صوت الحسين ..

لو تتبعنا رسوم واقعة الطف لوجدنا انها تنحى منحىً تسجيلياً في محاولة لترجمة النصوص والمرويات التاريخية بدقة متناهية، ومن ثم نقلها إلى المتلقين المعززين بالعقيدة الدينية حيث يتم الاتحاد الوجداني مع الحدث، فهي تمثيل لفكرة جوهرية تصاغ بأشكال متنوعة قد تكون ظاهرية أو رمزية في بعض الأحيان، وهي وإن اقتربت من الواقع فإن أشكالها تحتمل التحوير والتطوير تبعاً للأفكار والقيم التي تتضمنها إضافات الرسام بفعل الضغوطات العقائدية والروحية والاجتماعية وحتى السياسية ، مما يستلزم معه أحياناً محاكاة الآخرين بفعل التأثر والتأثير بما يتطابق ومقاصده مع ثبات الهدف المرجو من رسمته ووظيفتها الأساسية عبر إنشاء أسس أرضية لفكرته يمكن من خلالها الولوج لفك شفرات رموز العمل الفنية، فهو يقيم علاقة ابتدائية بين ذاته والموضوع أولاً ومن ثم يهيئ نفسية المتلقي للتفاعل الوجداني عبر اتخاذه من وقت الاصيل وصفرة الشمس مادة أساسية للتعبير في محاولة للوصول إلى حقيقة المشهد، وهو بذلك يحقق الغاية الأساسية في الربط ما بين الفن وعقيدته الدينية، فالأثر الفني الذي يتركه الرسام يعبر عن جوهر حقيقة قائمة أكثر مما يكون نقلاً أو محاكاة للصورة الواقعية والجمال، ولا يكون ذلك في المصورة بل بطريقة التعبير عنها. المنجز من إبداع الفنان علي بحريني وقد سعى فيه جاهداً للمزج بين ذاته وموضوع الرسمة من خلال تكريس خبرته الجمالية التي اكتسبها بسعة اطلاعه على تأريخ الواقعة وثقافته الفنية المتراكمة ، حيث أظهر حالة معينة من الاندماج بين أجزاء اللوحة تشد القارئ وتدفعه للغور في اللوحة ومتابعة أحداثها والتأثر بها بشكل عفوي . حاول الرسام نقل المشهد عبر انتشار المساحة اللونية المدركة الإشارة في الذهن الجمعي إلى مكان الحدث في رمضاء كربلاء، فأعطى بذلك إحساسا بملمس الرمال وأرضية المكان، ويمد البصر إلى الأفق، إلى هالة النور التي تشخص إليها الأبصار شاكية ومنتظرة الأمل.  عمد الرسام الى التعامل مع موضوع اللوحة ببصيرة تعبر عن جوهر الوجدان الإنساني على الرغم مما نقلته الروايات عن تقلب الجو وحمرته يوم عاشوراء، وهو بإظهاره الأشكال المرمزة والألوان بتناسقها وتناغمها وانسجامها يحيلنا إلى شعور يأخذ مأخذه في النفس مثيراً لعواطف الإنسان من سعادة وحزن وألم، وبذلك حقق الرسام ذاته العقائدية وأحدث تأثيره في المتلقي .. ومما زاد من ذلك إبداعه لشكل تعبيري شكل مركز الرؤية الأساس في اللوحة، مستفيداً من الفضاء باللون الاصفر ورمزية الاسود والابيض وبعض الاخضر ودلالتها العقائدية وعلاقتها باللون الأحمر المتناثر وسط اللوحة باعتبارها نقيضاً له. أعطت الألوان مردودات فنية وواقعية زادت من التعبير عن واقعية الحدث، فقد عبرت كتلة الاسود الكائنة وسط اللوحة عن جسد مقطوع الرأس يشير إلى جسد الأمام الحسين عليه السلام والى جواره السيدة زينب عليها السلام ، وقد عبر الرسام عنهما بأيقونة ثابتة لم يجد الرسام ضرورة لتشخيصهما بملامح معينة او اظهار آثار الطعن وسحق الخيول لجسد الامام الحسين، فهو يعطي النتيجة النهائية دون تفاصيل دقيقة كون العمل الفني قائم على العلاقات اللونية وارتباطاتها بتقليل حدة الخطوط وعدم التركيز عليها تحقيقا لإيقاع حزين يخدم فكرة الموضوع، وقد أعطت درجات اللون الاسود وامتزاجها بالأصفر والأخضر تعبيرا عن الدم والأرض والجو تحقيقا للفكرة.  أنشأ الرسام تكوينات مجاورة إستكمالية للحدث و واقعيته، فوضع بعض رموز تجريدية تشير إلى بشاعة الحادث فالدرع وغمد السيف والارض الملونة بالدماء اتى بها الفنان تحقيقا لمبدأ الشهادة، فضلاً عن الافق وتلاشي الفاصل بين الارض والسماء ليكون تعبيرا فكريا لما سيؤول إليه مصير سيد الشهداء ومن معه، ولا يخفى على الناظر شخص السيدة زينب الكبرى وتصدرها لمركز بصري آخر في اللوحة والتي ميزها الفنان بحركاتها وهي شاكية الى الله من ظلم الطغاة .  وبذلك كون علي بحريني صورة شكلية معبرة عن الوجدان البشري بفضل تنظيمها وتناسق ألوانها وإبداعه لرموز واضحة المعاني والدلالات يميزها المتلقي من النظرة الأولى، فهي رموز انفعالية وحيوية وحدت الموضوعي والذاتي فأنتجت مساحة قدسية فرضتها العقيدة الدينية فأضحى التكوين العام للوحة صورة مستقلة مكتفية بذاتها يمكن من خلالها ادراك واقعة الطف واستعراض احداثها بالكامل . السلام على صوت الحسين  .. السلام على بصر الحسين وبصيرته.. السلام على دم الحسين وديمومته.. السلام على من ناصرت الحسين في جهاده و تجمعت عليها المصائب والكروب وذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب ورحمة الله وبركاته .. سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة  

المرفقات