغمِّ.
وهكذا في باقي المواضع فالمناسبة واضحة بين الاسم من جهة ومضمون الدعاء من جهة أخرى, ففي المثال الخامس كانت (التوبة) هي موضوع الدعاء فلا عجب أن نجد أسماء مثل (غَافِرَ الذَّنبِ الكبيرِ, وجابِر العظمِ الكسيرِ, ومُجيبَ المضطرِ, وكاشِفَ الضُّرِ) لتناسب تلك الأسماء مع موضوع الدعاء, وكذلك في المثال السادس فقد كان (الاعتصام بالله) موضوعاً للدعاء فناسبه المجيء بالأسماء (مُنجيَ الهَالِكينَ, عاصِمَ البائسينَ, راحِمَ المسَاكينَ, مُجيبَ المُضطرينَ, جابِر المُنكسرين, والمُستضعَفينَ, مُجير الخائِفينَ, مغيثَ المكروبينَ) فالمُعتصِم لا يخلو من أن يكون (هالكاً, أو بائساً, أو مسكيناً, أو مُضطراً, او منكسِراً, أو مُستضعفاً, أو خائفاً, أو مكروباً) ومن ثم كان التوجه إلى الله من أجل حماية الداعي وإزالة ضعفه, وسدِّ عوزه ونقصه.
صيغ المبالغة :تدل هذه الصيغ على الحدث ومن قام بالحدث, كما يدل اسم الفاعل, غير أنَّها تزيد عن اسم الفاعل في دلالتها على المبالغة والتكثير.
ولهذه الصيغ أوزان أشهرها خمسة هي (فَعَّال, مِفعال, فَعول, فَعيل, فَعِل)([37]) , ولا تصاغ إلا من مصدر فعل ثلاثي, متصرف, متعدٍ, ما عدا صيغة (فعيل) فإنَّها تصاغ من اللازم والمتعدي([38]).
وهذه الصيغ والأوزان ليست بمعنى واحد, قال ابن طلحة : (( (فعول) لمن كثر مِنْهُ الْفِعْل و (فعَّال) لمن صَار لَهُ كالصناعة و (مِفعال) لمن صَار لَهُ كالآلة و (فعيل) لمن صَار لَهُ كالطبيعة و (فعل) لمن صَار لَهُ كالعادة))([39]).
إنَّ المجيء بصيغ المبالغة يتناسب مع مقام التمجيد والتبجيل والثناء, أضف إلى ذلك تناسبها مع مقام الرهبة والتخويف. ومما جاء على هذه الصيغ قوله (ع) : ((إلهي أجرنِي مِن ألِيمِ غَضَبِكَ وَ عَظِيمِ سَخَطِكَ, يا حَنَّانُ يا منَّانُ, يا رَحيمُ يا رحمنُ, يا جبَّارُ يا قهَّار, يا غفَّارُ يا ستَّارُ, نَجِّني برَحمتِكَ من عذابِ النارِ...))([40]), فـ( جبَّار وقهَّار, وغفَّار, وستَّار) اسماء جاءت على وزن (فعَّال) الدال على المبالغة إعظاماً للحق سبحانه وتعالى وتبجيلاً له وثناء عليه, ولما كان موضوع الدعاء موضوع خوف؛ إذ إنَّ هذا المقطع من الدعاء وارد ضمن (مناجاة الخائفين), ناسبه اظهار ذلك الخوف بواسطة استقدام الاسمين (جبَّار وقهَّار) غير أنَّ الداعي تدارك القول مبيناً أن رجاءه لا ينقطع حتى في مقام الخوف والرهبة فجاء بالاسمين(غفَّار وستَّار) ليظلَّ الداعي بعد هذه الاسماء متقلباً بين حالين مختلفين؛ بين نار الخوف التي يمثلها الاسمان (جبار وقهار), ونور الرجاء الذي يمثله الاسمان (غفَّار وستَّار). إنَّ المجيء بتلك الاوزان غير مضافة كان من أجل إفادة العموم, ذلك أن اضافة هذه الأوزان إلى ما بعدها تختلف عن عدم إضافتها, لما في الإضافة من تقييد للمضاف بالمضاف اليه, وعلى هذا الاساس فـ(ستَّار العيوب) يختلف عن (ستَّار) و(غفَّار الذنوب) يختلف عن (غفَّار), ولهذا كان المجيء بـ(ستَّار وغفَّار) غير المضافين لأنَّ ذلك أشمل واوسع لعدم تقييدهما بشيء. وقد تكون الدلالة على المبالغة بواسطة صيغة (فعيل) نحو قوله(ع) : ((يا سميع الدُّعاءِ))([41]) فـ(سميع) صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وقد قيد هذا الوصف بالمضاف إليه؛ لأنَّ المضاف إليه هو محط الرعاية والعناية والاهتمام, فليس مطلق السمع ما يهم الداعي بل ما يهمه هو سماع دعائه وإجابة ندائه .
الصفة المشبهة :وهو ما أشتُقَّ من فعل لازم, لمن قام به على معنى الثبوت([42]), ودلالتها على الثبوت دلالة عقلية لا دلالة وضعية, فإذا أردت التخصيص وجب المجيء بقرينة تدل على التخصيص, نحو : كان هذا حَسناً فَقَبُح, أو: سيصير حسناً, أو : هو الآن حسن فقط([43]).
واوزانها هي :(أفعل ومؤنثه فعلاء) و (فعلان ومؤنثه فعلى) و(فَعَل) و(فُعُل) و(فُعال) و(فَعال) و(فَعْل) و(فِعْل) و(فُعْل) و(فَعِل) و(فَعيل)([44]), ولما كانت صفات الحق سبحانه وتعالى عين ذاته فقد جاءت جلُّ تلك الصفات على هذه الأوزان لما فيها من معنى الدوام والثبوت ولا سيما صفات الذات (الحيّ العليم السميع البصير...الخ ), ومما جاء من هذه الصيغ في (الصحيفة السجادية) صيغة (فَعيل), وهي من الصيغ المشتركة بين الصفة المشبهة وصيغ المبالغة, وشرط دلالتها على الصفة المشبهة أن يكون الفعل فعلاً لازما, فـ(عظيم وكريم) صفتان مشبهتان؛ لأنهما من (عَظُم وكرُمَ) وهما فعلان لازمان, ومنه قوله (ع) :((أتيتُكَ مُقرِّاً بالجُرمِ والإساءةِ إلى نفسي, أتيتُكَ رَاجياً عَظيمَ عَفوِكَ الذَّي عَفوتَ بهِ عَنِ الخَاطئينَ ثُم لمْ يَمنعكَ طُولُ عُكُوفِهم عَلَى عَظيمِ الجُرمِ, أن عُدتَ عَليهِم بالَّرحمةِ وَالمَغفِرَة, فَيا مَن رَحمتُه واسِعة, وَعَفوه عَظيم, يا عَظيم يا عَظيمُ, يا كَريمُ يا كَريم , صَلِّ عَلَى مُحمدٍ وآل محمد))([45]), فـ(عظيم وكريم) اسمان جاءا على وزن (فعيل) وهو من أوزان الصفة المشبهة؛ لأنَّهما مشتقان من فعلين لازمين (عظُم وكرُم), لما في هذا الوزن من معنى الدوام والثبوت. إنَّ سياق الدعاء هو الذي أملى على الداعي أن يجيء بهذين الاسمين, فعظمة الذنب لا يقدر عليها غير عظمة الرَّب, فلا يغفر الذنب العظيم إلا الَّربُ العظيم, ولما كانت المغفرة لوناً من ألوان الكرم ناسبه المجيء باسم (الكريم) إفاضة من الداعي لذلك الكرم وتحقيقاً لذلك المطلب. ومنه أيضاً ما ورد في الدعاء الخامس والاربعين (في وداع شهر رمضان) حيث وردت الصيغتان (كريم وحليم) في قوله (ع) : ((وبَعدَ تَرَادُفِ الحُجَّةِ عَليهِ كَرَمَاً مِن عَفوِكَ يا كريمُ, وعائِدَةً مِن عَطفِكَ يَا حَليمُ))([46]), إنَّ التناسب بين مضامين الدعاء هو ما جعل الداعي يستقدم هذين الاسمين دون سواهما, فهما مستقدمان لبيان أسباب الإمهال وعدم الاستعجال, ودليل ذلك مجيؤهما بعد المفعول لأجله (كرماً و عائدةً), فـ(ترادف الحجة) مبعثه الكرم فجاء بـ(يا كريم) و(عائدة العطف) سببها الحلم فجاء بـ(يا حليم) , وقد يكون المجيء بالاسم الثاني من أجل الاحتراس إشارة إلى أنَّ منشأ الكرم هو الحلم لدفع توهم أن تأمينه سبحانه ناشئ عن ضعف، أو عن مخافة، بل إنَّ تأمينه وإمهاله إياهم نابع من رحمته سبحانه به وتعالى وحلمه مع قوته وقدرته.
وقد ترد هذه الصيغة مضافة إلى ما بعدها نحو قوله (ع) : ((يَا غَنِيَّ الأغنِياء, ها نَحنُ عِبادُكَ, وأنا أفقَرُ الفُقَراءِ إليكَ, فاجبُرْ فاقتنا بِوسعِكَ))([47]), لما كان الغنى أمراً نسبياً, فالشخص قد يكون غنياً بالنسبة إلى شخص ولكنَّه فقير بالنسبة إلى شخص آخر, فقد ناسبه أن يكون ذلك القياس وتلك النسبة إلى الأغنياء خاصة دون غيرهم, أما عن المناسبة بين الاسم وغرض الدعاء فهي واضحة وضوح الأضداد بين فقر الداعي وغنى المدعو.
أفعل التفضيليذكر الدكتور أحمد مختار عمر أنَّ الاسماء الحسنى في القرآن الكريم على صيغة أفعل التفضيل جاءت في ثلاث صور هي :
التفضيل المطلق أو التام , نحو : الأول والآخر , الأعلى , الأكرم. التفضيل المباشر من دون ذكر المفضل عليه, نحو: ((الله أعلم حيث يجعل رسالته)) (الأنعام/ 124). صياغة أفعل التفضيل من فعل مساعد وإضافته الى جمع معرفة نحو , خير الماكرين, خير الرازقين, خير الحاكمين([48]) .غير أنَّه لم يتنبه إلى صورة أخرى ألا وهي صورة أفعل التفضيل بعضاً من المفضل عليه نحو (أرحم الراحمين) و(أحكم الحاكمين), وهناك صور أخرى وردت في (الصحيفة السجادية) منها صياغة الفعل المساعد المضاف الى مفرد نحو قوله (ع) : ((يا خير مرجو ويا أكرم مدعو))([49]) , وقوله (ع) : ((يا أقصى طَلِبَةِ الطَّالبينَ وَيَا أعلى رَغبَةِ الرَّاغبينَ))([50]), وكذلك صورة الفعل المساعد مضافاً إلى الاسم الموصول نحو قوله (ع) : ((يَا خَيرَ مَن خلا بِهِ وَحيدٌ, وَ يا أعطَفَ مَن أوى إليهِ طريد))([51]).
وتختلف معاني اسم التفضيل تبعاً لاختلاف فعله؛ إذ إنَّ ((اسم التفضيل يتعلق بماهية الفعل))([52]). ويدِّل - في أغلب صوره – على الثبوت والدوام, ما لم توجد قرينة تعارض هذا([53]), وإنما يصار إلى هذا النوع من الاسماء في حال عدم انحصار الفعل بالباري جلَّ وعلا, نحو (أرحم الراحمين) فلما كانت الرحمة غير منحصرة بالله, فهي في العباد آية من آياته تعالى ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة))(الروم /21), كما إنَّها طريق لابدَّ من سلوكه حينما يتعلق الأمر ببر الوالدين, قال تعالى : ((واخفض لهما جناح الذُّلِ من الرَّحمة))(الاسراء/24), لذا كان من الأنسب المجيء بصيغة التفضيل (أرحم الراحمين), ونظير ذلك قوله (ع) : ((وَ اجعَلنَا عِندَكَ مِنَ التَّوابينَ الَّذينَ أوجَبتَ لَهُم مَحبَّتَكَ, وقبِلتَ مِنهُم مُرَاجعةَ طَاعَتِكَ, يا أعدل العَادِلِينَ))([54]), وتذييل هذا المقطع من الدعاء بهذا النوع من الاسماء لما فيه من مناسبة ووجه المناسبة أنَّه لما أوجب محبته للتوابين بقوله : ((إنَّ الله يحبُ التَّوابينَ)) (البقرة/222), وقبول مراجعة من راجعه الى طاعته, لقوله تعالى : ((إن الله يقبل التوبة عن عباده)) (التوبة/ 104) كان سبحانه أعدلَّ من أن يخصَّ بذلك قوماً دون آخرين فيفعل ذلك بطائفة ويحرم طائفة مع تساويهم في عبوديته, فوجب أن يكون عدله في ذلك شاملاً لجميع عباده وهو أحدهم فيمتنع أن يخصه بالحرمان دونهم([55]), ويظل هذا القياس قياساً مع الفارق فأين التّراب من ربِّ الأرباب؟.
المصدر الميميالمصدر هو الاسم الدال على الحدث غير المرتبط بالزمان, والمصدر الميمي هو ذلك النوع من المصادر الذي يبدأ بميم زائدة في غير مفاعلة, ويصاغ من الفعل الثلاثي ومن غير الثلاثي صيغة قياسية, ويؤدي ما يؤديه هذا المصدر الأصلي من الدلالة على المعنى المجرد([56]), ولم يفرق سيبويه بين هذا المصدر الميمي وبين المصدر الصريح حيث قال : ((وإن كان المَفْعَلُ مصدراً أُجرى مُجَرى ما ذكرنا من الضَّرب والسيرِ وسائرِ المَصادر التى ذكرنا؛ وذلك قولك: إنّ في ألفِ درهمٍ لمَضرَبا، أى إن فيها لضرباً؛ فإِذا قلت: ضُرِبَ به ضَرباً، قلت: ضُرِبَ به مَضْربا، وإن رفعتَ رفعتَ. ومثل ذلك: سُرَّحَ به مُسَرَّحاً، أى تسريحا. فالمُسَرَّحُ والتسريح بمنزلة الضَّرب والمَضرَب))([57]), فـ(المَضرب والمُسرَّح) وهما مصدران ميميان بمنزلة (الضَّرب والتسريح) وهما مصدران صريحان بمنزلة واحدة ولم يتطرق الى الخلاف بين الصيغتين. غير أنَّ العلماء يفرقون بينه وبين غيره من المصادر بكونه أكثر قوة في الدلالة وأشد توكيداً ([58]), فضلاً عن أنَّه يحمل في طياته عنصر (الذات) بخلاف المصدر غير الميمي فإنَّه حدثٌ مجرد مِن كلِّ شيء([59]), هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإنَّه يدل على معانٍ لا يدل عليها غيره, فقد يدلُّ على نهاية الشيء وغايته([60]), ولعلَّ هذه الخصائص لهذه الصيغة الصرفية هي علة مجيء اسم (المولى) على هذا الوزن؛ إذ إنَّ مقصود الداعي ليس الولاء مجرداً بل غاية الولاء ونهايته مضافاً إلى جهته ومقصوده, فـ((المولى مَفعَل من ولي يلي، يكون للمصدر والزمان والمكان. أما إذا أريد به مالك التدبير والتصريف في وجوه الضر والنفع، أو السيد، أو الناصر، أو ابن العم أو غير ذلك من محامله، فأصله المصدر، سمي به وغلبت عليه الإسمية، ووليته العوامل))([61]), ومولاي, أي متولي أمري, والأولى بي من غيره([62]), ومن ذلك قول الإمام السجاد (ع) : ((أبَيتَ يا مَولايَ إلا إحساناً وامتناناً وَ تَطَوِلاً وإنعاماً, وأبَيتُ إلا تَقَحُّماً لِحُرمَتِكَ, وَتَعدِّياً لِحدودِكَ, وَغَفلَةً عَن وَعيدِكَ))([63]) , إنَّ هذا الاسم (المولى) يستثمر مشتركه اللفظي ليرد في هذا السياق وامثاله, فللمولى معانٍ في كلام العرب منها (الولي, العصبة, الحليف, المُعتَق, المُعتِق, أهل الرجل, الناصر, الذي يلي الأمر)([64]), ومن الواضح أنَّ بعض هذه المعاني لا يصح اطلاقها على الحق سبحانه وتعالى, غير أنَّ باقي المعاني تتناسب مع أغراض الدعاء, فإذا عدنا إلى موضوع الدعاء, التي وردت فيها الفقرة الدعائية السابقة, وجدناه وارداً ضمن الدعاء التاسع والاربعين (في دفع كيد الأعداء ورد بأسهم), ولا شكَّ أنَّ هذا الموضوع يناسبه (الولي والحليف والناصر), أضف إلى ذلك إنَّ هذا الاسم يتناسب مع السياق الداخلي؛ إذ إنَّ تولي الأمر كان تولياً ملؤه الإحسان والتفضل والامتنان مع أنَّ العبد يقر ويعترف بعدم تقديمه ما يستوجب عليه تلك المعاملة الحسنة.
المبحث الثاني: الاسماء الجامدة المصدر الصريحالمصدر هو الاسم الدال على حدث غير مقترن بزمان, ويصار الى هذا النوع من الأسماء قصداً للكثرة والمبالغة فـ((كأنَّهم جعلوا الموصوف ذلك المعنى؛ لكثرة حصوله منه, وقالوا : رجل عدل ورضى وفضل كأنَّه لكثرة عدله والرضى عنه وفضله جعلوه نفس العدل والرضى والفضل))([65]), ومما جاء على وزن المصدر من الاسماء الحسنى (حنَّان ومنَّان) والحنان هو الواسع في الرحمة, المبالغ في الإكرام والعطف([66]), أما المنان فهو العظيم الهبات, الوافر العطايا([67]), فالجامع بين الاسمين هو السعة في الإكرام والعطاء, وقد وردا في قول الإمام السجاد (ع) : ((يا ربِّ يا ربِّ يا حنَّانُ يا منَّانُ, يا ذا الجَلالِ والإكرامِ, صلِّ على محمد وآلهِ واستَجِبْ لي جَميعَ ما سَألتُكَ, وَطَلبتُ إليكِ وَرَغِبتُ فِيهِ إليكَ...)) فلما كان الداعي راغباً بتحصيل جميع مسائله وتحقيق كل مطالبه ناسبه أن يأتي بالاسمين (الحنان والمنان)؛ لما يشتملان عليه من السعة في العطاء والوفرة في الإكرام والجزاء.
ومن المصادر أيضاً اسم (ربّ) ورَبُّ كلِّ شيءٍ مالكُه وله الرُّبوبيَّة, ولا يقال الربُّ في غَير اللّهِ إِلاّ بالإِضافةِ قال ويقال الرَّبُّ بالأَلِف واللام لغيرِ اللّهِ([68])
والرب اسم من مشتق من صفة الربوبية ،الرَّب أما أن يكون مصدراً أو صفة مشبهة على وزن (فَعْل) ([69]) والربُّ في اللغة مصدر من معنى التربية، الرَّبُّ هو الذي يربي غيره وينشئه شيئا شيئاً، فوصف الرَّبِّ يكون لمن أنشأ الشيء حالاً فحالاً إلى حدِّ التَّمام، أو إصلاح شؤون الغير ورعاية أمره بانتظام، ويطلق الرَّبُّ في اللغة على مالك الشيء، تقول : هذا ربُّ الإبل وربُّ الدَّار أي مالكها، ويطلق على السيد المطاع ومنه قوله تعالى : (أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا) ، أي سيده([70])
ويصار إلى هذا الاسم في حال تطلب السياق دلالة التربية والرعاية والعناية والاهتمام فضلاً عن الملك, نحو ما جاء في قوله (ع) – في سياق حديثه عن خلقه وهو جنين - : ((ولو تَكِلُني يَا ربِّ فِي تِلكَ الحالاتِ إلى حَولِي, أو تَضطرنُّي إلى قُوّتي لَكَانَ الحَولُ عَنِّي مُعتَزِلاً, وَلَكَانَتِ القُوةُ مِنِّي بَعيدةً, فَغَذوتَني بِفَضلِكَ غِذَاءَ البرِّ اللَّطِيفِ, تَفعَلُ ذَلكَ بِي تَطوُّلاً عَليَّ إلى غايَتي هَذِهِ, لا أعدمُ بِرَّكَ وَلا يُبطئ بِي حُسنُ صَنِيعِكَ...))([71]) فالاعتراض بالتركيب الندائي – يا ربِّ – لما بين هذا الاسم ومطالب الدعاء من علاقة قوامها التفضل والتلطف؛ إذ إنَّ من أكمل صور الرعاية الإلهية والعناية الربانية وأجملها ما يتفضل به الحق سبحانه وتعالى على عبده وهو في طور الأجنة وكيف يتقلب حالاً بعد حالٍ, نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تُكسى تلك العظامُ لحماً, ثم يُنشأ خلق آخر, فتبارك الله أحسن الخالقين, وفي كلِّ حالة من تلك الحالات لا يوجد غير الربِّ متعهداً ومعتنياً وراعياً, فلك الحمد ربُّنا على ما انعمتَ ولكَ المنُّ على ما به تفضلتَ.
وقد يكون هذا الاسم وارداً في سياق الدعاء للنبي (ص وآله) وأهل بيته (ع), نحو قوله (ع) : ((رَبِّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وآل محمد المُنتَجبِ, المُصطفَى, المُكَرَّمِ, المُقرَّبِ... رَبِّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وآله, صَلاةً زاكيةً, لا تَكُونُ صَلاة أزكى منها... رَبِّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وآلهِ, تُرضيهِ وَتَزيدُ رِضاهُ ... رَبِّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وآلهِ, صَلاةً تُجاوِزُ رِضوَانَكَ ... رَبِّ صَلِّ على مُحَمَّد وآلهِ صلاةً تَنتَظِمُ صَلَواتِ مَلائِكَتِكَ وأنبِيائِكَ وَرُسُلِكَ ... رَبِّ صَلِّ عليهِ وآلهِ صلاةً تُحيطُ بِكُلِّ صَلاةٍ سالفة ومُستَأنَفَة..., رَبِّ صَلِّ على أطَائِبِ أهلِ بيتهِ الذينَ اختَرتَهُم لِأمرِكَ...))([72]) وهكذا يطغى اسم (رب) في هذا الدعاء مكرراً لأكثر من عشر مرات؛ لما يتضمنه هذا الاسم من معنى الملك والتربية والإصلاح([73])، وهو ما يتناسب مع وظيفة الإمام الذي يقوم بوظيفة التربية والإصلاح ((ألا وإنَّ لكل مأموم إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه))([74]), فضلاً عن ذلك فإننا نلحظ أن الدعاء كان للائمة لأنَّ في صلاحهم صلاح للأمة, فمتى صلح الراعي صلحت الرعية.
ومن الاسماء الحسنى التي وردت على وزن المصدر اسم (إلهي) وإله على وزن فِعال بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنه مأَلُوه أَي مَعْبُودٌ، كَقَوْلِنَا إمامٌ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعول لأَنه مُؤْتَمّ بِهِ. وقيل إنَّه مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَه إذا تَحَيَّرَ، لأَن الْعُقُولَ تَأْلَهُ فِي عَظَمَتِهِ. وأَلِهَ يَأْلَه أَلَهاً أَي تَحَيَّرَ، وأَصله وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهاً. وَقَدْ أَلِهْتُ عَلَى فُلَانٍ أَي اشْتَدَّ جَزَعِي عَلَيْهِ، مِثْلُ وَلِهْتُ، وَقِيلَ: هُوَ مأْخوذ مَنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِلَى كَذَا أَي لجأَ إِلَيْهِ لأَنه سُبْحَانَهُ المَفْزَعُ الَّذِي يُلْجأُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَمر([75])
واسم الإله يختلف في معناه عن اسم الرّبِّ في كثير من النواحي، فالرَّبُّ معناه يعود كما تقدم إلى الانفراد بالخلق والتدبير، أما الإله فهو المستحق للعبادة المألوه الذي تعظمه القلوب وتخضع له وتعبده عن رضا ومحبة([76])، ويمكننا القول بأنَّ الأصل اللغوي للاسم قد يعبر عن طبيعة العلاقة الحاكمة بين صاحب الاسم ومستعمل ذلك الاسم, ومن هنا يأتي اسم (الهي) معبراً عن حالة من الحب والوه يعيشها الداعي لحظة صدور الدُّعاء, وهذا ما يبرر استعمال هذا الاسم وتكراره في المناجيات فقد ورد هذا الاسم في المناجيات لوحدها (42) مرة, وليس خافياً أنَّ المناجيات هي حالة دعائية خاصة يطغى عليها جانب السرية والخفاء, وأن كثرة استعمال ذلك الاسم وتكراره تعبر عن حالة الهيام التي يعيشها الداعي وهو يلهج بذكر اسم معشوقه جامعاً بواسطة ذلك الاسم حالة القرب التي يعيشها العاشق وحالة التعظيم لذلك المشوق.
(الله و اللهُمَّ)اختلف العلماء في أصل لفظ الجلالة ونوعه, فهو عند بعضهم غير مشتق من شيء بل هو علم لزمته الألف واللام, ((وهو رأي الخليل وسيبويه وقول أكثر الأصوليين والفقهاء))([77]), وهو مشتق من (إلاه) عند بعضٌ آخر, ومن (لاه) عند آخرين.
وأختلف القائلون باشتقاقه حول نوعه, فقال بعضهم: إنَّه علم شخص أو جارٍ مجراه, وقال آخر : إنَّه اسم جنس موضوع لمفهوم واجب([78]).
ويرد على القول باشتقاقه وعلميته وإدخال (الألف واللام) عليه : أنَّ العلم قسيم للمحلى بـ(للام), فكيف يكون علماً ومحلى بـ(للام) ؟ ([79]).
ويُشكل على القائلين بأنَّه مشتق وإنَّه اسم جنس أنَّ لفظ الجلالة لو لم يكن علماً لما كانت كلمة (لا إله إلا الله) كلمة توحيد, فإنَّها لا تدل على التوحيد بنفسها, كما لا يدل عليه قول : (لا إله إلا الرازق) أو غيرها من الألفاظ التي تطلق على الله سبحانه وتعالى؛ لأنَّه بتقدير أن يكون (الله) لفظاً مشتقاً كان قولنا (الله) غير مانع من أن يدخل تحته أشخاص كثيرون, لكون معناه حينئذٍ معنى كلياً لا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه([80]).
وأما القول بكونه علماً بالغلبة كـ(المدينة) و (الكتاب) فمدفوع بوجوب حذف (ال) عند النداء.
وعلى هذا تكون كلمة (الله) علماً غير مشتق, والألف واللام من أجزاء الكلمة, ومما يرجح جموده وعدم اشتقاقه : أنَّ لفظ الجلالة بما له من المعنى لا يستعمل وصفاً, فلا يقال : العالم الله, الخالق الله, على أن يراد بذلك وصف العالم والخالق بصفة هي كونه (الله) . وهذه آية كون لفظ الجلالة جامداً, وإذا كان جامداً كان علماً لا محالة. بخلاف العكس فإنه يوصف بجميع الاسماء الحسنى, وسائر الأفعال المأخوذة من تلك الاسماء([81])
ثم إنَّ حكمة الوضع تقتضي وضع لفظ للذات المقدسة, كما تقتضي بإزاء سائر المفاهيم ([82]).
ولا مضايقة من أن يكون لفظ الجلالة منقولاً, وعليه فالأظهر أنَّه مأخوذ من كلمة (لاه) بمعنى الاحتجاب والارتفاع, فهو مصدر مبني للفاعل؛ لأنَّه سبحانه هو المرتفع حقيقة الارتفاع التي لا يشوبها انخفاض, ظاهر بآياته وآثاره, محتجب عن خلقه بذاته, فلا تدركه الأبصار ولا تصل إلى كنهه الأفكار([83]).
وسواء أ كان لفظ الجلالة علماً جامداً أم مصدراً, فهو داخل في دراستنا, ضمن الاسماء الجامدة.
أما الصيغة الأخرى – أعني اللهم-فهي الصيغة الندائية الاساس, وهي صيغة واسعة الانتشار كثيرة التكرار, وهذا يؤكد قولنا بأنَّها الصيغة الندائية الاساس في الصحيفة السجادية, وقد قال اللغويون في هذه الصيغـة إن أصلهـا (يا الله) وإن هـذه (الميم) هـي عـوض حرف النـداء المحذوف([84]), وهذه الصيغة تكتنز دلالـة علـى التقديس والثناء فـ((قد دلت الدراسات الحديثة على أن أصلها –يعنـي اللهـم– عبـري، هـو (ألوهيـم)، ومعناهـا(الآلهـة) وهـم يريـدون بـه الواحـد وإنمـا جمعـوه للتعظيم))([85])، وأرى أنَّ هذه الصيغة تأتـي للطلب فـي مواطـن الإيجاز والاختصار؛ لأنَّها أنسب في هذه المواطن لدلالتها على النداء من خلال وجود حرف (الميم) في نهايتها الذي أغناهـا عـن التضـام مع حـرف النـداء (يا) الـذي يتطلب امتـداداً زمنيـاً واسعاً لما يشتمل عليه من حروف صائتة، وهذا ما يبرر مجيء الطلب بعدها مباشرة في مواضع عديدة من دون تمجيد أو ثناء اكتفاءً بما تستبطنه هذه الصيغة من دلالة على الحمد والتقديس والتعظيم, وثمة فرق آخر بين الصيغتين وهو أنَّ صيغة (يا الله) تستعمل في الأذكار والأوراد في حين أن صيغة (اللهم) لا تستعمل هذا الاستعمال مما يؤكد ارتباطها بسياق الطلب.
مجيئها موصوفة بأي صفة، يدل على أنَّها صيغة دعائية مختصرة تدل على النداء وتعظيم المنادى في الوقت ذاته، ويأتي الطلب بعدها بصورة مباشرة نحو قوله (ع) : ((اللهُمَّ إنَّا نَعوذُ بِكَ مِن نَزَغاتِ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وَكيدهِ ومكائدِه... اللهُمَّ اخسأه عَنَّا بعبادَتِكَ...اللهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وآله ... اللهُمَّ لا تجعَل لَهُ فِي قُلوبِنا مَدخَلاً ولا تُوطِنَنَّ لَهُ فيما لَدينَا مَنزِلاً. اللهُمَّ وما سَولَ لَنَا مِن باطِلٍ فَعرفناه... اللهُمَّ وأشربْ قُلُوبَنا إنكارَ عمله... اللهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وآله وحول سُلطَانَهُ عَنَّا ... اللهُمَّ واعمُم بِذلِكَ مَن شَهِدَ لَكَ بالرُّبُوبيةِ... اللهُمَّ احللْ مَا عَقَدَ, وافتَقْ مَا رَتَقَ... اللهُمَّ واهزِمْ جُندَهُ وأبطِلْ كَيدَه ... اللهُمَّ اجعَلْنَا فِي نَظمِ أعدائِهِ واعزِلنَا عَن عِدادِ أوليَائِهِ))([86]), وقد يأتي الطلب بعدها بصورة غير مباشرة, نحو قوله (ع) : (( اللهُمَّ إنَّكَ إنْ صَرَفتَ عَنِّي وَجهَكَ الكَريمَ, أو مَنعتَنِي فَضلَكَ الجَسيمَ, أو حَظَرتَ عَلَيَّ رِزقَكَ أو قَطَعتَ عَنِّي سَبَبَكَ لَمْ أجِدِ السَّبيلَ مِن أمَلي غَيرَكَ, وَلَمْ أقدِرْ عَلَى مَا عندَكَ بِمَعُونَة سِواكَ, فإنِّي عَبدُكَ, وَفِي قَبضَتِكَ نَاصيتي بِيَدِكَ, لا أمرَ لِي مَع أمرِكَ ... ))([87]), فالطلب في هذه الفقرة الدعائية طلب غير مباشر. إنَّ طبيعة هذا الطلب هي التي حدت بالداعي إلى هذا النوع من الصيغ غير المباشر, فلما كان المدعو لم يصرف وجهه عن الداعي ولم يمنعه جسيم احسانه وفضله, ولم يكن مانعاً عليه رزقه ولا قاطعاً عنه سبيله فكان من الأنسب أن يكون الدعاء على تلك الشاكلة.
أما عن الصيغة الأخرى التي تعد الصيغة الأولى مشتقة منها، ومتفرعة عنها، أعني صيغة (يا الله) فإنَّها تأتي في مواطن الإطناب والإطالة والدليل على ذلك هو تكرارها، ووصفها، فمن الأول قول الامام الصادق(عليه السلام): ((وَأَسَالُكَ يَا اللهُ, يَا اللهُ, يَا اللهُ, يَا ربَّاهُ, يَا ربّاهُ...))([88])، ومن الثاني قوله (عليه السلام): ((يا اللهُ الواحِدُ, الأحَدُ, الصَّمدُ الَّذي لَم يَلد وَلَم يُولَد, وَلَم يَكُن لَه كُفواً أحدٌ))([89])، فجاء لفظ الجلالة منادى في ثلاث مرات في النص الأول، وموصوفاً بأربع صفات في النص الثاني وذلك لا يكون إلا حينما تتوفر مدة زمنية تتيح المجال لهذا النوع من الأساليب، فنستشف من هاتين الصفتين أنَّها أنسب في مواطن الإطالة والإطناب([90]), ويلاحظ على (الصحيفة السجادية) أنَّها تكاد تخلو من نداء لفظ الجلالة فلا أثر له إلا في مقطع واحد وهو قوله (ع) : ((وَأنتَ العَظيمُ أعظَمُ من كُلِّ عَظيمٍ. بِكَ بِكَ بِكَ استترتُ, يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ))([91]).
الخاتمةوفي النهاية يمكننا أن نوجز أهم نتائج هذا البحث بما يأتي:
وجود المناسبة بين الاسم المنادى ومطالب الدعاء, وإنَّ الاسم يستغل طاقته اللغوية والصرفية ليتشكل والسياق الذي يرد فيه. إنَّ الاسماء الحسنى المصاغة على وزن (فاعل) تبقى دالة على ما يدل عليه اسم الفاعل ولا تتحول بفعل الإضافة الى الصفة المشبهة؛ لوجوب وجود الفرق بين التعبيرات, كالفرق بين (غافر وغفّار وغفور).الهوامش:
[1] - ينظر: تفسير الامثل: مكارم شيرازي :9/177
[2] - ينظر: تعليقة على نهاية الحكمة : محمد تقي مصباح يزدي : تعليقة / 62 ص 86 .
[3] - ينظر : تفسير الميزان: السيد الطباطبائي : 3/ 358 .
[4] - بحار الأنوار : 4/ 88 ، الحديث 26 .
[5] - ينظر : رحلة في الافاق والاعماق (شرح دعاء كميل ) : حسين أنصاريان : 40
[6] - الصحيفة السجادية : 243
[7] - ينظر: اللباب في تفسير الكتاب: للسيد الحيدري: 1 / 248
[8] - ينظر : شرح دعاء السحر للإمام الخميني : 35
[9] - تفسير الميزان: 8/ 358
[10] - ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس: 1/ 472، والمفردات للراغب : 243- 244، الجامع لإحكام القران : للقرطبي : 1/101 المصباح المنير :للفيومي: 1/ 290- 291، والمعجم الوسيط : 452 .
[11] - المخصص : 5/ 215
[12] -نفسه : المكان نفسه.
[13] -ينظر : التحرير والتنوير : للطاهر بن عاشور : 9/ 186
[14] - ينظر : الأسنى في شرح الاسماء الحسنى : 37 .
[15] - حق اليقين في معرفة أصول الدين: السيد عبد الله شبر : 1/ 69.
[16] - ينظر : نفسه : 1/69
[17] - ينظر: تفسير الميزان : 3/ 360 .
[18] - أصول الكافي : ج1 باب 16 ح 2 ص168.
[19] - تفسير الميزان : 3 / 361 .
[20] - ينظر: التوحيد : للسيد كمال الحيدري ، جواد علي كسار : 1/ 114
[21] - ينظر: شذا العرف في فن الصرف : أحمد الحملاوي : 111 ، أبنية الصرف في كتاب سيبويه: خديجة الحديثي : 246.
(*) يختلف معنى الاشتقاق باختلاف المباحث المستعمل فيها هذا المصطلح ، فالمشتق عند النحويين ما يرادف الصفة ويعمل عمل الفعل، اما عند الصرفيين فهو أخذ كلمة من أخرى، ويتسع هذا المصطلح عند اللغويين فيشمل أنواعاً أخرى كالاشتقاق الكبير ، والاشتقاق الأكبر ، ينظر : أبنية الصرف : 246- 251 .
[22] - ينظر : نفسه : 254
[23] - الكتاب : سيبويه : 1/ 20 - 21 .
[24] - ينظر تفصيل هذه المسألة في كتاب (الأنصاف في مسائل الخلاف) : ابن الأنباري : 192 .
[25] - ينظر: المحيط : محمد الانطاكي : 1/ 219
[26] - أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة : 93
[27] - لا يرى الباحثان ما يراه الاعلام من أنَّ اضافة اسم الفاعل تحوله الى (الصفة المشبهة)، وحجتهما في ذلك وجوب وجود الخلاف بين التعبيرات وان تشابهت.
[28] - الصحيفة السجادية : 31- 32 .
[29] - نفسه : 84.
[30] - نفسه : 138 .
[31] - نفسه: 207.
[32] - نفسه : 233- 234.
[33] - نفسه : 256 .
[34] - نفسه : 84.
[35] - نفسه : 137- 138 .
[36] - نفسه : 207 .
[37] - ينظر : شذا العرف : 121- 122.
[38] - ينظر: النحو الوافي : 3/ 260.
[39] - همع الهوامع : السيوطي : 3/ 75.
[40] - الصحيفة السجادية : 238 .
[41] - نفسه : 250 .
[42] - ينظر :شرح الرضي على الكافية : 2/ 745 .
[43] - ينظر : نفسه :2/ 746.
[44] - ينظر : شذا العرف : 124- 125 .
[45] - الصحيفة السجادية : 190 .
[46] - نفسه : 154 .
[47] - نفسه : 50 .
[48] - ينظر: اسماء الله الحسنى ، دراسة في البنية والدلالة : 100- 101 .
[49] - الصحيفة السجادية : 239 .
[50] - نفسه : 251 .
[51] - ا نفسه : 250 .
[52] - التحرير والتنوير : 12/ 85 .
[53] - ينظر : النحو الوافي : 3/395 .
[54] - الصحيفة السجادية : 162 .
[55] - ينظر : رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين : 6/193 .
[56]- ينظر : النحو الوافي: 3/231 ، والصرف الواضح : عبد الجبار علوان النايلة : 139 .
[57] - الكتاب : 1/233، 4/87 وما بعدها .
[58][58] - ينظر : النحو الوافي: 3/231 ، والصرف الواضح: 139 .
[59] - ينظر: معاني الأبنية في العربية : 34 .
[60] - ينظر : نفسه : 35 .
[61] - البحر المحيط : 2/ 385 .
[62] - ينظر: لسان العرب : 6/ 4921 ، شرح دعاء الصباح : حسن مكي الخويلدي : 59
[63] - الصحيفة السجادية : 197 .
[64] - ينظر : لسان العرب: 6/4921.
[65] - شرح المفصل : ابن يعيش : 3/ 50 .
[66] - ينظر: اسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة :
[67] - نفسه :
[68] - ينظر: لسان العرب : 3/ 1546
[69] - ينظر : التحرير والتنوير : 1/ 166
[70] - ينظر : لسان العرب :3/ 1546 .
[71] - الصحيفة السجادية : 122 – 123 .
[72] - نفسه : 172 – 173 .
[73] - ينظر: اشتقاق اسماء الله : للزجاجي: 32
[74] - نهج البلاغة: 417
[75] - ينظر : لسان العرب: 1/114- 115 .
[76] - ينظر : اسماء الله الحسنى ، المكتبة الشاملة ، شرح الاسماء الحسنى الدالة على الذات
[77] - مفاتيح الغيب : الرازي : 1/143 .
[78] - ينظر: شرح الاسماء الحسنى : الزجاج : 25 –26 ، البيان في تفسير القران : السيد الخوئي : 425، اللباب في تفسير الكتاب : 1/ 206 .
[79] - ينظر: الحدائق الندية : 5، سلسبيل في أصول التجزئة والاعراب: ابو القاسم عليدوست : 16.
[80] - ينظر : اللباب في تفسير الكتاب : 1/ 206 .
[81] - ينظر : البيان في تفسير القران : السيد الخوئي : 425
[82] - ينظر : نفسه : 425.
[83] - ينظر: انفسه : 427.
[84] - ينظر: الكتاب : 1/ 25
[85] - معاني النحو : 4 / 279
[86] - الصحيفة السجادية : 70 – 72 .
[87] - نفسه : 84 – 85 .
[88] - نفسه : 85
[89] - انفسه : 78
[90] - ينظر: الجملة ودلالاتها في الصحيفة الصادقية : علي عبد الحسين حسن (رسالة ماجستير)، آداب البصرة : 73 .
[91] - الصحيفة السجادية : 221 .
المصادر والمراجع القرآن الكريم أبنية الصرف في كتاب سيبويه: خديجة الحديثي : مكتبة النهضة – بغداد – الطبعة الأولى – 1385 ه ، 1965م . أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة : احمد مختار عمر – عالم الكتب – مهرجان القراءة للجميع . الاسنى في شرح الاسماء الحسنى : عبد الله محمد بن احمد الانصاري القرطبي، تح : عرفان بن سليم العشا حسونة الدمشقي، المكتبة العصرية – بيروت ، الطبعة الاولى ، 1426 ه، 2005 م . أصول الكافي الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، لأبي البركات بن الأنباري ، تحقيق الدكتور جودة مبروك محمد مبروك، راجعه الدكتور رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي ، القاهرة الطبعة الأولى، (د.ت). بحار الأنوار، الشيخ محمد باقر المجلسي ، دار إحياء التراث، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة، 1403ه- 1983 م. البيان في تفسير القران : السيد الخوئي : (ط3 ) مؤسسة الاعلمي للمنشورات، بيروت – لبنان، 1974م . التحرير والتنوير ، للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، الدار التونسية للنشر ، تونس ، 1984 م ، ( د.ط) . تعليقة على نهاية الحكمة : محمد تقي مصباح يزدي تفسير اسماء الله الحسنى : إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ) تح: أحمد يوسف الدقاق، دار الثقافة العربية . التوحيد : للسيد كمال الحيدري ، جواد علي كسار ، دار فراقد. (د.ط)، (د. ت) الجامع لأحكام القران ، لأبي عبد الله محمد بن احمد الانصاري القرطبي ، تحقيق عبد الرزاق المهدي ، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، 1422 ه، 2001 م . الجملة ودلالاتها في الصحيفة الصادقية، علي عبد الحسين حسن، رسالة ماجستير، كلية الآداب / جامعة البصرة، 2015م . الحدائق الندية : علي خان الكبير، مؤسسة دار الهجرة، قم، (د. ط ) (د . ت) حق اليقين في معرفة أصول الدين : عبد الله شبر دروس في التوحيد، كمال الحيدري، بقلم علي حمود العبادي، دار فراقد، الطبعة الأولى – 1432 ه . رحلة في الافاق والاعماق (شرح دعاء كميل ) : حسين أنصاريان، تر كمال السيد، مؤسسة انصاريان، قم، الطبعة الأولى ، 1425ه- 2004 م . رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين : علي خان المدني الشيرازي – تح : محسن حسين الاميني – الطبعة الرابعة – 1415 ه . سلسبيل في أصول التجزئة والإعراب ، أبو القاسم عليدوست، دار الاسرة ، ايران، الطبعة الثانية، 1425 ه . سنن أبي داود سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي: دار الفكر : تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، (د.ط)، ( د. ت) سنن ابن ماجه : أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني: دار الفكر – بيروت : تح: محمد فؤاد عبد الباقي. (د.ط) (د. ت) سنن الترمذي : محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي: دار إحياء التراث العربي – بيروت: تح: أحمد محمد شاكر وآخرون (د ط) (د. ت) سنن النسائي : أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي: تح : مكتب تحقيق التراث: دار المعرفة- بيروت، الطبعة الخامسة، 1420هـ. شذا العرف في فن الصرف ، للأستاذ أحمد الحملاوي ، مؤسسة أنوار الهدى ، قم ، إيران ، الطبعة الثانية، 1424 ه ، 2003 م . شرح الرضي لكافية بن الحاجب ، لمحمد بن الحسن الاستراباذي ، تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر ، جامعة قاريونس ، 1398 ه ، 1978 م ، ( د.ط). شرح المفصل ، لموفق الدين ابن يعيش ، طبعة إدارة الطابعة المنيرية، ( د.ط) ، ( د.ت). شرح دعاء الصباح : حسن مكي الخويلدي : دار المصطفى لإحياء التراث – الطبعة الأولى – 1423 ه . شرح قطر الندى، لابن هشام الأنصاري، انتشارات ذوي القربى ، قم ، إيران ، الطبعة الثالثة، 1426 ه . الصحيفة السجادية : تقديم السيد محمد باقر الصدر، دار السلام، بيروت ، لبنان الطبعة الاولى ، 1429ه – 2008 م . الصحيفة الصادقية ، تأليف باقر شريف القرشي ، تحقيق مهدي باقر القرشي ، دار المعروف ، النجف الأشرف، الطبعة الخامسة، 2011 م . الصرف الواضح : عبد الجبار علوان النايلة : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي – 1408 ه – 1988 م . الكتاب ، لسيبويه أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ، تحقيق وشرح عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، الطبعة الثالثة، 1408 ه ، 1998 م . اللباب في تفسير الكتاب: للسيد الحيدري: دار الفراقد قم ، إيران ، الطبعة الأولى، 1431 ه ، 2010 م . المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها ، محمد الانطاكي : دار الشرق العربي ، بيروت ، الطبعة الثالثة، (د. ت) المخصص : أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (المتوفى: 458هـ): تح :خليل إبراهم جفال: دار إحياء التراث العربي – بيروت : ط1 ، 1417هـ 1996م. لسان العرب ، لابن منظور ، تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله و هاشم محمد الشاذلي ، دار المعارف ، القاهرة ، (د.ط) ، ( د.ت). المصباح المنير: ابو العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي: المكتبة العلمية – بيروت. (د.ط) (د. ت) معاني النحو ، للدكتور فاضل صالح السامرائي ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيروت، لبنان الطبعة الأولى 2007 م . المعجم الوسيط، ابراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات وآخرون، دار الدعوة، (د.ط)، (د. ت) معجم مقاييس اللغة ، لأحمد بن فارس ، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، دار الفكر ، 1979 م، (د.ط) مفاتيح الجنان مفاتيح الغيب ، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ. المفردات للراغب الاصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ) ، تح صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت، الطبعة: الأولى - 1412 هـ . الميزان في تفسير القرآن ، للعلامة محمد حسين الطباطبائي ، صححه وأشرف على طباعته الشيخ حسين الأعلمي ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ، 1417الطبعة الأولى ه،1997م. النحو الوافي ، للأستاذ عباس حسن ، انتشارات ناصر خسرو ، طهران ، الطبعة السابعة، 1425 ه . نهج البلاغة ، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، دار الكتب اللبنانية ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1425 ه – 2004 م. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، لجلال الدين السيوطي ، تحقيق عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية مصر (د ط) ، (د.ت).
اترك تعليق