رحلة الخلود ..

بانوراما  فنية  تاريخية جاء بها الفنان الايراني حسین قوللر آغاسی .. وهي احدى الروائع الفنية التي نفذت بأسلوب لوحات المقهى او ما يدعى بفن ( القهوة خانة ) المستمد من التراث الشعبي الايراني والمختص بتوثيق وتصوير الاحداث الشعبية والعقائدية المهمة  سعيا للحفاظ على التراث الشعبي لبلدانهم ومعتقداتهم . جسد آغاسی في اللوحة اعلاه معركة الطف الخالدة ممثلا احداثها برحلة سفر طويلة محطتها الأولى تعطي احساساً للمشاهد بصخب وزحمة التلاحم في ملحمة الطف الخالدة ، عبر استخدامه لكل أنواع الخطوط أفقية و شاقولية و منحنية والتي نشرها بشتى اتجاهات اللوحة ليشغل مساحة كبيرة منها محققاً بذلك التنظيم والتغير في حركات الشخصيات. اتبع الفنان تقنية التبادل اللوني بين الغامق و الفاتح لينتج منها ثلاث مراكز بصرية اختصت بالمشهد، كإفراز ناتج عن المركز الرئيسي وسط اللوحة بإشارة دلالية تؤكد الواقعية لتحقيق علاقة الرحم بين المراكز الثلاثة فضلا عن المركز الرئيسي وسط اللوحة ، مع ملاحظة إظهار الوحدة الشكلية في الوجوه والافعال والوحدة اللونية في الأزياء.. وايضا اتبع صيغة تبادل اللون مكانياً لتمييز العنصر القائد في الوسط وما يدور حوله بما يتطابق مع المرويات والمرجعية التاريخية للمعركة والنجاح في اثارة الانفعال العاطفي والوجداني لدى المتلقي .  حاول الرسام أن يحيل وجوه الشخصيات المقدسة إلى الأمام في مواجهة المتلقي لاستقراء جوهرها.. عكس البنية الشكلية للضد والتي حاول الرسام أن يظهر أجسادها مختلطة مع ألوان أرضية المعركة مع  التأكيد على ملامح وجوههم واظهار الذهول فيها عبر استخدامه للضوء والظل في تشكيل الوجوه بقصد تمييزوجوههم وهيئاتهم عن الأشكال المقدسة.  يلتف المشهد تدريجياً ليشكل بداية لحلقة دائرية وينتقل عبر تخيف حدة التكثيف في الكتل لإظهار طابع السكونية والإيقاع الحزين بتوسيع المساحة المكانية عبر تقليل الاشكال الادمية تدريجياً، فيظهر أشكالاً نسائية تطابقت في بنيانها دينياً وعقائدياً مع تضخيم شكل الرجل الحارس بقسوة وحدة خطه تطابقاً لفعله ووضعه بين كتلتين نسائيتين يشير مكانيهما إلى نفس شخصية السيدة زينب عليها السلام ، فتارة تظهر في قصر يزيد وأخرى تظهر في الخربة وهي ترعى الأسارى، وقد تم تنظيم المكان ( الخربة ) كي يوحي لها عبر اللون الأصفر وبساطة المعمار وتقويس الأبواب وقصر الجدران تعبيراً عن قدم البناء. اللوحة مملوءة بالرموز القدسية وهذا جلي للناظر من خلال توهج الوانها، فالحجر الأسود وسط اللوحة والشكل الإنساني النصف يما هي إلا إشارات لمكة وقبر الرسول صلوات الله عليه واله.. وهي تمثل أحداث ما قبل السفر إلى  كربلاء، فضلاً عن مشهد مصغر للصلاة في إشارة من الفنان الى  الامتداد ألتكليفي ما بين الرسول والإمام الحسين .  ويستمر الفنان بسرد هذه الرحلة مروراً بتمثيله اشكال الملائكة والرسل والأرواح الطاهرة التي حفت بمركز البصر الرئيسي وسط اللوحة ، والتي يستدل على صفاتها ووسمها من خلال مطابقة الاشكال في اللوحة ومروياتها عبر التأريخ طريق الكشف عن بنيانها التكويني. اما المشهد الأخير الذي عمد الفنان الى تنفيذه في اقصى يمين اللوحة فهو يمثل نهاية العمل، حيث تم بناؤه بمساحة معينة ليوازن الجانب الأيسر من اللوحة مثلما كان التوازن في أركانها الأخرى وأخرج وفقا لواقعيته، حيث شكلت كتل الخيام بطريقة دائرية، وتشكلت الكتل بضربات لونية ضبابية متداخلة ما بين الأصفر والأحمر ومشتقاتهما لإظهار مشاهد الحريق وكتل لونية سوداء أشارة للنساء وبشكل متباعد ، مع ملاحظة تعمد الفنان الى خلق بعض التفاوتات اللونية والحجمية بين الشخصيات كاضطرار تكنيكي لإبراز بعض الاشكال ودفعها عن كتل الاشكال الاخرى خدمة لفكرة العمل والمضمون.  سامر قحطان القيسي  الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة 

المرفقات