اعرض عليكم مطلباً وهذا المطلب يتحدث عن محاورة مختصرة بين شخصيتين وكانت بمحضر من أمير المؤمنين (عليه السلام)..
طبعاً سبق وذكرنا بعض المطالب مثلا ً متعلق بعضها بالغضب وبعضها بحالة التحضر.. هناك حالة بعض الناس يحاول ان يخدع نفسه.. فمحاورة مختصرة بين عمار بن ياسر وبين المغيرة بن شعبة، عمار بدأ نقاش بينه وبين المغيرة، طبعاً عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة ممكن أي احد يدخل التاريخ ويرى هذه الشخصية ويرى هذه الشخصية، الأهم من ذلك عندي الوصف الذي ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في حق المغيرة، وهذا الوصف أشبه ما يكون بوصف عام يُبتلى به بعض الناس فأمير المؤمنين (عليه السلام) في مقام تشخيص هذا الوصف، وارجو ان تكونوا في منتهى الدقة مع عبارة امير المؤمنين (عليه السلام) وفي مقام الدقّة في تشخيص بعض الشخصيات التي قد تُفسد أكثر مما تصلح، وهذه الشخصيات تأخذ مواقع عامة ومواقع خاصة لكن بالنتيجة لاحظوا الاسلوب الذي بينه (عليه السلام).
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لعمار وقد سمع امير المؤمنين (عليه السلام) عمار يراجع المغيرة بن شعبة كلاماً.. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (دعهُ يا عمار فإنه لم يأخذ من الدين الا ما قاربتهُ الدنيا وَعَلَى عَمْدٍ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِه)..
حقيقة كلام في منتهى الروعة والبلاغة ولا يصدر الا عن امير المؤمنين (عليه السلام)، أراد ان يقيّم هذا الشخص فإذا قيّمهُ لا يصلح النقاش معهُ مع ان عمار رجل عالم، عمار مرَّ بتاريخ مشرّف.. يقول له امير المؤمنين (عليه السلام) اتركهُ هذا الشخص الكلام معه لا ينفع دعهُ، والوجه في ذلك ما هُوَ ؟!
قال : هذا رجل لم يأخذ من الدين الاّ ما قاربته الدنيا، رجل ليس عنده دين لا يَرجِع الى الحق، رجل طالب دنيا، لكن فرق بين ان يطلب الدنيا بالدنيا وان يطلبها من خلال التظاهر..
لاحظوا دقّة هذا الوصف لأمير المؤمنين (عليه السلام) : (فإنه لم يأخذ من الدين الا ما قاربتهُ الدنيا)، هذا المقطع مهم وفيه كلام..
لاحظوا المقطع الثاني لقول امير المؤمنين (عليه السلام) : (وَعَلَى عَمْدٍ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِه)
تعرفون معنى التلبيس. الانسان يقول هذا الأمر عليَّ فيه لبس أي لا اميّز الحق من الباطل.. لماذا؟! اما لقصورٌ فيَّ.. أنا لا استطيع ان اميّز عقلي ضعيف او الشبهة قوية لا استطيع ان احلّ جميع اطرافها.. او الاطراف لم تُظهر واقع القضية بحيث جعلتني انا في حيرة.. او طرف حاول ان يتكلم بكلام مُقنع وانا عندي نحو من السطحية تأثرّت بهذا الكلام.. وتارة الموضوع اخطر من ذلك.. واقعاً انا غير مُلبّس عليَّ انا اميّز الحق من الباطل لكنّني عن عَمد أجعل نفسي مُلبّس عليَّ الأمر ولو اردت ان اعطي شواهد على هذا الامر لطال بِنا المقام. .اُلبّس على نفسي في المناقشة وفي القناعة انا اعلم واقع القضية لكن انا عن عَمد البّس الأمرعلى نفسي.. لماذا يفعل هكذا؟!
هذا ليل هذا نهار انا اعرف لكن اطرحها بصورة تشكيك..انا ملُبّس عليَّ الأمر لا أعرف هذا نهار لأنه في النهار له استحقاقات و الليل له استحقاقات فأنا لا أدري هل هذا ليل أو نهار..، في واقع القضية انا اعلم لكن اطرح القضية بعنوان التشكيك حتى اجعل نفسي مُلبّس عليَّ الأمر.. لماذا يصنع هكذا؟! لاحظوا وصف امير المؤمنين (عليه السلام) قال : (لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِه).. هو يعلم علم اليقين انه سَيُعاتب وسيسقط، لكن عندما يلبّس لنفسه حتى يعتذر عاذراً لسقطاتهِ.. تعرفون عمق هذا الكلام مع هكذا موقع من هذا الشخص.. المصلحة الشخصية لا يعرف غيرها، بحيث لم يأخذ من الدين الا ما قاربتهُ الدنيا، هو ليس له علاقة بالدين، بمقدار ما قاربته الدنيا يكون من اهل الدين وهذا الشخص يعرف ماذا يفعل، عندما تمر بحالة من الشُبهات يُلبّس الأمر عن عمد وعن عمد لا عن قصور فيه ولا عن غفلة منهُ ولا عن سهو منه وانما عن عمد هو ادخل نفسه في التلبيس يقول: انا مُلبّس الأمر أنا لا ادري!
تعلمون هذه المعاذير كم وكم يمارسها البعض منّا ويعلم علم اليقين حقيقة الأمر، لماذا؟! حتى عندما يُعاتب يقول أنا لا أدري! أنا الأمر مُشتبه عندي هذا قال لي كذا وهذا قال لي كذا فاشتبه عليَّ الأمر وكِلا الطرفين ثقة وجيدين فأنا مُلبّس عليَّ، يُبرأ نفسه لكن بطريقة هو لم يكن جاهلا ً أصلاً..
اخواني قد الانسان في بعض الحالات قد يُلبَّس عليه وقد تشتبه عليه الامور ويحتاط ويتأمل ويسأل، وتارة الانسان لا يريد ان يخرج عن اشتباه الامور لأن هَدفهُ يريد ان يُلبّس الامور على نفسه وطبعاً هذا لا يمكن ان يخرج عن التلبيس لأنه هو ذهب الى التلبيس والى الاشتباه، لماذا يفعل ذلك حتى يكون هو دائماً على التل وليجعل ذلك عاذراً من سقطاته..
هذه المسألة اخواني بحثها طويل وعريض وواسع ومدركه الى نقطة.. الانسان عليه ان يكون دقيقاً وواعياً وعليه ان يتعامل مع الاشياء بحكمة خوفاً ان يكون بحالة يلبّس الأمر على نفسه عن عمد وخطورة القضية هذه، خطورة القضية ان الانسان يلبّس الامور عن عمد على نفسه لأن لا يريد ان يتخذ موقفاً فيجعل من نفسه متحيّر ويقول انا من المتحيرين، دائماً هو أراد ذلك لا ان الفعل فعل يقتضي الحيرة..
الانسان في بعض الحالات يخدع نفسه عن عمد وهذا التعبير حقيقة تعبير في منتهى الدقّة والبلاغة وهو سيد البُلغاء..
نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد للجميع وان يرينا في بلدنا هذا كل خير وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
حيدر عدنان الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق