صلاة القمر..

ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار.. هذا ما قاله الامام الحسين عليه السلام لأخيه ابي الفضل في عصر يوم التاسع من محرم سنة 61هـ في أن يطلب من جيش بني أمية تأخير القتال من ليلة عاشوراء إلى يومها للتفرغ للعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار.

يشير اغلب المؤرخين والرواة إلى أن ابا عبد الله وأصحابه قد أحيوا ليلة عاشوراء بالعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار، حيث باتَ الحُسَينُ عليه السّلام وأصحابُهُ طولَ لَيلِهِم يُصَلّونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ، وخُيولُ حَرَسِ عَدُوِّهِم تَدورُ مِن حولهم، ليلاقوا الله تعالى بقلب سليم ونفس مطمئنة، وهم يسألونه العفو والمغفرة والرحمة.. ولم يذق أحد منهم طعم الرقاد تلك الليلة لإحيائها بالعبادة والصلاة والدعاء .. فتلك سَجِيّة الامام الحسين وعياله واصحابه في كَثرَةِ صَلاتِهِم وكَمالِ صِفاتِهِم .

وُثق هذا الحدث كغيره من الاحداث الخاصة بمقتل الامام الحسين عليه السلام وايام عاشوراء في كثير من الروايات والصيغ الادبية والفنية الاخرى ، ومنها اللوحة الفنية اعلاه للرسام الشاب حسن روح الامين ..

تصور اللوحة مشهداً قريباً لصلاة الامام الحسين واصحابه ليلة عاشوراء وقد افترشوا رمال الصحراء بين الخيام ،وهم بين جالس وواقف وآخر رافع يده للأذان ليؤدوا الصلاة ويبدو القمر في اعلى فضاء اللوحة وهو طاغ بضيائه على لون السماء وعليهم والخيام من ورائهم للإيحاء بجوف الليل والاجواء الروحانية داخل معسكر الامام الحسين.

صوّر الفنان اللوحة مستثمراً الفضاء ليكسبها بعداً منظورياً دقيقاً ، حيث استطاع من خلاله رسم الاشخاص بدقة وحرفية عاليتين  ليجعل من شخصيات اللوحة بارزة امام اللوحة لتكتسب مركزاً سيادياً عن باقي الاشكال من خلال الوانها الغامقة ودقة ملامحها المعتمة وهيئاتها وحركاتها.

تميزت اللوحة بملمس ناعم وألوان موضوعية وذاتية، نفذها الرسام بدقة متناهية، وبدرجات لونية متنوعة ومحايدة، معتمة وفضفاضة أبرز فيها مستويات الضوء المختلفة باستعمال الفرشاة بما يتناسب وطبيعة تكوينات اللوحة ودلالاتها المختلفة المتمثلة بالأشخاص والخيام والرايات ليكوِّن جواً روحانياً وحّد به بنية اللوحة لتصبح عناصرها كلاً متكاملاً لا يتجزأ.

لو تأملنا في فضاء اللوحة للمسنا قدرة الفنان وبراعته في تصوير لحظات الاذان والاقامة والشروع بالصلاة ، فإلى الخلف من المصلين تحديداً نجد ان الفنان قد اهتم برسم الخيام المتقاربة بتفاصيل وأبعاد منظورية دقيقة بعض الشيء، تعلوها رايات خفاقة تكتسب لونها من ضوء القمر الذي يتوسط فضاء اللوحة مشكلاً أرضية اللوحة وعمقها ، ولكنه جعلها تبدو بألوان ضبابية باهتة قليلة الوضوح بحكم مستوى ضوء القمر، فضلا عن جعلها تصور عمق اللوحة بأبعاد مختلفة .

وبذلك عزز روح الامين الدرس الذي أعطاه الإمام الحسين للأمة الإسلامية في وجوب المحافظة على الصلاة، والإتيان بها في الشدة والرخاء.. في العلن والسر.. في السلم والحرب.. في القوة والضعف.. فالصلاة هي عمود الدين التي لا تترك بأي حال من الأحوال .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات