يا حسين .. إن كنت حياً فأدركنا، وإن كنت ميتاً فأمرنا وأمرك إلى الله. تلك هي صرخة الحوراء حينما وقفت على التل لينكشف لها هول المطلع في أرض الطف وهي ترى جسد أخيها الحسين ممزق أمامها، والدماء تسيل من أوداجه وقد أعياه ألم الجراح. لقد ارتبط اسم هذا التل باسم السيدة زينب عليها السلام وبالتالي فهو مرتبط بآلام وأحزان آل محمد لما له من أحداثٍ تذهل العقل، وتجري الدم بدل الدموع من العيون، والله اعلم بأي حال وقفت السيدة زينب على هذا التل .. وبأي قلب شاهدت جسد أخيها صريعاً وممزقاً بأرض الطف. التكوين الفني أعلاه من إبداعات الفنان الايراني القدير عبد الحميد قديريان والتي جاءت مكملة لمجموعة من اللوحات حملت اسم (سماء كربلاء)، استعرض فيها الفنان احداث واقعة الطف وثورة الحسين بلوحات متعاقبة الاحداث وصولا الى استشهاد الحسين عليه السلام في العاشر من محرم الحرام .. حيث صور قديريان السيدة الحوراء وهي تعتلي مرتفعاً من الارض لتراقب ما حصل ويحصل في ساحة القتال وقلبها مستعر من جراح الطف، ومن أمامها أطفال ونسوة يصرخون في مخيم يستعر من الظمأ وهو معرض لهجوم الأعداء واحراق النار فيه. تم تشييد التكوين الجمالي وصياغته بتقنية الزيت على القماش وفق مستوى شكلي وآخر دلالي، والشكلي منه جعل من خلاله الرسام أن يكون تكويناً مفتوحاً حاضناً لكل العلاقات اللونية والخطية والتنظيمية لإنتاج أشكال تقترب من فكرة الموضوع الأساسية، اما الآخر الدلالي فيلاحظ من خلال إرسال الفنان لمجموعة من العلامات المدركة جمعياً في اذهان المتلقين، والتي يستدل من خلالها إلى شخصية المشبه له- السيدة زينب - بغض النظر عن البحث في عملية التطابق أن صحت أم لم تصح . عمد الفنان الى جعل هيئة العمل الكلية تقترب من شكل المثلث زواياه يمين وشمال اللوحة ورأسه شاهق الى السماء والوانها البيضاء المضيئة وكل من رؤوس هذا المثلث عَدت مركزا بصرياً لا يقل اهمية عن الآخر . أما اليسار فهو المركز السيادي الاقوى بين اشكال اللوحة متمثلاً بتشبيه لشخص السيدة زينب على مرتفع بجوار ارض المعركة وهي محور هذا العمل الفني الرائع.. اما يمين اللوحة فهو علامة تشير إلى مخيم الامام الحسين ولحظة استشهاده، بدلالة رمزية الوان الخيام والرايات الخفاقة من فوقها، اضافة الى هيئة الفرس الذي وضحه الفنان وهو هائم بالقرب من بقايا الخيام وقد مال سرجه وظهرت السهام في جسده وحضور أرواح سماوية منسابة من السماء تم تصويرها بهيئة نورانية شفافة ككتل ضياء تتداخل بين الخيام بناء على ما تفرضه المرجعية العقائدية والتاريخية . لو امعنا النظر بامتداد الأفق والفضاء الفسيح في اللوحة لوجدنا ان الرسام اكتفى بوضعه كتلة لونية بيضاء منسابة من السماء في إشارة الى حضور ملائكة السماء مع روح السيدة الزهراء سلام الله عليها التي تشير الروايات إلى نزولها أثناء المقتل، ولعدم المعرفة بماهية الروح نفذ الاشكال بهذه الطريقة ، وايضاً يحيلنا عبد الحميد إلى تكملة المشهد الدرامي من خلال المخيم الذي ينتظر النيران بدلالة النبال والرماح المغروسة في الارض والخيام، والرايات الخفاقة والاوتاد المبعثرة وسط وامام المخيم الذي خلا من الرجال والذي يمثل لونياً كما هو معتاد - المخيم - بمزيج متجانس من ألوان الاخضر والابيض والاسود وهي الألوان التي اختصت بها اغلب الرسوم الممثلة لأحداث واقعة الطف والاحداث التي تخص أهل بيت النبوة عليهم السلام واحزانهم في التمثلات الفنية المختلفة . سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق