لظاهرة التشخيص والعلامة جذورهما داخل تركيبة الرسوم العقائدية التاريخية، وهما من يحدد أنساقها الفنية كقوى ضاغطة أو مركز محرك للتلقي، وهذ ما تنطق به التركيبة الاجتماعية من خلال تفاعلها مع فكرة العمل والحادث المبتغى تمثيله فيها .. ومن ثم الحكم على العملية الجمالية أو على أقل تقدير قراءة وجهتها.. وهذا يعتمد على ذاكرة الأمم والمجتمعات التي تحتفظ بجملة ثوابت منها الإرث الحضاري والإرث الديني والوافد الثـقافي فضلا عن الضاغط التفاعلي، ولهذا الأخير مؤشر يظهر حالة من التباين لدى الشعوب. إن المجتمع الاسلامي الموالي لآل بيت النبوة الاطهار أمين في ولائه لتلك المعطيات فهو لا ينفك يتمحور حولها عبر عدة مظاهر لاعتبارات عدة منها، مفهوم الأصالة والصلة والتواصل، فالتركة الهائلة لإرثه الحضاري أفردت لديه قيماً جمالية غذّت منطوق الخصوصية والعالمية على حد سواء، فالعمل الفني هو بمثابة نسق وبناء لخبرة مكتسبة بالاستناد إلى التفاعل القائم بين الفنان وطاقاته من جهة وظروف البيئة وطاقاتها من جهة أخرى وهذا الارتباط والتفاعل معبأ في الزمان التراثي المميز بقدرته على الحركة والتجدد النابعين من مثاله الروحي و مدى تأثيره في جيله وعصره واستمرار ذلك ليمتد الى الأجيال والعصور اللاحقة. هذا ما نراه في النتاجات الفنية الرائدة التي عالجت ثورة الحسين وواقعة الطف ومجريات الاحداث الاليمة التي رافقتها.. حيث توالت دائرة الاستعارات والتشبيه من هذا الحادث الجلل من تأريخها لتصل الى الأجيال اللاحقة، مما دفع المتلقي المتأثر الى التواصل بالتداول الفردي والجماعي مع مجريات الطف والتحكم بالأنظمة المادية والرمزية التي يتفاعل فيها ومعها ومن خلالها مع عِظم الحدث. المكون الفني اعلاه يمثل احد النتاجات الفنية المذكورة آنفاً والذي يعالج فيه الفنان مجموعة من الاحداث المتتالية في زمان ومكان معينين وهو ينتمي الى احد الاطوار الفنية الشرقية المتماهية مع التراث الحي لواقعة الطف ومجرياتها .. مضمون العمل مستوحى من بعض المرويات المتواترة عن وصول سبايا ال الحسين الى الشام والاحداث الاليمة التي تعرضوا لها، وهذا يعد منطق استفزازي موجه للمتلقي إذ يجد فيه قيمة الارتكاز التي تغذي وتنشط زاده الثـقافي ومخزونه الولائي لإل البيت عليهم السلام .. فيحصل التداخل لديه بين المضامين العيانية وبعض المضامين الاقرب للخيالية . منذ البداية وعبر مجاورة الشرح اللغوي في الأركان العلوية ومحيط اللوحة - والتي وضعت كضرورة جمالية تشكيلية في تحقيقها للموازنة .. وعقائدية في تحقيقها لإظهار العاطفة الذاتية - ، حاول الفنان ان يحيلنا إلى فك شفرات ورموز اللوحة وبنيانها التكويني، فمن خلال مقاطع اللوحة المختلفة يتضح مدى الجهد المبذول في تنظيم المشهد التصويري ككل عبر الدقة والعناية بالتأكيد على الخط ووضوحه وبنائه اللوني، ففي سبيل أن يتحقق معنى أي من الجمل المتناثرة على محيط اللوحة وداخلها لا بد من أن يحال البناء الجمالي بكل ما يحتويه من طبيعة وشخوص إلى جمال الجليل، ولذلك كان فضاء العمل مفتوحاً - على الرغم من زحام الاشكال - بخط أفق بعيد إلى السماء والنور الالهي المنساب من بين الغيوم المزرقة نحو مراكز البصر الاساسية في العمل وكأن الشعاع من السماء وأليها. عمد الفنان الى اعتماد تقنية الاضافة والحذف وتفاوت الحجوم في محاولة لملء البياضات داخل العمل مغذياً بذلك حالة اللا توافق القائمة بين العمل والمتلقي (إن وجدت ) وهذا يسهم في إكمال حالة التلقي ونجاح الحوار مع العمل الفني .. وهذه العملية من حالة اللا توافق نسبية ومتغيرة بتغير المتلقي كل بحسب زاده الثـقافي وحضوره الروحي . جعل الرسام اطراف الأرض عند الابواب بمزيج من الالوان الصفراء الصافية تعبيراً عن استمرارية الحياة ، رابطاً نقاط الارتكاز الأساسية في العمل بعلاقات مجاورة استكمالا للضرورات الموضوعية والمرجعية ومستعيضاً عن دقة الخط فيها بكتل اللون المضادة لإظهارها وعدم التقليل من أهميتها .. اتسمت اشكال العمل بسمة التسطح وغياب المنظور والاهتمام بتمثيلات بسيطة للشكل الواقعي وبذلك أبقى الفنان على صلة المضمون بالمتلقي وبات التصرف من قبل الفنان في أدوات تشكيله فاقترب من الهندسية وحزمة الخطوط التي تشكلها حدود الابنية والرماح وما تتركه حولها من مساحات تفرض علاقتها وتقاطعاتها على الشخوص داخل الموضوع . كانت فكرة الموضوع الأساسية هي إظهار ما نقلته الأخبار عن دخول السبايا الى الشام ، فتمت معالجة شخوص اللوحة تشكيلياً عبر بعض المساحات اللونية المختلفة التي تبرز بينها الالوان البيضاء الصافية على الوجوه وايضاً العناية برسم ملامح الراس الشريف إظهارا لقدسيته وجماله ، مستعينا بمكملات الاشكال الاخرى كالرؤوس المحمولة على الرماح والأزياء والرايات المنتشرة في بعض من مساحة اللوحة . أن زمن العمل زمن افتراضي ذاتي تأملي يرتبط بزمن التنفيذ والتلقي، حيث يتوقف الفنان مرجعيا عند لحظة دخول السبايا الى شوارع وازقة الشام ويبني تكوينه الجمالي ليحيل المكان إلى نفس اللحظة فيتطابقا جماليا ويظهر مشهداً مشحوناً بالعاطفة والوجدان.. محققاً بذلكم هدف الفكرة الأساسية ويزيدها تأكيدا بحضور المنظومة الكتابية وبعض الشروح اللغوية . سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق