دماء على شرعة الزيتون ..

ملأ القربة وركب جواده وتوجه نحو الخيام ، فقُطع عليه الطريق وجعل يضرب فيهم حتى اكثر القتل وكشفهم عن الطريق، حتى كمن له شخص خلف نخلة فضربه على يمينه فقطعها.. ولم يعبأ بيمينه فكان جل همه ايصال الماء الى اطفال الحسين وعياله .. وفي تلك اللحظة كمن له شخص اخر وراء نخلة فضربه وقطع شماله.. تكاثر عليه قوم البغي وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة سهم واريق ماؤها وآخر اصاب صدره، وضُرب بعمود على هامته وسقط على الارض وهو ينادي " عليك مني السلام أبا عبد الله " فأتاه الحسين عليه السلام ولاذ القوم فرارا من امامه فاحتضن رأس اخيه عن الرمضاء ووضعه في حجره حتى فاضت روحه الطاهرة بين يدي اخيه .. سلام عليك سيدي ابا الفضل العباس يامن فدى بنفسه اخاه الحسين عليه السلام . نفذت اللوحة بتقنية الزيت على قماش الكانفاس بمزيج من الالوان الحارة والباردة وهي تحمل توقيع الفنان الايراني " حسن روح الامين " .. عرضت في ولاية هامبورغ الالمانية من خلال معرضه الشخصي المتخصص باستعراض مشاهد من معركة الطف الخالدة. يمثل العمل الفني اعلاه تكوينا ذا مفردات أليمة تحقيقاً للمعنى المرجو والهادف الذي يشير اليه حدث اللوحة المفجع بلحظة استشهاد المولى ابي الفضل، ويعد العمل ذا مسحة تعبيرية تميل للواقعية بمفرداته السابحة في فضاء اللوحة المميز ببراعة الالوان واقتصادية استخدامها. تصف اللوحة تشخيصا تعبيريا لشخص الامام الحسين عليه السلام وهو يحتضن جسد اخيه ابي الفضل العباس المضرج بالدماء بعد ان غدر به القوم وهو متمركز وسط بعض النخيل على شاطئ نهر العلقمي . عالج روح الامين الموضوع  بدراية وحنكة فنية عالية و بأسلوب تعبيري يقترب من الواقعية، فقد ابتعد عن الخطوط في ابراز هيئة الاشكال وحدودها ليعتمد الالوان وتدرجاتها في دراسة تشريح عناصر اللوحة بعيدا عن واقعية الحدث من ناحية الشكل، فقد دفع بآلية المنظور الاكاديمي الى اخرى مبتكرة بوضعه الالوان بصورة ضبابية بتدرجات مختلفة على سطح اللوحة مستثمرا تقنية الظل والضوء في ابراز تفاصيل الاشكال القريبة والبعيدة، وكان ذلك من خلال اندفاعات الفنان التعبيرية المشحونة بروحيته وذاته المنقادة لحدث اللوحة كجزء من مصيبة كربلاء وعظم ما حل بآل بيت النبوة  سلام  الله عليهم ،  فأحالها لمدركات حسية ذات تأثير روحي عقائدي على نفس المتلقي المتأمل لتفاصيلها . عمد الفنان في هذه اللوحة الى ابراز هيئة المولى ابي الفضل العباس وميز كفيه المقطوعتين باللون الاحمر وأحاطه بالوان غامقة وبتدرجات مختلفة من اللون البني وبعض الاسود الممزوج بقليل من اللون الاخضر ليجعل هيئته اللونية اقل حدة من باقي العناصر المكونة للوحة، وكذا الحال بالنسبة للهيئة التشخيصية لابي عبد الله الحسين سوى غلبة اللون الاخضر المميزة بغطاء الرأس ، مستفيدا من هذه الالوان والظلال بأن يجعل شكل ابي عبد الله واخيه ابي الفضل كمركز ثقل وسيادة في اللوحة . استطاع الفنان من خلال تأملاته وعقيدته ان يمزج بين الظل والضوء بتقنية وروحية فنية فريدة في لوحة واحدة دون ان يشتّت نظر القراء بجزء منها دون الاخر، فلو تأملنا المنظور وميزنا عمق اللوحة لوجدنا تجانساً لونياً مميزاً يجمع الاشياء داخل اطار اللوحة ويلزم المتلقي بألا يشيح نظره الى جزء منها دون الاخر .  ومن هنا نستطيع لمس مدى براعة حسن روح الامين في اسقاط دوافعه المعرفية والروحية الممتزجة في مضمون اللوحة وفكرتها ، فالنشاط المعرفي عند الفنان والمتلقي يشتمل على وسائط عديدة من شأنها تلبية الخصائص الانفعالية  فالدوافع المعرفية قائمة على الربط بين الاحساس والانفعال من اجل دفع اشكال اللوحة للاقتراب نحو واقعية الحدث وابراز مأساته وجعل المشاهد يعيش تلك الاحداث ولو بانفعالاته الوجدانية وهذا ما حصل بالفعل في هذه اللوحة فعند التعرض لها نلمس جمال التكوين في عناصرها والتي تنقلنا في نفس الوقت الى  تفاصيل استشهاد ابي الفضل عليه وعلى اخيه الحسين السلام . سامر قحطان القيسي  الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة 

المرفقات