الخطبة الدينية للشيخ عبد المهدي الكربلائي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 12 ربيع الاول 1439 هـ الموافق 01 /12 /2017 م

من الاساليب المهمة التي حمى الاسلام بها المجتمع الاسلامي من الانجرار الى المفاسد والانحرافات هو الردع المجتمعي

ان اداء واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر له تأثير على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وهو يحمي المجتمع من اخطار الفاسدين والمنحرفين أخلاقيّا

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اعظم الواجبات الدينية التي ينال الانسان والمجتمع بها قرب الله تعالى

النص الكامل للخطبة الاولى

الحمد لله الذي يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء عمن تضرع اليه فناداه ويحقق الامل لمن انقطع اليه فرجاه، راحم العبرة ومقيل العثرة وله العزة والقدرة، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمداً عبده ورسوله الذي اوجب له الطاعة وحباه بالكرامة واختصه بالكتاب.

اوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك اوصي نفسي بتقوى الله تعالى العليم بسرائركم المطلع على نياتكم الخبير بخطرات قلوبكم ومطويات صدوركم وكفى بالموت واعظاً وكفى بالتقى غنى وكفى بالعبادة شغلاً وكفى بالقيامة موئلاً وكفى بالله مجازياً، واعلموا ان الله قريب منكم يعيذكم اذا عذتم به ويجيركم اذا التجأتم اليه فاتقوا الله واحذروا التسويف.

وقد اطلَّ عليكم ايها الاخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات عيد من اعياد الاسلام، ويوم من ايام بركته للأنام يوم اشراق النور الاعظم وميلاد الرسول الاكرم، يوم استهلال الانبياء، فأشكر لله نعمته، وأحمد له منته اذ فتح فيه للعالمين رحمة واطلع النور الذي يجوب الظلمة، وجدد ذكرى اليوم العظيم بتجديد ولائكم للنبي الكريم وثباتكم على سنته واتباع الأطايب من عترته.

ايها الاخوة والاخوات في هذه اليوم يصادف - على روايةٍ - ذكرى ولادة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جاهد في الله حق جهاده، لإخراج امة تدعو الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لتكون خير امة اخرجت للناس، وكانت من المبادئ المهمة التي سعى لها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لاحيائها وجعلها فاعلةً وحيةً مؤثرةً في اصلاح الفرد واصلاح المجتمع، ونشر دعوة التوحيد ومبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلتبيان ذلك الجهاد وماهي تلك المبادئ المهمة التي سعى اليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن خلالها لجعل امة الاسلام خير امة مقيدة بشروط والتزام بمجموعة من المبادئ المهمة، نحن اليوم بأشد الحاجة اليها، لكي نؤدي هذا الدور في اصلاح الفرد واصلاح الامة كما في قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) الآية القرآنية تمدح المؤمنين، وحال امة الاسلام في اول الدعوة الاسلامية فتصفها بخير امة اخرجت للناس، ولكن هذا الوصف مقيد مشروط بالتزام بمجموعة من المبادئ والواجبات وحينئذ تكون خير امة.

ومعنى (اخرجت للناس) هو الظهور، اي لقد كنتم خير امة اظهرها الله تعالى للناس، فلقد جاء التعبير القرآني (اخرجت) بمعنى الاخراج، فكأن فيه اشعاراً بمعنى التكوُّن والحدوث كما في قوله تعالى ( الذي اخرج المرعى).

ثم بعد ذلك الآية القرآنية تصف الامة بانها خير امة، و(تأمنون بالله)، أي الايمان بدعوة الله تعالى للأمة والاعتصام بحبله، وان تكون هذه الامة مجتمعة متَّفقة غير متفرقة، لان هناك آية أخرى تنص على الاعتصام :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) فوصف هذه الامة بهذا الوصف مقيد بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تؤمن بالله وتتبع الاعتصام بحبل الله تعالى أن تكون غير متفرقة.

لماذا قدم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على الايمان بالله؟ فأهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون في نشر الايمان بالله وتعزيز الايمان في نفوس الناس، فالآية القرآنية تريد ان تبين اهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في نشر الايمان وفي ترسيخ الايمان الالهي الكامل.

خير امة صلاحها مرتبط بصلاح افرادها ومجتمعها وتساهم في بقية المجتمعات والامم من خلال ادائها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله تعالى والاعتصام به متوحدين لا متفرقين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من انواع الجهاد كما ان هناك جهادا بالقتال، قال الامام الصادق(عليه السلام): الجهاد على اربعة انواع (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في مواطن شنآن الفاسدين).

تأثير هذا الواجب - واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر- على المستوى الاجتماعي والاقتصادي هو حماية المجتمع من اخطار الفاسدين والمنحرفين أخلاقيّا، في حديث منقول عن الامام الباقر عليه السلام: (ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء).

ونحن نقول في زيارة الامام الحسين (السلام عليك يا وارث الانبياء) فعندما خرج (عليه السلام) قام بتبيان السبب الرئيس لخروجه بقوله (اني لم اخرج اشرا ولا بطرا، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي)، يبين الامام ان منهج اصلاح الامة انما يقام بواسطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لذلك اراد صلاحنا وصلاح مجتمعنا وحمايته من المنحرفين والفاسدين اخلاقيّا ثم يقول(عليه السلام) (فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب) عندما لا يكون هناك امر بالمعروف ونهي عن المنكر في المجتمع فسينتشر الفساد الاخلاقي والمالي وستنتشر المكاسب المحرمة.

المال الحلال والاكل الحلال انما يكون من خلال اداء هذا الواجب وترد المظالم وتعمر الارض وعندما يكون هناك ظلم ليس فقط من الحاكم وانما من عامة الناسو لو ان المجتمع ترك اداء هذا الواجب واهمله سنلاحظ نزول البلاء على الامة، والبلاء ينزل على الجميع كما ورد في الاحاديث (ليسلط الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم).

ومن النتائج الخطيرة قد يتحول الفساد والانحراف الى ظاهرة اجتماعية مقبولة ولا يرتدع عنها، وهذا اخطر شيء في المجتمع، فيترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتتحول حينئذ الى ظاهرة، وتنقلب المفاهيم ويصبح المعروف منكرا مستهجنا عند المجتمع، واخطر شيء عندما يصبح المنكر معروفا مقبولا مرضيا لا يستهجن من الاخرين، وهذه اخطر مرحلة يصل اليها المجتمع لذلك ورد تحذير شديد من ان تصل الامور الى هذه المرحلة، لما له من آثار سلبية ونتائج غير محمودة عقباها، ثم نبيِّن بعد ذلك ما هي الاثار الدنيوية والاخروية لأداء هذا الواجب وتضييعه، وما هي اثاره و ما سيواجه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما هي نظرة البعض لهذا الواجب؟

قد يواجه البعض في ادائه لهذا الواجب اتهامات وطعناً واستهزاء وسخرية وتشريداً وسجناً، فما هو موقف الانسان المؤمن في سبيل اداء هذا الواجب؟ عليه أن يتبع شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبما أن لكل واجب شروطاً، فلهذا الواجب شروط، لكن الانسان الذي يؤدي هذا الواجب قد يواجه مثل هذه الامتحانات والابتلاءات فعليه ان يصبر ويتحمل لأنه من اعظم الواجبات الدينية التي ينال الانسان والمجتمع بها قرب الله تعالى.

هناك مسألة اخرى ايضا ان هذا الواجب قد يتصور البعض هو من اختصاص رجال الدين وهذا خطأ كبير، او يقتصر هذا الواجب على مكان معين، وان كان في بعض مراحله واجباً كفائياً، لكن احيانا يكون واجبا عينيا، هذا الواجب هو عام وشامل للجميع، فهو واجب الجميع مع توفر الشروط، اضافة الى ذلك يتأكد اداء الواجب للمكلف بالنسبة الى اهله والابوين والابناء، كما يذكر في الرسائل العملية، فالانسان عندما يجد في داخل اهله من قبل ابنائه تهاونا في اداء الواجبات وفعل المحرمات كما لو يرى تهاونا في اداء الصلاة او اداء الصوم او الإخلال بأجزاء وشروط الصلاة من الطهارة وغير ذلك من هذه المقدمات والشروط او عدم القراءة الصحيحة، هنا يتأكد هذا الواجب في حق الاب، فعلى هذا المكلف ان يعلم ابناءه ويراقبهم عندما تحصل منهم بعض المحرمات كالغيبة أو النميمة أو الاعتداء على الاخرين، يتأكد هذا الواجب ولكن باستعمال الاسلوب الحكيم، وليس من الصحيح اللجوء من البداية الى التوبيخ واللوم، لهذا لا بد ان يتبع الاساليب الحكيمة والاساليب اللينة على انفراد يبين له بأسلوب مؤدب فيه احترام للابن كذلك اذا كان مع الابوين او مع الاب او مع الاخت ثم بعد ذلك ينتقل بهذه المراتب من الاضعف الى الاشد بحسب ما مذكور في الرسالة العملية، وكذلك في داخل المدرسة والدائرة وفي بقية الاماكن العامة في المجتمع.

إن من الاساليب المهمة التي حمى الاسلام بها المجتمع الاسلامي من الانجرار الى المفاسد والانحرافات هو الردع المجتمعي، فأحيانا الحكومة تردع الأفراد بقوانينها واساليبها، والاسلام اعطى قوة اكبر ووسيلة انفع واجدى في حماية الانسان فردا ومجتمعا من الانحراف والفساد، وهو ما يسمى بـ(الردع المجتمعي) فهذا اقوى تأثيرا، فحينما يرتكب فرد شيئا من المنكرات يجد كل من حوله يمنعه ويردعه ويستخدم معه الاساليب المتعددة ويترك الكلام معه مثلا ويهجره او يستعمل اساليب اخرى، هذا الردع المجتمعي اقوى تأثيرا من الردع بالوسائل الاخرى، لذلك لابد للفرد المؤمن حينما يرى هذا المنكر في اي مكان عليه ان يأتي بهذا الواجب بحسب المراتب المذكورة في الرسائل العملية لكي يصان هذا المجتمع من الانحرافات، ولابد من اتباع الاسلوب الحكيم.

فليس من الصحيح ان يأتي الانسان منذ اول الامر شديدا غليظا حادا في اسلوبه، يستعمل اسلوب اللوم والتوبيخ والتقريع مع الاخرين في سبيل ردعهم عن المنكر او اتيانهم بالواجب، وهذا قد يأتي برد فعل شديد من الاخر، فتأخذه العزة بالإثم يرد برد شديد وقوي ويرفض ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما يستعمل الاسلوب غير المباشر أحيانا فعندما نجد انسانا لا يتوضأ بصورة صحيحة ولا يؤدي قراءة الفاتحة بصورة صحيحة ولا يأتي بالمقدمات بصورة صحيحة، كأن يسأل سائلاً اخر يعرفه امام الشخص الذي لا يؤدي الواجب: كيف تقرأ الفاتحة وتصلي وتوفق في مقدمات الصلاة؟، فانه سيكون اكثر تأثيرا وفاعلية بالشخص المقابل.

إن دورنا الذي نؤديه في إصلاح الاخرين انما هو مرهون بثلاثة امور : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله تعالى والاعتصام بحبله مجتمعين متحدين متفقين غير متفرقين حينئذ هذا الوصف يصدق كما بينت الآية القرآنية الكريمة.

نسأل الله ان يوفقنا للاعتصام بحبله والسير على هداه والاقتداء بنبيه الكريم واهل بيته الاطهار

بسم الله الرحمن الرحيم (قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد)

 

المرفقات