جذور الحداثة ..

تعد مشاعر الإنسان وتأملاته من أقدم تجليات النفس الإنسانية وأكثر آفاقها وصولا إلى المعارف وان اختلفت الكيفية بحسب القوى الفكرية الضاغطة لهذا التأمل.. لهذا بقيت الآثار المعرفية التي أفاضت بها حضارة وادي الرافدين خالدة في ذاكرة الإنسانية بكل فخر..  فإذا ما تأملنا التعاقب الزمني لهذه الحضارة الحاضرة لوجدنا انها تزخر بكم هائل من المعارف.. التي قد يكون البعض منها واضحاً والآخر ضبابي الملامح يُستجلى بالدراسات وينكشف عنه الغموض.. ومن هذه المعارف الفنون بأنواعها والتي رصدت الحضارة بكل تقدمها، فالابتكارات العلمية والفنية في العصور الموغلة بالقدم هي غاية في التقدم والروعة إذا ما نظرنا إليها بعين الإنسان الاول لا بنظرة الإنسان المعاصر . لهذا كان الابتكار المعماري العظيم في استخدام الطين في البناء واكتشاف الفخار هو من الانجازات العظيمة في تاريخ الإنسانية الذي أبدع فيه الإنسان محاولا إظهار السمات الجمالية على السطوح الفخارية من حيث الزخرفة والرسومات والمواضيع الأخرى واستمرت مسيرة الفخار الإبداعية قدما محققة لذة جمالية لدى المتلقي الايجابي خصوصا بعد ان تحرر الخزف من الشكل النفعي وأصبح فنا يعبر عن معاناة الشعوب . المصورة اعلاه لنموذج خزفي مزجج من ابداع الفنانة العراقية الراحلة عبلة يوسف نجم الدين والذي يتكون من مجموعة من الكتل الخزفية المتلامسة الاطراف تارة والمنفصلة تارة أخرى. عناصر اللوحة عبارة عن تكوينات معمارية إسلامية ظهرت فيها القباب والمآذن بشكل جلي بفعل البنية النفسية والاجتماعية الفاعلة والمحفزة لدى الخزافة عبلة، اضافة الى الموروث العقائدي بالاشتغال مع الخيال المبدع.. الذي أحال ذلك العمل الرائع إلى نص تشكيلي واضح القراءة من خلال مفرداته التكوينية الإسلامية. جاءت السياقات النصية لعناصر العمل بدلالات تخضع لتكوينات بنائية - كوجود القباب والمآذن ومداخل المساجد والنوافذ - بقدسية مضامينها وجمال أشكالها الخزفية التي أحيلت من قبل الخزافة إلى خطاب تشكيلي ضمن نظام علاقاتي بين قدسية المضمون وجمال الخامة والبنية التكوينية للمنجز.. مع وجود ثيمات أخرى كمفردة الهلال وتكراره في أكثر من منجز بدلالات رمزية ضمن التأثيرات العقائدية المشتغلة في بنية الفكر.. أما العلاقات اللونية هي الأخرى تأثرت بالمرجعيات العقائدية فاللون الأزرق بدرجاته اتخذ مركز السيادة على الألوان الأخرى المتواضعة الظهور كونها تحاول خلق انسجام لوني بعيد عن التنويع .  ان المحركات الضاغطة في بنية الفكر الذي يتسلم خطاب المفردة الحياتية والعقائدية بفعل المحسوسات من البيئة المحيطة أثرت في بنية النص التشكيلي بشكل ملحوظ، حيث برز النموذج الماثل امام المشاهد وهو عبارة عن تكوينات من الكتل الخزفية المتماسة مع بعضها أو المنفصلة كموضوع إنشائي مغلق لم تظهر فيه السيادة الكتلية أو اللونية، إلا ان هناك توازنا ملحوظا في توزيع الكتل والذي يظهر فيه التوازن الأفقي والتوازن العمودي للكتل المكونة للمشهد البصري والتي حافظت بدورها على التوازن اللوني الذي عم المشهد البصري برمته . لو دققنا النظر في  تفاصيل اللوحة اكثر لوجدنا ..ان مع وجود علاقات ملمسية في أكثر من جزء من أجزاء المنجز الفني الزاخر بأشكال زخرفية هندسية والعلاقات السياقية لها.. الا ان الوحدات الزخرفية البسيطة تنوعت أشكالها بين المربع والمثلث والمستطيل فارتبطت اغلبها ارتباطا مكانيا منفصلا.. مع وجود حالات من التقابل بين الوحدات الزخرفية البسيطة ضمن سياق الوحدات التي تنوعت علاقاتها التماسية.. فجاءت هذه الوحدات ضمن ترابط مكاني متصل بسياق زخرفي بسيط  لتضمن حالة من التنويع في أشكال الوحدات الزخرفية المثلثة و  المربعة والمقوسة مع ظهور الوحدة الزخرفية المتمثلة بالهلال، فضلاً عن الوحدات الزخرفية المركبة ضمن علاقات سياقية منفصلة ..  من هذا نلاحظ ان التكوينات البنائية للوحة والوحدات الزخرفية المكملة والمزينة لها.. قد تنوعت من حيث الشكل والتركيب وحتى في اتجاه امتدادات السياقات الزخرفية كالاتجاه العمودي والاتجاه الأفقي وهذا التنويع في المفردات ما هو الا الوسيلة المُثلى لخلق علاقات شكلية بمضامينها ودلالاتها لتوقظ في الوعي الجمعي رؤاه البصرية الخاملة.. كونه منجزاً جمالياً يسوده التنويع البنائي والوحدات الزخرفية البسيطة والمركبة وسياقاتها مع إيجاد علاقات شكلية منسجمة في بنية النص التشكيلي بشكل عام. سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات