استقطبت ثورة الحسين عليه السلام كثيراً من الفنانين وحفزت عامل الابداع لديهم ليترجموا ملاحم جمعت بين الحزن والأمل والتضحية والفداء في لوحة واحدة .. بإمكانها الايحاء بما نطقت به الاقلام من قصائد ومدوّنات، فالنقطة التي تنتهي عندها أحرف الأديب تنطلق منها ريشة الفنان، وهذا لسان حال اللوحة أعلاه بتجسيدها مشهداً من خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد رسمها الفنان التشكيلي الإيراني المبدع حبيب الله صادقي مستخدماً في إنجازها تقنية الزيت على قماش الكانفاس وبمسحة فنية تقترب من أسلوب تنفيذ الأعمال في فن المينياتور الشرقي . أنجز التكوين أعلاه بأسلوب عاشورائي متميز عن باقي الأساليب والأعمال الفنية التي تناولت ما ألمَّ بأهل البيت صلوات الله عليهم، حيث صور الفنان الأشكال بملامح مميزة وبقدرة عالية في التعبير الحر عن الأشكال ومضمونها، معتمداً أسلوباً تقنياً خاصاً كمزيج من الواقع والخيال، لينتج نصاً بصرياً أصيلاً ينتمي بجذوره إلى الموروث الإسلامي الحسيني الذي يشكل حيّزاً كبيراً من أسلوب الفنان الخاص وتكوينه ليحتل مساحة لائقة في خط التشكيل المعاصر اليوم. اقترب صادقي إلى حد كبير من توصيف واقعية الموضوع من خلال إطلاعه على الروايات المتواترة عنها، فقد عمد إلى تصميم المشهد ليهيمن على فكر المتلقي ويؤثر فيه ويعيده إلى مجريات هذا الحدث التاريخي من خلال دقة الفنان في توزيع الشخصيات المكونة للوحة بحرفية عالية بغية خلق رؤية واضحة ومؤثرة عما حدث أثناء خطبة السيدة زينب في مجلس يزيد . صور الفنان في هذه اللوحة مشهداً مركباً يمثل رحلة السبايا من كربلاء وصولاً إلى قصر يزيد الشام، وعلى الرغم من المخيلة التي تملكت الفنان أثناء إنجازه اللوحة والتي تبدو جلية في تكوينها لم يستطع رسم ملامح المقدس من شخصيات العمل لصعوبة تصوره ملامحهم، ولكنه أشار إليهم بوضعهم في وسط اللوحة وهم مقيدي الأيدي ووجوههم متشحة بغطاء أبيض وصيّر شخصية السيدة زينب ومن فوقها سحابة تحتضن رأس الحسين هي المهيمنة على المشهد، مما أكسبها الحضور كمركز لها عبر حركتها المميّزة والتضاد اللوني الذي تميّز به أسلوب الفنان في تنفيذ اللوحة. عمد الرسام إلى استخدام الخطوط المائلة في تشكيل تكوينات المشهد، حيث تبرز الأشكال بهيئات يقترب بعضها من الدوائر وإنصافها ومن الأشكال المثلثة ذات التركيب الهرمي مؤكّداً من خلالها قيمة شخصيات اللوحة.. فقد برزت شخصية السيدة زينب بشكل هرمي طولي ومن حولها في وسط اللوحة الإمام زين العابدين وعيال أبي عبد الله بأشكال أقرب إلى الدوائر معزِّزاً ذلك بالخطوط المائلة وألوان الأسود والأبيض المصطبغ الأطراف ببعض الأصفر والأحمر، فضلاً عن التدرّجات الهادئة للبني الغامق المنسحب إلى لون الأتربة المتصاعدة من طريق الشام . عند التدقيق والتأمل في تفاصيل اللوحة نستطيع أن نلمس براعة الفنان ودقته في تحويل كتل الألوان إلى ظل وضوء ووهج واقعي تنبثق منه ألوان متناغمة تتشكّل منها ملامح الاشخاص - رغم ابتعاده عن تشخيص المقدس - والوجوه وتفاصيل الملابس والقيود والسيوف وغيرها من الأشياء والتفاصيل المكونة للبنية الكلية للوحة.. ومن خلال ذلك استطاع حبيب الله صادقي التوفيق بين الشكل والمضمون من خلال مجريات هذا المنجز الابداعي وتفاصيله بتوظيف عقيدته الدينية وملكته الفنية بحنكة ودراية واسقاطها على سطح اللوحة التي كشفت عن مأساة تدمي لها الأفئدة وتدمع لها العيون . سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق