دور ونشاط السفراء الاربعة في الغيبة الصغرى

تعتبر مرحلة الغيبة من المراحل المهمة في تاريخ المذهب الشيعي الاثنا عشري والذي شهد لأول مرة في تاريخ المذهب غياب الامام المعصوم عن الساحة السلامية الشيعية، مما ادى الى بروز دور الوكالة في تولي مهام النيابة والوساطة بين الامام واتباع المذهب الشيعي.

حيث شكل نظام الوكالة حلقة وصل بين أئمة الشيعة الاثني عشرية واتباعهم، وهي على نوعين اما الوكالة خاصة يتم من خلالها تعين نائب يشخص من قبل الامام([1]) او وكالة عامة فهي وكالة لم تحدد بشخص معين انما حددت بعنوان عام ينطبق على الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى.

ويمكن القول ان الوكالة عن المعصوم لعبت دوراً جوهرياً في ادارة المجتمع الاسلامي في عصر الغيبة الصغرى(260-329ه)، حيث كان الامام الثاني عشر يباشر امور المجتمع عن طريق نواب خاصين عرفوا بالسفراء الأربعة اطلق هذا اصطلاح على ذوي الوكالة الخاصة عن الإمام المهدي "عجل الله فرجه". وهم كل من عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري([2]).

اذ استغرقت الوكالةَ الخاصة (٦٩) عاماً من الحياة الإسلامية، كانت كافية لاستنفاد هدفها في تربية القاعدة الإسلامية الإمامية على حقيقة وجود الإمام الثاني عشر، وممارسته لمهام منصبه الرباني، وإن تم ذلك من خلال سفرائه الأربعة الأغلب. ومن ناحية ثانية ان هذه المدة نهضت بمهمة تربية الأمة وإعدادها عملياً من خلال جيلين وأكثر، على مفهوم اختفاء الإمام الثاني عشر عن مسرح الحياة الإسلامية العادية، وتعويدهم على هذه الحالة. ومن ناحية ثالثة أفضت تجربة السفراء الأربعة إلى التمهيد لمفهوم الوكالة العلمائية العامة عن الإمام المهدي "عجل الله فرجه".

كان السفير في الغيبة الصغرى هو النائب العام للإمام على جميع الشيعة الامامية، وكان يستعين بعدد من الوكلاء يديرون امور الطائفة في مناطق تواجدهم، حيث يتلقون التعليمات من السفير باعتباره نائب عن الامام وكان من مهام السفير الاجابة على اسئلة الشيعة التي تركزت حول شخصية الامام الغائب، اذ سئل محمد بن عثمان بن سعيد العمري اذ كان قد رأى الامام؟ ، وقد علل محمد بن عثمان العمري ذلك بقوله : " أرأيت صاحب هذا الامر؟ قال : نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو "عليه السلام" يقول اللهم انجز لي ما وعدتني" ([3]) .

فضلا على ذلك كان من مهام السفير الاساسية هو ايصال اسئلة الشيعية الامامية الى الامام واستلام الحقوق الشرعية وتوزيعها في مواردها وارسال الاسئلة والاستفتاءات الشرعية للإمام للإجابة عليها ، ومن خلال الاطلاع على بعض ما وجه من اسئلة من قبل الامامية للسفير الاول نجد ان هناك صلة بين السفير الاول وبين الشيعية الامامية في بعض المناطق ذات التواجد الشيعي منها الكوفة التي كانت ترد منها أسئلة من الامامية هناك، وهذا يدل على استمرارية تواجد الامامية الغائب في الكوفة([4]) وكذلك وردت أسئلة من قم مما يدل على وجود صلات بين السفراء واهل قم ومنهم المحدث احمد بن اسحاق بين سعيد الاشعري  الذي سال السفير الاول عن الخلف بعد الامام العسكري  "علي السلام" وعما اذا كان قد رآه او التقى به([5]). بالإضافة الى ذلك وضع السفراء نظاماً للوساطة بينهم وبين نوابهم في الاماكن ذات الوجود الشيعي، ليكونوا بمنجاة من مطاردة السلطة كان الوكلاء يجمعون ما تتبرع به الطوائف من جميع الاشياء التي يودون ارسالها الى الامام وترسل تحت مسمى "مال الغريم" ويعلل الشيخ المفيد ذلك بقوله "هذا رمز كانت الشيعة تعرفه به قديما بينها، ويكون خطابها عليه للتقية " ([6]).

  يمكن حصر نشاطات السفراء الاربعة في الموارد التالية :

 التستر على شخصية الامام فلا يتطرقوا  الى اسمه او مكانه أي إخفاء اسم ومكان الإمام خوفاً عليه بسبب الظروف السياسية العصيبة وبطش السلطات ومع  العلم أنّه كان يمكن رؤية الإمام المهدي في الغيبة الصغرى للسفراء الأربعة ولبعض الشيعة ، حيث يؤكد سفيره محمد بن عثمان بن سعيد العمري توجيهات الامام بكتمان امره بقوله:"الذين يسألون عن الاسم: إما السكوت والجنة، وإما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه "([7]) يبدو ان كل واحد من السفراء الأربعة ملزماً بأن لا يذكر اسم ومكان الإمام في الأوساط العامة لأنّه لولا ذلك لكان الإمام عرضة لخطر السلطات الحاكمة.  إعداد الوكلاء وتعبئتهم، اذ ان لكلّ من وكلاء الإمام "عجل الله فرجه"،  في عصر الغيبة يقومون بنشاطاتهم تحت إشراف السفير الخاص ويحوّلون الأسئلة والرسائل والحقوق الشرعية التي يدفعها الشيعة لهم إلى السفير ومنه إلى الإمام الغائب "عجل الله فرجه". جمع الحقوق المالية وصرفها وفق توجيهات الامام مع الحذر بعدم ارسالها الى مقره في سامراء وتسليمها بيد السفراء في بغداد وتداولها كنشاط تجاري لذا مارسوا الاعمال التجارية ليكونوا بعيدين عن أعين السلطات ولأبعاد الشبهات عن تنقلاتهم من مكان لآخر([8]) . الإجابة على الأسئلة الفقهية ومعالجة الشبهات العقائدية ومواجهة الإشكاليات التي كان يثيرها المخالفون، بالإضافة الى نقل المسائل المتعلقة بالفقه والعقيدة التي يطرحها الشيعة إلى الإمام فيستلمون أجوبتها وينقلونها إليهم وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى التوقيع الذي خرج على يد محمد بن عثمان وأُجيب خلاله على أسئلة إسحاق بن يعقوب في المجالات المختلفة ، وهكذا يمكن الإشارة إلى التوقيع التفصيلي الذي صدر رداً على أسئلة رسول أهالي قم محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري ([9]) . التصدي للمخالفين ويتباحثون معهم أحياناً فيفحمونهم بالحجج ويؤكّدون على أنّ إجاباتهم هذه قد تعلموها من الامام، فضلا على مواجهة الغلاة بكشف ادعاءاتهم الكاذبة على سبيل المثال لا الحصر ادعى السفارة كذباً وزوراً منهم أحمد بن هلال العبرتائي، محمد بن علي بن بلال، محمد بن نصير النميري، الحـسين بـن منـصور الحـلاج الـصوفي، أبو محمد الحسن السريعي، وابطال افكارهم المظلة التي سعوا الى اثارتها في مجالي الفقه والعقيدة من اجل الحصول على الحقوق المالية ([10]) . هناك حقيقة تاريخية ان سفراء عصر الغيبة الصغرى مارسوا جميع الانشطة الا النشاط الاجتماعي والسبب في ذلك لأنه كان يتعارض مع توجيهات الامام "عجل الله فرجه" بالكتمان والسرية، يبدو السبب ان عدم قيامهم بمثل هذا النشاط باعتباره مخالفاً لمسلك الكتمان الذي كانوا يسيرون عليه والنشاط الواسع مهما حاولوا إخفاءه، فان أثره يظهر لا محالة ولو بالوسائط للسلطات، مما يوجب تسليط خطرها عليهم، ومن ثم على خط المهدي "عليه السلام" كله([11]).

وعليه ان السفراء لعبوا دور الوساطة بين الشيعة الامامية والامام الغائب "عجل الله فرجه الشريف" في عصر الغيبة الصغرى، كذلك كان للسفراء في عصر الغيبة شبكة من الوكلاء في مختلف المناطق التي شهدت تواجد ابناء المذهب الجعفري، كما انه تركزت مهمتهم على ايصال التوقيعات الصادرة من الامام الى الشيعة الامامية، فضلا عن نقل الاسئلة والاستفسارات التي ترد من الأمامية من مختلف المناطق الى الامام الغائب والاجابة على تلك الاسئلة .

جعفر رمضان

 

([1]) مسعود بور آقائي، تاريخ عصر الغيبة، (قم :1999)، ص 115.

(([2] محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة،(قم: دار الكتب الاسلامية،1975)، ج2، ص483؛ محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة ، (قم:، مؤسسة المعارف الاسلامية، 1411 هـ)، ص 290.

([3])محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة، ص440؛ محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة، ص245.

([4])محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة، ص207.

([5] ) المصدر نفسه، ص243.

([6] ) محمد بن محمد بن نعمان المفيد، الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسسة ال البيت لإحياء التراث،(بيروت: دار المفيد، 1993)، ج2، ص362؛ جواد علي، المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية، ترجمة ابو العيد دودو،( طهران: 1362ش)، ص125.

([7]) محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة ، ج ١ ، ص ٣٨٥

([8] ) محمد بن جرير الطبري، دلائل الامامة،( قم: دار الذخائر للمطبوعات)،، ص284؛ محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة ، ج2، ص486.

([9])  محمد بن الحسن الطوسي ، الغيبة ص290؛ محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة ، ج2، ص486.

([10])  ابو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، الاحتجاج، (بيروت: دار الفكر، 1994)،ج2، ص552.

([11]) محمد محمد صادق الصدر، موسوعة الامام المهدي "تاريخ الغيبة الصغرى"،( قم: 1992)، ج1، ص424

المرفقات